تبون يرسل وقودا إلى لبنان.. خروج من العتمة أم ورقة انتخابية؟

a month ago

12

طباعة

مشاركة

ما يزال لبنان يجد في هبات الوقود الخارجية لتشغيل قطاع الكهرباء، المنقذ الرئيس لتخفيف جزء من العتمة التي يعيشها منذ سنوات ومنع الانقطاع الكامل للنور عن مواطنيه ومؤسساته الرسمية.

فبعد توقف وصول الوقود من العراق إلى لبنان لأسباب لوجستية كما تقول بيروت، دخلت الجزائر على الخط بشكل عاجل لإبقاء محطات الطاقة في هذا البلد قيد التشغيل.

واتخذ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قرار مساعدة لبنان بعد الإعلان عن توقف محطات توليد الكهرباء بهذا البلد في 17 أغسطس/آب 2024.

وقود جزائري

وأبحرت الناقلة الجزائرية "عين أكر" في 22 أغسطس إلى لبنان محمّلة بشحنة أولى تبلغ 30 ألف طن من مادة الفيول بهدف إعادة تشغيل محطات الطاقة في البلاد، في لفتة تضامنية ستتبع بشحنات أخرى.

لكن في الوقت الحالي، لم يعلن عن الكمية الإجمالية من الفيول التي سترسل من الجزائر إلى لبنان الذي يهدد بعتمة شاملة كل ثلاثة أشهر مع نقص شحنات الوقود أو توقف سلاسل التوريد لأسباب مالية.

وتأتي هذه الشحنة من الجزائر في وقت يعيش فيه لبنان حالة طوارئ نتيجة تواصل تبادل إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وهذه ليست المرة الأولى التي يغرق لبنان فيها بالظلام؛ حيث يعتمد اللبنانيون على المولدات الخاصة أو البطاريات أو الطاقة الشمسية للتزوّد بالكهرباء، بسبب أزمة اقتصادية خانقة منذ العام 2019.

ويترافق مع ذلك أزمة سياسية تتمثل في شغور منصب رئيس الجمهورية ووجود حكومة تصريف أعمال وشلل مؤسساتي تام.

وأدت الأزمة إلى انهيار مالي غير مسبوق وشح في الوقود والطاقة جراء عدم توفر النقد الأجنبي المخصص لاستيراد الفيول.

وتوجد في لبنان 7 معامل للطاقة أصبحت جميعها خارج الخدمة، باستثناء معملي دير عمار والزهراني اللذين يشتغلان بشكل متقطع، نتيجة نقص الفيول الذي تواجه الحكومة صعوبة في شرائه بسبب الميزانية.

ومنذ انتهاء الحرب الأهلية في لبنان عام 1990، لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من إيجاد حل جذري للكهرباء بسبب الفساد واهتراء البنى التحتية والأزمات السياسية المتتالية، وصرفت مليارات الدولارات في هذا القطاع من دون نتيجة.

وحتى إذا أعيد تشغيل معامل توليد الطاقة في لبنان، فلن يحصل اللبنانيون إلا على ساعات قليلة جدا من الكهرباء في اليوم.

وكان العراق قد تعهد في صيف العام 2021 بتقديم مليون طن من الوقود للتخفيف من أزمة الكهرباء في لبنان.

ثم عدلت هذه الاتفاقية في السنة التالية لتصل إلى مليون ونصف طن، لكن هذه الشحنات تأخرت لأسباب وصفتها بغداد باللوجستية، بينما عزت بيروت الأمر إلى تراكم المستحقات المالية عليها.

وكان حجم إنتاج الطاقة في لبنان يتراوح بين 1600 و2000 ميغاوات يوميا، إلا أن شح الوقود في السنوات الماضية خفّض الإنتاج تدريجيًا إلى مستويات متدنية غير مسبوقة.

وفي أغسطس 2023 صرح النائب ‏في البرلمان اللبناني وضاح الصادق، بأنه جرى صرف على ‎الكهرباء منذ عام 2010 ولغاية عام 2022 حوالي 48 مليار دولار، وفق ما نقلت الوكالة الوطنية للإعلام (رسمية).

"مقايضة الفيول"

ورأت "الكتلة الوطنية" اللبنانية في بيان لها خلال أغسطس 2024 أن كل "وعود التغذية بالتيار الكهربائي على مدار 24 ساعة باتت أضحوكة وطنية".

