"الثورة لم تنته والنظام لم ينتصر".. ما سر انزعاج الأسد من احتجاجات السويداء؟

الاستقلال | منذ ٧ أشهر

12

طباعة

مشاركة

تحولت احتجاجات محافظة السويداء المتمسكة منذ تفجرها في 20 أغسطس/ آب 2023 برحيل رأس النظام السوري بشار الأسد إلى صورة جامعة لمطالب السوريين منذ اندلاع الثورة عام 2011.

وباتت تلك الاحتجاجات المتمسكة بتطبيق القرار الأممي 2254 الممهد للحل السياسي بسوريا والبدء بمرحلة انتقالية، تحرج نظام الأسد أكثر فأكثر كونه أفشل خلال العقد الأخير كل المساعي الداعية للتغيير السياسي.

ضرورة التغيير بسوريا

ومن هنا أعاد محتجو السويداء تثبيت مطالب المتظاهرين السوريين السلميين التي نادوا بها حينما انتفضوا لإنهاء حكم الاستبداد وقيام سوريا المدنية التعددية الديمقراطية.

وتنبع خصوصية السويداء من كونها تضم النسبة الأكبر من الأقلية الدرزية، ولهذا أكد محتجوها مجددا على خدعة حماية الأقليات من قبل النظام السوري في المحافل الدولية.

ويقتصر نفوذ النظام السوري بمحافظة السويداء الحدودية مع الأردن، على مبان حكومية وقطع عسكرية بريفها، لكنه منذ الاحتجاجات باتت سلطته هناك معدومة بعد إغلاق المؤسسات الحكومية ومقرات حزب البعث الحاكم.

وراهنا بات شكل الحراك في مدينة السويداء أكثر وضوحا مع تمسك الشارع بالمطالب السياسية الداعية إلى التغيير.

وسط تنظيم المظاهرات اليومية بالحد الأدنى من العدد في المدينة، مع حشد الآلاف كل يوم جمعة في مظاهرة مركزية بساحة الكرامة وسط المدينة التي تحولت إلى معلم ثوري يعبر من خلالها المنتفضون عن مطالبهم عبر الأهازيج التي تطالب برحيل الأسد وترفع شعارات سياسية مناهضة له وتؤكد على ضرورة البدء بتطبيق الحل السياسي بعيدا عن الأسد.

وكذلك إنهاء الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري، وانسحاب المليشيات الموالية لإيران، والقضاء على تهريب المخدرات الذي أصبح تجارة منظمة يديرها النظام وضباط مقربون منه وعلى رأسهم اللواء ماهر شقيق بشار الأسد وفق كثير من التحقيقات الصحفية.

واللافت هو دعم الهيئات الروحية الدرزية للمطالب المشروعة في السويداء ومشاركتهم في الاحتجاجات والتي أكسبها زخما غير مسبوق، وأحرجت النظام السوري الذي كان يلجأ على مشيخة العقل سابقا لتهدئة الاحتجاجات السابقة التي كنت تتكرر فيها بين الفينة والأخرى.

كما أن احتجاجات السويداء بعثت برسائل سياسية إلى حلفاء النظام السوري روسيا وإيران، وأكدت عبر شعارات مكتوبة بأنهم يقفون مع "مجرم وقاتل استخدم الكيماوي بحق الشعب السوري".

وفي موقف متقدم لرئيس الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في محافظة السويداء الشيخ حكمت الهجري الذي يقف مع المحتجين ويدعم مطالبهم، دعا إلى "الجهاد" ضد المليشيات الإيرانية التي قال إنها "محتلة لأراضينا والجهاد ضدها واجب"، وذلك في خطاب ألقاه بمضافته أمام جمع من أهالي المحافظة بتاريخ 13 سبتمبر/أيلول 2023.

وجاء كلام الهجري بعد ساعة من إصابة محتجين برصاص حرس مبنى قيادة فرع حزب البعث في مدينة السويداء، خلال محاولتهم إغلاق المبنى.

وأضاف الهجري بالقول: "إن الساحات لنا يوما ويومين، شهرا وشهرين، سنة وسنتين ولن نتراجع"، داعيا المحتجين إلى البقاء في الساحات والميادين "حتى تحقيق المطالب المحقة".

وعكس كلام الهجري صلابة موقف المحتجين وأنهم ماضون في التمسك بموقفهم؛ الأمر الذي أعطى دليلا على أهمية الحراك واستمراره في هذا التوقيت في التأثير سياسيا وإقليميا على نظام الأسد الذي تنفس الصعداء بعد إعادة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة العربية.

