مع تواصل المباحثات والخلافات.. إلى أي مدى تقترب تركيا من صياغة دستور جديد؟

2 months ago

12

طباعة

مشاركة

بعد الانتخابات المحلية التي جرت في 31 مارس/ آذار 2024، وأسفرت عن تراجع كبير بأصوات حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، مقابل صعود "الشعب الجمهوري"، أكبر أحزاب المعارضة التركية، بدأ حلول مناخ سياسي جديد في البلاد.

وفي هذا السياق، نشرت صحيفة "يني شفق" مقالاً للكاتب التركي "تورغاي يرلي كايا" سلط فيه الضوء على مناقشات الدستور الجديد ومحاولات التطبيع والتليين الجارية بين الأحزاب السياسية في تركيا.

تجدر الإشارة إلى أنه منذ وصول حزب "العدالة والتنمية" لسدة الحكم، ظل قادته يؤكدون ضرورة تغيير الدستور العسكري (1982)، لكن لم يحدث إجماع من قبل الأحزاب على الخطوة بعد.

ملامح تطبيع سياسي

واستهل الكاتب مقاله بالقول إنه عندما ننظر إلى الصورة التي ظهرت بعد انتخابات 31 مارس، نرى أن هناك مناقشات حول التطبيع بين الأحزاب السياسية. 

ويتم التعامل مع الاحتمالات التي يمكن أن يوجدها تواصل الأحزاب السياسية مع بعضها البعض وتأثيرِها على مستقبل تركيا بشكلٍ متفائلٍ حذر. 

ومما لا شك فيه أنه لا بد من الوصول للحد الأدنى على الأقل من الإجماع فيما يتعلق بمكافحة جميع التهديدات والمخاطر الجيوسياسية التي تواجهها تركيا. 

ومع ذلك، فإن بناء مستقبل تركيا ومشاركة الشرائح الاجتماعية المختلفة في هذا البناء مهم جدا من حيث المشاركة الديمقراطية.

وفي هذا الصدد، يتم التعامل مع المناقشات حول الدستور الجديد من خلال توقع التطبيع والحفاظ على توقعات تركيا لدستور مدني حي بعد 31 مارس. 

وعلى الرغم من ظهور وجهات نظر مختلفة، تنظر الأحزاب السياسية إلى النقاش حول الدستور الجديد من منظورين تقريبا وهما: الموافقة والرفض القاطع. 

وذكر الكاتب أن تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان تشير إلى الحاجة إلى إصلاح الدستور وإظهار الدافع لتنفيذ تغييرات جديدة في النظام السياسي. 

وتعد زيارات رئيس البرلمان كورتولموش إلى الأحزاب جزءا من هذا الجهد، حيث يسعى للحصول على دعم الأحزاب السياسية في البرلمان لتحقيق التغييرات المطلوبة.

ومن الناحية البرلمانية فإن تحالف الجمهور الذي يقوده حزب العدالة والتنمية لا يملك عددا كافيا من النواب لتحقيق التغييرات المطلوبة في الدستور. 

وبالتالي فهم يحتاجون إلى دعم الأحزاب السياسية الأخرى في البرلمان لتمرير أي تعديلات دستورية. 

ويمكن أن يتضمن ذلك التفاوض والتواصل المستمر مع الأحزاب السياسية الأخرى وتقديم حجج واضحة ومقنعة للتغييرات المقترحة.

وعلى أي حال، ينبغي أن تكون شمولية الدستور وإرساء شرعيته الديمقراطية ممكنا من خلال التفاوض وتوافق الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، وينبغي ألا يكون هناك أي انتقاد من حيث شمولية الدستور الجديد. 

موقف الأحزاب

وفي هذا السياق، يكشف موقف حزب العدالة والتنمية عن صورة محفزة للغاية فيما يتعلق بالدستور الجديد ويحاول ضمان تهيئة الظروف اللازمة لدستور مدني، بحسب الكاتب.

وهذا النقاش الذي اكتسب زخما جديدا بعد اجتماع الرئيس أردوغان مع زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل له مؤشرات مهمة للغاية من حيث إظهار مواقف الأحزاب. 