واتهمت التيار الوطني الحر الذي يحتفظ بحقيبة وزارة الطاقة والمياه منذ عام 2009 بإيصال لبنان إلى العتمة الشاملة ومرور البلاد بصفر تغذية للمرة الخامسة بعد عام 2021.

وضمن هذا الإطار، نقل حزب "القوات اللبنانية" عن مصادر قولها، إن "الجزائر استلحقت لبنان واقتنصت فرصة قيل إنها محاولة مقايضة هبة الفيول المنشودة بإسقاط الدعوى ضد شركة سوناطراك الجزائرية".

ورأت مصادر مطلعة في حديث لموقع "القوات اللبنانية الإلكتروني"، أن “ما يحصل على صعيد ملف الكهرباء، فضيحة جديدة تضاف إلى سجل وزراء التيار الوطني الحر الذين يرمون التهم يمينا ويسارا للتغطية على فشلهم وعجزهم”.

وأضاف الموقع أن “على هؤلاء تقديم أنفسهم إلى المحاسبة التي كان يجب أن تبدأ من الشعب ومناصري الوطني الحر الذين أعادوا انتخاب وزراء لم يتمكنوا من حل مشكلة الكهرباء التي نعاني منها منذ انتهاء الحرب اللبنانية”.

ومنذ أبريل/ نيسان 2020، تحقق السلطات اللبنانية في قضية الوقود المغشوش، التي أدت إلى توقيف ممثل شركة سوناطراك الجزائرية في البلاد طارق الفوال، و16 شخصا آخرين، في قضية تسليم شحنة تتضمن عيوبا في نوعية الفيول، لصالح شركة كهرباء لبنان.

وترتبط سوناطراك، منذ يناير/ كانون الثاني 2006، باتفاقية مع وزارة الطاقة اللبنانية، لتزويدها بوقود الديزل وزيت الوقود (الفيول).

إذ تبيع وقود السيارات و"المازوت" إلى مؤسسة كهرباء لبنان عبر شركتين؛ إحداهما شركة "زي. آر انيرجي" اللبنانية.

وفي 20 مايو 2020، ادعت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، على 12 شخصا من بينهم المدير العام لمؤسسة الكهرباء كمال حايك، بأكثر من جرم منها التقصير الوظيفي وتقاضي رشى وغيرها.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصادر قضائية حينها، اعتراف المتهمون، بقبض رِشا للتلاعب بنتائج التقارير المخبرية، إضافة إلى الاشتباه في تلقي موظفين رِشا لإدخال وقود مغشوش، ما كان يتسبب بأعطال وانقطاع الكهرباء.

لا مستحقات

ومع ذلك، هناك من ينظر إلى أن الجزائر حاولت اللعب على أكثر ملف في مسألة تزويد لبنان بالوقود في هذا التوقيت.

وهناك من يحذر من اتباع الجزائر لاحقا النهج العراقي بعرقلة إمدادات الوقود إلى لبنان في حال انتهاء كمية الهبة المقدمة منها، والبدء بعقود شراء جديدة معها كما في السابق والتي قد تراكم المستحقات المالية والعجز عن السداد.

لا سيما أنه لم يتضح بعد السبب أو الأسباب الخفية التي حالت دون تنفيذ التفاهم بين لبنان والعراق لإرسال الكميات المتفق عليها من الفيول.

إلا أن وزير الطاقة والمياه اللبناني، وليد فياض، قال إن شحنة الوقود التي قررت الجزائر إرسالها إلى لبنان لمساعدته على حل أزمة انقطاع الكهرباء، هي "هبة غير مشروطة"، لا يترتب من جراء قبولها أي مستحقات على مالية الدولة، والخزينة العامة، وفق قوله.

ونفى فياض الأخبار المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تقول إن الجزائر طلبت من لبنان تسديد ثمن شحنات الوقود قبل وصولها إلى مرفأ بيروت، وأنها رفضت تقسيط المبلغ.

وأضاف خلال مقابلة تلفزيونية في 22 أغسطس 2024 أن لبنان يرحب بشحنة الوقود القادمة من الجزائر، مضيفا أنها ستسهم في تنويع مصادر الطاقة في البلاد.

وأوضح فياض أن لبنان سدد مستحقات الجانب العراقي المتعلقة بالسنة الأولى من عقد توريد الوقود، بقيمة بلغت 530 مليون دولار.

