مواقف متناقضة.. هل تقف روسيا بجانب إيران بعد الهجوم الإسرائيلي؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

في حدث نادر، انعقد منتدى دولي رفيع المستوى في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2024،  بعشق آباد، عاصمة دولة تركمانستان الواقعة في آسيا الوسطى.

وباستغلال وضعها المحايد دائما، المنصوص عليه في دستورها، وفرت تركمانستان منصة مناسبة للحوار الأوراسي الذي جمع رؤساء روسيا وإيران وباكستان وأوزبكستان وكازاخستان وطاجيكستان وقيرغيزستان ومنغوليا وأرمينيا.

فضلا عن مسؤولين رفيعي المستوى من الصين وتركيا والإمارات وعُمان والبحرين والعراق ودول أخرى.

ورغم أهمية كل هذه الروابط، فقد تصدّر المشهد اجتماع الرئيسين الروسي والإيراني، فلاديمير بوتين ومسعود بزشكيان.

وكان هناك قدر من الغموض حول هذا الاجتماع، الذي كان الأول لهما بعد انتخاب الإصلاحي بزشكيان، في يوليو/تموز 2024، عقب مصرع سلفه المتشدد، إبراهيم رئيسي، في حادث طيران.

سياسات الإصلاحيين

ونشرت مجلة "ريسبونسيبل ستيتكرافت" الأميركية  مقالا للباحث في العلاقات الدولية، إلدار محمدوف، قال فيه إنه "مع تزايد العداء بين روسيا والغرب، فإن موسكو مستاءة من محاولات الإصلاحيين الإيرانيين التقارب دبلوماسيا مع الغرب".

وقال محمدوف: "رغم أن الجانبين صمتا بشكل ملحوظ بشأن ما نوقش خلال الاجتماع، فإن الوضع في الشرق الأوسط كان بلا شك أحد البنود الرئيسة".

ويرى الباحث أن اجتماع بوتين وبزشكيان “كشف عن تباين مصالحهما، رغم وجود خصوم مشتركين لهما”.

وبعد بضعة أيام من الاجتماع، أصدر نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، تحذيرا صارما لإسرائيل "بعدم التفكير حتى في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية".

وعلى حد تعبيره، "سيكون هذا تطورا كارثيا ونفيا كاملا لكل المبادئ القائمة في مجال ضمان السلامة النووية".

إلا أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أعلن فجر 26 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أنه “يهاجم بشكل موجه بدقة أهدافا عسكرية في إيران، ردا على الهجمات المتواصلة للنظام الإيراني ضد إسرائيل على مدار الأشهر الأخيرة”.

وقال في بيان إن طائراته “قصفت منشآت تصنيع عسكرية استُخدمت لإنتاج الصواريخ التي أطلقتها إيران على إسرائيل (في أكتوبر وقبلها في أبريل/نيسان 2024)”. 

من جهة أخرى، لفت محمدوف إلى أن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، لجأ إلى منصة "إكس" لإبلاغ الجمهور عن محادثاته مع ممثل الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، جوزيب بوريل، حول طبيعة التعاون العسكري والتقني بين إيران وروسيا.

لكن الصحفية المحافظة، فرشته صادقي، انتقدت عراقجي بشكل ساخر، معتبرة أنه بدلا من مناقشة تفاصيل هذا التعاون مع بوريل، كان يجب عليه أن يخبره بأن العلاقات بين إيران وروسيا لا تعني الغرب وليست من شأنه التدخل فيها.

وفي الوقت نفسه، يدفع المشرعون المتشددون، مثل کامران غضنفری، باتجاه عزل بيزشكيان على أساس مزاعم حول مخالفات غير قانونية تتعلق بتعيين وزير الخارجية السابق، جواد ظريف، نائبا للرئيس للشؤون الإستراتيجية، وهو أحد كبار أنصار الحوار مع الغرب.

تصعيد غربي

وعلى الجانب الآخر، قال محمدوف إن “الغرب لا يسهم في تخفيف حدة الوضع، فمع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، المقررة في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، يزايد المرشحان على بعضهما بخصوص الموقف ضد إيران”.

وأضاف أن المرشحة الديمقراطية، نائبة الرئيس كامالا هاريس، ادعت بشكل غريب أن إيران هي "أعظم عدو" لأميركا، متجاهلة غصن الزيتون الذي مده بزشكيان، خلال خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، خلال سبتمبر/أيلول 2024.

في المقابل، فإن المرشح الجمهوري، الرئيس السابق، دونالد ترامب، يقدم مواقف متناقضة بشأن إيران.

فهو من جهة يظهر انفتاحا على تحسين العلاقات معها، ويؤكد أنه لا يهدف إلى تغيير النظام الحاكم هناك، ومن جهة أخرى يحرض إسرائيل على استهداف المنشآت النووية الإيرانية.

واستدرك الباحث: "لكن السجل الفعلي لترامب أثناء فترة رئاسته يظهر بوضوح أنه كان جزءا من التيار المتشدد تجاه إيران".

واستطرد: "فهو الذي انسحب بتهور من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018، وجعل واشنطن وطهران على شفا حرب، باغتياله قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، قاسم سليماني".

وبالمثل، فإن الاتحاد الأوروبي لا يبدو أكثر حرصا من الولايات المتحدة على استكشاف الفرص الدبلوماسية مع إيران، وفق محمدوف.

