هنري كيسنجر يكمل عامه المئة.. مجرم حرب أم دبلوماسي مخضرم؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

سلط  موقع "تي في 5 موند" (TV5Monde) الفرنسي الضوء على شخصية وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، والجدل حول إذا ما كان "صانع سلام" أم "مجرم حرب".

وزادت التقارير الدولية حول كيسنجر في الآونة الأخيرة تزامنا مع إكماله مئة عام على ميلاده في 27 مايو/ أيار 1923.

منظر الجيوبوليتيك

وقال الموقع إن "هذا الرجل يحتفظ، جزئيا، بأذني كبار رجال الدولة في العالم، وينثر بحكمة نصائحه في مجال الجيوبوليتيك (الجيوسياسية)".

وتابع: "هنري كيسنجر، الذي يحتفل بعيد ميلاده المئوي، لا يزال يثير الإعجاب والانقسام على حد سواء".

وأضاف: "في نظر البعض، يُعد كيسنجر شخصا ذا رؤية، بينما في نظر الآخرين، يُعد مجرم حرب، وعلى أية حال، فإن هذا الشخص الذي يتميز بقامة منحنية، ويُعرف دائما بنظارته السميكة الداكنة، لا يزال نشطا وفاعلا".

وفي 23 مايو 2023، شارك كيسنجر في حفل تكريم بمناسبة بلوغه من العمر مئة عام، في نادي نيويورك الاقتصادي النخبوي، حيث أطفأ شموعا على كعكة من الشوكولاتة.

وظهور كيسنجر في الأحداث العلنية أصبح نادرا على مر السنين، وعلى الرغم من ذلك، فإن تأثيره اللافت على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في النصف الثاني من القرن العشرين يظل استثنائيا.

وأشار التقرير أن كيسنجر احتفظ بمكانته وسط النخبة في واشنطن وخارجها، حيث يدير شركته الاستشارية "كيسنجر أسوشيتس" من مقره في نيويورك.

واستمرت الهالة حول كيسنجر في لفت الانتباه والتقدير، بما في ذلك من قبل شخصيات من الحزب الديمقراطي، مثل وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، التي قالت من قبل إنها تعتمد على نصائح صديقها.

وكيسنجر كان لاعبا رئيسا في الساحة الدبلوماسية العالمية خلال فترة الحرب الباردة، حيث بدأ تقاربا مع موسكو وبكين في السبعينيات، ورسم رؤية براغماتية للعالم، وتبنى نهجا يمكن وصفه بـ "السياسة الواقعية" الأميركية.

وفي إشارة إلى استمرار رؤيته المتجذرة عن العالم، وجه كيسنجر، في ذكرى ميلاده، رسالة قوية حول ضرورة حماية "مصالح الولايات المتحدة الحيوية"، حيث أعرب عن ثقته في أن البلاد يجب أن تكون دائما أقوى لمواجهة أي ضغوط.

وأكد وزير الخارجية الأميركي الأسبق أن الولايات المتحدة حققت نجاحا إستراتيجيا في إحباط المحاولة العسكرية الروسية لابتلاع أوكرانيا، داعيا إلى وقف إطلاق النار.

صفحات مظلمة

ومع ذلك، لا تزال صورة كيسنجر القوية وصوته الأجش، ولهجته المتأثرة بأصوله الألمانية تثير بعض الجدل، وترتبط بصفحات مظلمة في تاريخ الولايات المتحدة.

من ذلك دعمه لانقلاب تشيلي عام 1973، وتورطه في غزو تيمور الشرقية في عام 1975 وبالطبع حرب فيتنام.

والجدير بالذكر أن انقلاب تشيلي وقع بعد فترة طويلة من الاضطرابات الاجتماعية والتوتر السياسي بين البرلمان الذي كانت تسيطر عليه المعارضة، والرئيس الاشتراكي سلفادور أليندي.

وفي أثناء ذلك شنت الولايات المتحدة حربا اقتصادية على البلاد، بقيادة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، ثم أسقطت القوات المسلحة والشرطة الوطنية حكم "أليندي"، الواقعة التي يُتهم كيسنجر بالتورط فيها.

بدوره، قال المحامي المتخصص بحقوق الإنسان، ريد كالمان برودي: "بالنسبة لي، فإنه ليس هناك شك في أن سياسات كيسنجر تسببت في مقتل مئات الآلاف وتدمير الديمقراطية في العديد من البلدان".

وتابع: "أنا مندهش لأنه أفلت من العقاب".

