عام على مقتل مهسا أميني.. لماذا فشلت الحركة الاحتجاجية في إيران؟

12

طباعة

مشاركة

بعد مرور عام على مقتل الفتاة الإيرانية مهسا أميني، في الانتفاضة الإيرانية، تدور تساؤلات حول سبب فشل هذه الحركة الشعبية الواسعة في إحداث تحول سياسي بالجمهورية الإسلامية.

ففي 13 سبتمبر/ أيلول 2022، أُلقي القبض على مهسا أميني، 22 عاما، في طهران من قبل شرطة الأخلاق التابعة للحكومة الإيرانية، بزعم انتهاكها القواعد المتعلقة بارتداء الحجاب.

ودخلت الشابة في غيبوبة بعد ساعات قليلة من اعتقالها وتوفيت بعد ثلاثة أيام، في 16 سبتمبر 2022، في ظروف مريبة.

وكانت وفاتها المبكرة بمثابة حافز للاضطرابات التي اجتاحت المجتمع الإيراني، مما أدى إلى اندلاع مظاهرات واسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد.

وفاة الحركة الإصلاحية

ويقول موقع "ميديل إيست آي" البريطاني إن "هذه الاضطرابات الفوضوية تشكل واحدة من أهم فترات الاضطرابات التي شهدتها إيران منذ ثورة 1979". 

إذ أثار رحيل مهسا أميني المحزن موجة من الغضب الشعبي أدت إلى الاضطرابات الأبرز في تاريخ إيران ما بعد الثورة. 

واحتشد الشباب، خاصة في المدن الكبرى، لدعم الانتفاضة، في حين لعبت النساء دورا غير مسبوق كركائز للحركة.

ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لوفاة مهسا أميني، حذرت السلطات الإيرانية مرارا وتكرارا من احتمال حدوث موجة جديدة من الاضطرابات.

وفي هذا السياق، يطرح الموقع تساؤلا: "كيف تختلف هذه الحالة عن الأحداث السابقة؟ ولماذا فشلت في إحداث تحول سياسي في إيران؟"

ويوضح "ميديل إيست آي"، بنسخته الفرنسية، أنه في نهاية الولاية الثانية للرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، عمل مجلس صيانة الدستور، وهو هيئة محافظة متشددة مكلفة بمراجعة الترشيحات، على إزالة جميع المرشحين المعتدلين والإصلاحيين.

إذ جرت هذه المناورة قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2021، التي فاز بها إبراهيم رئيسي، المؤيد القوي للمرشد الأعلى علي خامنئي.

ويشير الموقع إلى أنه بذلك، أصبح من الواضح على نحو متزايد أن المتشددين، الذين لم يكن بوسعهم اتخاذ هذه الخطوة دون موافقة المرشد الأعلى لإيران، قرروا التطهير الدائم للإصلاحيين والمعتدلين الذين أشرفوا على الإدارة وحافظوا على وجود كبير في البرلمان لمدة ثلاثة عقود من الزمن.

وبحسب الموقع، تعكس هذه الخطوة نهجا مشابها اُتبع في الانتخابات التشريعية لعام 2019، حيث تم استبعاد المرشحين الإصلاحيين والمعتدلين على نطاق واسع.

ويذهب إلى أن كلتا المناورتين سمحت للمتشددين بالسيطرة على فروع الحكومة الثلاثة للمرة الأولى منذ تولى خامنئي السلطة عام 1989.

وبهذا الشكل، اتسمت الانتخابات الرئاسية لعام 2021 بأدنى نسبة مشاركة مسجلة منذ ثورة 1979.

وفي طهران، المعقل التاريخي للفصائل الإصلاحية التي تعارض الحكومة، انخفض معدل المشاركة الانتخابية من 70 بالمئة عام 2017 إلى 34 بالمئة في 2021. 

كما يلفت الموقع إلى أن انتخاب رئيسي جاء نتيجة لتلاعب كبير في عملية اختيار المرشحين من قبل مجلس صيانة الدستور. 

وبذلك، يؤكد أن "ما حدث كان بمثابة نهاية فصل من فصول الحركة الإصلاحية في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية". 

التمرد المحافظ

ويشير إلى أنه بعد أشهر قليلة من وصول إدارة رئيسي، أدى انتصار المحافظين، الذين سيطروا على فروع الحكومة الثلاثة، إلى تعزيز ثقتهم، مما دفعهم إلى الاعتقاد بأنهم قادرون على تنفيذ برنامجهم دون معارضة. 

