"فرنكنشتاين تونس".. كتاب يفضح ديكتاتورية قيس سعيد ويوثقها قبل النشر وبعده

ضجة كبيرة وردود فعل واسعة في الأوساط الثقافية والحقوقية، أثارها قرار السلطات التونسية مصادرة كتاب يوثق ما شهدته البلاد في حقبة الرئيس قيس سعيد الذي هوى بالبلاد في أزمة سياسية واقتصادية غير مسبوقة.
فبعد دقائق من زيارة سعيد لمعرض تونس الدولي للكتاب في 28 أبريل/ نيسان 2023، صادرت السلطات كتاب "فرنكنشتاين تونس، تأملات في الشأن السياسي في عهد قيس سعيد"، للروائي كمال الرياحي.
كما أغلقت الداخلية التونسية، جناح مؤسسة (دار الكتاب) للنشر ضمن معرض تونس الدولي للكتاب، التي كانت تعرض كتاب "فرنكنشتاين تونس" الذي يحمل غلافه الصورة التخيلية المعروفة لشخصية “فرنكنشتاين” الهوليوودية.
وأظهر مقطع فيديو نشرته "دار الكتاب" صورا للجناح المغلق، وكتب عليه "هذا الجناح مغلق بقرار تعسفي".
وفي خطوة احتجاجية أغلقت 5 دور نشر أخرى على الأقل أروقتها في المعرض تضامنا مع "دار الكتاب" للنشر التي طبعت 100 نسخة من الكتاب، صودرت منها 20 فقط، حيث كانت 80 نسخة قد بيعت قبل وصول عناصر الأمن.
مربع الديكتاتورية
وفي تبريرها لقرار مصادرة الكتاب، قالت رئيسة لجنة تنظيم معرض تونس للكتاب زهية جويرو في تصريح إعلامي، إن "غلق دار الكتاب للنشر تم على خلفية تجاوز ارتكبته في معرض الكتاب، حيث لم تدرجه في قائمة الكتب المصرح بها للنشر أمام العموم".
لكن مدير دار الكتاب للنشر حبيب الزغبي، أكد أن مصادرة كتاب "فرنكنشتاين تونس" وغلق جناح "دار الكتاب" يوم افتتاح المعرض "قرار شخصي من وزيرة الثقافة بحجة حيازة كتاب غير مصرح به".
وأكد الزغبي، في تصريح إعلامي، أن هذا القرار ينتهك النظام الداخلي للمعرض وقانونه، مضيفا أن تبرير مصادرة الكتاب ارتكز على أنه لم يكن ضمن القائمة الرسمية للكتب التي عرضتها "دار الكتاب" في المعرض.
وتابع أن العادة جرت بأن يضيف الناشرون أحيانا كتبا أخرى تتأخر طباعتها لأسباب خارجة عن نطاق دار النشر ويتعلق بعضها بضغط العمل في المطابع.
وأوضح أن "دار الكتاب" للنشر قدمت قائمة تكميلية لإدارة المعرض فيها 5 عناوين من بينها كتاب "فرنكنشتاين تونس" محاولة منها لتفادي أي طارئ.
وأفاد بأن رئيسة لجنة تنظيم المعرض أصرت على المنع والغلق ورفضت التراجع مع أن الكتاب "لا يمس بأي شكل من الأشكال الأمن القومي".
من جهته، رأى صاحب الكتاب الروائي كمال الرياحي، أن مصادرة الكتاب "شيء مؤسف ومحزن على حرية التعبير وانتكاسة على كل مكتسبات الانتفاضة التونسية التي أجهضت".
وفي 29 أبريل 2023، وصف الرياحي في حديث لإذاعة "ميد راديو" المحلية، مصادرة كتابه وإغلاق دار النشر بـ"الجريمة" وبـ "الفضيحة" التي لم تحدث في تاريخ تونس.
