بعد إلغاء القضاء العراقي حكم الإعدام بحقه.. ما هو مصير قاتل هشام الهاشمي؟

يوسف العلي | منذ ٩ أشهر

12

طباعة

مشاركة

لم تمض سوى ثلاثة أشهر على حكم قاتل الخبير الأمني العراقي، هشام الهاشمي بالإعدام، حتى نقضت محكمة التمييز في 10 أغسطس/آب 2023، القرار القضائي، وأعادت القضية إلى محكمة التحقيق، ويعني ذلك إلغاء ما صدر بحق المدان بعملية القتل، أحمد حمداوي عويد الكناني.

وبعد عام على حادثة اغتيال الخبير العراقي سنة 2020، أعلن رئيس الوزراء آنذاك، مصطفى الكاظمي، القبض على المتهم الرئيس، الكناني، الضابط في وزارة الداخلية البالغ 36 عاما، والمنتمي إلى القوات الأمنية منذ العام 2007.

وفي الوقت الذي لم تذكر فيه الأجهزة الأمنية اسم الجهة التي يعمل الكناني لصالحها، أكد ناشطون أنه أحد عناصر "كتائب حزب الله" العراقي، والتي عدت بدورها قرار إعادة محاكمة المدان، بأنه "مهني وقوي"، واصفة الخبير الأمني الهاشمي بـ"المقبور".

تمهيد للإفراج

وبخصوص مدى إمكانية إطلاق سراح الكناني بعد قرار القضاء إعادة التحقيق معه رغم حكم الإعدام في مايو/أيار 2023، استبعد الباحث في الشأن السياسي العراقي، إياد ثابت، أن يجري إطلاق سراح السجين في الوقت الحالي، لأسباب تتعلق بإثارة الرأي العام في البلاد.

وتوقع ثابت في حديث لـ"الاستقلال" أن "يحاكم مجددا المدان بقتل الهاشمي ثم يجري إخراجه من السجن وتهريبه إلى خارج البلاد".

وشدد على أن "الدولة خاضعة حاليا لسلطات المليشيات الموالية لإيران".

اغتيال الهاشمي الذي حصل في يوليو 2020 بواسطة ملثمين كانوا على دراجات نارية، جاء أثناء عودته من مقابلة تلفزيونية انتقد فيها أنشطة الجماعات المسلحة المسؤولة عن إطلاق الصواريخ ومهاجمة البعثات الدبلوماسية في المنطقة الخضراء ببغداد، ووصفها بـ"قوى اللادولة".

من جهتها، قالت الناشطة السياسية العراقية، تمارة الخزرجي، عبر تويتر في 10 أغسطس إنه "عندما تكون محصنا من قبل أحزاب السلطة، النتيجة حتى حكم الله في الأرض لا يقدر عليك، هذا المجرم قتل الهاشمي وصدر عليه حكم الإعدام".

بدوره، رأى الناشط العراقي، حسن باسكت بول، أن "القضاء الذي يمارس دور الإنصاف وهو يعيد التحقيق مع مجرم سبق وأن اعترف بقتل  الهاشمي، فما هو إلا قضاء سياسي".

أما الإعلامية رشا العزاوي، فقد قالت إن "قاتل الهاشمي اعترف بنفسه صوتا وصورة بارتكاب الجرم، كيف يقبل القضاء استئناف في قضية اعترف فيها القاتل بارتكاب الجريمة. مرة أخرى يفلت المجرمون من العقاب برعاية حكومية للأسف".

الكناني، ظهر على شاشة قناة "العراقية" الرسمية معترفا بجريمته في 16 يوليو/ تموز 2021، لكنه اختفى بعد ذلك، وتأجلت جلسة النطق بالحكم عليه 10 مرات متتالية.

وبررت المحكمة قرارها بأن اللجنة التي تولت التحقيق في القضية، المعروفة بلجنة رقم "29" التي تشكلت خلال الحكومة السابقة برئاسة الكاظمي من أجل مكافحة الفساد وتم حلها عام 2022، "ليست لديها أي صلاحيات قانونية للتحقيق في الجريمة".

تهريب سابق

في 27 مارس/ آذار 2023، كشفت وثيقة مسربة من البرلمان العراقي، عن عدم وجود أحمد الكناني المدان قضائيا بحادثة اغتيال الهاشمي في سجون وزارة العدل.

الوثيقة الموقعة من وزير العدل خالد شواني، صادرة في 29 ديسمبر/ كانون الأول 2022، ردا على استفسار نيابي بشأن المتهم "الكناني"، عززت شكوكا بشأن هروب المدان في قضية اغتيال الهاشمي منذ فترة طويلة.

وفي 3 أبريل 2023، أكد شواني، أن وزارته ليس لديها ما تخفيه عن الشعب، مبررا اختفاء الكناني بأن وزارته لم تتسلم المتهم بالقتل، لأنه لم يصدر حكم قضائي بحقه بعد.

جاء هذا التوضيح، ردا على تداول "وثيقة مسربة" صادرة باسم وزير العدل ذاته تؤكد "عدم وجود" الكناني في سجون الوزارة، وبعد عاشر تأجيل لمحاكمة المتهم دون أسباب صريحة وغياب المتهم عن عدة جلسات متتالية.

