بعد التطبيع.. هكذا تحول إعلام إيران من شيطنة السعودية إلى الاحتفاء بها

يوسف العلي | منذ ١٠ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في تحول كبير بخطابه الإعلامي، احتفى التيار الإيراني المحافظ (الأصولي)، بزيارة وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان إلى طهران في 17 يونيو/حزيران 2023، مرحبا بعودة العلاقة بين البلدين، متوقعين حدوث انعكاسات إيجابية على المنطقة.

وصل ابن فرحان إلى طهران، في أول زيارة لوزير خارجية سعودي لإيران منذ أكثر من عقد من الزمن، والتقى بنظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، ورئيس البلاد إبراهيم رئيسي، وذلك بعد إعلان استئناف العلاقات بين البلدين برعاية صينية في مارس/آذار 2023.

إنهاء التدخلات

خلال مؤتمره الصحفي مع نظيره الإيراني في 18 يونيو 2023، قال ابن فرحان "أشير إلى أهمية التعاون فيما يتعلق بالأمن الإقليمي بين البلدين، لا سيما أمن الملاحة البحرية والممرات المائية وأهمية التعاون بين جميع دول المنطقة لضمان خلوها من أسلحة الدمار الشامل".

وشدد الوزير السعودي على أن العلاقات الثنائية الآن تقوم على "أساس واضح من الاحترام الكامل والمتبادل للاستقلال والسيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية".

وأضاف أن التعاون بين الرياض وطهران مهم "في ما يتعلق بالأمن الإقليمي لاسيما أمن الملاحة البحرية والممرات المائية، وأنه لا يمكن ضمانه إلا من الفاعلين الإقليميين"، إذ يطل البلدان على الخليج الذي يمر عبره قسم كبير من صادرات النفط العالمية.

من جهته، قال أمير عبد اللهيان خلال المؤتمر الصحفي إن الأمن أمر حيوي لدول المنطقة، مضيفا: "إيران لا تعد أبدا الأمن مكافئا للعسكرية بل تنظر إليه كمفهوم واسع يشمل الجوانب السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتجارية".

وبعد اجتماعه مع عبداللهيان، التقى الوزير السعودي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وسلمه دعوة من الملك سلمان بن عبد العزيز لزيارة المملكة العربية السعودية قريبا.

وقال رئيسي إن إيران ليس لديها أي مانع لتعزيز العلاقات مع الدول الإسلامية، موضحا أن من وصفهم بـ"أعداء المسلمين" هم من يعارضون تنمية التعاون الثنائي والإقليمي بين طهران والرياض.

وبحسب وكالة "إرنا" الإيرانية الحكومية للأنباء، فإن "رئيسي رحب لدى استقباله، ابن فرحان، بعودة العلاقات بين الرياض وطهران"، واصفا إيران والسعودية بـ"البلدين المهمين والمؤثرين في العالم الإسلامي، وأن الشعوب الإسلامية ترحب بعودة العلاقات بينهما".

وقال الرئيس الإيراني: "منطقتنا تعاني من مشاكل وقضايا مختلفة تنعكس سلبا على العالم الإسلامي، وإن التغلب على هذه المشاكل ممكن من خلال التعاون والحوار بين دول المنطقة دون الحاجة لتدخل الأجانب".

كما تطرق رئيسي "إلى التجربة الناجحة لإيران في مكافحة الإرهاب والقضاء على المجاميع الإرهابية"، معتبرا أن "هذه التجربة يمكن أن تكون محورا للتعاون بين السعودية وإيران"، طبقا للوكالة.

تحولات جذرية

وفي ظل وجود ابن فرحان في طهران، احتفلت صحف المحافظين وتيارهم بالزيارة بعد سنوات- وكما هو معروف- من الخطاب المتشدد المهاجم للمملكة العربية السعودية ومعظم الدول العربية، إضافة إلى البلدان الغربية القريبة من الولايات المتحدة الأميركية.

وقالت صحيفة "كيهان" التابعة للمرشد الإيراني علي خامنئي، خلال مقال للكاتبة رنا العفيف في 18 يونيو 2023، إن "السياسة المنطقية الموضوعة على إستراتيجيات المصالح المتبادلة، أثبتت عدم وجود مستحيل مع الإصرار والتحدّي لصنع المعجزات، لا سيّما على صعيد خدمة الجبهات للاستقرار المتفاوت نسبيّا".

وأوضحت الكاتبة أن "الزيارة تعني أنّ كلّ الرهانات السابقة كانت خاطئة، وسقط رهان عرقلة الاتفاق الذي لا يروق للبعض، بل إن مشهدية اتفاق بكين تتبلور في الاتجاه الصحيح".

وأردفت أن "هذا التلاقي من الإيجابية في خضمّ مسار العلاقات بين البلدين سيلقي بظلاله بتبعات على الكثير من الملفات والأزمات بمراحل مختلفة، وأنّ ثمار هذا التعاون ربما سيصيب في مصلحة المنطقة، بعيدا عن التدخّلات الدولية أو الخارجية".

ولفتت إلى أن "الرياض وطهران اتخذتا رسم خارطة جديدة ذاتيّة، وطبعا هذا يتمحور حول المتغيّرات المهمّة في موازين القوى في المنطقة التي ستترك أثرا إيجابيّا على مختلف القضايا الجيوسياسية، وذلك من خلال التأكيد على منظومة الأمن الإقليمي البعيد المدى، والبعيد عن التدخّلات الأجنبية".