ويوضح "ميديل إيست آي" أنه في هذا السياق، أعادوا تنشيط ونشر شرطة الأخلاق بشكل غير رسمي، حيث هاجمت هذه القوات النساء المتهمات بعدم احترام قواعد اللباس بشكل عنيف ووحشي.

وبحلول سبتمبر 2022، بدت احتمالات التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والقوى العالمية قاتمة بشكل متزايد. وفي الوقت نفسه، كانت البلاد تواجه موجة تضخم غير مسبوقة وصلت إلى أرقام قياسية جديدة. 

ووفقا للبيانات الرسمية، بلغ معدل البطالة بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاما إلى 16.3 بالمئة، ومن بينهم خريجو الجامعات الشباب الذين يمثلون 41 بالمئة من إجمالي العاطلين عن العمل.

ويقول الموقع: بينما كان 30 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر، وفقا للإحصاءات الحكومية، انتقل 23 مليونا آخرون من الطبقة المتوسطة إلى فئة جديدة، هي "الطبقة المتوسطة الفقيرة".

ويصف أن هذا الوضع خلق "خلفية قاتمة، أطفأت أي بصيص من الأمل لدى جزء كبير من المجتمع، وخاصة بين الشباب من سكان المدن".

ولذلك، عندما قتلت مهسا أميني، كانت القنبلة جاهزة للانفجار، وساعد الناشطون الإيرانيون في دفع الأخبار إلى صدارة الأخبار العالمية.

ورغم ذلك، لم تجلب هذه الانتفاضات أي تغييرات سياسية، حسب "ميدل إيست آي".

لذلك، يرى أنه "من الضروري إعادة النظر في هذه الانتفاضة، لتحديد الأسباب المحتملة التي أدت إلى عدم إحداث حركة بهذا الحجم تحول سياسي في إيران".

أبرز الثغرات

يذهب "ميديل إيست آي" إلى أن "غياب القيادة الفعالة كان هو السبب الأكثر وضوحا لفشل الحركة الاحتجاجية".

إذ أكد الخبراء على الحاجة إلى قيادة تحظى بشعبية واسعة وبعيدة عن قبضة الحكومة الإيرانية.

من ناحية أخرى، يعتقد الموقع أن "القمع العنيف للمتظاهرين لعب دورا كذلك في فشل محاولتهم للإطاحة بالنظام". 

وبدأت المظاهرات بشعار تقدمي للغاية "المرأة، الحياة، الحرية"، والذي عبر عن معارضة حازمة للارتداء الإلزامي للحجاب، لكن سرعان ما احتلت الشعارات التخريبية والمناهضة للديكتاتورية، التي تستهدف خامنئي على وجه الخصوص، مكانة بارزة في داخل الحركة.

ومع ذلك، يؤكد الموقع أن "حقوق المرأة، سواء في إيران أم خلال المسيرات الحاشدة وغير المسبوقة التي نظمتها الجالية الإيرانية في الشتات، لعبت دورا مركزيا في الاحتجاجات".

ولكن في حين أن قضية التمييز ضد المرأة لاقت صدى لدى جيل الشباب، فقد أعاقت بشكل متناقض تشكيل ثورة ضد النظام القائم.

وعزا الموقع ذلك إلى أن هذه القضية لم تعالج الشغل الشاغل لجزء كبير من المجتمع، ألا وهو النضالات الاقتصادية للطبقة العاملة.

وبالتالي، يخلص إلى أن "وجود الشباب سهل الانتشار السريع للتظاهرات، إلا أنهم لم يتمكنوا من التغلغل في المجتمع بعمق واستقطاب شرائح اجتماعية متنوعة للانضمام إلى النضال".

ويسلط الموقع الضوء على عامل آخر أسهم في الفشل بتشكيل حركة شاملة، وهو إحجام القطاع الديني الليبرالي في المجتمع عن الانخراط بشكل كامل في النضال. 

ورغم موافقتها على أهداف الحراك، فإن هذه الفئة كانت منزعجة من بعض الأعمال الاستفزازية التي قام بها متظاهرون في الخارج.

ومن هذه الأعمال الاستفزازية على سبيل المثال، المتظاهرون الذين يتجردون من ملابسهم للتعبير عن معارضتهم للقيود التي تفرضها الحكومة الإيرانية على النساء.

ويشير الموقع إلى أن الحكومة من جانبها استغلت هذه الإجراءات للتنديد بحركة "المتعة" و"الفساد الأخلاقي"، وهو الأمر الذي أدى إلى إضعاف مصداقيتها.