رفضها في ولايته الأولى.. كيف أحيت عودة ترامب آمال إسرائيل بضم الضفة؟

خالد كريزم | منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

تحول أفضل سيناريو لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن مستقبل الضفة الغربية، إلى حقيقة بعد أن فاز حليفه الجمهوري دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأميركية.

وقد بدأ نتنياهو مبكرا برسم خطوط جديدة لتعزيز السيطرة على ائتلافه الحكومي وتحديد شكل العلاقة مع إدارة ترامب وما يرتبط بذلك من مستقبل القضية الفلسطينية.

فقبل ساعات من بدء تدفق النتائج، ومع تركيز العالم على الاقتراع الأميركي، أقال نتنياهو في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 وزير جيشه يوآف غالانت بسبب تفضيله إبرام صفقة تبادل أسرى مع غزة تنهي العدوان.

ولم يكتف نتنياهو بذلك، بل يضع اليوم ملف ضم الضفة الغربية ضمن أعلى الأولويات القادمة، حيث تحيي عودة ترامب خططه القديمة التي طرحت في الولاية الأولى للرئيس المنتخب.

تعيين يحيئيل ليتر

وجاء إعلان نتنياهو في 8 نوفمبر 2024، تعيين المستوطن ومساعده السابق يحيئيل ليتر، سفيرا في واشنطن خلفا لمايك هرتسوغ، ليكشف عن المخطط القادم.

ومن المقرر أن ينهي هرتسوغ مهامه رسميا في 20 يناير/كانون الثاني 2025. وبذلك سيتسلم المستوطن ليتر منصبه مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض.

وليتر أميركي المولد ومساعد حكومي سابق هاجر إلى إسرائيل قبل أربعة عقود، ويقطن اليوم في مستوطنة "عيلي" بوسط الضفة الغربية المحتلة، وفق ما قال موقع "جويش إنسايدر" العبري الخاص.

وكان مفكرا يمينيا بارزا في إسرائيل ورئيساً لهيئة موظفي نتنياهو عندما كان وزيراً للمالية ومساعداً لرئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون عندما كان عضواً في الكنيست (البرلمان).

ووفقا لوسائل الإعلام الإسرائيلية، كان ليتر مرتبطا بمراكز سياسية محافظة بما في ذلك مركز القدس للشؤون العامة ومنتدى كوهيليت للسياسات، وهو مركز أبحاث يميني مثير للجدل يلعب دورا بارزا في تطوير سياسات حكومة نتنياهو المتطرفة.

ويدعو هذا المستوطن لمواصلة الحرب على غزة ويعد مؤيدا منذ فترة طويلة لبناء المستوطنات في الضفة الغربية. 

ويعد تعيين ليتر، المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة دليلا على تصاعد مكانة المستوطنين في المنظومة الرسمية الإسرائيلية.

كما يعد ليتر أحد مؤسسي صندوق إسرائيل الواحدة، الذي يجمع الأموال للمستوطنين. وأفادت صحيفة هآرتس أيضا بأنه كان عضواً سابقاً في رابطة الدفاع اليهودية، التي أسسها الحاخام اليميني المتطرف مائير كاهانا.

وهذه الرابطة صنفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية بسبب سلسلة من الهجمات والاغتيالات، لكن جرى إزالتها لاحقا من القائمة السوداء بعد غياب نشاطها.

وقد أشاد زعيم المستوطنين اليميني يسرائيل جانز بتعيين ليتر ووصفه بأنه "شريك رئيس في الدعوة باللغة الإنجليزية ليهودا والسامرة"، وهو المصطلح التوراتي الذي تستخدمه مجتمعات المستوطنين الإسرائيليين للإشارة إلى الضفة الغربية.

ويعد ليتر مؤيدًا صريحًا لاتفاقيات أبراهام التي جرى من خلالها تطبيع العلاقات بين إسرائيل و4 دول عربية هي الإمارات والبحرين والمغرب والسودان برعاية ترامب.

كما دعا إلى "السيادة" الإسرائيلية النهائية على أراضي الضفة الغربية، وهو الملف الذي من شأنه أن يحيي المخاوف بشأن الضم المحتمل لها من قبل حكومة نتنياهو بعد عودة ترامب.

