خلاف حقل الدرة النفطي.. هل يعيد العلاقات بين إيران والسعودية للمربع الأول؟

في خطوة أثارت حفيظة الكويت والسعودية، أعلنت إيران جهوزيتها الكاملة للبدء في حفر حقل الدرة (آرش على الجانب الإيراني) للغاز الطبيعي، وهو ما رفضته الدولتان الخليجيتان، مؤكدتان أنهما فقط لهما الحق باستغلال ثرواتها، واستعدادهما للتفاوض مع طهران كطرف واحد.
وكان رئيس شركة النفط الوطنية الإيرانية (حكومية)، محسن خجسته مهر، أعلن في 4 يوليو/ تموز 2023 أن "هناك استعدادا كاملا لبدء الحفر في حقل آرش، وقد وافقنا على تخصيص موارد كبيرة لتنفيذ خطة تطويره بمجلس إدارة الشركة، وسنبدأ الحفر مع تهيئة الظروف".
إعلان إيران نيتها استغلال حقل الدرة، أثار جملة من التساؤلات، ولا سيما عن المغزى من طرح طهران لمثل هذا الملف الخلافي بعد شهر واحد من إعادة فتح سفارتها بالرياض ضمن تسوية بين البلدين جرت في مارس/آذار 2023، وإلى أي مدى يمكن أن يؤثر في التقارب الحاصل؟
تدويل القضية
وتعليقا على ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي، عماد الدين الجبوري، إنه "عندما تلوح إيران بالتنقيب في حقل الدرة الغازي، وتدعي أن حصتها فيه 40 بالمئة، مستندة على وعد من مخطط بريطاني قديم في تقسيم حدود المياه، خاصة أن الشركة المستثمرة في هذا التنقيب هي بريطانية، معنى ذلك ممكن نقل هذه القضية إلى القانون الدولي".
وأضاف الكاتب المختص بالشؤون الخليجية لـ"الاستقلال" أن "موقع الحقل ضمن حدود المياه العربية، لكن إيران تقضم مناطق العرب، من الأحواز إلى الجزر الإماراتية المسلوبة (طنب الكبرى، طنب الصغرى، أبو موسى)، وتجاوزها على شط العرب في جنوب العراق وغيرها".
وتابع الجبوري، قائلا: "من دون شك، هذا التحرك الإيراني يلاقي استفزازا من الكويت والسعودية، لأن موقع حقل الدرة الغازي مشترك يقع ضمن مناطقهما الجغرافية وحدهما".
وعن توقيت طرح إيران لهذا الملف، رأى الجبوري المقيم في لندن أنه "جس نبض" لقياس ردة الفعل الخليجية، خاصة من الطرف السعودي، مشيرا إلى أن "بعض التسريبات، تفيد بتحرك القوات البحرية السعودية وتطويق حقل الدرة، لتمنع الاستيلاء الإيراني العدواني".
واستبعد الجبوري حدوث تصادم مسلح، لأن إيران مازالت متمسكة في طوق النجاة السعودي، ولا تريد خسارته في هذه المرحلة بعد عودة العلاقات بينهما آخيرا، لكن هذا لا يمنع من القول إن طهران تكشر عن أنيابها وأطماعها بين الفينة والأخرى.
وشدد الكاتب على ضرورة "ألا تحسن الأنظمة الخليجية الظن مع إيران، وتعتقد أن المصالح السياسية والاقتصادية ستغير من العقيدة الفارسية التوسعية في البلدان العربية".
وكانت الصين قد رعت في مارس 2023، اتفاقا بين المملكة العربية السعودية وإيران يقضي باستئناف العلاقات بين توقف دام 7 سنوات بسبب حرق سفارة الرياض في طهران على خلفية إعدام رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر بتهمة الإرهاب.
وفي 6 يونيو 2023، أعادت إيران افتتاح سفارتها بالرياض بحضور نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون القنصلية علي رضا بيكدلي، والذي عد الخطوة بمثابة "حقبة جديدة" في العلاقات بين القوتين الإقليميتين.
وأعقب ذلك، زيارة أجراها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى طهران في 17 يونيو 2023 التقى خلالها نظيره الإيراني أمير عبد اللهيان ورئيس البلاد إبراهيم رئيسي.
هدف إيراني
وفي المقابل، قال المحلل السياسي الإيراني، عماد أبشناس إن "خلاف حقل الدرة البحري قديم، إذ جرى اكتشافه عام 1960، وهو مشترك بين إيران والمملكة ودولة الكويت".
ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية في 4 يوليو 2023 عن أبشناس قوله: "الخلاف حول هذا الحقل يأتي بسبب إصرار طهران على أن ترسيم الحدود يكون على أساس الجسم القاري، وهنا يكون 40 بالمئة من هذا الحقل في مياه إيران الإقليمية".
وأردف: "تصر الكويت على أن يكون الترسيم طبقا للحدود البرية، وهذا يعني أن إيران خارج الحقل بشكل كامل"، مؤكدا أن "هذا الخلاف أدى إلى وقف كل عمليات التنقيب عن الغاز في هذا الحقل منذ سنوات طويلة، حتى يتم حل مشكلة الحدود وترسيمها بين البلدين".
