مهمة مزدوجة.. ماذا يفعل "جنرال يوم القيامة" الروسي في الجزائر؟

الاستقلال | منذ ٧ أشهر

12

طباعة

مشاركة

لم تكن زيارة الجنرال الروسي، سيرغي سوروفيكين، القائد السابق للقوات الجوية والفضائية الروسية، إلى الجزائر في 12 سبتمبر/أيلول 2023 اعتيادية في هذا التوقيت الذي تخوض فيه موسكو غزوا شاملا ضد أوكرانيا.

فهي إذ تندرج طبقا لمكانة سوروفيكين العسكرية الكبيرة ضمن الزيارات الدورية التي يقوم بها الضباط الروس بشكل دوري لدولة مثل الجزائر التي تعد ثالث دولة في العالم تشتري الأسلحة الروسية، إلا أنها لا تخرج عن مساعي موسكو في تعزيز حضورها في القارة الإفريقية.

عودة للضوء

ووصل الجنرال سوروفيكين برفقة وفد من وزارة الدفاع في 12 سبتمبر 2023، إلى الجزائر، فيما بدا أنها عودة إلى مزاولة مهامه الرسمية بعد دخوله "دائرة الشكوك" فيما يتعلق بتمرد مجموعة "فاغنر" العسكرية الروسية الخاصة الفاشل في يونيو/حزيران من العام المذكور.

ونشرت صفحة فيسبوك تابعة لمسجد عبد الحميد بن باديس في مدينة وهران غرب الجزائر صورا لسوروفيكين الذي أطلقت عليه وسائل الإعلام الغربية لقب "جنرال يوم القيامة"، وهو يرتدي زيا بنيا فاتحا بدون أي شارات عسكرية وبجانبه ضباط روس بالبزة العسكرية مع إمام المسجد الشيخ أبو عبدالله زبار.

وأرفقت الصور بتعليق: "زيارة وفد روسي رفيع المستوى إلى الجامع الرئيس القطب عبد الحميد بن باديس، وكان في استقبالهم مدير الشؤون الدينية والأوقاف والسيد إمام الجامع الرئيس".

ونشر الإعلام الروسي كذلك صورا من قلب المسجد حيث فتح الشيخ زبار القرآن الكريم على الطاولة وجلس على كرسي يقابله سوروفيكين، وبدأ بالإشارة إلى آيات من المصحف الشريف.

ومدينة وهران، تحتوي على ثاني أكبر قاعد جوية في الجزائر، وهي قاعدة بوسفر، وتكتسي أهمية أكبر من أي قاعدة أخرى حاليا بسبب قربها من المغرب المتوترة علاقتها مع الجزائر.

وسوروفيكين، ملقب في الإعلام الروسي بالجنرال "هرمجدون" لشهرته باستخدام أسلوب التفجيرات المكثفة خلال تدخل روسيا عام 2015 لإنقاذ نظام بشار الأسد من السقوط في سوريا، وقد ترأس لفترة وجيزة حملة روسيا في أوكرانيا عام 2022 قبل خفض رتبته في يناير/كانون الثاني 2023.

وأصبح "هرمجدون" مشهورا بين المنتقدين المتعصبين لمؤسسة الجيش الروسي، ومن بينهم رئيس فاغنر، يفغيني بريغوجين، الذي قُتل جراء حادث تحطم طائرة خاصة بموسكو في 23 أغسطس/آب 2023.

ولدى تقدم مرتزقة فاغنر صوب موسكو عند تمردها أواخر يونيو/حزيران 2023 ظهر "هرمجدون" في تسجيل فيديو وهو يبدو متوترا ويمسك ببندقية ويحثهم على التراجع.

وتوارى "هرمجدون" الذي أثنى عليه بريغوجن علنا بعد التمرد، فيما أفادت حينها صحيفة "نيويورك تايمز" أن المخابرات الأميركية "تعتقد أنه كان يعرف بأمر التمرد سلفا".

ومثل التمرد أكبر تحد لحكم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال 24 سنة في السلطة.

وذكرت وسائل إعلام عديدة أن سوروفيكين صار مغضوبا عليه من الكرملين وأنه يجرى التحقيق معه في احتمال التواطؤ في التمرد.

لكن سوروفيكين عاد إلى دائرة الضوء، حينما ذكرت تقارير غير مؤكدة في سبتمبر/أيلول 2023 أنه عين رئيسا للجنة الدفاع الجوي التابعة لرابطة الدول المستقلة التي تجمع روسيا وثماني دول سوفيتية سابقة أخرى.

