إبادة مشافي غزة.. استهداف "المعمداني" بعد إحراق "كمال عدوان" يثير الغضب

"في فلسطين الطبيب يتصدى لمرض عضال اسمه الاحتلال"
بعدما أحرق جيش الاحتلال الإسرائيلي مستشفى “كمال عدوان” بمحافظة شمال قطاع غزة، وأخرجه عن الخدمة واحتجز مديرها حسام أبو صفية وعشرات الأفراد من الكوادر الطبية ومئات المرضى والجرحى ومرافقيهم فضلا عن النازحين، استهدف المستشفى "الأهلي العربي" (المعمداني) في مدينة غزة.
مدفعية جيش الاحتلال أطلقت في 29 ديسمبر/كانون الأول 2024، قذيفة على الطابق العلوي في أحد مباني مستشفى المعمداني وسط القطاع، مما أثار حالة من الرعب بين صفوف المرضى في أقسامه وألحق أضرارا بالطابق المستهدف.
وقال مدير المستشفيات الميدانية بوزارة الصحة في قطاع غزة، مروان الهمص، في تعليقه على استهداف المستشفى، إن قصف المعمداني “يأتي ضمن خطة إسرائيلية لتدمير القطاع الصحي”.
.ويأتي قصف مستشفى المعمداني بعد يوم من قصف مستشفى كمال عدوان، وإعلان وزارة الصحة في القطاع اعتقال الجيش الإسرائيلي مدير المستشفى، أبو صفية.
أقدم مستشفى
ومستشفى "المعمداني" مؤسسة محلية يقدّم الرعاية الصحية لسكان مناطق مختلفة من قطاع غزة، ويتبع للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية في القدس، ويعد من أقدم مستشفيات غزة، تأسس نهاية القرن الـ19 الميلادي على يد البعثة التبشيرية التابعة لإنجلترا، ويقدم خدماته لما يقارب 200 ألف نسمة.
ويقع "المعمداني" في أحد المربعات السكنية في حي الزيتون بقطاع غزة، وعلى مقربة منه غربا كنيسة "القديس فيليبس الإنجيلي" ويفصل بينهما شارع أم الليمون الواصل بين ميدان فلسطين شمالا وميدان عسقولة جنوبا، وينتهي إلى الشارع الرئيس عمر المختار.
وعلى بعد نحو 230 مترا جنوبا من المستشفى تقع كنيسة برفيريوس الأرثوذكسية اليونانية التي بنيت في القرن الخامس الميلادي، ويقع المستشفى ضمن منطقة الشمعة، التي تضم كنيسة دير اللاتين ومعبدا خاصا للراهبات المسيحيات، يسمى "الراهبات الوردية" و"دار السلام".
وشهد المستشفى الذي لجأ إليه مئات اللاجئين والنازحين منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، مجازر عدة؛ حيث استهدف الاحتلال ساحته في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، متسببا في ارتقاء 500 شهيد معظمهم من النساء والأطفال حولهم إلى أشلاء مبعثرة وتسبب في وضع كارثي.
وعلى وقع الغضب الواسع الذي أثارته المجزرة على الأصعدة كافة، تبرأت إسرائيل منها، وأعلن جيش الاحتلال فتح تحقيق بشأنها، متهما حركة الجهاد الإسلامي بالوقوف وراء القصف، وهو الأمر الذي نفته الحركة وعدته أكاذيب يروجها العدو للتنصل من المسؤولية.
بدورها، قالت شركة "تروي" التكنولوجية الدفاعية التركية إن علامات وصول الذخيرة إلى مستشفى المعمداني جراء قصفه، فضلا عن صوت الانفجار وقوته، "تشير إلى أنها قد تكون ناتجة عن قنبلة إم كيه- 84 (MK-84)" بوزن ألفي رطل (910 كيلوغرامات) مجهزة بـ"ذخائر الهجوم المباشر المشترك"، وليس صاروخا.
وتعمل شركة تروي في مجال تقنيات الرؤوس الحربية والصواريخ الصغيرة والمواد الكيميائية شديدة الانفجار من الدرجة العسكرية.
