جمال الضاري.. زعيم قبيلة بعلاقات غربية يطمح لقيادة السنة في العراق

يوسف العلي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

"شيخ قبيلة، رجل أعمال، زعيم حزب"، كل هذه الألقاب تطلق على السياسي العراقي، جمال الضاري، الذي ظهر على الساحة السياسية العراقية عام 2016، واستطاع حزبه "المشروع الوطني" الفوز بمقعد واحد خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2021.

الضاري الذي لم يكن له أي حضور إعلامي وسياسي واضح على أرض الواقع قبل عام 2016، أصبح اليوم إحدى الشخصيات السنية البارزة في المشهد، بعدما كان قبل ذلك يحسب على الجهات التي ناهضت الاحتلال الأميركي للبلد، وتحديدا "هيئة علماء المسلمين" في العراق.

لكن ظهوره في حينها أثار الكثير من الجدل، كونه جاء بعدما اجتمع سياسيّون عراقيون ودبلوماسيون أجانب مع أعضاء من الكونغرس الأميركي ونواب أوروبيين في مؤتمر لـ"المشروع الوطني العراقي" بالعاصمة الفرنسية باريس، وأعلن خلاله انتخاب الضاري رئيسا للحزب.

طامح للرمزية

وفي رصد أجرته "الاستقلال" لتحركات الضاري خلال 21 يوما بدءا من 28 مارس/آذار وحتى 18 أبريل/نيسان 2023، أجرى الأخير نحو 15 لقاء مع قادة أحزاب وشخصيات سياسية ومسؤولين في الدولة، ووفود من سفارات بلدان غربية، إضافة إلى زعامات عشائرية ودينية.

ويشكل هذا العدد من اللقاءات نسبة مرتفعة مقارنة مع غيره من الزعامات السياسية السنية، إضافة إلى 3 مقابلات تلفزيونية عقدها الضاري خلال هذه المدة مع قنوات فضائية عراقية.

التقى الضاري خلال المدة المذكورة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ووزير الدفاع ثابت العباسي، ونائب رئيس الوزراء الأسبق رافع العيساوي.

وشملت اللقاءات التي أجراها، رئيس الحزب الإسلامي رشيد العزاوي، وزعيم تيار الحكمة الوطني، عمار الحكيم، ورئيس حركة العدل والإحسان إسماعيل النجم، وكبير علماء المجمع الفقهي العراقي (أكبر مرجعية دينية للسنة) أحمد حسن الطه، ومسؤول طائفة الصابئة ستار جبار الحلو، والمرجع الشيعي جواد الخالصي.

واجتمع الضاري في مقر "المشروع الوطني العراقي" بالعاصمة بغداد مع وفود دبلوماسية من، فرنسا، كندا، إسبانيا، السويد، رومانيا، وبعثة الاتحاد الأوروبي في العراق، وكذلك السفير الفرنسي إريك شوفالييه، ووفد من السفارة الأميركية.

واستضاف كذلك في مقر إقامته بالعاصمة بغداد، نقيبة المحامين العراقيين، أحلام اللامي، أمير قبيلة بني تميم الشيخ في العراق، محمد باقر السهيل، وشيخ قبيلة البو مرعي الشيخ أركان خلف الطرموز.

وأكدت مصادر سياسية خاصة، طالبة عدم الكشف عن هويتها أن "جمال الضاري يطمح في أن يكون رمزا للمكون السني في بغداد، وذلك من خلال اللقاءات المتكررة مع كل هذه الشخصيات السياسية والعشائرية والمسؤولين العراقيين والغربيين، لأن الساحة خالية بالنسبة له حاليا".

وأوضحت المصادر لـ"الاستقلال" أن "غياب شخصية سياسية سنية في بغداد، يمهد الطريق أمام الضاري لشغل هذه المساحة، ولاسيما أنه رئيس حزب سياسي، إضافة إلى كونه زعيم قبيلة كبيرة تقطن منطقة أبي غريب الواقعة غرب العاصمة".

شخصية جدلية

أثار الضاري الجدل أثناء انتخابه رئيسا لحزب "المشروع الوطني العراقي" الذي عقد مؤتمره الأول في باريس منتصف عام 2016، وذلك بسبب وجود أميركيين فيه، وهم سياسيون من الدولة التي غزت العراق عام 2003، والذي مثّل تناقضا مع توجهاته المناهضة للولايات المتحدة.

