لا تقدم رغم التطبيع.. ما مستقبل "لجنة التواصل العربية" مع نظام الأسد؟

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

تشير المعطيات الراهنة إلى أن نظام بشار الأسد ما يزال يبحث عن مزيد من تطبيع العلاقات مع الدول العربية بدلا من دفع العملية السياسية المجمدة بسوريا نحو الأمام.

إذ لم تحقق "لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا" التي تشكلت عقب إعادة نظام الأسد للجامعة العربية في مايو/أيار 2023 أي تقدم في عملها ودخلت هي الأخرى في حالة جمود.

وقد أكد الاجتماع الأول لـ"لجنة الاتصال العربية" في القاهرة، في 17 أغسطس/آب 2023 بأن اللجنة المشكلة من مصر والسعودية والأردن والعراق ولبنان بغطاء من الجامعة العربية مهمتها "تطوير العلاقات مع دمشق وحل الأزمة سياسيا".

غياب التفاعل
 

وتنص منهجية عمل اللجنة في حوارها مع نظام الأسد على تنفيذ بيان عمّان في مايو 2023 الذي أسس لخطة أولية عربية للحل بسوريا وفق قاعدة "خطوة مقابل خطوة"، وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 الممهد للحل السياسي.

إلا أن مماطلات نظام الأسد التي اتبعها في كل مراحل المباحثات السياسية مع المعارضة السورية، عاد وطبقها مع "لجنة الاتصال العربية" والتي أصبحت اليوم مشلولة الفاعلية.

وأمام ذلك، استغل وزيرا الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، والعراقي فؤاد حسين لقاءهما في فعاليات الدورة الثالثة من المنتدى الدبلوماسي في أنطاليا التركية نهاية فبراير/شباط 2024 للحديث عن الملف السوري.

إذ صدرت تصريحات صحفية عنها تفيد بأن بو حبيب وحسين توافقا على "ضرورة تفعيل عمل لجنة التواصل العربية مع سوريا".

وتعد تصريحات العراق ولبنان حول جمود عمل "لجنة الاتصال العربية" مع نظام الأسد، دليلا على عدم جدية الأخير في المضي بالحل السياسي بسوريا، مما يشكل "انتكاسة واضحة ولدغة جديدة" للجهود العربية في إنجاح الحل السياسي.

وكانت كشفت مصادر دبلوماسية عربية لـ"تلفزيون سوريا" المعارض، أن لجنة الاتصال العربية أبلغت نظام الأسد بإيقاف الاتصال معه، إلى حين تقديمه ردا على المبادرة العربية للحل.

وقالت المصادر بشرط عدم الكشف عن هويتها، حسبما نقل التلفزيون في 26 سبتمبر/أيلول 2023 إن "توقف الاتصالات مع النظام لا يعني قطع العلاقات معه، وإنما توقف مسار الحل المقترح من الجامعة العربية".

وأضافت أن اللجنة "قد تعقد اجتماعا لتقييم عملها خلال الفترة المقبلة من دون مشاركة وزير خارجية النظام فيصل المقداد".

وتعد مسألة إعادة عجلة مفاوضات الحل السياسي برعاية أممية من أبرز العقبات أمام "لجنة الاتصال العربية" مع نظام الأسد نظرا لعدم رغبة الأخير في دفع العملية السياسية نحو الأمام وارتياحه للموقف الروسي الرافض لإعادة استضافة مدينة جنيف السويسرية للمباحثات السورية.  

ويواصل المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون مساعيه لاستئناف أعمال اللجنة الدستورية المكلفة بصياغة دستور جديد لسوريا برعاية أممية.

لكت توقفت أعمال اللجنة عند آخر جولة لها منتصف 2022 بجنيف، عقب رفض روسيا، حليفة الأسد، استكمال المباحثات في جنيف السويسرية بعد اعتراض البلد الأخير على الغزو الروسي لأوكرانيا.

وقد قال بيدرسون خلال مشاركته في فعاليات الدورة الثالثة من المنتدى الدبلوماسي في أنطاليا التركية، مطلع مارس 2024 إن جميع المؤشرات تظهر أن الأمور تسير "بالاتجاه الخاطئ" في سوريا.

وأكد بيدرسون عدم تحقيق أي تقدم في الوضع بالبلاد، داعيا لضرورة اجتماع جميع الأطراف للوصول إلى حل سياسي.

