خسارة روسيا الوشيكة لقاعدة طرطوس بسوريا.. التداعيات السياسية والعسكرية

“إن نفوذ روسيا في البحر الأبيض المتوسط على المحك”.. بهذه العبارة استهلَّ موقع "تيليبوليس" الألماني وصف رؤيته المستقبلية للوجود الروسي في المياه الدافئة.
فمع سقوط نظام الأسد، تلقت موسكو ضربة خطيرة لسياستها الخارجية؛ حيث بات هناك احتمالية لخسارة روسيا قاعدتها البحرية الوحيدة في الخارج في ميناء طرطوس على ساحل البحر الأبيض المتوسط السوري.
في هذا الإطار، يوضح التقرير الألماني الأهمية العسكرية والاقتصادية والإستراتيجية لهذه القاعدة بالنسبة لروسيا، خاصة في ظل الصراع الدائر مع الغرب حاليا في أوكرانيا.
كما يشرح التقرير العواقب الجيوسياسية والنكسات الدبلوماسية والرمزية المتوقعة لموسكو، على المدى البعيد.

مصير مجهول
يستهل الموقع الألماني تقريره موضحا أنه "حتى مع انسحاب جميع السفن الحربية الروسية من القاعدة عقب الإطاحة بالأسد؛ حيث كانت تضطلع روسيا في تفاصيل المشهد السوري، إلا أنه حتى اللحظة لم يتم تحديد مصير هذه القاعدة بعد".
ومع أن التقرير يعتقد أن "كبار دبلوماسيي الكرملين، سوف يتفاوضون بجد مع الحكام الجدد في دمشق، لتأمين قاعدة الإمداد والإصلاح الوحيدة لهم في البحر الأبيض المتوسط".
إلا أنه افترض أن "وصول موسكو إلى هذه القاعدة على المدى الطويل، معرض للخطر على الأقل".
ويعود التقرير إلى التاريخ الروسي لشرح أهمية موقع قاعدة طرطوس بالنسبة لموسكو، فمنذ "تأسيس بطرس الأكبر البحرية الإمبراطورية الروسية النظامية في عام 1696، كافحت دبلوماسية موسكو وقواتها العسكرية باستمرار من أجل الوصول إلى (المياه الدافئة)".
ويتابع: "وفي الواقع، فإن وصول روسيا إلى الاتصالات البحرية العالمية يمر عبر البحار المغلقة (بحر البلطيق والبحر الأسود وبحر اليابان)، مما يحرم السفن الروسية من الوصول الحُرّ إلى محيطات العالم، أو عبر بيئات طبيعية معادية مثل المحيط المتجمد الشمالي، وبحر البلطيق، وبحر بيرنغ، حيث الظروف تجعل الشحن خطيرا".
وأضاف الموقع: "ومنذ أن تدخلت روسيا لدعم نظام الأسد في الحرب الأهلية السورية التي بدأت عام 2011، كانت إحدى المكافآت الأكثر قيمة لموسكو هي الوصول إلى منشأة بحرية في طرطوس".
"فمنذ عام 2013، يوفر الأسد للبحرية الروسية موقعا آمنا لسفنها الحربية المتوسطة الحجم التي تعمل في البحر الأبيض المتوسط"، وفق التقرير.
ويبين الموقع هدف تلك القاعدة قائلا: "وتتمثل الغاية الرئيسية من ذلك، تزويد وحدات البحرية الروسية بالإمدادات وتجديد مواردها، مما يمكنها من العمل لفترات أطول في المنطقة".
مع ذلك، "كان هناك جانب آخر لهذه القاعدة غالبا ما يتم التغاضي عنه"، يقول التقرير. ويوضح مقصده قائلا: "فلقد استخدمت القوات الروسية في طرطوس القاعدة لإجراء تدريبات بحرية وتعقب وحدات حلف الناتو في البحر الأبيض المتوسط".
وأردف: "وفي سياق التوترات الجيوسياسية العالمية، كان الهدف من ذلك تحدي الهيمنة الغربية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، أو على الأقل اختبارها".