دعم الجزائر

وأفادت صحيفة "كوميرسانت" الروسية في 15 سبتمبر 2023، نقلا عن مصدر لم تسمه، بأن "الثقة في سوروفيكين لا تزال على أعلى مستوى، ومن المحتمل أن تكون رحلة الجنرال إلى الجزائر مرتبطة بتعيينه المحتمل في منصب سيكون مرتبطا بالعمل في الاتجاه الشرقي".

وجاءت زيارة سوروفيكين للجزائر، عقب بحث وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، في 2 أغسطس/آب 2023 مع قائد الجيش الجزائري السعيد شنقريحة، تعزيز التعاون العسكري بين البلدين.

وأوضحت الوزارة الجزائرية حينها في بيان أن جلسة عمل موسعة عقدت بين وفدي البلدين، شهدت بحث "سبل دعم التعاون بين جيشي البلدين، وأفق تعزيزه".

ونقلت وسائل إعلام روسية بينها موقع "روسيا اليوم" أن شنقريحة أكد خلال لقائه مع شويغو، على أن "الشعب الجزائري يقدر المساعدات التي قدمتها موسكو للجيش الجزائري، لتعزيز قدراته الدفاعية ومواجهة التهديدات والتحديات التي تواجه البلاد".

من جهته، أكد شويغو على استعداد موسكو "المساعدة في تعزيز القدرات القتالية للجيش الجزائري"، حسبما نقلت "روسيا اليوم".

وتأتي زيارة شنقريحة إلى روسيا بعد زيارة قام بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى موسكو في 14 يونيو 2023 وأسفرت عن توقيع "إعلان الشراكة الإستراتيجية المعمقة بين البلدين".

ووفق تقرير معهد "ستوكهولم الدولي لأبحاث حول السلام" (SIPRI)، الصادر في مارس/ آذار 2023، تعد الجزائر ثالث مستورد عالمي للسلاح الروسي، بعد الهند والصين، فيما ‏تعد موسكو أول ممول للجيش الجزائري بالأسلحة والأنظمة الحربية بنسبة تفوق ‏‏50 بالمئة.‏

وبدأت الجزائر وروسيا في تطوير العلاقات الاقتصادية والأمنية في ستينيات القرن العشرين عندما أصبحت موسكو المورد الرئيس للأسلحة للجزائر، حيث سعت الدولة المستقلة حديثا وقتها إلى بناء جيشها.

ومنذ ذلك الحين ما يزال التقارب الدفاعي قائما، حيث بدأ يتزايد أكثر فأكثر مع توثيق تبون علاقاته مع بوتين وخاصة حينما اتخذت الجزائر موقف الحياد من غزو أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022.

وأشارت تقارير إلى أن الجزائر وقعت عام 2021 صفقة أسلحة مع روسيا بقيمة تزيد على 7 مليارات دولار.

وبحسب ما ورد فإن الصفقة ستشهد قيام روسيا ببيع طائرات مقاتلة من طراز Su-57 وأنظمة دفاع جوي.

ومنذ عام 2002، جاء ما يقرب من 76 بالمئة من واردات الجزائر من الأسلحة من روسيا، وتعد الجزائر باستمرار من بين الوجهات الخمس الأولى في العالم للأسلحة الروسية.

سيناريوهات الزيارة

ولهذا، فإن الجزائر تستضيف بشكل دوري مسؤولين أمنيين روس كبار، حيث استقبلت عام 2023 نيكولاي باتروشيف، الذي يشغل منصب أمين مجلس الأمن، وديمتري شوغايف، الذي يرأس الخدمة الفيدرالية للتعاون العسكري التقني. 

وقد يتحول اعتماد الجزائر التاريخي على الدعم العسكري الروسي أيضا إلى نقطة ضعف، حيث تعيق آثار حرب أوكرانيا قدرة موسكو على بيع الأسلحة والمعدات المرتبطة بها.

وبالفعل، أدى الغزو الروسي على الجارة أوكرانيا إلى إعاقة صادرات موسكو من الأسلحة إلى مختلف أنحاء العالم.

وأكدت دراسة حديثة لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام في 13 مارس 2023 أن الأسلحة الروسية قد انخفضت بأكثر من 30 بالمئة بين الفترتين 2013-2017 و2018-2022، وقد وجد عملاء روسيا منذ فترة طويلة صعوبة متزايدة في الحصول على قطع الغيار والمكونات اللازمة للمشتريات الحالية، فضلا عن القيام بعمليات شراء جديدة.

وفي السياق، حدد الباحث في العلاقات الدولية، عدنان محتالي، سيناريوهات عدة متعلقة بزيارة سوروفيكين إلى الجزائر التي جاءت بعد أشهر من الغياب عن الحياة العامة نتيجة عزله من مهامه بسبب ارتباطاته بمجموعة "فاغنر" عقب تمردها.