كما كشف تحقيق أجرته وحدة التحقيقات الاستقصائية مفتوحة المصدر بشبكة "الجزيرة"، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي تعمد تضليل الإعلام والرأي العام في روايته حول استهداف مستشفى المعمداني.
وخلص إلى أن رشقة الصواريخ أطلقتها المقاومة الفلسطينية قبل قصف المستشفى، اعترضت كلها من قبل نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي (القبة الحديدية) وكانت قبل فاصل زمني من قصف المستشفى المعمداني.
وأوضح التحقيق أن ذلك ينفي -بشكل قاطع- ادعاء إسرائيل بسقوط صاروخ فلسطيني عن طريق الخطأ على المستشفى، ويناقض إعلان جيش الاحتلال وتنصله من مسؤولية استهداف المستشفى.
وفي 31 أغسطس/آب 2024، ارتكب الاحتلال مجزرة جديدة بمستشفى المعمداني، حيث قصف أرضا مجاورة لقسم المختبرات بالمستشفى، مما أسفر عن سقوط شهداء ومصابين.
وضجت منصات التواصل الاجتماعي بصور ومقاطع فيديو توثق ما خلفه قصف الإسرائيلي لمستشفى المعمداني، وأخرى لمدير مستشفى كمال عدوان أبو صفية، في المشهد الأخير قبل اعتقاله من جنود الاحتلال، والتي يظهر فيها وهو يخطو بثوبه الأبيض وسط ركام المستشفى وفي وجهه دبابات الاحتلال.
وندد ناشطون عبر تغريداتهم وتدويناتهم على حساباتهم الشخصية على منصتي "إكس" و"فيسبوك"، بإصرار الاحتلال الإسرائيلي على استهداف المستشفيات، وعدوه محاولة لتدمير النظام الصحي في غزة وزيادة معاناة السكان.
وأكدوا أن ما يفعله الاحتلال عمل وحشي يضاف إلى سجل جرائمه بحق الإنسانية، وجريمة حرب لا تغتفر، مستنكرين الصمت الدولي والخذلان العربي والإسلامي، وأكدوا أنهما الدافع للاحتلال للتمادي في جرائمه ومواصلة عربدته والتوغل في الغطرسة والتوحش.
نتاج الخذلان
وتفاعلا مع التطورات، أوضح محمد أبو عمشة، أن جيش الاحتلال استهدف صباح اليوم مستشفى المعمداني، متسببا في دمار واسع للمبنى وتعطيل الخدمات الطبية، مستنكرا وقوع ذلك وسط صمت دولي وتجاهل من منظمة الصحة العالمية.
واستنكر الصحفي فايد أبو شمالة، انتقال الاحتلال لمستشفى المعمداني بعدما دمروا مستشفى كمال عدوان في الشمال، مذكرا بأن هذه ليست المرة الأولى التي يقصف فيها الاحتلال المشفى، وأنه حاصرها وقصفها وبقي صامدا ومازال هو الوحيد تقريبا الذي يقدم خدمات الطوارئ في مدينة غزة.
وعرض صورة من القصف الصاروخي الذي تعرض له مشفى المعمداني في أكتوبر 2023 مما أدى في حينه إلى استشهاد مئات المرضى والجرحى، وعندما أثار ذلك في حينه الرأي العام الدولي وموجة من الاستنكار والاستهجان، ألف الاحتلال رواية نفى خلالها استهداف المشفى كذبا وزورا رغم أن التحقيقات كلها أكدت أن الاحتلال هو المسؤول.
وتساءل أبو شمالة: “الآن وبعد كل ما فعله الاحتلال في المستشفيات، هل بقي من يشكك أن الاحتلال هو الذي قصف المشفى وكل المستشفيات؟”
وأكد الصحفي طارق دحلان، أن قصف المستشفى المعمداني بقذيفة مدفعية سيناريو مشابه لما جرى في جميع مستشفيات قطاع غزة، قائلا: "يبدو أن هناك مخططات تلوح في الأفق بعد إعلان المحتل استعداده توسيع عملياته العسكرية في غزة".
وأضاف: "عزيزي المفاوض.. غزة تُباد عن بكرة أبيها وهناك حقائق على الأرض تثبت أن المحتل يحاول فرض واقع جديد".