لكن وسائل إعلام موالية للنظام السوري تحدثت نقلا عن مصادر لها أن المبعوث الأممي بيدرسون بدا "مصمما ومستعجلا على المضي في الخيار الأميركي، والدعوة لعقد الجولة التاسعة من أعمال اللجنة الدستورية في جنيف الأمر الذي يبدو أنه إحراج لروسيا وإظهارها بموقف الرافض لإجراء هذه المحادثات".

وكان مركز "جسور للدراسات"، استبعد في تقرير له، حدوث أي تغير في السلوك الذي مارسه نظام الأسد في الجولات الثماني الماضية من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، وفي مسارات التطبيع معه، في حال نقل مكان انعقاد اجتماعات اللجنة إلى عاصمة عربية بدلا من جنيف التي تعترض عليها روسيا.

وقد اقترح النظام السوري على المبعوث الأممي الخاص أن تكون العاصمة العراقية بغداد هي مكان  انعقاد اللجنة الدستورية، وذلك بعد تعثّر الجهود لاستضافة أعمالها في مسقط عاصمة سلطنة عُمان؛ حيث تطلعت لجنة الاتصال الوزارية العربية في اجتماعها الأول في القاهرة منتصف أغسطس 2023 إلى استئناف الجولة التاسعة في مسقط.

استثمار من الأسد

تلك الخلافات بين نظام الأسد و"لجنة الاتصال العربية" دفعت إلى إرجاء الاجتماع الثاني للجنة الذي كان مقررا في بغداد.

ولهذا لا يظهر في الأفق ما يشير إلى إمكانية عقده قبل انعقاد دورة مجلس الجامعة رقم 161 في القاهرة قبل منتصف مارس 2024 والتي من المفترض أن تقدم فيها اللجنة تقريرا حول عملها.

في المقابل استضافت العاصمة الأردنية عمّان اجتماعا رباعيا لوزراء داخلية الأردن والعراق ولبنان والنظام السوري في 17 فبراير 2024 اقتصر جدول أعماله على "بحث الجهود المشتركة لمكافحة المخدرات" و"تعزيز مجالات التعاون الأمني في المنطقة".

وظهر الاجتماع الرباعي في عمّان كتعويض عن فشل لجنة الاتصال الوزارية العربية بعقد اجتماعها الثاني في بغداد حتى الآن. 

وفي هذا السياق، يرى الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان، أن "خيارات الدول العربية ما زالت في استمرار التواصل مع النظام السوري حيث تشكل هذه اللجان فرصة للتواصل معه رغم عدم تحقيق أي تقدم في أعمال لجنة التواصل".

وأضاف علوان لـ "الاستقلال": "كل الدول العربية تدرك يقينا أن نظام الأسد لن يتجاوب بحل المشكلات الأمنية التي تهددها لأنه بالأساس هو سببها".

"وخاصة أن هناك دائما تصنيف لدى الدول العربية أن نظام الأسد يستثمر في التهديدات الأمنية".

ولذلك "فإن الكثير من المتغيرات الإقليمية والدولية جعلت قرار الدول العربية باتجاه استمرار التواصل مع النظام السوري وضبطه قدر الإمكان من حيث تخفيف الشرور تجاههم"، وفق علوان.

وكذلك "الاستثمار في العلاقة مع النظام السوري ضمن العلاقة مع حلفائه بحيث إنهم لا يتوجهون إلى الأسد لقيمة كبيرة يحملها بل هو ضمن تفاهمات الدول الإقليمية العربية مع روسيا وإيران وخاصة أن موسكو وطهران لهما الكثير من التحركات ضمن المنطقة وسط تراجع للدور الأميركي بشكل كبير"، حسب علوان.

وذهب للقول: "اليوم هناك قانون أميركي وهو مناهضة التطبيع مع نظام الأسد، ويوجد كذلك تغيرات في السياسة الأميركية عقب حرب غزة وبالتالي لا يمكن رصد التغيرات في الموقف الأميركي تجاه النظام السوري قبل حسم الانتخابات الرئاسية الأميركية نهاية عام 2024".

وشددت "لجنة الاتصال الوزارية العربية" في اجتماعها الأول في القاهرة على ضرورة استئناف العمل في المسار الدستوري السوري بجدية بوصفه "أحد المحاور الرئيسة على طريق إنهاء الأزمة وتحقيق التسوية السياسية والمصالحة الوطنية".

وقد قدمت اللجنة جملة مقترحات لتنفيذ بيان عمّان لوزير خارجية النظام السوري فيصل مقداد، تركز على الملفات الثلاثة التي شكلت أساس الانفتاح العربي الأخير مع النظام.