وزاد المحلل الإيراني، قائلا: "خلال الفترة الأخيرة اتفقت الكويت والسعودية على استخراج الغاز من الحقل، وهذا الموضوع أغضب الإيرانيين، وقالوا إنهم يريدون كذلك الاستفادة من استغلال الغاز في مياههم الإقليمية، وهو ما دفع الكويت إلى الدعوة للتفاوض".
واستبعد أبشناس أن يؤثر هذا الخلاف على عملية التقارب الإيراني الخليجي والعربي، لأن الخلاف قديم، وكان هناك في بعض الفترات محاولات من الولايات المتحدة لتحريض الدول على بعضها البعض، لكن الكويت عرضت أن تعود الاتصالات والتنسيق لترسيم الحدود.
وبحسب الخبير الإيراني، فإن "طهران تريد التفاوض حول حقل الدرة مع الكويت والسعودية من أجل التوصل لحل للخلاف القائم، ولا ترغب طهران في الدخول مجددا في صراع أو حرب أو مواجهة عسكرية أو نزاع سياسي مع دول الخليج".
وفي أواخر مايو 2023 بدأت إيران مفاوضات مع الدولتين، إذ صرّح وزير النفط الإيراني جواد أوجي، على هامش اجتماع مجلس الوزراء لمناقشة بيع النفط الإيراني في الأسواق العالمية، أن "وزارة الخارجية تتشاور مع الكويت والسعودية لحلّ الخلافات المتعلقة بالحقل، وفق ما نقلت عنه وكالة "إيرنا" الإيرانية.
وكان وزير الطاقة السعودي عبدالعزيز بن سلمان، قد أعلن قبل تصريح نظيره الإيراني بيومين، اتفاق بلاده مع الكويت على بحث أزمة حقل الدرة للغاز الواقع في المنطقة المقسومة مع إيران، مؤكدا عزمهما تطويره بهدف الاستفادة من إمكاناته الضخمة.
دعوة للتفاوض
على صعيد رد الفعل الخليجي، أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانا قالت فيه إن ملكية الثروات الطبيعية في المنطقة المغمورة المقسومة بما فيها حقل الدرة بكامله هي "ملكية مشتركة بين المملكة ودولة الكويت فقط".
وأضاف مصدر في وزارة الخارجية، لوكالة الأنباء السعودية "واس" في 5 يوليو 2023، أن "السعودية والكويت لهما وحدهما كامل الحقوق السيادية لاستغلال الثروات في تلك المنطقة".
وتابع أن السعودية "تجدد دعواتها السابقة للجانب الإيراني للبدء في مفاوضات لترسيم الحد الشرقي للمنطقة المغمورة المقسومة بين المملكة والكويت كطرف تفاوضي واحد مقابل الجانب الإيراني، وفقا لأحكام القانون الدولي".
جاء ذلك، بعد يوم من بيان لوزارة الخارجية الكويتية، أكدت فيه أن "المنطقة البحرية التي يقع بها حقل الدرة للغاز توجد في المناطق البحرية لدولة الكويت والثروات الطبيعية فيها مشتركة" مع السعودية.
ونقلت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية (كونا)، عن مصدر في وزارة الخارجية قوله، في بيان، إن "المنطقة البحرية الواقع بها حقل الدرة تقع في المناطق البحرية لدولة الكويت، وإن الثروات الطبيعية فيها مشتركة مع المملكة العربية السعودية، واللتين لهما وحدهما حقوق خالصة في الثروة الطبيعية في حقل الدرة".
وأضاف المصدر أن "دولة الكويت تجدد دعوتها للجانب الإيراني إلى البدء في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين الكويتي والسعودي كطرف تفاوضي واحد مقابل الجانب الإيراني".
مصدر مطلع في #وزارة_الخارجية لـ "واس": ملكية الثروات الطبيعية في المنطقة المغمورة المقسومة، بما فيها حقل الدرة بكامله، هي ملكية مشتركة بين المملكة ودولة الكويت فقط، ولهما وحدهما كامل الحقوق السيادية لاستغلال الثروات في تلك المنطقة.https://t.co/FFHGhTZROD#واس_عام pic.twitter.com/HOXV5cEUTS
— واس العام (@SPAregions) July 4, 2023
وبدوره، قال وزير النفط الإيراني جواد أوجي، في 12 يوليو، إن وزارة الخارجية في بلاده ستتابع موضوع حقل غاز الدرة المعروف باسم أراش في إيران، بحسب ما نقلته رويترز البريطانية عن وكالة تسنيم الإيرانية.
وقبلها بيومين، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، إن طهران تتابع هذه القضية مع الكويت في محادثات ثنائية، دون مزيد من التفاصيل.
