بعد اعتقال الغنوشي.. ما خيارات المعارضة التونسية لمواجهة استبداد قيس سعيد؟

تونس- الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في وقت كان فيه التونسيون يتجمعون على موائد الإفطار، مساء 17 أبريل/ نيسان 2023، تحرّكت قوات الأمن التونسي لمحاصرة منزل زعيم حركة النهضة الإسلامية، رئيس البرلمان المنحل راشد الغنوشي قبل مداهمته واعتقاله وعدد من مرافقيه بالمنزل.

ويعد راشد الغنوشي الشخصية الأهم من بين الذين جرى اعتقالهم منذ انقلاب 25 يوليو/تموز 2021 وحتى حملة الاعتقالات الأخيرة التي طالت عددا من السياسيين والحقوقيين والنقابيين والإعلاميين.

انزلاق خطير

وأثار هذا الاعتقال انتقادات محليّة ودولية، فعده معارضون للرئيس قيس سعيّد خطوة جديدة في مسار إرساء نظام ديكتاتوري على أنقاض الانتقال الديمقراطي الذي تلا ثورة العام 2011.

فيما تتالت بيانات الدول والمنظمات الإقليمية المنددة بالاعتقال والداعية إلى حماية حق النشاط السياسي للمعارضين.

وتعد هذه الخطوة اختبارا حقيقيا للمعارضة التي لا تزال تشقها خلافات عديدة، واستمرار في تبادل الاتهامات عن مسؤولية فشل تجربة الانتقال الديمقراطي.

منذ انقلاب 25 يوليو، شهدت البلاد مجموعة من الاعتقالات التي طالت عددا من الناشطين والصحفيين والنواب في البرلمان المنقلب عليه، إلاّ أنها كانت محدودة من حيث العدد وانتماء المعتقلين.

ولكن منذ بدء عام 2023، شنت السلطات التونسية سلسلة اعتقالات طالت أسماء بارزة من قادة المعارضة من مختلف المكونات السياسية.

وحسب التصريحات الرسميّة فإنّ هذا الإيقاف جاء إثر "تصريحات تحريضيّة" يُقصد بها ما ورد على لسان الغنوشي خلال لقاء انتظم بمناسبة مرور سنة على تكوين جبهة الخلاص الوطني في 15 أبريل 2023، تعرّض فيها للانقلاب.

 وقد جرى ترويج هذا التصريح بشكل مُجْتزئ وتناقلته صفحات وحسابات داعمة لقيس سعيّد ورد فيه "الانقلابات لا يحتفى بها، بل ترمى بالحجارة لأنها أشدّ المنكرات والاستبداد، إنّ تونس بدون نهضة، بدون إسلام سياسي مشروع حرب أهلية".

بينما الجملة الأصلية غير ذلك، إذ جاء فيها "الانقلابات لا يحتفى بها، بل ترمى بالحجارة لأنها أشدّ المنكرات والاستبداد.. تصوّر تونس بدون هذا الطرف أو ذاك، تونس بدون نهضة، وبدون إسلام سياسي، وبدون يسار، وبدون أيّ مكوّن من المكوّنات، هو مشروع حرب أهليّة".

وأردف الغنوشي: "الذين استقبلوا هذا الانقلاب باحتفاء لا يمكن أن يكونوا ديمقراطيّين بل هم استئصاليون وإرهابيون ودعاة لحرب أهليّة".

وخلال الأشهر الماضية مثُل الغنوشي مرارا أمام النيابة في إطار التحقيق معه في قضايا تتعلق بالفساد والإرهاب.

حكومة قيس سعيّد لم تكتف باعتقال الغنوشي بشكل استعراضي وإطلاق لجان إعلامية للاحتفاء بالاعتقال، بل قرّر وزير الداخلية كمال الفقي، الذي جرى تعيينه أخيرا غلق مقرات حركة النهضة ومنع الاجتماعات فيها كما قرر منع جبهة الخلاص الوطني من الاجتماع بمقراتها في ولايات تونس العاصمة.

وأصدر قاضي التحقيق في المحكمة الابتدائية بتونس فجر 20 أبريل 2023 بطاقة إيداع (سجن) في حق رئيس حركة النهضة بعد جلسة دامت أكثر من 9 ساعات بين تحقيق ومرافعات المحامين.

وقال الناطق باسم الحرس الوطني حسام الدين الجبابلي في 19 أبريل 2023 إن التهم الموجهة ضد الغنوشي تندرج ضمن أفعال مجرّمة متعلقة بالاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة، وفق تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء.