ورأت الكاتبة أنه "لكي يكون خط الائتمان السياسي ناجحا، يعمل البلدان على تهدئة المنطقة البعيدة عن الصراعات والتوتّرات، لأنّ المصالح الاقتصادية المشتركة في أيّ بلد تحتاج إلى الأمن والاستقرار، لا سيّما أنّ التنمية لا تتحقّق إلا بوجود عناصر التهدئة، ولا تنمية بوجود دول غير نامية تحتاج إلى استقرار، وهذا ربما المطلوب من كلا الطرفين".

وتابعت: "هناك تصوّرات مشتركة بين إيران والسعودية تتعلّق بإدارة الإقليم، وهذا المشهد لم نشهده منذ عقود".

وبالتالي نحن أمام تحوّلات جذرية هائلة في منطقة الشرق الأوسط تقوم على تصفير المشاكل، قد تليها مراحل متعدّدة على مستوى الملفات البينية في الشراكة الاقتصادية والمشاريع الصغيرة التي هي نتاج لنقل اتفاق بكين، وفق تقديرها.

من جهته، قال الكاتب قاسم غفوري خلال مقال نشرته صحيفة "سياسات نيوز" في 18 يونيو 2023، إن "العلاقات بين إيران والسعودية، بصفتهما القوتين العظميين في المنطقة والعالم الإسلامي، يمكن أن توفر الأساس لتقارب أكبر بين العالم الإسلامي".

ورأى الكاتب أن "الدولتين لديهما القدرة على التجمع وبناء الإجماع بين الجماهير، وتسريع عملية التعددية في نهاية المطاف بدلا من الأحادية الغربية. وهو موقف أحادي الجانب لم يجلب سوى الأزمات للعالم، وأن رحلة فرحان إلى طهران دليل واضح على هذه الإنجازات".

"تبدل الثورية"

وفي المقابل، نقلت صحيفة "هم ميهن" الإصلاحية، عن المحلل السياسي مهدي مطهرنيا، قوله إن "الظروف الاقتصادية والسياسية التي تمر بها إيران أجبرت الحكومة التي تطلق على نفسها صفة الثورية على التراجع والقبول بالحقائق السياسية".

وأشار في 18 يونيو 2023 إلى أن "هذه الحكومة الآن وبعد الاتفاق مع المملكة العربية السعودية باتت تفكر بالتوصل إلى اتفاق مع واشنطن كذلك، وهو يؤكد الانسحاب الكامل من المواقف الثورية".

من جهته، قال الكاتب الإصلاحي أحمد زيد آبادي إن الهدف الرئيس من زيارة وزير الخارجية السعودي إلى طهران هو ملف الأزمة اللبنانية، معتقدا أن أزمة الرئاسة في لبنان بلغت ذروتها الآن ولا يمكن تصور حل لها دون تعاون حقيقي بين طهران والرياض.

وأضاف الكاتب خلال تصريحات نقلها موقع "إيران إنترناشيونال" المعارض في 18 يونيو 2023 أنه "إذا فشل الطرفان في التوصل إلى اتفاق حول لبنان، فإن المصالحة بين إيران والسعودية ستكون أمام تحديات وصعوبات جمة".

من جهته، رأى الدبلوماسي الإيراني السابق محمد محب علي خلال مقال نشرته صحيفة "ستاره صبح" الإصلاحية في 18 يونيو 2023 أنَّه "لن تتم هيكلة العلاقات بين إيران والسعودية وإضفاء الطابع المؤسساتي عليها حتى يجرى رفع العقوبات عن طهران".

وأوضح علي أن "بحث ولي عهد السعودية محمد بن سلمان عن الاقتصاد والتنمية وسيادة القوة الاقتصادية هو ما حمله على التقارب مع إيران بالدرجة الأولى، إضافةً إلى المصالح الأمنية والحفاظ على توازن القوة الإقليمي".

وتابع الكاتب: "مرت إيران بظروف صعبة في السنوات الأخيرة، خاصة في النصف الثاني من العام الماضي (2022)، وتشعر بضرورة إعادة بناء علاقاتها مع الأطراف التي يمكن أن تلعب دورا في تطبيع السياسة الخارجية الإيرانية والسلام الداخلي".

واستطرد علي، قائلا: "تتبع السعودية سياسة شاملة ومعتدلة مقارنةً بالماضي، لأنها تشعر بأنها بحاجة إلى الأمن لتحقيق أهدافها الاقتصادية لتصبح قطبا اقتصاديا في المنطقة، وتحاول إعادة بناء وتحديث علاقاتها مع التيارات التي قد تؤثر على أمنها".

وخلص إلى أن التجربة أظهرت أنه كلّما أراد العرب الاقتراب من إسرائيل، أظهروا لإيران باب الحديقة الخضراء، للسيطرة على الوضع، وهو ما فعلته الإمارات، واليوم يبدو أنّ السعودية تحاول التطبيع مع طهران لتعزيز علاقتها مع تل أبيب.

وقطعت المملكة علاقاتها مع إيران عام 2016 بعد هجوم متظاهرين إيرانيين على سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد احتجاجا على إعدام الرياض رجل الدين الشيعي البارز نمر النمر.

بموجب المصالحة بين السعودية وإيران، أعادت إيران فتح سفارتها في الرياض في 6 يونيو 2023 وعينت الدبلوماسي علي رضا عنياتي، نائب وزير الخارجية حتى ذلك الحين، سفيرا لها.