وذكر أن المستحقات المتبقية حاليا عن جزء من السنة الثانية بقيمة 250 مليون دولار، وتتطلب تشريعا من مجلس النواب، لتغطية تمويلها هي والسنة الثالثة من العقد، مضيفا أن الجانب العراقي يتفهم هذا الأمر.

ولا تغطي إيرادات مؤسسة كهرباء لبنان سوى 4 بالمئة من تكاليف تشغيلها البالغة 800 مليون دولار، وفق مسودة لإصلاح قطاع الكهرباء طرح على الحكومة في فبراير/شباط 2022.

وينتج لبنان 1800 ميغاوات فقط من الطاقة، بينما يتجاوز الطلب في الذروة 3000 ميغاوات.

"دور إقليمي"

لكن يرى بعض الخبراء أنه ليس "مصادفة" أن تزود الجزائر لبنان بالوقود في هذا التوقيت، خاصة بعد توقف كل الهبات والقروض الخارجية لبيروت.

وأمام ذلك، هناك من قرأ الدعم الجزائري للبنان في "سياق خروج الجزائر من قمقمها الإقليمي، خاصة بعد السابع من أكتوبر" كما قال المحلل السياسي معز الحاج منصور.

وأضاف منصور في لقاء إذاعي في 20 أغسطس قائلا: "إن الدعم الجزائري إلى لبنان بالوقود هو اقتصادي من أجل الصمود في مواجهة إسرائيل".

وسبق أن قال الوزير السابق بمجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، والذي يتزعم حزب الوحدة الوطنية في 26 مايو 2024 الأمني، إن إسرائيل تمتلك القدرة على إغراق لبنان في الظلام عبر تدمير شبكة الكهرباء، وتفكيك بنيته التحتية.

وألمح منصور إلى أن هذا "الدعم يتوافق مع الحملة الانتخابية الرئاسية للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون التي ستُجرى في 7 سبتمبر/أيلول 2024 من أجل إظهار دور الجزائر كقوة إقليمية، لا سيما أن سياساتها تتعارض مع دول التطبيع العربية مع إسرائيل".

ومضى يقول: "الموقف من القضية الفلسطينية سيحدد الفائز في الانتخابات الرئاسية المقبلة في الجزائر".

وينافس عبد العالي حساني، رئيس حركة مجتمع السلم، أكبر حزب إسلامي في الجزائر، والمحسوب على جماعة "الإخوان المسلمين" في البلاد، عبد المجيد تبون، على كرسي الرئاسة خلال الانتخابات الرئاسية الجزائرية.

وقد أعلن حزب حركة النهضة الجزائري ذو التوجه الإسلامي في بيان دعم ترشيح عبد العالي حساني للانتخابات الرئاسية.

ويؤكد المراقبون، أن حل أزمة الكهرباء في لبنان، سيسهم في انتظام عمل اقتصاد البلاد برمته إلى حد كبير، بما يعني انتظام الصناعة واقتصاد المعلوماتية وقطاع الخدمات ومعظم جوانب الازدهار المعاصر للمجتمعات المتقدمة.

إلا أن الحكومة اللبنانية ما تزال عاجزة عن تأمين المبالغ بالعملة الأجنبية لسداد قيمة الوقود لبغداد والبالغ 150 مليون دولار وفق ما أعلن وزير الطاقة والمياه اللبناني وليد فياض خلال تصريح له في 21 أغسطس 2024.

ويتحفظ مصرف لبنان على منح مؤسسة الكهرباء ما تحتاج من القطع الأجنبي الموجودة لديه لشراء الفيول، كون الدولارات في المصرف هي بالأصل ما تبقى من أموال المودعين حيث يفرض البنك المركزي قيودا صارمة على عمليات السحب بالدولار أو العملة المحلية.

ولهذا عند نفاد كل شحنة وقود يدخل لبنان في مناخ العودة إلى العتمة الشاملة.

وذلك بسبب إصرار المصرف المركزي على عدم تحويل حساب مؤسسة الكهرباء من الليرة إلى الدولار نظرا إلى الضغط الذي قد يشكله هذا التدبير على سوق الصرف، أو لاعتراض على مناقصة تُفتح لاستقدام شحنات النفط العراقي إلى لبنان.