وأكّدت هيئة الدفاع عن راشد الغنوشي أن عقوبة الاتهامات التي وجهت له تصل إلى الإعدام. وقالت المحامية منية بوعلي في 21 أبريل لوكالة رويترز البريطانية "إن اعتقاله كان قرارا سياسيا وجائرا وجاهزا، سجنه كان بسبب تعبيره عن رأيه".

إدانة واسعة 

لم يترافق  اعتقال راشد الغنوشي مع حراك سياسي معارض في الشارع لتزامنه مع نهاية شهر رمضان والاحتفالات بعيد الفطر، وكذلك لتخوف لدى المعارضة من إمكانية التجاء السلطة لقمع أي تحرك، ما قد يؤدّي إلى حدوث توتر ومواجهات مع المتظاهرين.

إلاّ أن المعارضة على اختلاف مواقعها وانتماءاتها أصدرت جملة من المواقف المبدئية، متجاوزة الخلافات المتراكمة قبل الانقلاب وبعده مع حركة النهضة وزعيمها راشد الغنوشي.

ورأت جبهة الخلاص المعارضة أن إيقاف راشد الغنوشي ورفاقه "يأتي في سياق حملة طالت أكثر من عشرين شخصية معارضة بتهم باطلة وفي غياب أدنى حجة على سبب احتجازها لمدة تزيد عن الشهرين".

كما تأتي في سياق غلق مقرات الأحزاب السياسية وحظر نشاط جبهة الخلاص الوطني دون إذن قضائي، وفق بيان صدر لها في  20 أبريل.

وأكّد حزب العمال (يساري) في بيان لجنته المركزية 20 أبريل 2023 أن "التصريح المعتمد لاعتقال رئيس حركة النهضة ومنع الاجتماعات في كامل مقرّاتها مع إخضاع المقر المركزي للتّفتيش والبحث ومنع الاجتماعات في مقر جبهة الخلاص، ما هو في الحقيقة إلاّ ذريعة لتصفية الحساب مع خصم سياسي".

وهي تصفية تفتح الباب، بالنظر إلى منطلقاتها، لما هو أخطر، أي تصفية ما تبقّى من الحريات، بحسب البيان.

ومن جهته رأى التيار الديمقراطي  (يسار الوسط) في بيان له أن "الصمت أو التواطؤ اليوم مع آلة القمع بدافع الخصومة السياسية، سيكون تأشيرة لهذه الآلة لكي تنال منهم غدا".

وأضاف: "كلما زادت عزلة هذه السلطة وتعمقت أزمتها الاقتصادية والاجتماعية، التجأت إلى القمع والعمليات الاستعراضية ولن يردعها عن هذا إلا اقتناع المواطنات والمواطنين أن حبل الشعبوية قصير وطريقها مسدود".

كما قوبل الاعتقال بحملة تضامن دولية واسعة من قبل شخصيات وهيئات وأحزاب في الوطن العربي والعالم، وصدرت بيانات من عدد من الدول والمنظمات الإقليمية منددة بهذا الإجراء.

ووصفت الخارجية الأميركية -في بيان- الاعتقالات في تونس بحق المعارضة "تصعيدا مقلقا"، وتتعارض بشكل أساسي مع المبادئ التي اعتمدها التونسيون في دستور يضمن حرية الرأي والفكر والتعبير.

وأشار البيان إلى أن التزام الحكومة التونسية باحترام حرية التعبير وحقوق الإنسان ضروري للديمقراطية وللعلاقة بين الولايات المتحدة وتونس.

من جانبه، قال وزير شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الخارجية البريطانية طارق أحمد إن الاعتقالات في تونس -بما فيها اعتقال الغنوشي- تقوض مساحة التعددية السياسية في البلاد.

كما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه سيتحدث مع السلطات التونسية لنقل مخاوفه حيال توقيف رئيس حزب النهضة.

اختبار للمعارضة 

إقدام نظام سعيد على منع نشاط حركة النهضة، يراه مراقبون استهدافا مباشرا لحق التنظم السياسي وحريّة العمل الحزبي الذي عد أحد أهم مكاسب ثورة العام 2011، وهو ما يعيد للأذهان مرحلة الاستبداد التي عاشتها البلاد قبل الثورة والتي انطلقت بداية التسعينيات باستهداف الاسلاميين.

ويرى المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة رياض الشعيبي أن "المعركة اليوم في البلاد ليست سياسية في ظرف ديمقراطي ولكن نحن أمام معركة مقاومة انقلاب، لا يمكن أن نتوقع منه حدودا أو ضوابط".

