الحجاب في أولمبياد باريس 2024.. هل يفوز الحظر الفرنسي أم تنتصر الأمم المتحدة؟

إسماعيل يوسف | منذ ٧ أشهر

12

طباعة

مشاركة

ظهرت معالم أزمة بين الحكومة الفرنسية والأمم المتحدة بشأن سعي الأولى لفرض منع الحجاب في الألعاب الأولمبية باريس 2024، ورفض المنظمة الأممية إجبار الدولة الأوروبية المرأة على اختيار ما ترتديه.

وتبادلت الناطقة باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان مارتا هورتادو، ووزيرة الرياضة الفرنسية أميلي أوديا كاستيرا، التصريحات الرافضة والمؤيدة لارتداء الرياضيات الحجاب في أولمبياد باريس، ورأت الأمم المتحدة أن هذا يخالف المواثيق الدولية.

وتستند فرنسا في خطوتها إلى قرار لمجلس شيوخ فرنسا 19 يناير/كانون ثاني 2022 يحظر ارتداء الحجاب في المنافسات الرياضية بدعوى "الحفاظ على الحيادية في الملاعب".

وهو القرار الذي نوقش للمرة الثانية في 16 فبراير/شباط 2022، ولقي احتجاجات من قبل حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خشية تأثيره على استضافة باريس أولمبياد.

ثم جرى طرحه للمصادقة عليه في 24 فبراير 2022 في الجمعية الوطنية، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية. 

تفاصيل النزاع

وفي 24 سبتمبر/أيلول 2023 أعلنت وزيرة الرياضة عبر قناة "فرانس 3" الفرنسية العامة، أن حكومتها لن تسمح للاعبات الفرنسيات بارتداء الحجاب خلال دورة الألعاب الأولمبية "باريس 2024".

وقالت خلال استضافتها في برنامج Sunday In Politics الذي يُبث على قناة "فرانس 3" إنه لن يُسمح لأي عضو في البعثة الرياضية الفرنسية بارتداء غطاء للرأس، و"جميع ممثلات وفودنا في الفرق الفرنسية لن يرتدين الحجاب".

وبينت أن الحكومة "تلتزم بنظام علماني، يُطبق بصرامة في مجال الرياضة"، ويعني "حظر أي شكل من أشكال التبشير الديني، والحياد المطلق للخدمة العامة"، وفق تعبيرها.

وانتقدت الوزيرة موقف اللجنة الأولمبية الدولية التي ترى أن "ارتداء الحجاب ليس أمرا دينيا بل ثقافيا".

وبعد 48 ساعة من تصريحات وزيرة الرياضة، انتقدت الأمم المتحدة، 26 سبتمبر 2023 الموقف الفرنسي وأعلنت معارضتها، من حيث المبدأ، فرض ملابس معينة على النساء أو حظرها.

وقالت الناطقة باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان، مارتا هورتادو، رداً على تصريحات وزيرة الرياضة الفرنسية أميلي أوديا كاستيرا، إنه "لا ينبغي لأحد أن يملي على المرأة ما يجب ترتديه".

وذكّرت "هورتادو" الوزيرة الفرنسية بأن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "تلزم جميع الأطراف"، وأن على فرنسا اتخاذ "جميع التدابير المناسبة اللازمة لتعديل أي نموذج اجتماعي أو ثقافي قائم على فكرة الدونية أو التفوق لأحد الجنسين على الآخر".

وشددت على أن "هذه الممارسات التمييزية يمكن أن تكون لها عواقب ضارة وفق المعايير الدولية لحقوق الإنسان".

قالت إن القيود المفروضة على التعبير عن الأديان أو المعتقدات، مثل اختيار الملابس، مقبولة فقط في ظروف محددة للغاية تعالج بشكل متناسب وضروري مخاوف مشروعة بشأن السلامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق".

وقال متحدث باسم اللجنة الأولمبية الدولية في تصريحات نقلتها وكالة رويترز البريطانية إنه يمكن للرياضيات ارتداء الحجاب في قرية الرياضيين خلال دورة الألعاب الأولمبية 2024 في باريس دون أي قيود.

وأوضح المتحدث في 29 سبتمبر 2023 أنه "بالنسبة للقرية الأولمبية، سيتم تطبيق قواعد اللجنة الأولمبية الدولية"، وأن الأمر "عندما يتعلق بالمسابقات، فإن اللوائح التي وضعها الاتحاد الدولي المعني سيتم تطبيقها".

وأضاف "بما أن هذه اللائحة الفرنسية تتعلق بأعضاء البعثة الفرنسية فقط، فإننا على اتصال مع اللجنة الأولمبية الفرنسية لفهم الوضع فيما يتعلق بالرياضيين الفرنسيين بشكل أكبر".

القضاء ضد الحجاب

حين أثيرت قضية حظر الحجاب أثناء ممارسة الرياضة عام 2022 طعنت "مجموعة النساء المسلمات المحجبات" بذلك في 21 يونيو/حزيران من العام نفسه.

وطعنت النساء اللائي شكلن جمعية باسم " Les Hijabeuses"، وتضم قرابة 100 لاعبة، في شرعية المادة الأولى من لوائح الاتحاد الفرنسي للعبة التي تحظر منذ عام 2016 "ارتداء أي علامة أو ملابس تظهر الانتماء السياسي أو الفلسفي أو الديني أو النقابي".

واستندت الفتيات في دعواهن إلى قوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" التي سمحت للاعبات منذ 2014 بالمشاركة في المسابقات الدولية بالحجاب.

