صفقة غامضة.. ماذا يعني إفراج إسرائيل عن برلماني أردني شرط محاكمته في عمان؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بعد اعتقاله وسجنه في إسرائيل قرابة أسبوعين منذ 23 أبريل/ نيسان 2023، بزعم "تهريب ذهب وأسلحة" إلى المقاومة بالضفة الغربية، سلمت تل أبيب النائب الأردني عماد العدوان، إلى عمان في 7 مايو/ أيار 2023.

مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى قال للقناة 14 العبرية في 7 مايو، إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين جهاز الأمن العام الإسرائيلي "شاباك" والمخابرات العامة الأردنية هو "اعتقال النائب وسجنه فور عودته إلى بلاده ومحاكمته".

وأكد المسؤول الإسرائيلي أن أحد بنود الاتفاق أن "تشارك المخابرات الأردنية مع إسرائيل المعلومات التي ستظهر في التحقيق".

لذا، وبسرعة البرق وقبل أن تطأ أقدام النائب عماد العدوان أرض بلده، رفع مجلس النواب الأردني الحصانة عنه، ليتم التحقيق معه ومحاكمته بناء على طلب إسرائيل.

رضوخ الأردن لشروط إسرائيل بتجريد النائب من حصانته ومحاكمته وسجنه، أثار تساؤلات حول "الصفقة" التي تم إبرامها، وبنودها، وسر هذا الهوان بقبول اعتقال العدو لنائب أردني أسبوعين، ثم عقابه بعد عودته بمحاكمته أمام القضاء العسكري.

وقال ناشطون كيف صمتت حكومة عمان على اعتقاله أسبوعين وقبلت رواية الاحتلال، بينما في المقابل سلم الأردن عام 2017 حارس السفارة الإسرائيلية في عمّان لإسرائيل فورا ودون التحقيق معه رغم أنه أطلق النار على أردنيين اثنين وقتلهما؟

وكانت قد أحدثت حادثة اعتقال العدوان توترا كبيرا بين عمان وتل أبيب، لدرجة رفض وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي تلقي مكالمة هاتفية من نظيره الإسرائيلي إيلي كوهين، رغم الوسطاء الذين تدخلوا، بحسب هيئة البث الإسرائيلية الرسمية في 23 أبريل 2023.

ملابسات غامضة

قضية النائب "العدوان" (36 عاما) غامضة، فهو مشهور بأنه مؤيد للمقاومة في فلسطين، لذا قيل إنه تم اعتقاله وهو يدخل الضفة الغربية عبر الحدود (الإسرائيلية) بعد ورود إخبارية مجهولة تؤكد أنه يُهرب سلاحا للمقاومة، وفق إعلام وناشطين.

وزاد الغموض نشر صحف إسرائيل معلومات متضاربة، نقلا عن مسؤولين صهاينة، تزعم أن النائب هرب طيورا وممنوعات إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، رغم أنها لم تنشر سوى صور لأسلحة فقط كمضبوطات، ثم جرى منع النشر في القضية لاحقا

ونقلت صحيفة "هآرتس" في 7 مايو عن الشاباك، أنه تم اعتقال العدوان بعد تورطه في تهريب أسلحة عبر معبر اللنبي بين الأردن وإسرائيل تضم 12 بندقية و194 مسدسا.

وحين اعتقلته إسرائيل في البداية، تحدثت عن تهريب سلاح فقط وركزت على هذا بصفته خرقا أمنيا، وتحدثت عن دور لحكومة الأردن ومسئوليتها.

لكن بيان "الشاباك" زعم أيضا أن "النائب العدوان نفذ 12 عملية تهريب لسلع مختلفة إلى الضفة الغربية، بما في ذلك الطيور، والحمام، والسجائر الإلكترونية، والذهب، مستفيدا من جواز سفره الدبلوماسي، لتحقيق مكاسب مالية.

وعندما مددت محكمة "عوفر" العسكرية الإسرائيلية اعتقال العدوان قبل أسبوع من تسليمه، لم تشر من قريب أو بعيد لتهمة تهريب الذهب، بخلاف الرواية الأولى.

فيما نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مسؤول أمني كبير لم تسمه، أن "العلاقات الأمنية مع الأردن واسعة وأكثر أهمية بكثير من ملف النائب العدوان".

وحين جرى تسليم النائب للأردن، قال مسؤول إسرائيلي لموقع "واللاه" العبري في 7 مايو: "الحديث يدور عن جشع، وليس حدثا أمنيا قوميا أو تورطا في الإرهاب، وكل التهريب كان جنائيا".

