قضية إنسانية.. كيف انعكس طوفان الأقصى على انتخابات البرلمان الأوروبي؟

12

طباعة

مشاركة

جرت العادة أن تركز انتخابات البرلمان الأوروبي تقليديا على قضايا مثل تكاليف المعيشة، والسياسات الزراعية، وتغير المناخ، وسياسة الهجرة في الاتحاد الأوروبي، لكنها هذه المرة اهتمت بوافد جديد برز إلى الواجهة، هو "قضية فلسطين".

ورغم فوز اليمينيين، واليمينيين المتطرفين بنسبة كبيرة تقدر بـ40 بالمئة من مقاعد البرلمان الأوروبي في الانتخابات التي استمرت على مدار 4 أيام وانتهت في 9 يونيو/حزيران 2024، كان "طوفان الأقصى" حاضرا وتمثل في فوز نواب مؤيدين للقضية الفلسطينية.

وكان أبرزهم "ريما حسن"، وهي أول فرنسية من أصول فلسطينية تصبح عضوة في البرلمان الأوروبي وتفوز بمقعد ثمين بين حيتان اليمين المتطرف في فرنسا.

وفازت عدة أحزاب صغيرة تدعم القضية الفلسطينية وتدين الإبادة الإسرائيلية في غزة بعدة مقاعد بعدما أعطاها أصواتهم أوروبيون داعمون لغزة ورافضون للاحتلال.

أيضا فاز السياسي اليساري السويدي المخضرم المناصر للحق الفلسطيني، يوناس خوستيدت، بمقعد في البرلمان الأوروبي بعد حملة انتخابية أعلن فيها بقوة دعمه للفلسطينيين ومطالبته بفرض عقوبات على إسرائيل. 

المظاهرات التي انفجرت في غالبية البلدان الأوروبية، لدعم غزة ورفض العدوان الإسرائيلي، ظهرت بصماتها في صناديق الانتخابات في صورة فوز أحزاب أوروبية مختلفة صغيرة حظيت بأصوات أوروبيين؛ لأنها دعمت الحقوق الفلسطينية.

بصمات الطوفان

وأكدت "شبكة الاتصالات الفلسطينية في برلين" في تقارير حول الانتخابات البرلمان الأوروبي، حصلت "الاستقلال" على نسخ منها، أن "المظلمة الفلسطينية حضرت في انتخابات البرلمان الأوروبي".

وشددت على أن "المد الشعبي التضامني طوال ثمانية أشهر في العديد من الدول الأوروبية قد انعكس في الأداء والحملات الانتخابية وفي صناديق الاقتراع، وحتى القوائم الانتخابية والنتائج النهائية في قائمة الفائزين".

ولخص الرئيس التنفيذي للمجلس الأوروبي الفلسطيني للعلاقات السياسية، نائب رئيس الهيئة العامة للمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، ماجد الزير، في تغريدة على منصة "إكس" نتائج البرلمان الأوروبي من زاوية فلسطينية، مشيرا إلى "الحضور الفلسطيني القوي فيها".

وأكد أن حصة مناصري فلسطين "ليست سيئة ومعتبرة ويعول عليها في الفترة القادمة، رغم صعود اليمين المتطرف بشكل واضح، وكذا اليمين المحافظ ما سيصبغ المشهد الأوروبي المتماهي مع دولة الاحتلال للسنوات القادمة".

وأوضح أن البرلمان الأوروبي السابق كان به 21 نائبا فقط من 703 يدعمون فلسطين في مواجهة الهيستيريا الأوروبية الداعمة لدولة الاحتلال، دون تردد.

لكن البرلمان الجديد المنتخب ضم عناصر جديدة، فحزب "فرنسا الأبية" الداعم لفلسطين حصل على 10 مقاعد على الأقل، منهم ريما حسن.

وفي السويد فاز 7 نواب يدعمون فلسطين من أصل 21 (الثلث)، وفي الدنمارك فاز 5 من أصل 15 (الثلث)، وفي بلجيكا فاز 5 نواب مؤيدين لفلسطين بالحد الأدنى من أصل 22.

وفي إيطاليا، أشارت المؤشرات إلى فوز 15 من أصل 56 نائبا مؤيدا لفلسطين، من مجموع الأحزاب التي تتعامل مع القضية الفلسطينية إيجابا، ومنها 16 بالمئة موقفها داعم بقوة.

وفي إسبانيا، فاز تكتل رئيس الوزراء ونائبته، وهم مؤيدون للقضية الفلسطينية، وحصل على 26 مقعد من أصل 61 مقعدا من حصة إسبانيا.

