جميل حسن.. سفاح المخابرات الجوية ومخترع البراميل المتفجرة لوأد الثورة السورية

في خطوة نادرة، صدر أمر قضائي ببدء أول محاكمة في فرنسا لمسؤولين في النظام السوري في قضايا جرائم ضد الإنسانية بينهم اللواء جميل حسن رئيس إدارة المخابرات الجوية السابق.
واللواء حسن (71 عاما) معروف بتصريح شهير نذر فيه نفسه لنظام بشار الأسد من أجل قمع الثورة، قائلا: "أنا على استعداد لقتل مليون شخص وبعدها خذوني إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي".
مطلوب للمحاكمة
وفي 4 إبريل/ نيسان 2023 أمر قاضيا تحقيق فرنسيان ببدء أول محاكمة في جرائم ضد الإنسانية ارتكبت في سوريا بحق ثلاثة مسؤولين كبار في النظام السوري، بينهم حسن سيحاكمون غيابيا بتهمة قتل مواطنين سوريين-فرنسيين هما مازن دباغ ونجله باتريك اللذان اعتقلا عام 2013.
واللواء جميل حسن، كان يتولى إدارة المخابرات الجوية، حين اختفى دباغ ونجله، حيث تندرج هذه المحاكمة في إطار معركة طويلة ضد الإفلات من العقاب لكبار مسؤولي نظام الأسد المتورطين بحالات اختفاء قسري وأعمال تعذيب تشكل جرائم ضد الإنسانية.
وباتريك دباغ كان طالبا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في العاصمة دمشق من مواليد 1993، ووالده كان مستشارا تربويا رئيسا في المدرسة الفرنسية في دمشق من مواليد 1956، وقد اعتقلا في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 من قبل ضباط قالوا إنهم ينتمون إلى جهاز المخابرات الجوية.
وأظهر حسن وحشية منقطعة لوأد الثورة كونه كان يرأس أسوأ جهاز عسكري في سوريا، ومعروف بطائفيته واختيار عناصره من الطائفة العلوية والذين أطلقهم آنذاك للتنكيل بالسوريين وقتلهم وتعذيبهم حتى الموت بأبشع الصور.
إلا أن نظام الأسد في محاولة لإبعاد الأسماء الوحشية عن واجهة نظامه بعدما أدوا مهماتهم بقتل السوريين، بهدف ترطيب الأجواء مع الدول الراغبة للتطبيع معه مجددا، عمد إلى عزل اللواء جميل وتعيين اللواء غسان جودت إسماعيل رئيسا لإدارة المخابرات الجوية.
وجاء قرار عزل حسن مفاجئا كونه "رجل دموي بامتياز"، إلا أنه قرأ ضمن سلسلة تعيينات آنذاك جاءت باللواء حسام لوقا رئيسا للمخابرات العامة الحالية، حيث قاد لوقا عام 2023 مباحثات إعادة العلاقات بين الأسد والسعودية.
لكن اسم جميل حسن، ما يزال "يقطر دما"، ولا يكاد سوري لا يعرف هذا الاسم جيدا، من شدة ما ذاع صيته في ارتكاب جرائم بحق المعتقلين الذين كان ذنبهم الوحيد أنهم طالبوا بإسقاط رأس النظام بشار الأسد في الساحات والميادين.
النشأة والتكوين
ولد جميل حسن في بلدة القرنية بريف حمص عام 1952، لأسرة من الطائفة العلوية، وانتسب مبكرا للجيش عقب تسلم الرئيس السابق حافظ الأسد السلطة عام 1971 بانقلاب عسكري وبدأ بإعادة هيكلة الجيش على حساب طائفته والولاء له.
ولذلك انتسب جميل إلى الكلية الحربية عام 1972 باختصاص دفاع جوي، وتدرج في الرتب العسكرية إلى أن بلغ رتبة لواء مطلع عام 2009، وبعدها بأشهر عُين مديرا لإدارة المخابرات الجوية بداية يوليو/تموز من العام نفسه، خلفا للواء عبد الفتاح قدسية.
وخدم جميل كمعاون لمدير إدارة المخابرات الجوية إبان تكليف قدسية مديرا للإدارة، وعمل قبلها رئيسا لفرع المخابرات الجوية في المنطقة الشرقية في دير الزور عام 2009.
حيث اشترك مع اللواء جامع جامع (قتل عام 2013) رئيس فرع المخابرات العسكرية في دير الزور آنذاك، بممارسة الإساءات وارتكاب الانتهاكات بحق المدنيين والتدخل في الحياة العامة وفي دوائر الدولة وابتزاز المواطنين والمساهمة في نشر التشيع في محافظتي دير الزور والرقة.
وقد شكل اندلاع الثورة السورية فرصة للواء جميل لكي يظهر ولاءه للطائفة ويحافظ على منصبه تحت بحر من الدماء، فقد دفع سجله الدموي للتمديد له كمدير لإدارة المخابرات الجوية سبع مرات على التوالي منذ عام 2011 وحتى عام 2018.
حتى إن آخر تمديد له في يوليو/تموز 2017 كان بموجب مرسوم صادر عن الأسد مخالفا بذلك جميع الأنظمة والقوانين المنظمة لخدمة الضباط في الجيش السوري، وذلك من أجل الإبقاء عليه كمدير لإدارة المخابرات الجوية التي تعد من أسوأ الأجهزة الأمنية السورية.