وقال مكتب نتنياهو، في بيان، إن "ليتر، شغل مناصب حكومية رفيعة، بما في ذلك نائب المدير العام لوزارة التعليم، ورئيس ديوان وزير المالية، ورئيس مجلس إدارة شركة موانئ إسرائيل بالإنابة".

وبين أنه "دبلوماسي موهوب للغاية، ومتحدث فصيح، ولديه فهم عميق للثقافة والسياسة الأميركية. أنا مقتنع أنه سيمثل دولة إسرائيل بأفضل طريقة ممكنة، وأتمنى له النجاح في منصبه".

وقُتل نجل ليتر في القتال شمال غزة عام 2023. وقد كان ضيف نتنياهو عندما زار الأخير واشنطن صيف 2024 خلال خطاب مثير للجدل أمام جلسة مشتركة للكونغرس.

في جنازة ابنه في مقبرة جبل هرتزل العسكرية بالقدس في نوفمبر 2023، خاطب ليتر الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن بالقول: "سنفوز بهذه المعركة، معك أو بدونك".

إعادة إحياء

وأعاد فوز ترامب الحياة لخطة الضم، ففي أعقاب الإعلان عن انتصاره أمام منافسته الديمقراطية كامالا هاريس، دعا زعماء المستوطنين إلى تطبيقها.

وأعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش والمسؤول عن الإدارة المدنية في 22 نوفمبر أن 2025 هو عام السيادة على الضفة الغربية.

وقال أمام الكنيست إنه “حان الوقت في حقبة ترامب الجديدة لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وأصدرت تعليمات للتحضير لذلك".

وأردف: "أعتزم أيضا قيادة قرار حكومي يؤكد أن حكومة إسرائيل ستعمل مع الإدارة الجديدة للرئيس ترامب والمجتمع الدولي لتطبيق السيادة وتحقيق الاعتراف الأميركي".

واتخذت إسرائيل خطوة فعلية نحو الضم المباشر للضفة الغربية، فقد ألقى سموتريتش، الضوء على التقدم الذي أحرزته حكومته بهذا الشأن خلال خطاب في 9 يونيو/حزيران 2024، ألقاه في مؤتمر داخلي لحزب الصهيونية الدينية الذي يرأسه.

وانعقد المؤتمر في مستوطنة شاحاريت، جنوبي قلقيلية، بمشاركة وزراء وأعضاء كنيست من الحزب وعدد من أعضائه، وتمكنت حركة "السلام الآن" الإسرائيلية من الحصول على كلمة سموتريتش، ونشرتها لاحقا هي وصحيفة نيويورك تايمز.

أكد سموتريتش أنه نقل مناطق واسعة من أيدي الجيش إلى سلطة الحكومة المدنية لإنشاء نظام منفصل ضمن ما يطلق عليها “خطة الحسم”.

وتابع حديثه للمستوطنين: “أنا أقول لكم، إنه أمر درامي للغاية.. مثل هذه التغييرات تغيّر الحمض النووي للنظام”، مؤكدا ضرورة وضع هدف "منع الضفة الغربية أن تصبح جزءا من دولة فلسطينية".

وتعليقا على الخطة، لفتت صحيفة نيويورك تايمز في 21 يونيو 2024، إلى أن بعض أجزائها يبدو أنها قيد العمل بشكل تدريجي على مدى الأشهر الـ18 الماضية، إذ جرى نقل بعض الصلاحيات إلى السلطات المدنية الإسرائيلية.

ويضع سموتريتش تدمير السلطة الفلسطينية ومؤسساتها في الضفة الغربية أو أي كيانية فلسطينية على رأس أهدافه السياسية في خطة الحسم.

فهو يؤمن بضرورة ضم كل أراضي الضفة وإلحاقها بدولة الاحتلال، وفيما يتعلق بالسكان فإنه يضعهم أمام خيارات: "إما الموت في المعركة، أو الهجرة إلى الخارج، أو أن يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية إلى الأبد"، كما أوضحت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية في 9 سبتمبر/أيلول 2024.

وقالت إنه بحسب القانون فإن الجيش هو صاحب السيادة (أي بقوة الاحتلال)، ولكن سموتريتش استولى على الضفة بحركة الكماشة: إحدى ذراعيه هي صلاحياته كوزير للمالية، والثانية هي الصلاحيات التي حصل عليها كوزير للدفاع (في إشارة إلى أنه المسؤول عن المستوطنات في وزارة الجيش).