ودعا الضاري في حينها المجتمع الدولي لمواجهة أزمة "الإرهاب" في العراق بمسارين، عسكري وسياسي، لوضع نظام جديد بعيدا عن المحاصصة الطائفية.

بينما يُلقي باللوم على طرفين فيما وصل إليه العراق: الولايات المتحدة بغزوها للبلاد، وإيران التي لم تفوِّت الفرصة وأصبحت الأقوى نفوذا فيها.

وتعاقد الضاري في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، مع شركة "سانيتاس إنترناشونال" الأميركية، لتنفِّذ له خدمات إعلامية وضغطًا سياسيا، ولكن لفترة قصيرة لم تستمر لأكثر من ستة أشهر وانتهت في 30 أبريل 2016.

جاء ذلك وفقا لما كشفته بيانات وثائق وزارة العدل الأميركية المنشورة على الإنترنت، تتبع لقانون "تسجيل الوكلاء الأجانب" المعروفة إعلاميا باسم "فارا" (FARA).

عقد الضاري يأتي باسم مركز أبحاث "سفراء السلام للعراق"، وهو مركزُ يترأسه الأخير، إذ عملت شركة "سانيتاس إنترناشونال" بشكل أساسي على تشبيكه بوسائل إعلام أميركية كبرى لنقل رؤيته السياسية للبلاد وللترويج لشخصه.

ونسَّقت الشركة للضاري نشرَ مقالات رأي في موقع "ذا هيل" الأميركي، أحدها عن تشريع "جاستا" الذي يسمح بمحاكمة مسؤولين من دول أجنبية منها السعودية، بتهم المشاركة في "أنشطة إرهابية" ضدَّ المصالح والمواطنين الأميركيين.

وينتقد مقال الضاري تمرير التشريع ونزعه للسيادة (والحصانة القانونية) عن الدول التي يريد مواطنون أميركيون محاكمتها، ويقول إن المشرِّعين الأميركيين فاتهم أنّ القانون سيكون منفذًا لمحاكمة الولايات المتحدة وجنودها ومتعاقديها ممن شاركوا في احتلال العراق وقتلوا من العراقيين.

ويرى الضاري أنَّ "صعود المليشيات الإرهابية" مثل تنظيمي "القاعدة" و"الدولة" جاء نتيجةً للفوضى التي أحدثتها أميركا في العراق، وينهي المقال بالدعوة للتراجع عن التشريع لأنه يأتي على عكس ما يحبِّذ حلفاء الولايات المتحدة الإقليميون، مثل تركيا والأردن وباكستان، بجانب السعودية.

كما نُشر له مقال آخر في نهاية 2016، بعد فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية، دعا فيه الأخير لـ"قيادة السياسة الأميركية في العراق باتجاه جديد".

وحذره من الوقوع في خطأ سلفه باراك أوباما وسياسته تجاه العراق، كونه سلَّم الملف لنائبه آنذاك جو بايدن (الرئيس الحالي) من اليوم الأول، وبعث بسفيرٍ لا يتكلَّم العربية ولا يريد حتى أن يفهم العراقيين.

ومثل غيره من شيوخ السُّنَّة العراقيين، يندِّد الضاري بسكوت الولايات المتحدة لسنواتٍ عن رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، وصمتها عن حكمه "الاستبدادي" لسنوات انتهت بصعودٍ شرس لتنظيم الدولة، ويؤكد أن المكون السني هو المفتاح للقضاء نهائيًّا على "الإرهاب".

وقد نسَّقت الشركة للضاري تواصلا مع صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية التي نشرت له مقال رأي عام 2016 يتحدث فيه عن موقف السنة، وأهل مدينة الفلُّوجة العراقية، من تنظيم الدولة ويؤكد فيه أنهم ضده، ولكنهم أيضًا ضد "المليشيات المدعومة من طهران".

وتواصلت الشركة للضاري مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، ونشرت له فيها مقال رأي: "سلِّحوا السنة للحفاظ على الموصل"، وموضوعه واضحٌ من عنوانه، حيث طالب فيه أيضا بدعم المكون السني لتولي قتال تنظيم الدولة الذي سيطر آنذاك على ثلث مساحة العراق.