وكتبت المغردة رؤى: "يلا خلّصوا من كمال عدوان وهلا المعمداني.. خذلان وعار ليس له حدود!".
وأشار المغرد محمد، إلى أن "إسرائيل" تستهدف منذ الصباح مستشفى المعمداني والوفاء، مؤكدا أنها حرب على المستشفيات حتى إخراج جميعها عن الخدمة.
وذكر المغرد عماد الدين، أن الاحتلال سارع عندما تم قصف المشفى المعمداني في بداية العدوان، بالخروج بتصريح يتهم فيه المقاومة بسقوط أحد صواريخها داخل المشفى، وذلك خوفا من ردة فعل العالم، ولكن عندما وجد هذا التخاذل والخوف الذي لم يتوقعه، أصبح تدمير المستشفيات وحرقها شيئا عاديا.
وقال عماد الدين: "تخاذلكم وخوفُكم هو السبب".
كما ذكرت مدلين الأقرع، بخشية الاحتلال بداية الحرب حين قصف مستشفى المعمداني من ردة فعل العالم، وزعمه أنها قذيفة من غزة سقطت فيها، قائلة: "لما لقوا العالم متخاذلا بل متواطئا وضعيفا قدام إجرامهم خصوصا العالم العربي والإسلامي دخلوا الشفا ودمروها وحرقوها وهيهم دخلوا كمال عدوان وحرقوها".
وأضافت: "عرفتوا إن سبب اللي إحنا فيه مش إجرامهم وبس، إنما تخاذل وتواطؤ المحيط العربي والإسلامي لأنهم جسوا نبض هالعالم من البداية لقوا أنهم بيقدروا يعملوا اللي بدهم إياه ومحدش حيقدر يوقفهم، دماؤنا على أيدي المتواطئين أيضا".
وكتب محمد حافظ موسى: "استهداف ممنهج للمستشفيات في غزة وهذه المرة المعمداني.. مرة بعد مرة لا رقيب ولا حسيب وسط تخاذل وتآمر عالمي مريب.. سيدركك الدور يا هذا العالم الأعمى الأبكم".
استباحة المستشفيات
وتحت عنوان "استباحة حرمة المستشفيات: جريمة في مرمى الإنسانية"، أكدت الأكاديمية أميرة فؤاد، أن المستشفيات في غزة "لم تعد ملاذا آمنا ولا منارةً للشفاء، بل أصبحت ساحةً جديدةً للموت والإبادة".
وقالت إن اقتحام مستشفى كمال عدوان، وحرقه، واعتقال مديره أبو صفية، "هو مشهد آخر من مشاهد النازية التي يمارسها الاحتلال بلا رادع".
وأضافت فؤاد، أن "اعتقال الاحتلال للدكتور أبو صفية يُمثل تصعيدا خطيرا يمس المبادئ الإنسانية والقوانين الدولية، ففي كل الأعراف تُعد المستشفيات أماكن آمنة ومُحايدة، وانتهاك حرماتها هو انتهاك صارخ لاتفاقيات جنيف التي تحمي المرافق الطبية والطواقم العاملة"، مؤكدة أن "هذا التصرف يندرج تحت جرائم الحرب وفقا للقانون الدولي والإنساني".
وأكدت أن "استباحة الرداء الأبيض، لون النقاء الذي طالما رمز إلى الرحمة في كفوف الأطباء، هي لحظات يتجاوز فيها الألم حدود الجسد ليخترق أرواحنا جميعا"، متسائلة: “أي جريمة ترتكب حين يُحرق مستشفى؟ أي ظلم بعد هذا الظلم حين يُزج بطبيب خلف القضبان، لا لشيء سوى أنه وهب حياته ليداوي من لا دواء لهم؟”
وقال الكاتب فادي أبو بكر: "في عالم يدّعي احترام حرمة المقدسات، يصبح استهداف المستشفيات والمساجد وقتل الأطباء والمرضى واقعا مريرا، ليُكشف زيف القوانين الدولية.. ومع ذلك، يبقى الأمل في الفرج أقوى من كل ظلم".
وعد أحد المغردين، استهداف المستشفيات وحرقها وقتل الطاقم الطبي واعتقال عدد كبير منه في كل مستشفيات القطاع، كاشفا لإجرام الاحتلال وإصراره على إبادة الشعب كله، قائلا: "ما بدهم حد يتعالج ما بدهم يضل عند الناس أمل أو أي اشي يربطهم بالحياة".