وشدد الشواني على أن الوزارة هي الجهة المعنية بتنفيذ الأحكام التي تصدر من القضاء، لذلك فهي تنفذ الأحكام بالمدانين التي تصدر عليهم أحكام قطعية مكتسبة الدرجة القطعية، بوصفهم مدانين ويسلمون إلى دائرة الإصلاح.

وأكدت البرلمانية، نداء الكريطي، أنّ الكناني موقوف لدى وزارة الداخلية، لكن الأخيرة لم تجب عن مكان توقيفه.

وقالت الكريطي النائب عن حركة "امتداد" العراقية (المنبثقة من الاحتجاجات الشعبية عام 2019)، خلال بيان لها في مارس 2023 إن "وزارة الداخلية والوزير امتنعا عن الكشف عن مكان احتجاز الكناني رغم إرسال كتب رسمية غير مرة".

وأكدت أن الطلب ذاته أرسل إلى وزير الداخلية شخصيا "ولم يتم الإجابة أيضا"، مشيرة إلى أن الأمر "يثير الاستغراب حيال أمر المتهم".

وأبدت عائلة الخبير الأمني الراحل، في سبتمبر 2022، تشكيكها من إمكانية تحقيق العدالة ومحاكمة قاتل ابنها.

 وأشارت إلى "أيادٍ خفية قد تكون لها مصلحة" في التأجيل المتكرر لعقد جلسة للمحاكمة، لا سيما أن المتهم ينتمي للفصائل الولائية.

وأعربت عائلة الهاشمي عن "صدمتها من أنباء هروب المتهم الرئيس في عملية الاغتيال"، داعية رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، إلى التدخل في الموضوع.

وأضافت: "إذا ما تأكد هذا الخبر فإن هذه جريمة أخرى تضاف إلى جريمة الاغتيال بل هي أشد من الاغتيال. تهريب المجرم يستهدف الدولة العراقية ويجعلها دولة من ورق لا تحمي أبناءها وغير قادرة على تحقيق العدالة".

وطالبت السوداني بـ"فتح تحقيق فوري للتوصل إلى الحقائق ونشرها أمام الرأي العام"، داعية المنظمات الأممية "الضغط على الحكومة من أجل التوصل إلى المجرمين".

وختمت عائلة الخبير الأمني بالقول: "الشهيد الهاشمي أفنى حياته في خدمة العراق وأهله، وكان همه الوحيد عراقا مستقرا ومزدهرا خاليا من الإرهاب والجريمة".

قرار متوقع

رغم إعلان الحكم بالإعدام على القاتل ثم نقضه، لكن الحقيقة ما تزال غائبة بخصوص هوية الجهات التي دفعت إلى قتل الهاشمي، وغيره من الصحفيين والناشطين العراقيين خلال الأعوام الماضية.

وبحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في مايو 2023، فإن عائلة الهاشمي، أيدت في بادئ الأمر، الحكم الصادر بحق القاتل، وشددت على وجوب تقديم من أعطى الأمر بالاغتيال الى العدالة بالإضافة إلى من نفذها.

ونقلت الصحيفة عن أحد أقارب الهاشمي (لم تكشف هويته)، قائلا: "لم نعرف حتى الآن من يدعم قاتل الهاشمي ومن أعطى الأوامر باغتياله".

وأصبح الهاشمي، بعد إنزال الهزيمة بتنظيم الدولة في ديسمبر/ كانون الأول 2017، صوتا جريئا ينتقد التأثير المتزايد لبعض المليشيات المدعومة من إيران، وفقا للصحيفة الأميركية.

وتوقعت الصحيفة الأميركية في حينها إلغاء الحكم بحق قاتل الخبير الأمني، بالقول: بعد صدور الإعدام، ستتم إحالة القضية إلى محكمة النقض للنظر في الحكم.

واستدركت: "لكن ومع وجود العديد من أفراد الحكومة والأمن لديهم ارتباطات بالمليشيات القوية المتنافسة التي تتمتع بدرجات متفاوتة من الاندماج في الدولة العراقية، فإن ذلك قد يقوض إمكانية تنفيذ حكم الإعدام، عن طريق النقض".

وختمت "واشنطن بوست" تقريرها بالقول إن "عمليات اغتيال الناشطين والأصوات الأخرى المنتقدة أصبحت منتشرة في العراق خلال حملة القمع التي طالت الحركة الاحتجاجية في العام 2019.

ولفتت إلى أن "كثيرين حملوا المليشيات المدعومة من إيران، المسؤولية عن ذلك".

ووُلد الهاشمي في بغداد عام 1973، وينتمي بالأصل إلى عشيرة الركابي العربية جنوبي البلاد، وهو أكاديمي وباحث متخصص بالشأن الأمني والسياسي، اغتيل أمام منزله في حي زيونة الراقي ببغداد.

وكان للهاشمي أكثر من 500 مقال وبحث كتبه لمواقع محلية ودولية، كما أنه أدار برنامج الأمن الوطني ومكافحة الإرهاب بمركز "أكد" العراقي، وأحد أعضاء فريق مستشاري "لجنة تنفيذ ومتابعة المصالحة الوطنية" التابعة لرئاسة الوزراء.