عواقب جيوسياسية ولوجستية
وينتقل التقرير للحديث عن العواقب الجيوسياسية بعيدة المدى التي ستصيب روسيا، إذا خسرت قاعدة طرطوس بشكل دائم؛ حيث سيؤدي ذلك إلى عدة تداعيات.
أهم هذه التداعيات، وفق التقرير، هو أن "القوات البحرية الروسية الدائمة في البحر الأبيض المتوسط ستُجبر إما على القيام برحلة طويلة –وصراحة مهينة– للعودة إلى القواعد الروسية، أو العثور على قاعدة مؤقتة أخرى في المنطقة".
وتجعل حرب روسيا في أوكرانيا الأمور أكثر سوءا، فيقول الموقع: "بعد الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا في عام 2022، قامت أنقرة بإغلاق المضائق التركية أمام السفن الحربية الروسية، وذلك وفقا لاتفاقية مونترو".
ويكمل: "وهذا يعني أن جميع السفن التي تعمل في البحر الأبيض المتوسط، لن تتمكن من عبور مضيق البوسفور للعودة إلى القواعد الروسية في سيفاستوبول أو نوفوروسيسك على البحر الأسود".
وبالنسبة للتداعيات على المدى الطويل، يوضح التقرير أن "القدرة الروسية على الحفاظ على وجودها في البحر الأبيض المتوسط ستتراجع، وبالتالي سينعكس ذلك بالسلب على نفوذها في منطقة الشرق الأوسط أيضا، حيث تلعب القوات البحرية دورا رئيسا في إظهار القوة والهيمنة".
واستطرد: "وبالفعل، تستند الهيمنة العسكرية العالمية للغرب إلى قدرة الدول الغربية على نشر قواتها حول العالم لفترات طويلة من الزمن".
وأضاف: "يشمل ذلك عادة نشر القوات مقدما، مثل حاملات الطائرات القتالية الكبيرة. وفي هذا السياق، تخلفت روسيا تقليديا عن حلف الناتو والغرب، وقد أثر ذلك على قدرة روسيا على نشر قوتها العسكرية عالميا".
ومن الناحية اللوجستية شديدة الأهمية، يرى التقرير أن "فقدان روسيا لقاعدة طرطوس –إلى جانب الإغلاق المستمر للمضائق التركية أمام السفن الحربية الروسية طالما استمر الصراع في أوكرانيا– يؤدي إلى التأثير بشكل جدي على قدرة موسكو، على إرسال تشكيلات بحرية ودعم العمليات البرية في المنطقة وخارجها".

تداعيات اقتصادية ودبلوماسية
ولا تقف تداعيات إغلاق القاعدة المحتمل على الجانب الجيوسياسي واللوجستي فحسب، فهناك عواقب اقتصادية ورمزية كذلك، فبحسب التقرير، "تتولى القوات البحرية أيضا، مهمة حماية الكابلات البحرية العالمية، والبحرية التجارية الخاصة بها".
علاوة على ذلك، فإنه "في ظل العقوبات الغربية التي تقيد الشحن التجاري من وإلى روسيا، تعتمد موسكو بشكل متزايد على أسطولها للحفاظ على سلسلة التوريد الخاصة بها"، يقول التقرير.
ويتابع: "وفي هذا السياق، فإن أي تقييد للقوة البحرية الروسية يمكن أن يضر بأمن القطاع المدني والعمليات التجارية".
من الجانب الدبلوماسي، يرى الموقع أنه "سيكون لعجز روسيا عن مساعدة عملائها في سوريا عواقب بعيدة المدى على دبلوماسية موسكو في إفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية، حيث لم تعد روسيا قادرة على العمل بنفس السهولة".
وتابع: "وبعضّ النظر كل هذا، فمن المهم أيضا أن ندرك، من الناحية الرمزية، أن الخسارة الوشيكة لمنشأة بحرية، تضرب مصداقية روسيا العالمية، التي تضررت بالفعل بسبب الانتكاسات المتعددة التي واجهها أسطول البحر الأسود الروسي".
ورغم كل هذا، يعتقد التقرير أن "خسارة ميناء طرطوس لن تجبر روسيا على إنهاء الحرب في أوكرانيا، فقد أثبتت موسكو سابقا قدرتها على الصمود أمام النكسات الاستراتيجية".
ومع ذلك، عد الموقع أن تلك الخسارة "تشكل ضربة قاسية لصورة موسكو كقوة عظمى، وهو أمر لا يمكن للكرملين تحمله قبل احتمالية عودة ترامب لرئاسة الولايات المتحدة".