مضر بدران.. رئيس وزراء أردني سابق حاول الأسد اغتياله واعتزل بسبب إسرائيل

يوسف العلي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

"ذراع الملك، رجل المخابرات، مخزن الأسرار"، هذه الألقاب أطلقت على رئيس الوزراء الأردني الأسبق، مضر بدران، خلال عقود من الزمن تولى خلالها مسؤوليات كثيرة، حتى اعتزاله السياسة في تسعينيات القرن العشرين، بعدما رفض التفاوض مع إسرائيل وجها لوجه.

بدران الذي تقلد العديد من المناصب الحساسة في الأردن، توفي في 22 أبريل/نيسان 2023، عن عمر ناهز 89 عاما، ونعاه رئيس مجلس الأعيان في المملكة فيصل الفايز، وأشاد بدوره في "خدمة وطنه في مختلف مواقع العمل العام التي شغلها".

رجل دولة

ولد مضر محمد عايش بدران في 18 يناير/كانون الثاني 1934 في محافظة جرش شمالي الأردن، وحصل على الإجازة في الحقوق من جامعة دمشق عام 1965، فضلا عن دبلوم في المالية والاقتصاد من الجامعة ذاتها وفي العام نفسه، ولديه دكتوراه فخرية في الاقتصاد من الجامعة الهاشمية.

تلقى بدران تعليمه الابتدائي في جرش، قبل أن ينتقل مع والده القاضي الشرعي إلى محافظة الكرك الجنوبية، حيث أنهى دراسته الثانوية، ثم توجه إلى دمشق التي لم يجد مقعدا في جامعتها إلا في كلية الحقوق بعدما كان يرغب بدراسة الطب في القاهرة.

وفور عودته إلى عمان عام 1956، التحق بالقوات المسلحة الأردنية (الجيش العربي) ضابطا في الاستشارية العدلية، لينتقل بعدها إلى دائرة المباحث العامة، بعد اختياره مع زملاء له لتأسيس جهاز المخابرات سنة 1964، بعدما تولى صياغة قانونه، إذ كانت رتبة لواء آخر ما وصل إليه في حياته العسكرية.

تسلم بدران منصب مساعد المدير للشؤون الخارجية، ثم رئاسة الجهاز الناشئ في عام 1968، بعيد نكسة الخامس من يوليو/حزيران بعام واحد، والتي شنت فيها إسرائيل حربا على 3 من دول جوارها العربي (مصر، الأردن، سوريا)، دامت 6 أيام وهزمت فيها الأطراف العربية هزيمة ساحقة.

عُيّن بدران مطلع سبعينيات القرن الماضي، مستشارا أمنيا للملك الراحل الحسين بن طلال، وأمينا عاما للديوان الملكي، فقد أصيب خلال "أحداث سبتمبر" الشهيرة برصاصة في اليد ظلت آثارها مصاحبة له حتى وفاته، والتي دفعته في وقتها للتوجه إلى بيروت للعلاج، وبعدها إلى لندن.

في سبتمبر/أيلول 1970 اندلعت أحداث ما عرف بـ"أيلول الأسود" بين القوات المسلحة الأردنية ومسلحين من "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" في الأردن، ما أسفر عن سقوط آلاف القتلى، وتواصل الصراع حتى يوليو/تموز 1971.

عام 1973، وأثناء تشكيل حكومة زيد الرفاعي الأولى، استدعاه الملك الراحل الحسين بن طلال، وكلفه بدخول الحكومة فوافق، وقد اختير لوزارة التربية والتعليم، وأسهم ببناء المدارس وزيادة رواتب المعلمين، وابتعاث طلبة من الثانوية العامة إلى الخارج ليعودوا مدرسين.

تولى الراحل رئاسة الحكومة في الأردن أربع مرات، فقد كان رئيسا للوزراء ووزير دفاع بين الأعوام 1976 و1979 (شغل فترتين حكوميتين خلال هذه السنوات)، ثم شغل المناصب ذاتها خلال عامي 1980 إلى 1984، وكذلك من عام 1989 إلى 1991.

وتولى كذلك رئاسة المكتب التنفيذي لشؤون الأرض المحتلة، ورئاسة لجان ملكية عدة منها: لبناء جامعات اليرموك، والعلوم والتكنولوجيا، والهاشميّة، فضلا عن رئاسة مجلس أمناء الجامعة الهاشمية، وعضوية اللجنة التنفيذية للاتحاد الوطني العربي.

