جدل المساواة بين الرجل والمرأة.. ماذا وراء تصاعده في الجزائر؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

دخلت الجزائر في جدل سياسي وقانوني بين مختلف الفاعلين، وذلك عقب إعلان السلطات رفع تحفظها بشكل رسمي عن الفقرة الرابعة من المادة 15 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).

وجاء القرار بموجب مرسوم حمل توقيع الرئيس عبد المجيد تبون، ونشر في الجريدة الرسمية رقم 25-218 لشهر أغسطس/آب 2025، وذلك بعد ما يقارب ثلاثة عقود من المصادقة على الاتفاقية بتحفظات عديدة.

وبناء على المرسوم لم تعد الجزائر تتحفظ على البند الذي يمنح المرأة حقوقا متساوية مع الرجل فيما يتعلق بحرية التنقل واختيار محل السكن والإقامة.

وخلف الإعلان رفضا واسعا من التيار الإسلامي لهذا القرار، ومن ذلك ما جاء على لسان حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي)، عبر بيان نشره بتاريخ 24 أغسطس 2025.

مخالفة للشريعة

حيث أعلنت الحركة عن "اعتراضات قانونية وموضوعية" على رفع التحفظ عن الفقرة المعنية، وألمحت إلى أن هذه الخطوة "غير منسجمة مع قواعد التشريع الطبيعية".

وقالت: إن "رفع التحفظ يجب أن يحظى بموافقة البرلمان على الأمر الرئاسي".

ومن الناحية "الموضوعية"، لفتت الحركة إلى أن الجزائر تحفظت على بعض مواد الاتفاقية عام 1996، وترى أن "البلاد مارست السيادة الكاملة في مواجهة عولمة القوانين الغربية".

وحذرت الحركة من خطورة "الاستدراج المتواصل في التعامل مع المعاهدات الدولية غير المنسجمة مع الخصوصية الدينية أو الاجتماعية وتدفع للخضوع للضغوطات الدولية".

كما حذّرت من تداعيات اجتماعية لرفع التحفظ "من الناحية الواقعية والعملية والاجتماعية كونه قد يُستغل في تفكيك أوسع للأسرة".

في السياق ذاته، عبَّر القيادي الإسلامي عبد الرزاق مقري، عن رفضه لرفع الجزائر لتحفظها.

ورأى مقري في تدوينة عبر فيسبوك، 23 أغسطس، أن اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة "من أخطر الاتفاقيات الهادفة إلى تفكيك الأسرة وبناء مجتمعات تتبع مرجعية واحدة هي المرجعية العلمانية الرأسمالية الاستعمارية".

وأبدى مقري تخوفه من أن رفع التحفظ سيُتبع "بسن تشريعات تحمي الحالات الشاذة من تمرد المرأة على الرجل وتوسيع حالات النشوز".

ومن الرافضين أيضا لقرار رفع التحفظ حزب حركة النهضة (إسلامي)، الذي عدّه "خطوة خطيرة على مستقبل الأسرة الجزائرية والأمن الهوياتي الوطني".

وقالت الحركة في بيان صدر في 27 أغسطس 2025: إن "هذه الخطوة جاءت في ظرف يحفه الغموض والريبة لما لهذه المعاهدة عموما من آثارها الوخيمة على فطرة الإنسان والأسرة والمجتمع".

ودعا البيان السلطات العليا للبلاد إلى مراجعة هذا القرار لما له من "تداعيات سلبية"، كما دعا إلى "عدم التهاون في التمسك بمقومات الهوية لا سيما القواعد الناظمة للأسرة والمجتمع، وعدم الخضوع للضغوطات الدولية التي لها أجنداتها الخاصة والتي تهدف إلى تفكيك الأسرة والمجتمع".

وشدَّد البيان أنه لا بد من المراجعة الجيدة لأي إجراء يتخذ في هذا الشأن، وتوسيع المشورة وإعلام المواطنين بتفاصيل أي خطوة حتى لا يقع أي لبس أو سوء فهم أو سوء استغلال.

أصوات داعمة

في مقابل التيار الإسلامي الرافض لرفع التحفظ عن المادة المذكور، أعلنت تنظيمات وشخصيات أخرى دعمها للخطوة، مشيدين بأبعادها الحقوقية.

وفي هذا السياق، وصف حساب "صوت النساء" عبر فيسبوك، وهو أحد أهم منابر النسوية في الجزائر، رفع التحفظ بأنه أكثر من مجرد إجراء قانوني، بل نقطة تحول رمزية.

ورأى المنبر أن "حقوق المرأة لم تعد قابلة للمساومة بين التشريعات الوطنية والالتزامات الدولية".