بالمقابل، كانت أجواء دعم فلسطين وكراهية إسرائيل، سببا أيضا في فوز النائب البولندي، جريجورز براون، الكاره للكيان المحتل، والذي اشتهر بإطفاء شمعدان هانوكا اليهودي في برلمان بولندا اعتراضا على المجزرة الإسرائيلية في غزة.

هذه الكراهية للعدوان على غزة، ساهمت في خسارة الصهيوني مائير حبيب (من أصول تونسية) مقعده كنائب في برلمان أوروبا، بعد أن كرس كراهيته للتحريض ضد الفلسطينيين والعرب.

ومع أن حزب الخضر النمساوي فاز في انتخابات البرلمان الأوروبي فقد أحرجه متضامنون مع غزة برفع أعلام فلسطين خلال احتفال فوزه تنديدا بدعم الحزب لإسرائيل، عكس ما يدعيه من قيم حول الحرية والعدالة.

فوز فلسطينية

وكان فوز المحامية الفرنسية من أصل فلسطيني ريما حسن، ودخولها البرلمان الأوروبي أبرز بصمات طوفان الأقصى على هذه الانتخابات، إذ إنها تعد فلسطين قضية أوروبية، وتصر على أن الأوروبيين هم سبب مشكلة فلسطين وبالتالي فهي قضيتهم.

"حسن"، المولودة في سوريا، والتي فازت بمقعد في البرلمان الأوروبي عن حزب "فرنسا الأبية" اليساري، كانت نموذجا لتوجه عرب ومسلمي فرنسا وداعمي غزة عموما لاختيار الأحزاب الصغيرة الداعمة للقضية حتى تصل بصوت فلسطين إلى البرلمان الأوروبي.

وحقق حزب "فرنسا الأبية" بـ10 مقاعد في البرلمان الأوروبي، وأتى في المركز الرابع بعد حصوله على نسبة 8 بالمئة من الأصوات.

واشتبكت "حسن" مع العنصريين والمتصهينين في عدة معارك لأنها وصفت العدوان الإسرائيلي على غزة بأنه "إبادة جماعية" وأيدت شعار "فلسطين من البحر للنهر"، وقالت لشبكة "لو كرايون" الإعلامية إن "حماس تقوم بعمل مشروع" في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.

وهو ما عرضها لضغوط سياسية وقانونية كبيرة، حيث اتهمها المذيع الشهير "أرتور" بدعم "الإرهاب" و"معاداة السامية"، وقال رئيس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا يوناتان عرفي، إن ريما حسن "تتبع أجندة أصوليي حماس".

وقالت ريما حسن في مقابلة مع قناة “الجزيرة” القطرية في 4 يونيو 2024 إنها "ستحمل القضية الفلسطينية إلى البرلمان الأوروبي".

وأكدت أنها "تعد القضية الفلسطينية شأنا أوروبيا، بسبب مسؤولية تقسيم المنطقة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بين الاستعمارين الفرنسي والبريطاني وفق اتفاقية سايكس بيكو".

لذا عدها نشطاء على مواقع التواصل "صوتا جديدا قويا ينضم للأصوات المناهضة للاحتلال الإسرائيلي في البرلمان الأوروبي".

6 أحزاب

نتائج الأحزاب الألمانية في انتخابات البرلمان الأوروبي، أظهرت تحقيق الداعمين لغزة انتصارات في البرلمان الأوروبي.

ووقفت الأحزاب الجديدة الصغيرة في ألمانيا، والتي تختلف عن الأحزاب الكبيرة القديمة، إلى جانب الشعب الفلسطيني، لذا دعمها مؤيدو الفلسطينيين ومحبو الحرية لأنها “مثلت مواقف تتميز بالعدالة والدفاع عن حقوق الإنسان”. 

"شبكة التواصل الفلسطيني في برلين" أكدت عبر بيان نشرته في 10 يونيو 2024 أنها رصدت فوز 6 أحزاب ألمانية تدعم القضية الفلسطينية بنسب جيدة من أصوات الناخبين.

وأوضحت أن النتائج أظهرت دعما شعبيا كبيرا لفلسطين، وحصلت الأحزاب المؤيدة للقضية على عدد معتبر من الأصوات، "ما يعكس تعاطف قطاع كبير من الأوروبيين مع حقوق الفلسطينيين ورغبتهم في تحقيق العدالة لهم".

وعدت "شبكة التواصل الفلسطيني في برلين" فوز أحزاب ألمانية صغيرة داعمة لفلسطين، "مؤشرا مهما على توجهات الرأي العام الألماني فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ومستقبل السياسة الخارجية الألمانية تجاه هذا النزاع".

وأشارت إلى أن الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب المؤيدة لفلسطين “تدل على وجود قاعدة شعبية قوية تدعم حقوق الفلسطينيين وتدعو إلى حل عادل وشامل للنزاع”.