وأردف في حديث لـ"الاستقلال": "بالتالي فكل الإجراءات يمكن توقعها من هذا الانقلاب وكل شخص يمكن أن يكون مستهدفا لذلك لم نتفاجأ من اعتقال الأستاذ راشد الغنوشي لأنه لم يكن للمرة الأولى مهددا بالاعتقال، وكنا نتوقع ذلك مثلما كنا نتوقع محاصرة حركة النهضة وغيرها من أحزاب المعارضة واستهداف رموزها وقادتها".

وأضاف أن "التحركات الميدانية الرافضة لإجراءات السلطة والمطالبة بعودة المسار الديمقراطي لا ترتبط بأي قرار يستهدف النهضة إنما هي نابعة من إرادة التصدّي للانقلاب".

وأكد الشعيبي أنّ "راشد الغنوشي لا يزال في موقعه رئيسا لحركة النهضة حتى من داخل سجنه، لكن حجم الاستهداف الذي حصل اليوم يجعل المعارضة مفروضا عليها أن تتقارب وتتوحد لتتمكن من التصدي لهذه الهجمة التي تستهدف كل القوى السياسية المعارضة".

وأوضح القيادي في حركة النهضة  "تلقينا بإيجابية كبيرة مواقف الأحزاب مثل مواقف حزب العمال  والتيار الديمقراطي في دفاعهم عن حرية التعبير وحرية التنظيم، ونتمنى أن تكون هنالك نتائج إيجابية لهذه الإجراءات التعسفية بتقريب وجهات النظر بين قوى المعارضة".

ولفت إلى أن "النهضة" لا تزال تمدّ أيديها للجميع من أجل عمل مشترك لتقوية الساحة السياسية وخلق توازن مع سلطة الانقلاب.

ويعد راشد الغنوشي شخصية جدلية في المعترك التونسي، فالرجل الذي يرأس أكبر حزب في البلاد منذ أكثر من 40 عاما، وانتهى به مشواره السياسي إلى ترأس ثالث برلمان منتخب بعد ثورة 2011، يحمّله طيف واسع من السياسيين مسؤولية الوضع الذي تعيشه تونس مما ساهم في استغلاله من قبل قيس سعيّد لتنفيذ انقلابه. 

كما أن استمرار الغنوشي في ترأس حركة النهضة بعد مؤتمرها الذي عقد عام 2016، تسبب في استقالة عدد كبير من قيادتها بشكل فردي وجماعي واتجه البعض منهم إلى تأسيس حزب سياسي جديد بقيادة وزير الصحة السابق عبد اللطيف المكّي.

كلّ ذلك قد يجعل من تغييب راشد الغنوشي بالاعتقال فرصة أمام المعارضة لنزع بعض أسباب الانقسام وتجاوز خلافاتها القديمة التي رافقت مرحلة الانتقال الديمقراطي.

وفي هذا السياق رأى عضو المكتب السياسي للحزب الجمهوري عيسى خضري أن "الغنوشي ليس فقط سياسيا بل مفكرا حاول دمقرطة التيار الإسلامي، وإن كنت أختلف معه ومع ما يمثله، لكن لا يمكن إنكار المراجعات الفكرية نحو الحداثة ومن أجل الدفاع عن النظام الديمقراطي التي قام بها الرجل".

وأضاف لـ "الاستقلال": "أنوه بما يقوم به رفاقي من نضالات للتعريف بالمظلمة الذي يتعرض لها الأمين العام عصام الشابي وأشكر الشخصيات الوطنية التي زارتنا في مقرنا، ولكني أتألم حين أرى صمت بعض الأحزاب المحسوبة على الوسط الديمقراطي الاجتماعي، وعزائي أن التاريخ سيسجل جميع المواقف".

ورأى أن "المعارضة لم تفهم الرسالة من اعتقال الغنوشي في ذلك التوقيت وبتلك الاستعراضات البوليسية التي خلنا أننا لن نراها بعد الثورة، لأن هذا الاعتقال ينهي كل أمل في حوار سياسي مع سلطة الأمر الواقع".

وتابع: "فلا مجال اليوم للحديث عن معارضة تجبر سلطة على التراجع أو الحوار أو انتهاج الحلول التوافقية، والأجدى أن نعد أنفسنا تيار مقاومة سياسية مدنية سلمية لسلطة الفرد الواحد".

وأكد القيادي في الحزب الجمهوري أنّ "الأحزاب السياسية لم تتلق هذه الرسالة وواصلت الانقسام، وأعتقد أنها ستواصل فيه رغم أني على يقين أنهم مقتنعون أن تشتت المعارضة يساهم في فتح المجال للتدخلات الخارجية في شؤوننا الوطنية حتى صرنا ملفا على طاولة مفاوضات زعماء بعض الدول".