إقصاء عمران خان ومحاكمته.. هكذا يتحكم جيش باكستان في المشهد السياسي

قسم الترجمة | منذ ٩ أشهر

12

طباعة

مشاركة

طوال تاريخ باكستان المستقل منذ عام 1947، كان للجيش دائما أهمية استثنائية ونفوذ وتأثير في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد. 

ولعب الجيش دورا حاسما في معظم الحالات في اختيار جميع رؤساء وزراء البلاد، ولما يقرب من نصف تاريخ باكستان (34 عاما من 76) حكم الجنرالات بشكل مباشر من خلال الانقلابات العسكرية.

ويتجلى ذلك في آخر تدخل مكشوف للجيش في إدانة رئيس الوزراء السابق عمران خان وإقصائه من الحياة السياسية بعد أن حظي بدعم للفوز بانتخابات عام 2018.

تأثير استثنائي

وقالت صحيفة "إيل بوست" الإيطالية إن "للجيش الباكستاني مصالح اقتصادية ضخمة في جميع أنحاء البلاد، ويدير جزءا كبيرا من وسائل الإعلام والدعاية ويتمتع بقوانين خاصة تسمح فعليا بفرض عقوبات شديدة على أي شخص ينتقد الجيش".

وأشارت إلى أن "التأثير الاستثنائي للجيش في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في باكستان بات واضحا خلال الصراع السياسي الشديد بين رئيس الوزراء السابق خان وقادة الجيش في الأشهر الأخيرة".

وبعد الإطاحة به عام 2022، تذكر إيل بوست أن خان الذي أصبح رئيسا للوزراء عام 2018 بدعم عسكري، شن حملة واسعة ضد الجيش مما أدى إلى اعتقاله مرارا وتكرارا إلى أن تم  الحكم عليه أخيرا بالسجن ثلاث سنوات، ولن يتمكن من المشاركة في الانتخابات المقبلة.

وأوضحت أن "تأثير الجيش في باكستان يعود إلى ما قبل الاستقلال والانفصال عن الهند، وهو واسع الانتشار لدرجة أن باكستان غالبا ما توصف بأنها (نظام هجين) بالنظر إلى نفوذ العسكريين على الحكومات المدنية".

في باكستان، تعيد الصحيفة التأكيد على أن "الجيش يتمتع بنفوذ كبير ويرجع ذلك جزئيا إلى تاريخ البلاد".

وتوضح أن إسلام آباد "شعرت بعد الانفصال عن الهند والحروب العديدة التي دارت بين البلدين، دائما بحالة من الضعف والحصار مما جعل من الحفاظ على قوة جيش مؤثر أمرا ضروريا". 

بالمقارنة مع الهند، كانت باكستان أيضا دولة أصغر وأقل سكانا بينما كان اقتصادها أقل ازدهارا. 

علاوة على ذلك، خلال الحرب الباردة، رأت الولايات المتحدة في باكستان حليفا مهما ضد الاتحاد السوفيتي، ودعمت الجنرالات اقتصاديا وعسكريا.

ودفع الهوس بالحرب مع الهند، وفق تعبير الصحيفة، الجيش الباكستاني إلى تبني إستراتيجيات ومواقف غامضة إلى حد ما.

وبينت أنه بدأ بين السبعينيات والثمانينيات في تطوير علاقات وثيقة للغاية مع أفغانستان، حافظ عليها حتى مع وصول حركة "طالبان" إلى السلطة عام 1996. 

وعلى مدى عقود، ازداد النفوذ الاقتصادي والسياسي للجيش على باكستان وتقدر أصوله اليوم بما يقارب 40 مليار دولار، بينما يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للبلاد حوالي 350 مليار دولار. 

ويدير الجيش أيضا بشكل غير مباشر العديد من وسائل الإعلام ولديه نظام دعاية قوي أصبح أيضا فعالا جدا على وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة، إلا أن تأثيره في مجال السياسة يعد الأكثر وضوحا، تشدد الصحيفة.

في هذا الإطار، تلاحظ بأنه منذ عام 1947، لم يستكمل أي رئيس وزراء ولاية كاملة مدتها خمس سنوات فيما تخلل هذه الفترة ثلاثة انقلابات عسكرية، سنوات 1958 و1977 و1999. 