وذلك بقرار من وزراء الخارجية العرب في 7 مايو/أيار 2023، ثم حضور رأس النظام بشار الأسد القمة العربية بمدينة جدة في 19 من الشهر المذكور بدعوة من السعودية.

لكن النظام السوري لم يقدم خطوات بناء ثقة ملموسة مع الدول العربية التي طبعت العلاقات معه، الأمر الذي خلق حالة من الجمود السياسي في العلاقة معه.

ولهذا فإن مظاهرات السويداء التي اندلعت في الوقت الذي كان ينظر فيه إلى الأسد على أنه حقق مكاسب سياسية من التطبيع العربي، قد حرمته من تحقيق بعض المكاسب الاقتصادية أيضا.

إحراج الأسد

وضمن هذا السياق أكد الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان، أن "مظاهرات السويداء تركت أثرا سياسيا بالغا على النظام السوري، إذ إنها تعني بطلان دعاية النظام التي سوقتها له إيران وروسيا بأن الحرب قد انتهت والأوضاع قد استقرت، وأن النظام عاد أقوى مما كان وأنه قادر على إدارة المناطق الخاضعة له".

وأضاف علوان لـ "الاستقلال": كل هذا تلاشى بشكل سريع مع فقدان النظام السوري السيطرة بشكل كامل على المشهد الميداني في جنوب سوريا عموما والسويداء بشكل خاص".

وتمكنت إيران منذ تدخلها عسكريا عام 2012 من تفكيك اقتصاد الدولة السورية، وانتزاع حصص اقتصادية تعد من الثروات السيادية لسوريا، وكل ذلك لقاء دعمها المالي لمنع سقوط الأسد، ومقابل أموالها التي صرفتها في البلاد.

كما أن التدخل العسكري الروسي نهاية سبتمبر/أيلول 2015، الذي صنف كأهم نقاط التحول في الثورة السورية على الصعيد السياسي والعسكري، من ناحية رجحان كفة النظام السوري على المعارضة، حيث لم يكن دون ثمن بالنسبة للدولة الروسية.

ويؤكد ذلك توقيع روسيا ما يقارب 40 اتفاقا اقتصاديا وصفقة تجارية مع النظام السوري خلال العقد الأخير.

فضلا عن تأمين موسكو وجودا دائما لها على ساحل البحر المتوسط، عبر توقيع عقدي استئجار طويلي الأجل عام 2017 لمدة 49 عاما قابلة للتمديد لمدة 25 سنة أخرى، لكل من قاعدة حميميم الجوية بريف اللاذقية وأخرى بحرية على ساحل طرطوس.

ولحفظ تلك المصالح فقد اجتهدت موسكو وطهران كثيرا في محاولة إعادة تعويم نظام الأسد عربيا ودوليا.

ورأى علوان أن "استمرار المظاهرات في السويداء خطير بالنسبة للنظام السوري الذي يراهن على بث الفوضى والتضييق عليها حتى يدفعهم للقبول ببعض التنازلات التي سيطرحها".

وأشار إلى أن "مظاهرات السويداء أثرت على النظام السوري كونها جاءت بالتزامن مع تراجع التطبيع العربي معه من بعض الدول، بعدما أثبت النظام لهؤلاء المطبعين أنه غير مستعد وغير جاد وغير قادر على تغيير أي شيء في سلوكه وفي أدائه تجاه الداخل السوري وتجاه دول الجوار والمنطقة".

الحل 2254

مظاهرات السويداء أعادت التأكيد على أنه لا يمكن تجاوز الحل السياسي بسوريا من قبل بعض الدول لتحقيق مكاسب سياسية متماشية مع تحالفاتها الإقليمية الجديدة.

فقد حاول النظام السوري وفق المراقبين دفع بعض الدول العربية لإحياء العلاقات معه دون تقديم أي تنازلات للسوريين والإفلات من تطبيق العملية السياسية عبر تدوير عجلة اقتصاده من جديد ومنح مناطقه مزيدا من التعافي.

وعطل نظام الأسد على مدى السنوات الماضية، تحقيق أي تقدم في سلال العملية السياسية السورية الأربع، وهي: الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.

وقد اعترف المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في إحاطاته الصحفية بتعطيل نظام الأسد لتلك العملية عبر اتباع "سياسية المماطلة".

ولهذا باتت احتجاجات السويداء شوكة في حلق النظام السوري كونه لم يعد يستطيع الإنكار أمام المجتمع الدولي أن المطالبة بالتغيير هي مطلب سوري جامع ومن كل الأطياف المجتمعية.