هل هناك صفقة؟

من جانبه، أشار المحلل الفلسطيني عدنان أبو عامر، إلى "معالم صفقة" تتضح، أطلق الاحتلال بموجبها سراح النائب عماد العدوان، مقابل اعتقال أجهزة أمن المملكة عددا من الضالعين في عملية التهريب المزعومة للأسلحة إلى الضفة الغربية.

وضمن هذه الصفقة تصويت مجلس النواب الأردني الفوري وبالأغلبية على رفع الحصانة عن العدوان.

فيما قال محلل قناة "كان" العبرية روعي شارون إن الصفقة تتضمن أن يقبل الأردن بالتحقيق مع النائب ومحاكمته مقابل تسليمه، وأن تمد المخابرات الأردنية إسرائيل بنتائج التحقيق.

وأضاف شارون أن ما يهم إسرائيل هو وقف تهريب السلاح للمقاومة في الضفة، زاعما أن "العدوان" اعترف بنقل سلاح لشخص فلسطيني في الضفة قامت إسرائيل باعتقاله لاحقا.

وأكدت صحيفة "هآرتس"، أنه "تم اعتقال عدة أشخاص آخرين من قبل الشاباك في الضفة الغربية للاشتباه في مشاركتهم في جهود التهريب مع النائب الأردني". 

وقالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية إنه تم اعتقال فلسطينيين في هذه القضية في الضفة الغربية.

أما في الأردن، فألقت السلطات القبض على خمسة متهمين بالضلوع في عمليات التهريب، مع "العدوان"، وفق صحف أردنية.

استغلال القضية

وكانت قد نقلت القناة 14 الإسرائيلية في 25 أبريل، عن الجنرال الإسرائيلي "تال بار-أون" دعوته إلى استغلال قضية توقيف عماد العدوان، "لإجراء مقايضة مع الأردن وتحقيق إنجازات سياسية لإسرائيل"، وعد مراقبون ما قاله تسريبا للصفقة.

قال إنه مقابل إعادته للأردن "يمكن مقايضة قضايا، مثل إعادة أجهزة الكشف عن المعادن (أجهزة مراقبة) لأبواب المسجد الأقصى، التي اضطرت إسرائيل إلى إزالتها في عام 2017 تحت ضغط أردني ودولي، في محاولة لامتصاص غضب الشارع الأردني".

دعا أيضا لمقايضة تتضمن التوصل لتفاهمات جديدة مع وزير الأوقاف الأردني بشأن المسجد الأقصى، بصفته ذراعا تنفيذيا للمملكة في جميع أنحاء المسجد.

هذه التفاهمات التي طالب بها الجنرال الإسرائيلي، هي السماح لليهود بإدخال رموزهم الدينية الأقصى والأردن، مثل الطاليت (شال يرتديه اليهود المتدينون) والكيباة (طاقية صغيرة غطاء للرأس) والشوفار (قرن كبش يُنفخ فيه للصلاة)، وفق زعمه.

كما دعا هذا الجنرال–ضمن الصفقة-لعدم منع الأردن، في مطاراته الجوية، للحاخامات اليهود من اصطحاب شرائط "التيفلين" الجلدية (علبة جلدية بها أحبال توضع على الرأس واليد اليسرى أثناء الصلاة).

وكشف أنه سبق أن منع رجال الأمن الأردنيون الحاخام موشيه حليفا من السفر في مطار عمّان وأنزلوه من الطائرة وهو في طريقه إلى الإمارات في فبراير 2023، بحجة أن "التيفلين" بها أحبال تشكل خطرا على سلامة الركاب.

وأفصح الجنرال الإسرائيلي "تال بار-أون" عن هدفه بقوله: "الفرصة باتت مواتية للثأر من المضايقات الأردنية للإسرائيليين المتدينين الذين يزورون المملكة، وعقد صفقة لإطلاق سراح النائب العدوان مقابل تحقيق مصالح لإسرائيل.

لذا، بدا كأنه يسرب مسودة اتفاق كان يجري التفاوض عليها إسرائيليا وأردنيا للرأي العام الأردني لقياس مدى تقبل الشارع الأردني لبنود مسودة الاتفاق، قبل إطلاق سراح النائب، وفق محللين.

وكان لافتا، في نفس يوم إطلاق إسرائيل سراح النائب "العدوان" وتسليمه للأردن، تجاوز تل أبيب بنود اجتماع الأردن الأخير بشأن وقف بناء المستوطنات.

إذ لم يعترض الأردن، كما جرت العادة، ما أثار تساؤلات أخرى حول ما إذا كان ذلك تنازلا أردنيا مقابل تسليمهم "العدوان"؟

ونشرت إسرائيل 7 مايو، مناقصات على موقع إلكتروني حكومي لبناء أكثر من ألف وحدة استيطانية جديدة بالضفة الغربية المحتلةـ رغم التزامها في اجتماع الأردن، برعاية أمريكية، في 26 فبراير/شباط 2023 بوقف مناقشة بناء وحدات جديدة لمدة أربعة أشهر.