مهمة انتحارية

كانت آخر حكومة شكلها بدران عام 1989، وجاءت عقب احتجاجات في الأردن عرفت حينها بـ"هبة أبريل" بسبب انهيار الدينار الأردني أمام الدولار الأميركي، والتي توقع حصولها قبل نحو عام من اندلاعها، وقد أخبر بذلك قائد الجيش حينها زيد بن شاكر.

وبعد إجراء الانتخابات واجتماع مجلس النواب الحادي عشر في مطلع ديسمبر/كانون الأول 1989، كلف الملك الراحل، بدران بتشكيل حكومته الرابعة، رغم اعتذاره وطلبه بقاء زيد بن شاكر.

واستطاع بدران بصعوبة نيل ثقة البرلمان لتولي منصب رئيس الوزراء عام 1989، ومع عودة الحياة البرلمانية والسياسية واجه عاصفة انتقادات من القوى السياسية الممنوعة واليسار والقوى الإسلامية وضم 5 وزراء منهم لحكومته، واستطاع أن يحتوي كما كبيرا من النقد آنذاك.

لكن المشهد لم يهدأ طويلا حتى باغته الغزو العراقي للكويت في أغسطس/آب 1990، وبدا الوضع الداخلي متوترا بين الخيارات الصعبة المتاحة للقرار السياسي.

في تلك المرحلة خاض بدران "مهمته الانتحارية"- حسبما تصفها الصحافة المحلية- إذ فشلت كل مساعي الأردن في استنباط حل عربي، ورفض التدخل الأميركي، وتحمل كلفة الانحياز لبغداد، بعد أن استنفد ملك البلاد الراحل كل الفرص لانسحاب الرئيس العراقي صدام حسين.

وواجه مضر بدران المسؤولية، وسعى لتأمين الأردن بمتطلبات الصمود، أمام الحصار عليه نظرا لاتصاله البري مع العراق، وأخذ على عاتقه ومجلس النواب، دعم موقف العاهل الأردني الذي لن يستطيع إسكات شعبه إذا ذهب للتحالف الدولي.

اعتزل بدران العمل السياسي في يونيو 1992، بعد أن رفض فكرة المشاركة في مفاوضات مع إسرائيل وجها لوجه، لأنه أصر على أن تل أبيب لن تعطي الفلسطينيين أرضا ولن تمنحهم دولة، حسبما أوردت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية في 22 أبريل 2023.

بعد أن ترك الحياة السياسية تدريجيا، توجه بدران إلى القطاع الخاص وأسس شركة حديد الأردن المحدودة عام 1993 والتي أصبحت رائدة في تصنيع الصلب في البلاد.

تولى شقيقه الأصغر عدنان منصب رئيس وزراء الأردن عام 2005، والتي لم تدم حكومته سوى أشهر قليلة من 6 أبريل وحتى 27 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه.

محاولة الاغتيال

وفي فبراير/شباط 1981 كان بدران هدفا لمحاولة اغتيال فاشلة في عمان على أيدي كوماندوز من "سرايا الدفاع" بدعم وتخطيط من رفعت شقيق رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد.

وتزامنت هذه المحاولة الفاشلة مع فترة سوء العلاقات الأردنية السورية وفي وقت كان نظام الأسد يغوص في وحل لبنان الذي كان يشهد حربا أهلية دارت رحاها منذ عام 1975 وحتى 1990.

ألقي ‏القبض على فريق عملية الاغتيال في إحدى الشقق في منطقة صويلح ـ عمّان، حيث اعتقلت السلطات الأردنية في 31 يناير/كانون الثاني 1981 قائد العملية العقيد عدنان كمال بركات، إضافة إلى السائق جورج عبده، والعريف أكرم علي جميل بيشاني والرقيب عيسى إبراهيم الفياض.

وبعد التحقيق معهم تبين أن اثنين من عناصر المجموعة شاركا في مجزرة سجن تدمر، وعرض التلفزيون الأردني هذه الاعترافات، كما جرى نشرها كاملة في كتيب خاص ضمن سلسلة "الوثائق الأردنية" الصادرة عن وزارة الإعلام.

لكن بدران كان قبل ذلك وخلال مرحلة رئيس الوزراء الراحل بهجت التلهوني (1960- 1970) قد كُلف بزيارة دمشق، والسعي الجاد لترطيب العلاقات مع الجانب السوري، حسبما كشف في مقابلة مع صحيفة "الغد" الأردنية في 29 يناير 2015.