وإلى جانب سموتريتش، وصف اثنان من زعماء المستوطنين في 6 نوفمبر، انتخاب ترامب بأنه فرصة جديدة لتوسيع السيادة الإسرائيلية على ما سمياه "الأراضي المتنازع عليها"، وفق ما نقلت صحيفة تايمز أوف إسرائيل. 

وادعى يسرائيل غانز، رئيس منظمة مجلس يشع التي تضم بلديات المستوطنات، أن ضم الضفة الغربية من شأنه أن يجلب الاستقرار و"السلام الحقيقي" إلى المنطقة.

وأضاف خلال إطلاق علامة تجارية جديدة للنبيذ تحمل اسم "ترامب": "لقد استحققنا رئيسا يحب إسرائيل ويهودا والسامرة".

وبين غانز الذي يرأس أيضا مجلس بنيامين الإقليمي في وسط الضفة الغربية أن "فكرة إقامة دولة فلسطينية والعقوبات ضد المستوطنات ودولة إسرائيل يجب أن تسقطا من جدول الأعمال".

كما أدلى رئيس بلدية بيت إيل، شاي ألون بتصريحات مماثلة قائلا إن الوقت قد حان "للبناء على نطاق واسع ومكثف" بالمنطقة، مبينا أن انتخاب ترامب يبشر بـ "العصر الذهبي للاستيطان" في الضفة الغربية.

وأضاف: "هذا هو الوقت المناسب لتطبيق السيادة على يهودا والسامرة والاعتراف بأن المنطقة جزء من إسرائيل الكاملة".

وبدوره، أيد خطة الضم وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، وهو من سكان مستوطنة كريات أربع بالخليل. 

وفي 6 نوفمبر، قال في جلسة للكنيست إن "هذا هو وقت السيادة وتحقيق النصر الكامل، وتشريع قانون لعقوبة الإعدام للإرهابيين"، والعديد من القوانين الأخرى التي رأى أن ترامب لن يعارضها.

وسعى نتنياهو إلى ضم جميع المستوطنات ومنطقة وادي الأردن في الضفة الغربية عام 2020، وأكد أنه سيفعل ذلك بموافقة إدارة ترامب.

لكنه اضطر في النهاية إلى التراجع عن الفكرة بينما سعى ترامب إلى المضي قدمًا في خطته المزعومة للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين والمعروفة باسم “صفقة القرن”.

وكانت الخطة التي جرى الكشف عنها في يناير/كانون الثاني 2020 تتضمن إنشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح ومقتطعة لا يتم إنشاؤها إلا بعد الامتثال لشروط صارمة، وضم إسرائيل لأجزاء كبيرة من الضفة الغربية، خاصة وادي الأردن.

وعارض أعضاء اليمين بالحكومة في ذلك الوقت، بما في ذلك وزير المالية الحالي بتسلئيل سموتريتش، وكذلك حركة الاستيطان بشكل عام، العناصر الرئيسة لخطة ترامب التي كانت ستنشئ دولة فلسطينية.

وبعد أن خسر ترامب انتخابات 2020 أمام جو بايدن، جرى إسقاط الخطة، لكن عودته إلى البيت الأبيض مع استمرار الحرب على غزة تمنح المستوطنين أملا في تطبيق ما هو أسوأ منها.

موقف ترامب

فقد قال عدد من قادة المستوطنين إن إسرائيل يجب أن تضم الضفة الغربية رسميا بعد إعادة انتخاب ترامب لولاية ثانية، لكن لا يعرف حتى اللحظة موقف الرئيس المنتخب من هذا الأمر.

وعكس ترامب خلال ولايته الأولى الموقف الأميركي القائل بأن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة غير قانونية بموجب القانون الدولي.

ويرى السفير الإسرائيلي الأسبق لدى الولايات المتحدة مايكل أورين، أن فترة ولاية دونالد ترامب الأولى في منصبه كانت "نموذجية" فيما يتعلق بإسرائيل، لكن الأمر قد لا يستمر على هذا النحو.

وبين في حديث لموقع بي بي سي البريطاني في 8 نوفمبر أن ترامب "لا يحب الحروب"، ويرى أنها مكلفة، حيث إنه حث إسرائيل على إنهاء الحرب في غزة بسرعة.

وأكد أن ترامب "ليس من المعجبين الكبار" بالمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، وعارض رغبات بعض القادة الإسرائيليين في ضم أجزاء منها.