لماذا رُفعت الحصانة؟

كانت مفاجأة للأردنيين، الذين كانوا يستعدون لاستقبال النائب القادم من إسرائيل، استقبال الأبطال، أن يقرر مجلس النواب الأردني، رفع الحصانة عنه قبل أن يصل.

وقبل إطلاق سراحه، نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية على موقعها الإلكتروني 5 مايو، عن صحفي أردني لم تسمه، قوله إن "حواراً سرياً يجري في القنوات الأمنية بين إسرائيل والأردن".

قال إن القيادة الأردنية تخشى أن يسهم اعتقال النائب الأردني عماد العدوان في إسرائيل بتأجيج التوترات داخل المملكة، التي تقتصر حتى الآن، على المعارضة ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتم إظهار النائب المحتجز، كأنه بطل قومي.

وبحسب صحيفة "القدس العربي" في 7 مايو، كان الاجتماع الطارئ والسريع الذي نظمته رئاسة مجلس النواب الأردني لرفع الحصانة، "رسالة سيادية" لأعضاء البرلمان.

الرسالة "تشير إلى أن أي تلكؤ من النواب بالتصويت وبسرعة على رفع الحصانة عن النائب عماد العدوان، كان سيعني على الأرجح حل البرلمان وبقاء زميلهم خلف القضبان الإسرائيلية".

لذا اختار النواب السيناريو المطلوب، وكانت "أسرع جلسة" لرفع الحصانة عن عضو بالمجلس شهدها المجلس الحالي، فخلال دقائق، تم رفع الحصانة ثم إحالة النائب إلي المحاكمة لدى "أمن الدولة"، كثمن لحرية العدوان والإفراج عنه، وفق الصحيفة.

وتم وضع العدوان نفسه بصورة "التفاهمات" التي أدت للإفراج عنه، وجرى التوافق مع بعض أركان قبيلته فكرة التحقيق السريع معه بتهمة تهريب ممنوعات عبر حدود المملكة، وربما إدانته، ومن ثم عفو ملكي لاحقا عنه، وفق مراقبين أردنيين.

وينتمي عماد العدوان إلى قبيلة "العدوان" البدوية الكبيرة التي تمتلك معظم الأراضي في وادي الأردن على طول الحدود مع إسرائيل، ومعظم أفرادها مسلحون، وعقب اعتقال إسرائيل له، نشرت القبيلة رسائل حملت مسؤولية اعتقاله في إسرائيل لحكومة الأردن.

وجاء تسريع إطلاق سراحه وترحيله إلى الأردن، خشية أن يؤدي ذلك إلى زيادة التوتر في علاقات الأردن مع إسرائيل، وقد تثور قبيلة العدوان ضد الملك عبد الله.

أو أن يحاول أبناء القبيلة خطف جنود أو مستوطنين إسرائيليين كرهائن وإجبار إسرائيل على إطلاق سراح عماد العدوان، حسبما قال المحلل الإسرائيلي يوني بن مناحيم" في موقع "نيوز 1" الإسرائيلي 26 أبريل/نيسان 2023.

وحال محاكمته بتهمة تهريب ممنوعات عبر الحدود، سيكون النائب "العدوان" هو النائب الثالث الذي ترفع عنه الحصانة لأسباب جنائية.

فقد تم رفع الحصانة عن النائب أسامة العجارمة في يونيو/حزيران 2021، وفصله بعد تصريحات "مسيئة" صدرت عنه، كما تم رفعها عن النائب محمد عناد الفايز في 18 يناير/كانون الثاني 2023، وفصله بعد رسالة قدمها لدولة مجاورة طالب فيها بعدم تقديم المساعدات لبلاده.

لذا تساءل الشارع الأردني عما إذا كان سيتم إسقاط عضوية النائب عماد العدوان من مجلس النواب، أيضا، عقب رفع الحصانة عنه بناء على طلب النيابة العامة لمحكمة أمن الدولة، وفق موقع "رؤية نيوز" الأردني في 7 مايو.

وتوقع رئيس محكمة أمن الدولة السابق المحامي "فواز البقور: أن يوجه للنائب العدوان تهم تتعلق بتصدير وتهريب أسلحة خارج الأردن بالاشتراك مع آخرين، والتي تصل عقوبتها في حدها الأعلى إلى 15 سنة.

وبحسب نص المادة 75 من الدستور: "في حال صدر الحكم على النائب العدوان في التهم التي سيتم إسنادها إليه، لمدة تزيد عن سنة، فإن عضويته في مجلس النواب تسقط حكما، ويصبح مقعده النيابي شاغرا"، وفق صحيفة "رؤية نيوز".