لكن مجلس الدولة الفرنسي رفض الطعن في 29 يونيو 2022 وأبقى على حظر ارتداء الحجاب في مباريات كرة القدم للسيدات، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.

وقد استخف وزير الداخلية المتطرف جيرالد دارمانين بجهودهن، واتهمهن بمحاولة "ضرب" الجمهورية، مضيفًا: "عندما تلعب كرة القدم، لا تحتاج إلى معرفة دين الشخص الذي أمامك".

وفي 19 يناير 2022 صوتت أعلى غرفة تشريعية فرنسية (مجلس الشيوخ) لصالح تعديل قانون مقترح يشير إلى أن ارتداء "رموز دينية محظور" بالنسبة للمشاركة في فعاليات ومنافسات تنظمها الاتحادات الرياضية.

وزعم أعضاء مجلس الشيوخ في نص قرارهم، أن التعديل يهدف لـ "حظر ارتداء الحجاب في المنافسات الرياضية"، وأن "أغطية الرأس تعرض الرياضيات اللاتي يرتدينه للخطر".

واقترح هذا التشريع كتلة اليمين (الجمهوريون)، وتبناه المجلس بنحو 160 صوتا بنعم مقابل 143 صوتا بـ "لا".

وفي يونيو 2022 قرر مجلس الدولة الفرنسي إبقاء الحظر على ارتداء اللاعبات للحجاب، مبينا أن الاتحاد الفرنسي لكرة القدم من حقه أن يسنَّ القواعد التي يراها ضرورية لـ "حسن سير" المباريات.

وتحظر فرنسا على النساء المسلمات ارتداء الحجاب في المؤسسات العامة، مثل المكاتب الحكومية والمدارس والجامعات. 

ولا يقتصر الأمر على ذلك، فكثير من الشركات وأصحاب العمل ينتهجون أيضاً قواعد غير مكتوبة تقضي بحظر توظيف النساء اللاتي يرتدين الحجاب، وفصل من يقررن الشروع في ذلك.

الأولمبية لا تعارض

ينص ميثاق الألعاب الأولمبية على أنه "لا يُسمح بأي نوع من المظاهرات أو الدعاية السياسية أو الدينية أو العرقية في أي من المواقع أو الأماكن أو المناطق المخصصة للألعاب".

لكن "اللجنة الأولمبية الدولية" التي تضع قواعد المشاركة بالأولمبياد، ترى أن ارتداء الحجاب "ليس أمرا دينيا بل ثقافيا".

وفي 8 يوليو/تموز 2012، نقلت وكالات رويترز البريطانية وأسوشيتد برس الأميركية عن رئيس اللجنة الأولمبية الدولية "جاك روغه" أنه يوافق على السماح بارتداء الحجاب أثناء المباريات، فيما قوبل القرار برفض من الاتحاد الفرنسي لكرة القدم الذي أكد أنه لن يسمح بذلك.

وتابع "روغه" في لقاء صحفي: "نوافق على هذا القرار من الفيفا الذي يتجاوب مع طلبات ثقافية وذات طبيعة دينية مع إتاحة المجال في الوقت نفسه لرياضة بلا خطر بفضل حجاب لا يسبب ضررا للرأس أو للاعبة".

وكان مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم قد رفع مطلع يوليو 2012 الحظر الذي كان يفرضه على ارتداء اللاعبات المسلمات للحجاب، وأعاد صياغة القوانين بعد دراسة تقارير أعدها المسؤول الطبي في "فيفا". وقد أكد على ذات الأمر رسميا خلال عام 2014.

وجرى رفع الحظر المفروض على أغطية الرأس، بعد حملة احتجاجية من ناشطين حقوقيين ورياضيين، وممثلين حكوميين لبعض الدول.

وكانت بطولة كأس العالم للسيدات تحت 17 سنة في الأردن عام 2016، أول حدث دولي من تنظيم الفيفا ترتدي فيه لاعبات مسلمات الحجاب.

وظهرت اللاعبة المحجبة المغربية نهيلة بنزينة بعد مباراة فريقها مع كوريا الجنوبية مع رئيس الفيفا جياني إنفانتينو وهو يحييها بحرارة.

ومنذ حظر فرنسا الحجاب أثناء ممارسة الرياضة، وإعلانها أن هذا سينسحب على دورة أولمبياد باريس 2023، تساءل منتقدو التشريعات الفرنسية عن كيفية تأثيره على بروتوكولات الألعاب، وهل سيتم منع رياضيات محجبات من دول إسلامية؟

وقد بدأ رياضيون وناشطون يطالبون بمقاطعة دورة الألعاب الأولمبية 2024 في باريس، ردا على ما أعلنته وزيرة الرياضة بشأن حظر ارتداء النساء للحجاب وتساءلوا: هل يسري هذا القرار أيضاً على الرياضيين الأجانب؟! 

وكانت أوكرانيا و40 دولة هددوا بمقاطعة دولة الألعاب الأولمبية 2024 في باريس، حال شارك فيها وجرى السماح للرياضيين الروس والبيلاروسيين بالمنافسة فيها، بحسب موقع "يورو بريف نيوز" 3 فبراير 2023، وذلك في خضم استمرار الحرب في كييف.

ولكن هل تعود تهديدات رفض المشاركة انتصارا للحجاب ومنعا للتميز الديني والثقافي هذه المرة؟، هذا ما سيتضح أكثر مع قرب انعقاد المنافسات الأولمبية.