فقد فاز الحزب الجديد "دافا" DAVA وهو اختصار لـ"التحالف الديمقراطي من أجل التنوع والتنمية"، بـ148.724 ألف صوت، وهو أعلى عدد من الأصوات بين الأحزاب المتنافسة على أساس محور فلسطين وغزة.

وهذا الحزب الألماني قريب جدا من أنقرة، ويتهمه عنصريون ألمان بأنه امتداد لحزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (العدالة والتنمية)، ويتبنى موقفا داعما بشكل قوي لفلسطين وحقوق شعبها.

أيضا نال حزب حركة الديمقراطية في أوروبا ‏ على 118.616 صوتا، ليأتي في المرتبة الثانية.

وهذا الحزب، المعروف بمواقفه اليسارية التقدمية التي تركز على العدالة الاجتماعية والسياسية، يدعم القضية الفلسطينية ويسعى لحل عادل وشامل للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

وفاز حزب "التحالف من أجل الابتكار والعدالة" (BIG) الألماني القريب من تيارات إسلامية بـ31.141 صوتا، ويشمل برنامجه الانتخابي دعما واضحا للفلسطينيين وحقوقهم.

ويعد هذا الحزب منصة للأقليات وخاصة للمهاجرين في ألمانيا، مما يجعله داعما قويا للقضايا المتعلقة بحقوق الإنسان على مستوى عالمي.

قاعدة قوية

كما فاز الحزب الشيوعي الألماني (DKP) بـ14,945 صوتا، وهو يتبني، ضمن تركيزه على القضايا المناهضة للإمبريالية والعدالة الاجتماعية، موقفا داعماً لفلسطين وينتقد السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.

 وجاء "الحزب الماركسي اللينيني" اليساري MLPD كخامس الأحزاب أصواتا ونال 13,553 صوتا.

وهذا الحزب يدعم القضية الفلسطينية بشكل واضح وينادي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

وجاء حزب "تحالف سارة فاجنكنشت – العقل والعدالة" BSW بين الأحزاب الألمانية الأعلى أصواتا في انتخابات البرلمان الأوروبي وحصل على 2.453.652 صوت، وفاز بـ 6 مقاعد.

وهذا الحزب يطالب بوقف فوري للعدوان الإسرائيلي على غزة ووقف إمداد السلاح لدولة الاحتلال.

لكن رغم دعمه لفلسطين وغزة، إلا أنه "يعترف بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، مما يجعله يتخذ موقفا أكثر توازنا مقارنة بالأحزاب الأخرى.

وبشكل عام، أشارت هذه النتائج إلى أن هناك دعما شعبيا كبيرا لفلسطين في أوروبا، وتزايد الوعي والتعاطف مع القضية الفلسطينية بين الأوروبيين، رغم المواقف المختلفة بين الأحزاب.

ودلت على الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب المؤيدة لفلسطين، على وجود قاعدة شعبية قوية تدعم حقوق الفلسطينيين.

وفي انتخابات أوروبا لا يحتاج الحزب إلى 5 بالمئة كما هو الحال في انتخابات البوندستاغ (البرلمان الألماني) وإنما يكفي 0,6 بالمئة ليحصل الحزب على مقعد.

ومقابل هذه الأحزاب الستة الصغيرة التي تدعم غزة، دعمت الأحزاب الألمانية الكبيرة الاحتلال الإسرائيلي، مثل الحزب الديمقراطي الحر واليسار والخضر والبديل من أجل ألماني.

وقالت وكالة "رويترز" البريطانية في 4 يونيو 2024 إن الأحزاب الناشئة المؤيدة للفلسطينيين في ألمانيا "تعمل على تآكل الدعم لحزب الخضر الألماني والديمقراطيين الاشتراكيين، وهما من الأحزاب الرئيسة التي حافظت على دعم قوي لإسرائيل بسبب مسؤولية ألمانيا التاريخية عن المحرقة".

ورغم الانحياز شبه الكامل لوسائل الإعلام الأوروبية لإسرائيل على غزة، والتضييق على آراء معارضي العدوان على منصات التواصل الاجتماعي، فقد كان رد فعل الشارع الأوروبي مختلفا هذه المرة، وانعكس هذا على فوز أحزاب ونواب مؤيدين لفلسطين.

الاتحاد الأوروبي، الذي يقول إنه يدعم حقوق الإنسان في العالم، سعى لقمع آراء الأوروبيين على مواقع التواصل الداعمة لغزة ضد المجازر الصهيونية، وذلك عبر تحذير شركات مواقع التواصل الاجتماعي في 11 أكتوبر 2023 من عقوبات قانونية إذا لم تحذف أي محتوى مؤيد لحركة حماس من على منصاتها، ومع هذا وصل معارضو إبادة غزة للبرلمان الأوروبي.