وتذكر وثائق الشركة تواصلا وحيدا مع الكونغرس، باجتماعها لصالح الضاري مع مكتب عضو لجنة القوات المسلحة السيناتور مايك راوندز، في أكتوبر/تشرين الأول 2015.

وتكشف سجلات "فارا" عن عقد في 19 مايو 2016 مع شركة "نيلسون مولينز ريلي سكاربوروج"، دفع فيه الضاري 90 ألف دولار أميركي، ولكنّ الوثائق لا تذكر أي تفاصيل عن أنشطته، عدا عن التنسيق لعقد اجتماعاتٍ مع سياسيين في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

ويأتي هذا العقد باسم "جمعية سفراء السلام للعراق"، التي تأسَّست في لاتفيا عام 2014، ويرأسها الضاري، وتسعى للتواصل مع الجهات والحكومات الدولية المعنية بالوضع العراقي.

رجل علاقات

دقَّ جمال الضاري أبواب واشنطن بقوة منذ أغسطس/آب 2016، مستعينا بمجموعة "واشنطن ستراتيجي"، وهي شركة محاماة وضغط سياسي مختصة بشؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية.

رئيس الشركة هو جويل روبين، المدير التنفيذي للمؤتمر اليهودي الأميركي منذ أكتوبر 2020، وتُعرِّفه منظمته بأنه ناشط يهودي من عائلة "وفيةٍ لإسرائيل"، وأنه شارك في مخيم صيفي في أول مستوطنة في فلسطين قبل الاحتلال، واسمها "كيبوتس دغانيا ألف".

بدأت الشركة بتنفيذ خدماتها في سبتمبر/أيلول 2016، عبر اجتماع مع آن باترسون، مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى آنذاك، والسفيرة الأميركية إلى مصر سابقا، وكان الاجتماع للترويج لمؤسسة الضاري ولإبلاغها برغبته في الاجتماع بمسؤولين أميركيين.

بدأت زيارة الضاري إلى واشنطن عام 2017، التي نسقت لها شركة "واشنطن ستراتيجي"، باجتماعٍ مع "مركز التقدم الأميركي" (بحثي ليبرالي ديمقراطي)، تلاه مقابلة إعلامية مع وكالة "رويترز" البريطانية، ثم جلسة حوارية مع عدة وسائل إعلامية: صحف "واشنطن بوست"، و"وول ستريت جورنال"، و"نيويورك تايمز"، وأخيرا شبكة "سي إن إن".

واجتمع الضاري في زيارته بشخصيات ديمقراطية، منهم النائبان: تيد دتش، زعيم الأقلية في اللجنة الفرعية عن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وزميلته تولسي جابارد، من لجان القوات المسلحة والخارجية، وأخيرًا السيناتور إد ماركي، عضو لجنة الشؤون الخارجية.

ويبدو أن الزيارة استمرت لأكثر من 10 أيام؛ إذ تابعت الشركة التنسيق لها مع مسؤولين أميركيين حتى 18 أبريل 2017، منهم مسؤول مكتب العراق بوزارة الخارجية بيتر شيا.

واجتمع مع شخصيات أخرى مثل نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون العراق، وبعد انتهاء الزيارة وزَّعت الشركة مواد ترويجية لأنشطة الضاري.

عاد الضاري في زيارة أخرى لواشنطن في أبريل 2018، ليعقد اجتماعًا مع ستيني هوير، ثاني أرفع نائب ديمقراطي بمجلس النواب.

وضمَّ الاجتماع شخصيات أخرى مثل السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي، من لجان المخصصات، المسؤولة عن المساعدات، ولجنة العلاقات الخارجية.

ومعهم في الاجتماع النائب الديمقراطي سيث مولتون، من لجنة القوات المسلحة والميزانية، وهو جندي مشاة سابق شارك في الحرب على العراق رغم اعتراضه عليها.

ويرى الأخير أن غزو العراق كان خطأً، ولكنه لا يؤيد سحب القوات منها، وفي الوقت نفسه لا يؤيد زيادتها.