وأعاد الطبيب فاروق زهران، نشر بيان للأزهر الشريف أكد فيه أن إحراق مستشفى كمال عدوان جريمة لا تصدر إلا عن وحوش وعصابات، قائلا: "أحرقوا المستشفى بكل ما فيها وحطموا وأفسدوا كل شيء واعتقلوا وقتلوا حتى المرضى والأطباء وخلعوا ملابس حتى النساء".
وأضاف: "ليس بعد هذا إجرام، وكل هذا لأنهم أمِنوا العقاب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
صورة بألف معنى
وتعقيبا على صورة مدير مستشفى كمال عدوان، قال الناشط الإنساني أدهم أبو سلمية: "في صورة تختزل ألف معنى، الدكتور حسام أبو صفية يمشي بثوبه الأبيض وسط ركام مستشفى كمال عدوان الذي أحرقته آلة الحرب الصهيونية".
واستنكر أن "دولة مدججة بالدبابات والجرافات تستهدف الرحمة والحياة، في مشهد يعيد للأذهان أبشع جرائم النازية"، مضيفا: "لكن هنا الضحية هو الإنسان الفلسطيني، ولذلك العالم الحقير يصمت ويتواطأ".
وقال أبو سلمية، إن "هذه ليست مجرد صورة، إنها صرخة الإنسانية في وجه الإرهاب، ودليل على أن نور الرحمة الفلسطينية يواجه ظلام العنجهية الصهيونية".
وعد الكاتب محمد حامد العيلة، صورة أبو صفية تختزل المشهد، قائلا: "ترسانة حقد أسود تتحدى طبيبا بقلب ومعطف أبيض".
وعلق الإعلامي زين العابدين توفيق، على صورة أبو صفية، قائلا: "هكذا هم رجال غزة.. اغتالوا ابنه وأصابوه وقصفوا مستشفاه وأحرقوه فلم يبرح المستشفى وعاد لمزاولة عمله في إنقاذ المرضى والجرحى".
وأضاف: "ها هو في المشهد الأخير قبل اعتقاله يمضي متسلحا بمعطفه الأبيض نحو دبابة مصفحة ومدججة بأحدث أسلحة الفتك والقتل.. إنه الدكتور أبو صفية جبل صمود آخر في غزة".
ورأى الصحفي محمد أمين، أن "صورة أبو صفية تختزل المشهد"، مؤكدا أن "أحقر غزاة منذ بدء الخليقة".
وقال إن "في فلسطين الطبيب يتصدى لمرض عضال اسمه الاحتلال".
رجل بأمة
وإشادة بصمود وثبات أبو صفية ودعوة لمناصرته، وصفه بلال نزار ريان، بأنه "جبل مخيم جباليا، ابن المخيم الوفي الذي لم يتخلَّ عن مرضاه"، مؤكدا أنه "وقف بشجاعة في مواجهة الدبابات الإسرائيلية التي اقتحمت مستشفى كمال عدوان".
واقتبس مؤسس ورئيس "المرصد الأورومتوسطي"، رامي عبده، شعرا امتدح فيه أبو صفية، قائلا: "وقفتَ وما في الموت شكٌّ لواقف.. وقد خالطت شمَّ الأنوف الصوارمُ.. فكنت وما بين الحسامين ضيّقٌ.. كأنك في جفن الردى وهو نائم".
وعد الباحث لقاء مكي، أبو صفية "رجلا بأمة".
ودعا الباحث في الشأن السياسي والإستراتيجي، سعيد زياد، إلى "تحرُّك نقابي وشعبي في كل دول العالم لإنقاذ الدكتور أبو صفية".
وقال الطبيب عز الدين شاهين: "إذا كان هناك من يهتم لحياة الدكتور أبو صفية ينبغي عليه أن يقدم خطوات حقيقية لإسناده، من خلال تحرك قانوني وإعلامي ضاغط للإفراج عنه وضمان سلامته، مع العلم أنه يحمل الجنسية الروسية"، محذرا من أن "حياة أبو صفية في خطر حقيقي".