وعن العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين، أوضح بدران خلال المقابلة: "كنا في دائرة المخابرات، نوزع العمل لأقسام وفروع، كقسم حزب البعث والشيوعيين، وقسم المنظمات والفصائل، لم يكن عندنا قسم لجماعة الإخوان المسلمين، لأنه ليس من أهدافهم الانقلاب على النظام".

ولفت إلى أن القسم لم يجر استحداثه إلا بعد شكاوى حافظ الأسد منهم، وقد كنا نحن والجمهورية العربية السورية على بعد قريب جدا من إعلان الوحدة. "ولأن اتفاقية الدفاع المشترك وقتها كانت تجبرني على حماية الأمن السوري، فقد التزمت بالتقصي والتحري عن مخاوف الرئيس الأسد".

وتابع: "الإخوان المسلمون كانوا نشطين في سوريا، ولهم نشاط سياسي أقلق الرئيس (حافظ) الأسد، ولما اشتكى منهم، طلبت منه وقتا حتى أتأكد من المعلومات، التي في حوزته، فأنا لا أتدخل بالشؤون الداخلية لدول الجوار، كما أمنعها (الجماعة) أيضا من ممارسة ذات الأمر".

ولفت بدران إلى أنه "لما جرى توقيع الاتفاقية بيننا وبين السوريين، وصارت حركة المسافرين بين الحدود على الهوية، وجرى إلغاء العمل بجواز السفر بيننا، قال لي الأسد بأن الإخوان (السوريين) يتسللون للأردن عبر هويات مزورة، دققنا في الأمر، وإذ الهويات المزورة أمر صحيح، والخطأ يتحمله مركز إصدار الهويات على الحدود".

فقلت له: إذا أنت لم تستطع إمساك الإخوان المسلمين الخارجين على القانون في دمشق، فكيف سأمسكهم أنا في عمان أو الزرقاء أو العقبة مثلا!، وفق بدران.

وبين أنه "في عام 1979، وبعد وفاة رئيس الوزراء عبد الحميد شرف، وتكليفي بتشكيل الحكومة بعده، وكانت قيادات الإخوان المسلمين السوريين في الأردن قد غادرت، قال لي الراحل (الملك) الحسين بأنه أبعدهم من الأردن، وهكذا، لن تواجه أي مشكلة مع السوريين، فسألته إن كان السوريون على علم بالأمر، فقال: لا".

وأشار إلى أننا "نحن لم نستخدم الإسلاميين يوما ضد أي حزب شيوعي أو بعثي أو يساري، لكن قد يكون بين تلك الأحزاب، اختلافات جذرية في الأهداف والعقيدة والبرامج، وهو السبب الرئيس في تناحرهم، سواء على السلطة أو في المظاهرات في الشارع".

وأكد بدران أن "الإخوان المسلمين في الأردن لم يكونوا أقوياء في الستينيات من القرن الماضي، وما قبله، ولم يكن لهم حضور لافت في مجلس النواب أو الحياة السياسية، لكن بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967، أخذتهم قضية الجهاد، وكانت هي سبيل فرض وجودهم أمام المد القومي وقتها، لكنهم لم يملكوا يوما قيادة عسكرية في الأردن".

وأردف: "هنا، لابد من التأكيد على أن الإخوان المسلمين في الأردن، لم يكونوا عدائيين للنظام، وأنا من معرفتي السابقة بهم، لم أكن أخشاهم، فهم ليسوا دمويين أو إرهابيين، بل يملكون قيادات وطنية".

أصدر مضر بدران مذكراته في أغسطس/آب 2020، التي كشف فيها عن جزء من أسرار تتعلق بأحداث نصف قرن كان قد عاصرها في منطقة الشرق الأوسط، خلال كتاب أطلق عليه "القرار"، وكان غزو العراق للكويت من أبرز ما تطرق إليه.

وقبل يوم واحد من حدوثه، أكد بدران أنه تنبأ بالغزو العراقي للكويت الذي حصل في 2 أغسطس/آب 1990، وذلك خلال جلسة سرية عقدها مع مجلس النواب الأردني، وذلك بعد محاولته مع العاهل الأردني الراحل الحسين بن طلال، تهدئة الأزمة وعقد اجتماعات خاصة مع مسؤولي البلدين.