ونقلت صفحة فيسبوك باسم "جيوبولوتيك الجزائرية" عن محتالي قوله في 15 سبتمبر 2023: "من المحتمل أن زيارة سوروفيكين إلى الجزائر جاءت بهدف الراحة وإمضاء عطلته فيها، أما الأشخاص الذين يرافقونه والذين يلبسون بزات رسمية للجيش، قد تكون لطاقم الملحقة العسكرية كونه شخصية عسكرية وينبغي أن يرافقه أعضاء الملحقة بالجزائر".

ورأى محتالي أن "زيارة سوروفيكين إلى وهران قد تكون مرتبطة بالسيناريوهات المتعلقة بسلاح الجو، وقد تكون مثلا لنقل تجربته إلى الكوادر الجزائرية في مجال اختصاصه، وأو من أجل الإشراف على تدشين منشأة مهمة تحتوي على تكنولوجيا روسيا رفقة نظرائه الجزائريين أو من أجل الإشراف على تسليم منصة عسكرية".

واستطرد: "يجب ألا ننسى أن مكان تسليم طائرات Mig-29 الأخيرة منذ سنتين كان في وهران أيضا، على العموم، سبب وجوده إذا كان رسميا قد يكون على الأرجح على علاقة بعمل ميداني تختص به وهران".

تطمين الحليف

وألمح محتالي إلى أن "ارتداء سوروفيكين البدلة غير الرسمية، هو ربط نوع ما من الاتصالات غير المباشرة مع قوات فاغنر، نعم قد يبدو الأمر غريبا بل ومثيرا للحفيظة، لكن الحقيقة هي أن الجزائر لا تتعامل مع أطراف غير رسمية".

وتابع: "من جهة أخرى، الملاحظ أن الدولة الروسية اليوم تحاول إبعاد نفسها عن فاغنر، مانحة إياها استقلالية ظاهرية، وهنا يدخل دور سوروفيكين، فلقد لعب في الشهور الأخيرة دور منسق أو مفاوض بين فاغنر ووزارة الدفاع الروسية".

وفي أغسطس/آب 2023، اندلعت مشادات عنيفة بين "فاغنر" التي تدعم الجيش المالي، وبين حركات "الأزواد" الموقعة على اتفاق الجزائر للسلام، في مايو/ أيار 2015، التي تهدد بنسف الاتفاق، وعودة الاقتتال قرب الحدود.

وحركة الأزواد التي يقودها الطوارق لها علاقات وثيقة مع الجزائر، فالمنطقة المتنازع عليها كانت معقلا لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، والتي انسحبت بطلب من الحكومة المالية، وهذا ما دفع كلا من "الأزواد" والجيش المالي، إلى محاولة السيطرة على المنطقة.

وفي ذات الإطار، قال محتالي إن "فاغنر اليوم تقوم بمهام قتالية تتعارض مع المصلحة الجزائرية، الأمر الذي من المؤكد أنه يغضب السلطات الجزائرية وقد يسبب أزمة (صغيرة) بينها وبين موسكو".

وتابع: "بما أن موسكو تتجنب اليوم التعامل المباشر مع فاغنر، فلا أحسن من سوروفيكين كقائد عسكري سابق يملك علاقة متينة مع قادة المجموعة ويحوز على ثقتها، من أجل بناء تفاهمات مع السلطات الجزائرية حول تأطير عمل فاغنر دون الإضرار بالمصالح الجزائرية".

وفي 30 يونيو/ حزيران 2023، رأى تبون أن الأموال التي يدفعها المجلس العسكري الحاكم في مالي الحدودية مع الجزائر مقابل خدمات مرتزقة فاغنر ستكون "أكثر فائدة" إذا تم استثمارها في مشاريع اقتصادية.

وفي مقابلة مع صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية، قال تبون "الإرهاب ليس أكثر ما يقلقني، يمكننا هزيمته، أنا قلق أكثر من حقيقة أن منطقة الساحل تغرق في البؤس، الحل هناك هو 80 بالمئة اقتصادي و20 بالمئة أمني".

وتزامن كلام تبون وقتها مع إعلان معظم الجماعات المسلحة المالية التي وقعت على اتفاق الجزائر للسلام عام 2015، ومن بينها تنسيقية حركات "أزواد" تعليق المشاركة في الاتفاق بداعي "الغياب المستمر للإرادة السياسية" للمجلس العسكري في تنفيذ بنوده.

وشهدت مالي انقلابين عسكريين في أغسطس 2020 ومايو 2021، ورغم نفي المجلس العسكري، تمت الاستعانة بخدمات فاغنر ودفع قوة "برخان" العسكرية الفرنسية إلى مغادرة البلاد بعد 9 أعوام من الوجود العسكري.