قنصلية تركيا في شرق ليبيا.. هل تهدف لعزل اليونان وقبرص؟

"هذا التحرك سيعيد تركيا إلى مكانتها كقوة إقليمية مؤثرة"
في خطوة دبلوماسية لافتة، أعلنت أنقرة عن قرار إعادة افتتاح قنصليتها شرق ليبيا، في تطور عدته صحيفة "معاريف" العبرية، بمثابة "اعتراف تركي رسمي" بحكومة الانقلابي خليفة حفتر.
وتسيطر قوات حفتر على المناطق الشرقية من البلاد، مما يجعل هذا التحرك مؤشرا على تغيير محتمل في السياسة التركية تجاه المشهد الليبي.

إستراتيجية طموحة
وتساءل المراسل العسكري لصحيفة "معاريف" العبرية، آفي أشكنازي، حول ما إن كانت الخطوة التركية الأخيرة تعني "عودة الإمبراطورية العثمانية إلى الحياة".
ووصف هذه الخطوة بأنها "لا تقل دراماتيكية عن التحولات التي شهدتها سوريا مع سقوط نظام بشار الأسد بدعم أنقرة لفصائل المعارضة".
ويرى أن "هذا التحرك التركي يعد جزءا من إستراتيجية تركية طموحة تهدف إلى تغيير موازين القوى في الشرق الأوسط، ضمن مساعٍ تركية واسعة لإحياء نفوذها التاريخي".
ورأى أن "المبادرة ترتبط بإستراتيجية تعرف باسم (الوطن الأزرق)، وتهدف إلى بسط السيطرة على مساحات واسعة من البحر المتوسط، وعزل كل من اليونان وقبرص".
وسردت الصحيفة الدور التركي في الصراع الليبي قائلة: "تشهد ليبيا حربا أهلية منذ ما يقارب عقدين، وقد لعبت تركيا دورا بارزا في مسار الصراع؛ حيث قلب تدخلها العسكري موازين القوى".
وتابعت: "يذهب بعض المراقبين إلى عدّ الحكومة الليبية المدعومة من أنقرة بمثابة حكومة وصاية تركية"، على حد وصفها.
وأردفت: "خاضت أنقرة هذه المواجهة ضد قوات علمانية معتدلة يقودها حفتر المدعوم من الولايات المتحدة وروسيا".
واستمرت المعارك بين الطرفين نحو ستّ سنوات ونصف السنة، من مايو/ أيار 2014 وحتى أكتوبر/ تشرين الأول 2020.
واستطردت: "وعندما أوشكت قوات حفتر على حسم المعركة، تدخلت تركيا بشكل حاسم، وقلبت موازين القوى لصالح حلفائها".
رغبة متنامية
وعقب ذلك، أشار التقرير إلى أن "أنقرة بدأت فتح قنوات تواصل مع معسكر شرق ليبيا عبر سلسلة من الاتصالات الاستكشافية".
وتمثلت في الزيارات المتكررة التي قام بها دبلوماسيون من السفارة التركية إلى بنغازي، أعقبها توجيه دعوة رسمية لرئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، الذي زار أنقرة والتقى رئيس البرلمان آنذاك، مصطفى شنطوب، في أغسطس/ آب 2022.
ومع مطلع عام 2025، ذكر التقرير أن "العلاقات بين أنقرة ومعسكر حفتر شهدت تطورا نوعيا، تمثل في استقبال رسمي لصدام حفتر، بصفته (آمر القوات البرية)، حيث التقى برئيس الأركان التركي سلجوق بيرقدار أوغلو، ووزير الدفاع يشار غولر، لبحث آفاق التعاون العسكري بين الجانبين".
"في خطوة عدها مراقبون نقلة نوعية في العلاقات، لا سيما مع استمرار أنقرة في الحفاظ على إبراز علاقاتها مع طرابلس". وفق التقرير.