وأوضح أن "التحفظ الجزائري كان انعكاسا لِبِنية اجتماعية وثقافية كرَّست سلطة الزوج بصفته "رئيس العائلة"، ومنحته سلطة تقريرية في السكن والإقامة، وأن إلغاءه اليوم يمثل إعادة التقدير لاستقلالية المرأة داخل الأسرة".

وذهب المصدر ذاته إلى أن "القرار جاء ثمرة تراكم جهود الجمعيات النسوية ومنظمات المجتمع المدني التي مارست ضغطا متواصلا عبر التقارير الموازية وحملات التوعية".

وأكد أن "المساواة لن تتحقق فعليا إلا إذا رافق القرار إصلاح شامل لقانون الأسرة، ودمج مفاهيم العدالة الجندرية في السياسات العمومية والثقافة المجتمعية".

وعلى المستوى الحزبي الداعم للرئيس، أكد التجمع الوطني الديمقراطي "الأرندي"، أن رفع التحفظ عن المادة 15 فقرة 4 من اتفاقية "سيداو" هو خطوة سيادية، دستورية، منسجمة مع الفهم السليم لمقاصد الإسلام.

وبحسب بيان نشره الحزب، فإن رفع التحفظ عن هذه المادة يعزّز مكانة الجزائر الدولية ويكرّس حقوق مواطنيها، دون تمييز (على أساس الجنس)، مع ضمان استقرار الأسرة الجزائرية، وصون سيادة الدولة ومكانتها بين الأمم.

ورأى أن "خطابات تهييج وتقسيم الرأي العام ضدّ هكذا خطوة، ليست إلّا محاولة يائسة لعرقلة تقدّم الجزائر في مسار الإصلاح".

وفيما يخص التحجج بأن رفع التحفظ يقتضي أن يمر عبر نفس الأشكال القانونية، أي موافقة البرلمان ثم إصدار أمر أو إصدار الأمر ثم عرضه على البرلمان، فذكر البيان أن "لرئيس الجمهورية الحق في التشريع بأوامر رئاسية بين الدورتين طبقا للدستور".

وشدد الحزب على انسجام رفع التحفظ مع المرجعية الإسلامية، مشيرا إلى أن الشريعة الإسلامية كرّمت المرأة وأعطتها حقوقها منذ قرون، سواء تعلق الأمر بحق السكن أو التنقل أو التملك والتصرف، معتبرا أن منح هذه الحقوق ليست فكرة دخيلة، بل من صميم مقاصد الإسلام القائمة على العدل والكرامة.

وذكر أن "القرار لا يلغي خصوصية الأسرة ولا يمسّ قانونها، بل يفتح مجالًا لتكييف تشريعي منسجم مع روح الشريعة ومقاصدها".

وخلص إلى أن "التخوف من "تفكيك الأسرة" غير مبرر؛ لأن الأسرة الجزائرية قائمة على قانون الأسرة والأعراف الراسخة، والقرار لا يلغي ذلك بل يضعه في توازن مع الالتزامات الدولية".

جدل قانوني

إضافة إلى الجدل الاجتماعي والسياسي، خلف القرار نقاشا قانونيا ودستوريا، وفي هذا السياق، رأى أستاذ القانون الدستوري موسى بودهان، أن رفع التحفظ على الفقرة المعنية هو إجراء "عادي وطبيعي ولا يتعارض مع الدستور".

وقال بودهان في تصريح للصحافة: إن دستور البلاد ينص في مادته الثانية بشكل صريح على أن "الإسلام هو دين الدولة، وبالتالي فلا خوف على المرجعية الدينية أو الهوياتية للبلاد".

وأضاف أن مسألة حرية تنقل وإقامة المرأة "محسومة في قانون الأسرة المعدل سنة 2005، ولا تفرض أية قيود قانونية أو إجرائية على المرأة الجزائرية في هذا الجانب".

واسترسل، وبالتالي فإن "رفع التحفظ، لن يحمل أي جديد ولن ينجر عنه أية تعديلات قانونية أخرى".

وبخلاف هذا الرأي، ذكر المحامي توفيق هيشور، أن الخطوة تطرح إشكالات عميقة حول انسجامها مع المنظومة التشريعية الوطنية، خاصة قانون الأسرة.

وأوضح هيشور في تصريح صحفي، أن دستور 2020 ينص على أولوية المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وهو ما يجعل رفع التحفظ ملزما للمشرّع الجزائري بإدخال تعديلات على القوانين الوطنية، بما في ذلك منح المرأة حقا مساويا للرجل في اختيار السكن والإقامة.