وخير دليل على دحض روايات النظام حراك السويداء المتواصل والذي ينادي بتطبيق القرار الأممي 2254 الذي ظن الأسد أنه ولى بعد موجة التطبيع معه.

فضلا عن كون احتجاجات السويداء الجديدة ركزت على الاستهزاء بشخص بشار الأسد والمطالبة برحليه، وهي إحدى الصور المحرجة للنظام السوري، كونه دأب على الترويج بأنه حامي الأقليات الدينية.

وكان محتجو السويداء ثبتوا مطالبهم في بيان مصور نشر بتاريخ 30 أغسطس/آب 2023، وتمثلت في إسقاط النظام وأجهزته الأمنية، وأنه لا يمكن تحقيق السلام والاستقرار في سوريا إلا برحيل بشار الأسد.

وأضاف مروان حمزة، أحد منظمي الاحتجاجات الذي تلا البيان أن "الحراك يسعى إلى بناء دولة مواطنة وقانون، وليس استبدال سلطة بأخرى".

ويعد هذا البيان إعلانا سياسيا من محافظة السويداء لتبني أدبيات ومطالب الثورة السورية في تحقيق انتقال سياسي لا دور فيه لبشار الأسد أو رموز نظامه.

صياغة الأولويات

وضمن هذه الجزئية قدم المعارض السوري البارز برهان غليون قراءة للمشهد السوري عقب احتجاجات السويداء بقوله: "إن انتفاضة السويداء لم تبعث روح ثورة/ آذار 2011 وتعيد اشعال فتيلها فحسب ولكنها في طريقها لصياغة الأجندة أو الأولويات الراهنة لكفاح السوريين من أجل العدالة والحرية".

وأضاف غليون في منشور على صفحته في فيسبوك: "إن الاستمرار في حركات التظاهر والاحتجاج من دون توقف وتوسيع انتشارها حتى إسقاط النظام الذي يعيش حالة تفكك وإنهاك متسارعين تجعله عاجزا عن الحركة بل عن الكلام".

ورأى المعارض السوري أن الاحتجاجات ضد النظام أكدت" على توحيد إرادة السوريين جميعا حول محاربة الاحتلال الإيراني وطرد مليشياته التي كان لها النصيب الأكبر ولا يزال في الابقاء على النظام وإلهامه سياساته الإجرامية ضد المدنيين العزل منذ بداية الأحداث".

وأوضح غليون أن احتجاجات السويداء "بلورة توافق وطني سوري يجري بصمت حول برنامج بسيط وواضح هو تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 وتكوين مركز استقطاب للقوى السورية وللحوار الوطني يضمن الانتقال السياسي الهادئ والسلمي للدولة من نظام التسلط الفردي والتبعية للخارج إلى نظام ديمقراطي يؤكد سيادة الشعب ويشارك في بنائه بالتساوي جميع السوريين على مختلف اعتقاداتهم وانتماءاتهم وأصولهم وأديانهم".

من جهته رأى معاذ الخطيب، المعارض السوري الذي تولى منصب أول رئيس للائتلاف المعارض عام 2012، أن "ما يجري في السويداء لم قلوب السوريين وقوض كل فكرة لتقسيم سوريا".

ودعا الخطيب في سلسلة كتابات على منصة "إكس" بتاريخ 16 سبتمبر 2023 "السوريين جميعا للخلاص من الظلم وبناء دولة العدل والكرامة والقانون". وراح يقول: "لنبق شعبا حرا واحدا يرفض التشرذم والانقسام والتقسيم".

وأمام حراك السويداء تلقى النظام السوري دعوات من دول غربية للذهاب نحو الحل السياسي ضمن إطار القرارات الأممية.

إذ دعا المبعوث الألماني الخاص إلى سوريا، ستيفان شنيك، بتاريخ 14 سبتمبر/أيلول 2023، النظام السوري إلى الامتناع عن أعمال العنف والمشاركة في الحوار الذي تقوده الأمم المتحدة بموجب القرار 2254.

من جانبه، نشر حساب "السفارة الأميركية في سورية" عبر معرفاته على مواقع التواصل الاجتماعي بيانا بتاريخ 14 سبتمبر/أيلول 2023 عبر فيه عن "قلق" واشنطن من مجريات الأحداث في الجنوب السوري.

وأضاف البيان: "ندعم حق الشعب السوري في التظاهر بسلام من أجل الكرامة والحرية والأمان والعدالة". ورأى أن "الحل السياسي وفقا للقرار الأممي رقم 2254 هو الحل الوحيد الممكن لهذا النزاع".