وحضر أيضًا زميله النائب جيمي راسكين، من لجان القضائية والرقابة والإصلاح الحكومي، وهو ممن يؤيدون تدخلًا أميركيا أقوى في سوريا والعراق، لا الاكتفاء باستخدام سلاح الجو فقط.

وبعد هذه الزيارة للضاري، تابعت الشركة تواصلها مع مسؤولي العراق في وزارة الخارجية، وبدأت بالتنسيق لزيارة جديدة له جرت في ديسمبر/كانون الأول 2019.

واقتصرت مثل الزيارات السابقة على اجتماعات مع الكونغرس واجتماع واحد مع وزارة الخارجية الأميركية.

وانتهى التعاقد بين الشركة والضاري في 29 أبريل 2020، وأخذت الشركة مقابل خدماتها العديدة 388 ألف دولار أميركي، بحسب وثائق وزارة العدل الأميركية "فارا".

زعيم قبيلة

جمال بن عبد الوهاب بن خميس بن ضاري المحمود الزوبعي الشمري، المولود في قضاء أبي غريب بالعاصمة بغداد عام 1965، هو زعيم عشيرة زوبع الكبيرة والمعروفة في العراق.

انخرط الضاري الذي لا يعرف تحصيله الدراسي، في العمل الحر المرتبط بالنشاط الزراعي عام 1978 كونه من عائلة تملك أراضي واسعة في وسط الرقعة الجغرافية لقبيلة زوبع المنتشرة حول حزام بغداد غرب وجنوب غرب العاصمة.

وبحسب موقعه الإلكتروني، فإنه في عام 1984 التحق بصفوف القوات المسلحة تلبية للخدمة الإلزامية كمقاتل في الحرب العراقية الإيرانية، ثم اعتقل عام 1988 وسُجن حتى 1990 بتهمه الانتماء لحركة سياسية.

وفي عام 1991 عاد إلى نشاطه المهني الحر كرجل أعمال شاب وأخذ يتوسع باتجاه النشاط التجاري فضلا عن النشاط الزراعي، ثم انضم عام 2003 إلى 2015 للعمل السياسي المناهض للاحتلال الأميركي للعراق.

وفي 2014 أسس منظمة "سفراء السلام من أجل العراق" في أوروبا (لاتفيا) وترأسها منذ ذلك الوقت لعرض المعضلة العراقية في المحافل الدولية وفقا للرؤية الوطنية النابعة من رغبة العراقيين للعيش بسلام مع جيرانهم والمجتمع الدولي، وفقا لموقعه الإلكتروني.

 وفي عام 2016 شكّل الضاري حزب "المشروع الوطني العراق"، وشارك في الانتخابات البرلمانية التي جرت 10 أكتوبر 2021، وفاز مرشحه عن محافظة نينوى خالد سلطان هاشم نجل آخر وزير للدفاع في عهد صدام حسين، بمقعد في البرلمان الحالي.

وخلال مقابلة تلفزيونية له في 15 أبريل 2023، قال الضاري، إن رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني أفضل رئيس حكومة بعد عام 2003، مشيرا الى أن الأخير لا يعد إلا بما يستطيع، ومنشغل جدا في العمل وملاحقة الفساد، وهو مختلف في إدارته عن رؤساء الحكومات السابقة.

جمال الضاري، وصف في مقابلته، البيت السياسي السني بأنه "من نسج الخيال، وأن السنة لا يؤمنون بالبيوت بهذا الشكل، بل يؤمنون بالدولة".

كما انتقد دور الأميركان في البلاد بالقول إنهم "جاؤوا إلى العراق بحجة وجود أسلحة الدمار الشامل وتغيير النظام، لكنهم تركوه بلا نظام واضح، وانسحبوا كما جاؤوا بدون مسؤولية، وتركوا لنا نظاما سياسيا غير واضح المعالم".

ووصف الضاري، نظام الرئيس الراحل صدام حسين، بأنه "كان عادلا في ظلمه وعادلا في إعطاء الفرصة، فالوزير الكفؤ سواء كان سنيا أو شيعيا هو وزير، وكذلك عضو حزب البعث أو غيره من المناصب، وأنه لم يكن يتعامل بطائفية لكنه يتعامل مع العراقيين بروح واحدة عندما يتعلق الأمر بتهديد المنصب والنظام السياسي".