ولفتت الصحيفة العبرية إلى أن إعلان أنقرة إعادة فتح قنصليتها في بنغازي تزامن مع زيارة رئيس الاستخبارات التركية، إبراهيم قالن إلى شرق ليبيا، ولقائه حفتر.
وكان المكتب الإعلامي التابع لحفتر قد أفاد عبر بيان صادر في 25 أغسطس/ آب 2025 أن اللقاء عُقِد في مقر القيادة العامة بمنطقة الرجمة.
ووفقا للبيان، فقد ركز لقاء قالن مع حفتر على "مناقشة سبل مواجهة ظاهرة الهجرة غير القانونية، بما يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي، إلى جانب بحث أوجه التعاون الثنائي بين الطرفين".
وأوضح البيان أن اللقاء استعرض "التطور الملحوظ" في العلاقات بين الجانبين، وناقش آليات التنسيق المشترك لمكافحة التحديات الأمنية، وفي مقدمتها ملف الهجرة.
وأكَّد "رغبة متنامية من الطرفين في تطوير مستوى الحوار والتعاون، بما يتجاوز الجانب الأمني التقليدي ليشمل مجالات مختلفة".
عودة التاج
وتقدر الصحيفة العبرية أن "افتتاح القنصلية التركية في شرق ليبيا والاعتراف بحكومة حفتر يأتي بهدف تعزيز الاتفاق البحري الموقع بين تركيا وحكومة غرب ليبيا، والذي يحدد الحدود البحرية بين البلدين".
وهي اتفاقية لفتت الصحيفة إلى أنها "تمنح تركيا ممرا بحريا مباشرا مع ليبيا وتقطع التواصل البحري بين اليونان وقبرص، ما يؤدي عمليا إلى عزلهما".
وفي تعليق له على هذه التطورات، قال الخبير في الشؤون التركية بمركز ديان في جامعة تل أبيب، هاي إيتان كوهين يانروجاك: "أسمي هذه الخطوة التركية: (عودة التاج إلى مكانه)".
وتابع مفسرا حديثه: "فتركيا كانت حاضرة في ليبيا حتى الحرب بين عامي 1912 و1919، ومن وجهة نظرها، فإن العودة إلى طرابلس تمثّل تحقيقا لرؤية (الوطن الأزرق)، أي توسيع السيطرة في البحر المتوسط".
وأضاف يانروجاك: "صحيح أن اتفاق الحدود البحرية وُقع بين تركيا وحكومة غرب ليبيا، إلا أن الأمم المتحدة تعترف بهذه الحكومة كممثل شرعي للبلاد، وبالتالي فإن الاتفاق يحظى باعتراف دولي يشمل أيضا المناطق الواقعة في شرق ليبيا".
ويقدر المراسل العسكري للصحيفة أن تركيا "تسعى من خلال هذه الخطوة إلى تعزيز نفوذها في ليبيا، وضمان ممر بحري إستراتيجي يمكنها من التحكم بحركة تصدير الغاز والنفط عبر خطوط الأنابيب الممتدة بين روسيا ودول الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا".
ووفقا له، فإن "هذا التحرك لن يعزز الاقتصاد التركي فحسب، بل سيعيد تركيا إلى مكانتها كقوة إقليمية مؤثرة".
في المقابل، ذكرت الصحيفة أن "التقارير بشأن توجه مجلس النواب للتصديق على مذكرة التفاهم البحرية أثارت قلقا واسعا في أثينا، إذ عدّت وسائل إعلام يونانية زيارة قالين إلى بنغازي (نقطة تحول في الإستراتيجية التركية، وإشارة على تقارب بين حفتر وأنقرة)".
وأضافت: "من منظور أثينا، فإن مصادقة مجلس النواب الليبي على مذكرة التفاهم من شأنها أن تُضعف الموقف اليوناني الرافض لها؛ حيث يرى أن المذكرة غير قانونية وغير شرعية".