والملفات هي ضمان عودة اللاجئين إلى بلادهم، والمضي بمسار الحل السياسي واتخاذ خطوات فعلية لوقف تدفق المخدرات وحبوب "الكبتاغون" إلى الدول المجاورة من سوريا.

مناورة عربية

إلا أنه في ملف تهريب الكبتاغون المتضرر الأكبر منه الأردن ثم السعودية، فإن إيران وحزب الله اللبناني هما من يمسكان بالنسبة الأكبر لهذه التجارة عبر سوريا، حيث توجد مليشيات إيرانية تديرها عند الحدود مع الأردن.

ويبدو أن النظام السوري لم يقدم أي معلومات للدول العربية تصب في صالح منع تهريب المخدرات، ولا سيما أن الجيش الأردني ما يزال يصادر شحنات مخدرات مهربة عند حدوده الشمالية ويعتقل ويقتل مهربين.

ولعل ما أشارت إليه صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية نقلا عن مصادر دبلوماسية عربية يشير إلى مراوحة ملف المخدرات مكانه مع نظام الأسد مما يضر بعمل "لجنة التواصل العربية".

وقالت تلك المصادر إن "النظام السوري لم يقدم التسهيلات الأمنية والسياسية المطلوبة لوقف تصدير الممنوعات، وعلى رأسها الكبتاغون، إلى دول الجوار من جهة، وامتناعه عن التجاوب مع المتطلبات المؤدية للانتقال بدمشق تدريجيا إلى مرحلة الدخول في الحل السياسي لإنهاء الحرب في سوريا من جهة أخرى".

ولفتت إلى أن النظام السوري يسعى باستمرار إلى رمي مسؤولية عدم استقباله للنازحين على عاتق المجتمع الدولي بذريعة عدم تجاوبه مع دعوته للمساهمة في إعمار سوريا، حسبما ذكر تقرير للصحيفة نشر في 17 سبتمبر 2023.

وأمام ذلك، يبدو أن تأسيس "خلية اتصال مشتركة" بين الأردن والعراق وسوريا ولبنان لمكافحة المخدرات في 17 فبراير 2024، تشكل مناورة جديدة من الدول العربية للتضييق على نظام الأسد في هذا الملف.

وخاصة أن الخلية المذكورة تعنى باتصال ضباط منها لتبادل الخبرات والتدريب والقدرات، وبشكل رئيس متابعة المعلومات سواء السابقة أو اللاحقة وتتبع الشحنات الخارجة من الدول إلى وجهتها النهائية، وفقا لما جاء في تصريح وزير داخلية الأردن مازن الفراية في 17 فبراير 2024.

ويرى البعض أن هناك رغبة من الفاعلين بالجامعة العربية لإعادة استيعاب سوريا وسحبها من الرصيد الإيراني.

ولا سيما مع هيمنة إيران على نظام الأسد بعدما وصل وجودها العسكري على الأراضي السورية، حد التخمة كونها تمتلك نحو 100 ألف عنصر مقاتل لها في سوريا جرى تنظيمهم منذ تدخلها عسكريا عام 2012 لوأد الثورة الشعبية التي تفجرت في مارس 2011.

وبالتالي فإن عملية شد إيران للنظام السوري من الخلف قد تكون العامل الأبرز، خشية إلزام الأسد مستقبلا ضمن مسارات التطبيع العربية معه بمعالجة الشواغل الأمنية المشتركة والتي تشكل مليشيات طهران هرمها.

ولهذا فإن عوامل كثيرة ومتشابكة تجعل النظام السوري غير مندفع لتقديم تنازلات للدول العربية في هذه المرحلة في ظل عدم وجود ضغط دولي كافٍ عليه.

وضمن هذا الإطار، تشير وكالة "ريا نوفوستي" الروسية، إلى أن ضغوطا أميركية أوقفت اجتماعات لجنة الاتصال العربية بشأن سوريا، بعد توارد أنباء عن نتائج سلبية من الاجتماعات التي عقدت خلال الفترة الماضية.

وأفادت الوكالة خلال تقرير لها في 23 سبتمبر 2023 بأن "الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الولايات المتحدة ضد النظام السوري حالت دون إعادة دمجه في العالم العربي، الأمر الذي كان تسبب في وقف الاتصالات مع دمشق من قبل اللجنة الخاصة التابعة لجامعة الدول العربية".