ويعتقد أن هاتين السياستين يمكن أن تؤديا إلى وضعه في صراع مع أحزاب اليمين المتطرف في الائتلاف الحاكم الحالي بقيادة نتنياهو، والتي هددت بإسقاط الحكومة إذا واصل رئيس الوزراء اتباع سياسات ترفضها.

فعندما طُلب من نتنياهو الاختيار بين المطالب الأخيرة لحليفه الأميركي بايدن (إنهاء الحرب) ومطالب شركائه في الائتلاف، كان يميل إلى اختيار الأخير.

ونتيجة لذلك، تزايد الاحتكاك مع  جو بايدن، بشكل حاد. ويعتقد مايكل أورين أن نتنياهو سيحتاج إلى اتباع نهج مختلف مع الرئيس الجديد.

وقال إنه إذا تولى دونالد ترامب منصبه في يناير وقال: حسنًا، لديك أسبوع لإنهاء هذه الحرب، "فسيتعين على نتنياهو احترام ذلك".

وعلى الرغم من وعوده بوقف الحرب وعدم إعجابه بالاستيطان في الضفة، يحذر مراقبون على الدوام من عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترامب وسياساته.

وخاصة أن فترته الأولى شهدت اعترافا مزعوما بالقدس عاصمة لإسرائيل، وضما للجولان السوري المحتل لها، وفرض عقوبات على السلطة الفلسطينية.

وتبدي صحيفة كريستشن ساينس مونيتور الأميركية تفاؤلا بحدوث تغيير في ولاية ترامب، مذكرة بأنه رأى خيانة من جانب الزعيم الإسرائيلي عندما تجاهل نتنياهو الادعاءات بأن انتخابات عام 2020 "سُرقت" وهنأ بايدن على فوزه.

وبينت في 24 أكتوبر أي قبل الانتخابات أن "الجليد ذاب أخيرا فقط، عندما بذل نتنياهو جهدًا متضافرًا لإصلاح علاقتهما، ولكن هناك سبب آخر قد يجعل خطة بايدن (لوقف الحرب) موجودة على الطاولة".

وبينت أن ترامب، الرجل الذي يفضل الصفقات، لديه علاقة أوثق وغير متوترة مع زعيم آخر في الشرق الأوسط، وهو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

وقررت المملكة العربية السعودية، الدولة العربية الأكثر نفوذاً في المنطقة، عدم الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام.

ومع ذلك، كان ولي العهد لاعباً محورياً في خطة بايدن لما بعد الحرب في غزة، على أمل تأمين ضمان دفاعي رسمي من الولايات المتحدة.

وكذلك في حال وجود التزام إسرائيلي بفكرة السلام القائم على أساس الدولتين، في مقابل تولي زمام المبادرة المالية والسياسية لإعادة إعمار غزة وأمنها في المستقبل. ومن المرجح أن يقدم الأمير عرضا مماثلا لترامب، وفق تقدير الصحيفة.

وتقول صحيفة تايمز أوف إسرائيل إنه يجب على تل أبيب “أن تكون حذرة في تعاملاتها مع الإدارة القادمة، حيث يضم ائتلاف نتنياهو حزبين من أقصى اليمين يريدان ضم الضفة الغربية وإعادة توطين غزة".

وأضافت: “استسلم نتنياهو مرارًا وتكرارًا لمطالب وأنشطة شركائه من أجل استقرار الائتلاف، بما في ذلك في قضايا حساسة مثل الصلاة بالحرم القدسي و(منع) المساعدات الإنسانية لغزة”.

وأردفت: “سعى نتنياهو نفسه إلى توسيع السيادة الإسرائيلية على جميع المستوطنات وضم وادي الأردن عام 2020، مقيمًا بشكل غير صحيح أن ترامب سيدعم هذه الخطوة”.

لكن الرئيس، الذي كان يسعى إلى دفع "صفقة القرن" الإسرائيلية الفلسطينية، لم يفعل ذلك، وفق تعبير الصحيفة.

وبينت أن ترامب عارض الضم في ولايته الأولى، واليوم ومع القوة الهائلة خلفه، ومع مجلس الشيوخ والكونغرس، "عندما يطلب منا أن نفعل شيئا، فمن الأفضل أن نفكر بجدية في تنفيذه”.