فبينما لا يزال بوريل ونائبه، إنريكي مورا، منخرطين في حوار مع عراقجي، فرض الاتحاد الأوروبي في 14 أكتوبر 2024، عقوبات جديدة على إيران، بزعم نقلها صواريخ باليستية إلى روسيا.

وهددت رئيسة المفوضية الأوروبية المتشددة، أورسولا فون دير لاين، بفرض المزيد من العقوبات.

وذكر الباحث أن "بوريل في طريقه للخروج، لتحل محله في غضون أسابيع قليلة رئيسة الوزراء الإستونية السابقة، كايا كالاس، التي من المرجح أن تبحث عن المزيد من السبل لمعاقبة إيران على دورها في حرب روسيا وأوكرانيا".

وأضاف أن “الاتحاد الأوروبي دفع نحو تبني لغة أشد حدة بشأن طموحات إيران الإقليمية، خلال أول قمة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي التي عُقدت في 16 أكتوبر 2024”.

ومع ذلك، بفضل دبلوماسية دول مجلس التعاون الخليجي الحذرة، اتفق في البيان المشترك على أهمية "الانخراط الدبلوماسي مع إيران لمواصلة خفض التصعيد الإقليمي"، رغم العداوات التاريخية.

وأكد محمدوف على أن "هذا السياق يدفع طهران حتما إلى الاقتراب من موسكو، بل وربما يضعف المعارضة السياسية الداخلية لهذه العلاقات".

وأوضح أن المتشددين في إيران يعدون عداء الاتحاد الأوروبي دليلا إضافيا على صحة سياستهم المفضلة المعروفة بـ"التوجه شرقا".

في المقابل، قد يستنتج الإصلاحيون على مضض أنه في ظل غياب أي اهتمام غربي في الاستجابة الإيجابية لمبادراتهم، فإن المخاوف المتعلقة ببقاء النظام تحصر طهران في خيارات واقعية محدودة في المستقبل المنظور، منها التقارب مع موسكو.

واستدرك الباحث قائلا: "لكن ما يجعل الإصلاحيين أكثر ثقة في أنفسهم هو إدراكهم للقدرات الحقيقية التي تمتلكها موسكو، والقيود التي قد تعترض مساعدتها لإيران".

ويقال إن أحد المجالات التي كثفت فيها موسكو وطهران تعاونهما هو مجال الاستخبارات، خاصة فيما يتصل بإسرائيل، بالتوازي مع تدهور العلاقات بين روسيا وإسرائيل.

ولكن إدراك نقاط ضعف إسرائيل “لا يعني بالضرورة امتلاك القدرات الكافية لاستغلالها لتحقيق تأثير حاسم”، وفق محمدوف.

وتابع: "من المؤكد أن إيران قادرة على رفع مستوى أدائها، ولكن النتائج -إن وُجدت- لن تظهر إلا على مدى فترة أطول من الزمن".

تحالف غير مكتمل

وأشار الباحث إلى وضع إيران الحالي واحتياجاتها العاجلة، مشيرا إلى أن مقاتلات "سو-35"، وأنظمة الصواريخ "إس-400" الروسية قد تعزز بالتأكيد دفاعاتها الجوية.

واستدرك: "لكن روسيا مازالت مترددة في تسليم هذه المعدات، رغم الشائعات التي تدور حول هذا الموضوع منذ سنوات".

وأرجع محمدوف ذلك إلى حرص موسكو على “عدم إغضاب شركائها الرئيسين في منطقة الخليج، مثل السعودية والإمارات، اللتين اعترضتا على إصرار الاتحاد الأوروبي على توحيد مواقفه مع مجلس التعاون الخليجي بشأن روسيا”، خاصة فيما يتعلق بانتقادات الاتحاد الأوروبي لدورهما في التهرب من العقوبات التي فرضها بروكسل على روسيا.

وأضاف الباحث أن "طهران وموسكو لم تكشفا عما إذا كانت وثيقة التعاون الإستراتيجي الطموحة التي تخططان لتوقيعها في المستقبل القريب ستتضمن أي التزامات أمنية".

وذهب الخبير الروسي في الشؤون الإيرانية، نيكيتا سماجين، إلى أبعد من ذلك، إذ يرى أن موسكو “ربما تكون مسرورة سرا بالضربات الإسرائيلية على البنية الأساسية النفطية الإيرانية، لأن هذه الضربات من شأنها أن تزيل من أمامها منافسا رئيسا للنفط الروسي في السوق الصينية، وبالتالي توفر دفعة كبيرة للميزانية الروسية".

إن أفضل ما قد تأمله إيران -بحسب محمدوف- هو أن تهدأ الأمور بطريقة ما بعد تبادل الهجمات مع إسرائيل، وأن تُنتخب إدارة جديدة في واشنطن تكون على استعداد لمواصلة الدبلوماسية مع طهران وكبح تجاوزات إسرائيل.

وهذا من شأنه أن يوسع من خيارات إيران، ويقلل حوافزها لدعم الجماعات أو الأنشطة التي تؤدي إلى مزيد من الدمار في الشرق الأوسط، كما يضعف اعتمادها على روسيا.

واستدرك الباحث: "لكن في ظل الحالي، هناك أمل ضئيل جدا في أن يحدث أي تحسن، وهذا يهيئ إيران لما يمكن وصفه بأفضل الأحوال بأنه تحالف غير مكتمل مع روسيا، على أمل أن يحقق ذلك لطهران بعض المصالح على الأقل".

وتابع: "وهذا في وقت تحاول فيه موسكو تحقيق توازن بين مصالحها الخاصة في الشرق الأوسط وخارجه".