وأفاد الموقع بأن "كيسنجر – في الواقع- لم يتعرض لأي محاكمات، حيث رُفضت شكوى قدمت ضده في عام 2004".

وأخيرا، نشر موقع "ذي انترسبت" الاستقصائي تقريرا أوضح فيه أن الحملة العسكرية على كمبوديا - التي كان كيسنجر العقل المدبر لها- تم التقليل من حجمها؛ لأنها تسببت في مقتل عدد من المدنيين أكبر بكثير مما تم الاعتراف به.

واستند الموقع في تقييمه على وثائق أرشيفية للبنتاغون وشهادات من الناجين أن حملة القصف الأميركية على كمبوديا، والتي وقعت بين عامي 1969 و1973.

وكانت الإبادة الجماعية الكمبودية قد أودت بحياة أكثر من مليوني شخص، وتفاقمت بسبب قصف الولايات المتحدة وغزوها لكمبوديا، كما أن حملة القصف الجوي التي قادها الجيش الأميركي، خلقت الدمار والفوضى.

من جانبه، أكد أستاذ التاريخ في جامعة "دكا" في بنغلاديش، منتصر مأمون، أن "كيسنجر دعم بقوة الإبادة الجماعية في بنغلاديش عام 1971".

وتعجب مأمون قائلا: "لا أرى سببا للثناء على كيسنجر"، مضيفا أن وجهة نظره هذه يشاركه فيها كثيرون في بلدان أخرى، بما في ذلك فيتنام.

والجدير بالذكر أن هناك اتهامات توجه لكيسنجر، لأنه تواطأ في بنغلاديش مع رئيس الحكم العسكري يحيى خان، في 1970 و1971 ضد نتائج الانتخابات الديمقراطية في باكستان الشرقية، والتي استقلت لاحقا باسم بنغلاديش.

بدورها، أكدت أستاذة التاريخ في جامعة هوفسترا الأميركية، كارولين أيزنبرغ، أن "المفارقة تكمن في أننا نتذكره كصانع للسلام، ولكننا ننسى كل ما فعله لإطالة أمد الحرب ليس فقط في فيتنام، ولكن في كمبوديا ولاوس".

وتُعد "لاوس" الدولة التي تعرضت لأكبر حملة قصف جوي في العالم، وفق كثيرين.

حيث كان القصف الأميركي (1964-1973) جزءا من محاولة سرية قامت بها وكالة المخابرات المركزية لانتزاع السلطة من مجموعة شيوعية متحالفة مع فيتنام الشمالية والاتحاد السوفيتي خلال حرب فيتنام، تُدعى "الباثيت لاو".

أصل يهودي

وحسب الموقع الفرنسي، فقد ولد اليهودي الألماني الشاب هاينز ألفريد كيسنجر، في 27 مايو 1923 في فورث بدولة بافاريا (ألمانيا حاليا).

ثم لجأ كيسنجر في سن 15 إلى الولايات المتحدة مع عائلته، قبل أن يصبح مواطنا أميركيا في سن العشرين.

والتحق كيسنجر – الذي كان أبوه يعمل مدرسا- بالاستخبارات العسكرية والجيش في الولايات المتحدة، قبل أن يبدأ الدراسات العليا في جامعة هارفارد، الجامعة التي درّس فيها فيما بعد.

وأوضح الموقع أن "كيسنجر فرض نفسه كوجه دبلوماسي عالمي، بعد أن دعاه الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون، إلى البيت الأبيض في عام 1969، وعينه كمستشار للأمن القومي ثم كوزير للخارجية".

 وشغل كيسنجر المنصبين معا من 1973 إلى 1975، ثم ظل متربعا على عرش الدبلوماسية في عهد الرئيس الأميركي جيرالد فورد حتى عام 1977.

وإبان فترة كيسنجر، حدثت انفراجة لعلاقات الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفيتي، وتحسنت العلاقات مع الصين، وذلك من خلال جولات سرية لتنظيم زيارة نيكسون التاريخية إلى بكين في عام 1972.

كما أنه أجرى مفاوضات بالتوازي مع قصف هانوي – وكالعادة في سرية تامة- مع قائد البعثة الفيتنامية بين 1968 و 1973 لمفاوضة الأميركيين، لي دوك ثو، لإنهاء حرب فيتنام.

وتكللت جهود كيسنجر بالنجاح، حيث تم التوقيع على وقف إطلاق النار، ولذلك مُنح جائزة نوبل للسلام، بالتشارك مع الفيتناميين الشماليين في عام 1973، وهي واحدة من أكثر الجوائز إثارة للجدل في تاريخ "نوبل"، وفق الموقع.