وأضاف أن عملية مصادرة الكتاب توضح مستوى "الرداءة" الذي وصلت لها تونس، مردفا "أصبحنا مع اعتقال الكُتب بعد اعتقال الكُتاب".
وقال الرياحي، الذي يقيم بكندا، "تمنيت لو لم أكتب هذا الكتاب لو كان وضع البلاد أفضل مما هي عليه"، مشددا على أنه إذا صودرت الكلمة انتهى الأمر.
ورأى أن "المسألة أكبر من مجرد سحب كتاب"، مبينا أنه اليوم تم سحب كتاب كمال الرياحي وغدا كتب أخرى ومسرحيات وأعمال فنية أخرى وبالتالي سنعود إلى "مربع الديكتاتورية".
فحوى الكتاب
وعن فحوى الكتاب، أوضح الرياحي، في لقاء مع إذاعة "موزاييك إف إم" المحلية، في 29 أبريل 2023، أنه "يتناول الأحداث في تونس منذ 25 يوليو 2021 إلى اليوم".
وأضاف أن "الكتاب يتضمن مقالات رأي متنوعة حول الحريات العامة المُهدَدة وحرية التعبير وإغلاق المؤسسات وحول صناعة الديكتاتور وملاحقة المعارضين وموقف النخبة التونسية والمثقفين من إجراءات 25 يوليوز".
وتعيش تونس منذ 25 يوليو/تموز 2021 على وقع سلسلة من الإجراءات الانقلابية التي اتخذها قيس سعيّد، من بينها حل البرلمان ومجلس القضاء وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وتمرير دستور جديد وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة شارك فيها 11.2 بالمئة فقط من الناخبين.
وأوضح الرياحي، أن الجزء الثاني من الكتاب خُصص للعودة إلى ما قبل وصول قيس سعيد إلى الرئاسة عبر مجموعة من المقالات "المتخوفة من نكسة قد تحدث للديمقراطية والحريات في تونس، ويسلّط الضوء على وحش صنعه الشعب ورباه في السر ثم أطلقه".
كما يتضمّن الكتاب "حديثا حول مسؤولية الساسة والنخبة في تونس منذ 2011 إلى اليوم مع التركيز على فترة قيس سعيد التي تسارعت فيها الأحداث لتدمير كل المكتسبات والاعتقالات التي شملت حتى الشعراء على غرار شيماء عيسى التي مكانها الطبيعي هو معرض الكتاب لا السجن".
وكانت السلطات التونسية اعتقلت الناشطة والقيادية في جبهة الخلاص الوطني المعارضة، شيماء عيسى، قبل أكثر من شهرين، رفقة عدد كبير من السياسيين والنشطاء، قبل أن توجّه لهم تهمة "التآمر على أمن الدولة".
وكمال الرياحي هو كاتب وروائي وإعلامي تونسي مقيم بكندا، شغل منصب مدير "بيت الرواية" ومدير "دار الثقافة المغاربية ابن خلدون"، ومن كتبه "عشيقات النذل" و"المشرط" و"ألبيرتا يكسب دائما".
عودة الرقابة
وزاد قرار منع كتاب "فرانكنشتاين تونس" من حدة المخاوف من عودة سياسة الرقابة والتضييق على حرية التعبير رغم أن الرئيس التونسي أكد خلال افتتاح المعرض -قبل هذا المنع بسويعات- أن "المهم هو تحرير الفكر لأنه لا يمكن أن نحقق أي شيء في ظل فكر جامد".
ووسط هذه الضجة، زعم الرئيس التونسي في 3 مايو/ أيار 2023 "أنه لا مجال لمنع أي كتاب في تونس"، مضيفا أن الحديث عن أن الحريات مهددة في تونس هو "كذب وافتراء".
تصريحات سعيّد جاءت خلال زيارته، إحدى مكتبات شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس، وفق فيديو نشرته الرئاسة التونسية على صفحتها الرسمية في فيسبوك.