أخطرها، وفق وصف الصحيفة، كان الانقلاب الذي حدث عام 1977 ضد رئيس الوزراء، ذو الفقار علي بوتو، "الذي اتُهم بجريمة ربما لم يرتكبها وتم إعدامه شنقا".

اغتيلت ابنته بينظير بوتو، رئيسة للوزراء في فترتين خلال الثمانينيات والتسعينيات، عام 2007 في ظروف غامضة بينما كان يدير السلطة عسكري آخر هو الجنرال برويز مشرف.

تلويث الديمقراطية

وأشارت إيل بوست إلى أن السلطة كانت دائما خلال الحكومات المدنية في أيدي الجيش لا سيما في يد رئيس الأركان. 

الحزبان السياسيان الرئيسان في باكستان، حزب الشعب وحزب الرابطة الإسلامية مستقلان رسميا، تذكر الصحيفة، مبرزة سعي قيادتيهما للحصول "على دعم الجيش لعلمهم بأنه بدونه لا يمكن لأي حكومة الاستمرار في السلطة".

وعدت قضية خان، الذي كان قبل أن يصبح سياسيا ورئيسا للوزراء بطلا كبيرا للكريكيت محبوبا جدا في باكستان وخارجها، "رمزية لتأثير الجيش".

بعد مسيرة رياضية مميزة، دخل خان السياسة عام 1996 بتأسيس حزب جديد، "حركة الإنصاف"، إلا أنه ظل لمدة عقد تقريبا شخصية هامشية في السياسة الباكستانية بمقاعد قليلة أو معدومة في البرلمان. 

تغيرت الأمور بعد سنوات، عندما قرر رئيس أركان الجيش قمر جاويد باجوا استخدام شعبية خان للترويج لحزب حركة إنصاف كثالث أكبر قوة سياسية في البلاد واحتواء نفوذ الحزبين الرئيسين، "الشعب" و"الرابطة الإسلامية".

لكن في غضون سنوات قليلة، بدأت العلاقة بين خان ورئيس الأركان باجوا في التدهور في ظل عدم رضا الجيش عن النتائج الاقتصادية للحكومة ومحاولات رئيس الوزراء العديدة تحقيق استقلالية عن السيطرة العسكرية.

لذلك نهاية العام 2022، استخدم الجيش مرة أخرى نفوذه لإقناع حزب الشعب والرابطة الإسلامية للتصويت بحجب الثقة عن خان في البرلمان وعزله.

من جهته، شرع خان بعد أن فقد منصبه في حملة ضد الجيش مستفيدا من الشعبية الضخمة التي يتمتع بها، ودعا أنصاره إلى مظاهرات ضخمة في جميع أنحاء باكستان، متهما الجيش بتلويث الحياة الديمقراطية في البلاد، وداعيا إلى انتخابات حرة جديدة. 

إلا أنه اعتُقل في مايو/ أيار2023 بتهم فساد وسرعان ما أطلق سراحه بحكم من المحكمة العليا، إثر احتجاجات ضخمة من أنصاره الذين هاجموا العديد من المباني التابعة للجيش.

جراء ذلك، بات قمع الجيش قاسيا للغاية وألقي القبض على الآلاف من أنصار خان في الأشهر الأخيرة، كما اعتقل تقريبا جميع قادة حزبه. 

حُكم على رئيس الوزراء السابق أخيرا بالسجن ثلاث سنوات بتهمة الفساد ومنع من ممارسة أي نشاط سياسي لمدة خمس سنوات، وهو ما عده العديد من المحللين فشلا لثورته ضد الجيش.

بعد صدور الإدانة، وافقت الحكومة التي شكلها ائتلاف من حزب الشعب والرابطة الإسلامية وأحزاب أخرى، على إجراء انتخابات جديدة.

فيما أوصى رئيس الوزراء، شهباز شريف (الأخ الأصغر لرئيس الوزراء السابق نواز شريف)، بحل البرلمان ومن المتوقع إجراء الانتخابات بحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2023.