وأشار المحامي إلى أن هذه المساواة قد تفرز نزاعات جديدة أمام القضاء، سواء في مسائل الحضانة أو الطلاق أو النزاعات الأسرية؛ حيث يمكن للزوجة أن تطالب باستقلالية السكن ضد رغبة الزوج.

وفي الوقت نفسه، أكد هيشور أن التنفيذ الفعلي للقرار سيظل رهنا بمدى استعداد المشرّع لمواءمة القوانين المحلية مع الالتزامات الدولية، ومدى قدرة القضاة على التكيف مع هذه المعايير الجديدة.

تخوفات مشروعة

يرى الناشط السياسي خرشي النوي، أن رفع التحفظ عن المادة موضوع النقاش ستكون له عواقب سلبية على المستوى الاجتماعي، ومن ذلك رفع نسبة الطلاق في الجزائر، والتي تقارب حاليا 40‎ بالمئة من عدد حالات الزواج.

وشدد النوي في حوار لـ "الاستقلال"، أن تبني هذه المادة سيخلق لا محالة أسبابا أخرى تفاقم نسبة الطلاق في البلاد.

وعليه، يردف الناشط السياسي، من حق المجتمع أنْ يتساءل عن السبب الذي جعل السلطات تبدي تحفظها على المادة المذكورة في 2014 وترفعه اليوم.

ودعا المتحدث ذاته الجهات المسؤولة لكشف الضغوط الممارسة على السلطة لتُفضل إرضاء الغرب على حساب أعراف وتقاليد ودين المجتمع.

وخلص إلى أن الغرب الذي حين أصيب في بنيانه الأسري، يريد الآن، ويعمل على هذا منذ فترة طويلة، أن يعم هذا البلاء  العالم كله، لا سيما المجتمعات الإسلامية.

من جانب آخر، وأمام حدة الجدل الذي شهدته البلاد بسبب القرار الرئاسي، قالت وكالة الأنباء الجزائرية" الرسمية نِسبة إلى مصادر لم تسمها، أن الأمر يتعلق بمجرد إجراء تقني أملاه زوال السبب الذي أدى إلى التحفظ على نص المادة 15 الفقرة 4 بمناسبة المصادقة على الاتفاقية سنة 1996.

وأوضحت أن الجزائر كانت قد تحفظت آنذاك على خمسة أحكام لتعارضها مع القوانين الوطنية، لا سيما قانون الأسرة وقانون الجنسية. 

وتابعت، وموازاة مع التطورات التدريجية التي شهدها التشريع الوطني، قامت الجزائر برفع عدد من هذه التحفظات، على غرار ما تم سنة 2005 عندما بادرت برفع تحفظها عن أحكام الاتفاقية التي تقر حق الأم في نقل جنسيتها إلى أبنائها، وهو الإجراء الذي تم اتخاذه عقب تعديل قانون الجنسية.

أما بخصوص التحفظ الذي تم رفعه أخيرا، يضيف المصدر، فهو يتعلق بالمادة 15 فقرة 4 من الاتفاقية التي تنص على المساواة بين الرجل والمرأة في حق اختيار مقر الإقامة والسكن.

وأوضحت الوكالة الرسمية أن الجزائر تحفظت على هذه المادة سنة 1996، استنادا إلى أحكام المادة 37 من قانون الأسرة آنذاك. غير أن هذه المادة قد تم إلغاؤها سنة 2005، وبالتالي، فإن التحفظ الجزائري قد فقد سبب وجوده ولم يعد يستند إلى أي أساس قانوني في التشريع الوطني.

وشددت على أن رفع هذا التحفظ لن ينجر عنه إجراء أي تعديلات على القوانين الوطنية، على تقدير أن المقاربة الجزائرية بشأن هذا النوع من الاتفاقيات على وجه الخصوص تعتمد على تعديل التشريع الداخلي أولا ثم رفع التحفظات المسجلة على الصعيد الدولي في مرحلة ثانية. 

وتابعت: أن هناك نقطة مهمة تتمثل في أن إبقاء التحفظ على نص المادة 15 فقرة 4 كان يستغل من قبل الجهات المعادية للجزائر للترويج لدى المنظمات الحقوقية بأن بلادنا تكرس تمييزا بين الرجل والمرأة بخصوص الحق في التنقل والسكن، رغم أن القانون الجزائري لا ينص أساسا على أي تدابير تقييدية على المرأة في هذا الشأن.

غير أن توضيح الوكالة لم يوقف استمرار تفاعل المواطنين والفاعلين مع القرار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يعني أن تداعياته ما تزال مفتوحة في المراحل المقبلة، خاصة إن تم تقديم أي تعديل على قوانين الأسرة بناء على رفع هذا التحفظ.