خلاف مزمن
قضية حقل "درة" لم تكن وليدة إعلان إيران رغبتها بالاستثمار فيه، إذ برزت الخلافات في مارس 2022، بعد أيام من توقيع اتفاق بين السعودية والكويت لتطوير الحقل، الأمر الذي رفضت طهران وأبدت اعتراضها من الاستثمار في هذه البقعة الغنية بالهيدروكربون دون إشراكها.
وأعلنت مؤسسة البترول الكويتية (حكومية) في 21 مارس 2022، أن مشروع تطوير حقل الدرة من شأنه أن يؤدي إلى إنتاج مليار قدم مكعب قياسية من الغاز الطبيعي، إضافة لإنتاج 84 ألف برميل من المكثفات يوميا، مؤكدة أنه "سيجرى تقسيم الإنتاج بالتساوي بين البلدين".
على ضوء ذلك، أعلن مساعد وزير النفط الإيراني للشؤون الدولية والتجارية أحمد أسد زادة، أن وزارة النفط اتخذت الترتيبات والدراسات اللازمة لتطوير وتشغيل حقل "آرش" (الدرة) في الخليج، حسبما نقلت وكالة "فارس" في 27 مارس 2022.
وقال أسد زادة إن سبب التأخير في تشغيل هذا الحقل المشترك يعود إلى قرار ترسيم الحدود مع الكويت، لكن لا يوجد سبب للتأخير إذا طور الجانب الآخر المجال من جانب واحد دون اعتبار للمفاوضات السابقة.
وأضاف: نعتقد أن استغلال الحقول المشتركة يجب أن يجرى بشكل متكامل، وهذا سيؤدي إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، موضحا أنه حتى في الحالات التي لم يجر فيها ترسيم الحدود، يمكن تطوير الحقل بطريقة متكاملة باستخدام النماذج الدولية ذات الخبرة، وأن وزارة النفط تعلن استعدادها للتفاوض بهذا الشأن.
وفي 13 أبريل 2022، أعلنت وزارة الخارجية السعودية خلال بيان لها، أن الرياض والكويت "تؤكدان على حقهما في استغلال الثروات الطبيعية في هذه المنطقة، وعلى استمرار العمل لإنفاذ ما تم الاتفاق عليه بموجب المحضر الموقع بينهما بتاريخ 21 مارس 2022".
ووفق وكالة الأنباء السعودية "واس"، فقد أكدت الخارجية السعودية أن الرياض والكويت تجددان "كطرف تفاوضي واحد دعوتهما الجمهورية الإسلامية الإيرانية لعقد مفاوضات تعيين الحد الشرقي للمنطقة المغمورة المقسومة".
وفي المقابل، كانت وكالة (إرنا) الإيرانية الرسمية للأنباء نقلت في أبريل 2022، عن النائب السابق لوزير النفط للشؤون الدولية الإيرانية سيد مهدي حسيني، تأكيده "ضرورة المشاركة والتعاون بين إيران والكويت والسعودية في الاستثمار بالحقل المشترك للغاز، وأن بلاده مستعد للبدء بالحفر في الحقل إذا لم تتعاون مع هاتين الدولتين في ترسیم الخط الحدودي".
واكتشف حقل الغاز في منتصف ستينيات القرن الماضي، في وقت كانت فيه الحدود البحرية غير محددة على نحو جيد، ولم يكن الغاز يُعدّ من الأصول الإستراتيجية في ذلك الوقت.
ويحتوي الحقل الذي اكتشف عام 1960 على مخزون كبير من الغاز، ويقدر احتياطي الغاز القابل للاستخراج من حقل الدرة بنحو 200 مليار متر مكعب، إضافة إلى أكثر من 300 مليون برميل نفطي.
وفي 7 يونيو/ حزيران 2006، اتفقت الكويت والسعودية على تطوير حقل الدرة الغازي للوصول إلى إنتاج نحو 600 مليون قدم مكعب من الغاز في غضون نحو أربع سنوات سيتم اقتسامها بالتساوي بين البلدين، لكن شيئا لم يحدث.
لكن في عام 2012 عملت شركة الخفجي وهي مشروع مشترك بين "أرامكو لأعمال الخليج" والشركة "الكويتية لنفط الخليج" على إرساء حق التطوير والإنتاج لشركة "شل" النفطية العالمية.
المصادر
- السعودية تصدر بيانا بشأن "ملكية" حقل الدرة.. وتوجه دعوة لإيران
- تجدد الخلاف حول حقل غاز "الدرة".. طهران تعلن الاستعداد للتنقيب والكويت: يتمتع بحقوق حصرية
- قصة حقل الدرة الغني بالغاز ولماذا تنازع إيران الكويت عليه، وما موقف السعودية؟
- حقل الدرة للغاز.. كيف أشعل جبهة جديدة في المعارك بين إيران والسعودية؟
- عودة الخلافات بين إيران والكويت... ما تأثير أزمة "حقل الدرة" على مسيرة التطبيع بين طهران والخليج؟
- الخلاف على حقل الدرة البحري يشتد.. والكويت توجه رسالة حاسمة لإيران
- وزير الخارجية السعودي في إيران بعد سبع سنوات من القطيعة
- إعادة افتتاح سفارة إيران في الرياض