وقد أعرب أوزيل في تصريحاته على منصات مختلفة بعد اجتماعه مع أردوغان عن موقفه المتحفظ تجاه العمل على الدستور الجديد. 

وعلى الرغم من عدم رفضه بشكل قاطع فكرة إجراء تعديلات دستورية جديدة، إلا أنه يرى أن هذه الأجندة تحمل أهمية ثانوية بالنسبة له لأسباب معينة.

فأوزيل يروج لفكرة أن مناقشة دستور جديد في ظل وجود مشاكل مهمة مثل التضخم والفقر يعني تجاهل هذه المشاكل الحالية. 

ويعتقد أوزيل أنه يجب أن يتم التركيز على حل هذه المشاكل العاجلة قبل الانتقال إلى مناقشة وتنفيذ تعديلات دستورية جديدة.

وبالتالي، يعد أوزيل أن الأولوية يجب أن تكون لمعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية الحالية التي تؤثر على حياة الناس بشكل مباشر. 

ويرى أن التركيز على الدستور الجديد في الوقت الحالي قد يشتت الجهود والموارد عن التحديات الحقيقية التي يواجهها البلد.

وهنا يقول الكاتب التركي: يمكننا أن نرى اتجاها مشابها في الحزب الجيد المعارض بعد المؤتمر الطارئ الذي تم تغيير فيه قيادته. 

حيث رفض الرئيس الجديد للحزب مساوات درويش أوغلو المناقشات حول دستور جديد رفضا قاطعا، بل وأشار في تصريحاته إلى استحالة التفاوض حول هذه القضية.

فتصريحات درويش أوغلو التي تقول "لن نجعل الأمة تقول إنه إذا لم تجد الخبز، فكل الدستور"، توضح بشكل كبير رفضه القاطع. 

خلاف الأولويات

ولفت الكاتب التركي النظر إلى أن انتقاد الحزب الجيد ودرويش أوغلو بأن تركيا لديها مشاكل أكثر إلحاحا وأنه يتم إنشاء أجندات مصطنعة لجعل الناس ينسون هذه المشاكل يكشف بوضوح وجهة النظر المتعلقة بمناقشات الدستور الجديد.

ويظهر لنا حقيقة أن الحزب الجيد وحزب الشعب الجمهوري يتداخلان بشكل كبير في هذه القضية.

وأشار إلى أنه يجب أن يكون هناك فرق بين رفض النقاشات حول الدستور الجديد وبين مناقشة هذه القضية بدوافع مختلفة بعد الثقة التي تمتعت بها الأحزاب بعد الانتخابات في 31 مارس. 

ففي نهاية المطاف، لا ينبغي أن يستلزم الانشغال بمشاكل تركيا المختلفة إبقاء دستور جديد خارج جدول الأعمال. 

فلا يمكن إنكار حقيقة أن تركيا تحتاج إلى دستور جديد مدني بغض النظر عن التعديلات الجزئية التي تم إجراؤها في فترات مختلفة. 

وأكد الكاتب أن المناقشات حول الدستور الجديد ستشكل اختبارا حاسما من حيث المدة التي يمكن أن يستمر فيها توقع التطبيع في السياسة وإلى أي مدى سيتطور هذا التطبيع. 

وعند النظر إلى إصرار الأحزاب على الحفاظ على مواقفها الحالية في ضوء توقعات التطبيع في السياسة، يمكن أن نلاحظ أهمية الدستور الجديد في الحفاظ على الأرضية السياسية الحالية. 

ولذلك فإن بناء أرضية تفاوضية في عملية صياغة الدستور الجديد هو أمر ضروري، وذلك ليس فقط من خلال مشاركة البرلمان والأحزاب السياسية، ولكن أيضا من خلال مشاركة المنظمات غير الحكومية والمنظمات المهنية والأوساط الأكاديمية.

ومما لا شك فيه أن عدم وجود شكوك فيما يتعلق بشمولية الدستور الجديد والتأسيس المطلق لشرعيته الديمقراطية سيكون ممكنا بمشاركة جميع أصحاب المصلحة في العملية. 

لهذا السبب، من المهم جدا لمستقبل تركيا أن تشارك الأطراف في العملية بدلا من الرفض القاطع وأن تكون على الطاولة مع اعتراضاتها ومقترحاتها.