وقال سعيد، إن "الكتاب الذي يقولون إنه تم منعه ها هو يباع هنا"، موضحا أن ما حصل خلال معرض الكتاب هو "أن الكتاب لم يكن على قائمة الكتب التي ستعرض في المعرض".
وفي تعليقها على مصادرة كتاب "فرنكشتاين تونس"، رأت الكاتبة والباحثة في الشأن الثقافي ريم شاكر ، أن سحب كتاب ما أو سحبه من مكتبة ما بتونس يفيد حسب ما هو متعارف عليه "الصنصرة" (الرقابة).
وأضافت شاكر، في حديث لقناة "الغد" في 5 مايو، أن سحب الكتاب من المعرض الدولي للكتاب بتونس أدى إلى إقبال كبير على اقتنائه وبالتالي أصبح يحقق مبيعات كبيرة بسبب الجدل الذي أثاره سحبه.
وأشارت إلى أن كاتبه بحد ذاته مثير للجدل في العديد من المناسبات بسبب مواقفه لذا فربما يكون هذا السحب مرتبطا به أكثر مما هو مرتبط بالكتاب.
وأوضحت شاكر، أنه في الوقت الذي تتمسك إدارة المعرض بأنها لم "تُصنصر ولم تمنع أي كتاب بل هو فقط إجراء تنظيمي".
فإن صاحب الكتاب يؤكد، حسب شاكر، أنه تم منع كتابه في إطار "كبت وخنق ووأد حرية التعبير بعد أن سبق وكنا نتبجح بأن تونس بلد حرية التعبير".
من جهته، قال الكاتب الصحفي التونسي محمد أمين السعيداني، إن "الأمر لا يتعلق فقط بسحب كُتيب أو إغلاق رواق في معرض الكتاب".
وأضاف السعيداني لـ"الاستقلال"، أن "حرية التعبير والصحافة والنشر والاجتماع أصبحت مهددة من خلال تراكم وتواتر حالات التضييق والمنع والاعتقال والمحاكمات العسكرية والمدنية التي نالت عددا لا بأس به من الصحفيين من مختلف التوجهات والمدارس السياسية والصحفية والفكرية".
وتابع أنه "إذ أردنا أن نُعدد الحالات فهي منذ 25 يوليو 2021 لا تحصى عددا"، مبينا أن "هناك من حوكم لأجل رأي أو مقالة فيها موقف أو لأجل الاحتفاظ بسرية مصدر أو التعبير عن سلوك أو عن تصريح سياسي يتعلق بأداء وزير أو طرف في الحكومة".
وأكد أن "الأصوات اليوم أصبحت مختنقة جدا في ظل نظام أصبحت له من أبواق الدعاية في مختلف المساحات الإعلامية الكثير وأن كل صوت يخالف هذا المسار أو عنده هامش من التأثير يصبح نشازا ويقع تخويفه وترهيبه".
وأشار إلى أن المثال الأبرز والأهم هو تعرض مدير الإذاعة الأولى استماعا في تونس للسجن حاليا بسبب اتهامه بقضية تتعلق بتبييض الأموال والإرهاب.
وفي 20 فبراير/ شباط 2023، أعلنت إذاعة "موزاييك إف إم" الخاصة في تونس عن قرار قاضي التحقيق إيداع مديرها نور الدين بوطار السجن لتهم ترتبط بالإساءة للسلطة وتبييض أموال.
وخلص السعيداني، إلى أن تظافر هذه القرائن والحالات إضافة إلى حالة الترويع والاعتقالات السياسية المتواترة يؤكد أن "وضعية الحقوق والحريات بتونس أصبحت تعيش خطرا مُدلهما".
وشدد على أن وضعية الحقوق والحريات بتونس "أصبحت ربما في حاجة إلى انتفاضة عامة شعبية وسياسية ونخبوية للمحافظة على الحدود الدنيا التي نشأت وتم ترسيخها خلال العشرية الماضية".