عقل مخابراتي
ويؤكد موقع "مع العدالة" (مستقل) الذي يعنى بإحقاق مبدأ المساءلة ومنع الإفلات من العقاب، أنه مع انطلاق الاحتجاجات السلمية عام 2011؛ ظهر جميل حسن كأحد أبرز المتورطين في أعمال الاعتقال العشوائي والابتزاز والسرقة والتعذيب وقتل المتظاهرين.
حيث وجه رؤساء فروعه في المحافظات السورية بقتل المتظاهرين وتوقيف أعداد كبيرة منهم، والاندساس في صفوف المتظاهرين ومن ثم إطلاق النار عليهم.
وبحسب "مع العدالة"، فإن اللواء جميل كان مسؤولا عن جرائم اغتيال الشخصيات الوطنية مثل الناشط الكردي مشعل تمو الذي جرى اغتياله في مدينة القامشلي في بدايات الثورة السورية.
وكذلك تصفية المسؤولين غير المرضي عنهم في الدولة، وافتعال التفجيرات في الوحدات الشرطية ودوائر الدولة، ودوريات كتائب حفظ النظام التابعين لوزارة الداخلية، كما حدث في حي الميدان بدمشق، وفي حماة وحلب وديرالزور وغيرها.
ويشير "مع العدالة"، إلى أن حسن مارس خلال فترة الثورة السورية سياسة تمييز طائفي مقيتة، حينما بادر إلى نقل معظم العناصر والضباط السُنة من إدارة المخابرات الجوية وإعادتهم للخدمة في صفوف الجيش، واستبدل عناصر وضباط من الطائفة العلوية بهم حتى بلغت نسبة العلويين في الإدارة نحو 99 بالمئة.
كما منح حسن صلاحيات مطلقة للوحدات العسكرية كافة، خاصة منها المطارات ووحدات الدفاع الجوي والقوى الجوية، لانتقاء العناصر والضباط من هذه الوحدات والاستحواذ على أسلحتها، والسيطرة على المطارات التابعة لها واستخدام طائراتها في مهام القمع الممنهج.
ويعد حسن أحد المسؤولين بشكل مباشر عن عمليات القتل كافة التي تمت بواسطة طائرات النظام الحربية والمروحية، حيث أطلق اليد للعميد سهيل الحسن بشكل خاص ولرؤساء أفرع وأقسام المخابرات الجوية بشكل عام لقتل لقصف وقتل وتشريد واعتقال المدنيين.
إذ يعد اللواء جميل صاحب فكرة "السرية الأمنية" التي شكلها عام 2013 ومؤلفة من عدد من الضباط والذين أطلق يدهم في قمع الثورة وبصلاحيات واسعة.
بينهم العميد سهيل الحسن الملقب بـ "النمر"، والمنحدر من الطائفة العلوية والذي أصبح بعد التدخل الروسي نهاية سبتمبر/أيلول 2015، رجل روسيا الأول في سوريا.
والنمر يقود حاليا "الفرقة "25- مهام خاصة" والتي أحدثتها موسكو ضمن تشكيلات قوات الأسد، بعدما اعتمدت تسميتها في أواخر أغسطس/آب 2019 بدلا عن "قوات النمر" الدموية التي يقودها الحسن صاحب سياسة الأرض المحروقة.
أفكار إجرامية
ويتهم اللواء جميل حسن بأنه المسؤول عن فكرة البراميل المتفجرة التي استخدامها النظام السوري في قصف المدنيين ومواقع المعارضة، والتي قتلت الآلاف من السوريين وكانت السبب الأكبر في نزوحهم وتهجيرهم من مدنهم، نظرا لقوتها التدميرية.
والبراميل المتفجرة، سلاح قاتل وعشوائي، يحشى بمواد محلية متفجرة مخلوطة بقطع حديدية ومسامير، ويقدر خبراء عسكريون وزن الواحد منها بين 150 و600 كيلوغرام.
وهي بسيطة في عملية التصنيع، وذات كلفة منخفضة، مع قدرة تدمير عالية، تعادل قرابة سبع قذائف هاون للبرميل الواحد، وتلقى من الطيران المروحي بشكل عشوائي على الأحياء السكنية.
وتفيد الشبكة السورية لحقوق الإنسان المعارضة، بأن النظام السوري ألقى في غضون تسع سنوات قرابة 82 ألف برميل متفجر؛ تسببت في مقتل 11 ألفا و87 مدنيا بينهم 1821 طفلا، منذ استخدمه للمرة الأولى في يوليو/ تموز 2012 حتى أبريل/ نيسان 2021.
وعن "السحق العسكري" للمعارضين لنظام الأسد إبان الثورة، رد اللواء جميل في مقابلة أجرتها معه صحيفة "الإندبندنت" البريطانية ونشرتها في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، على سؤال له حول إذا ما كان رجلا قاسيا قائلا: "في الإعلام الغربي يصفونني بمجرم الحرب، لكني مستعد لمواصلة عملي في خدمة سوريا والتضحية من أجلها، حتى وإن أخذوني إلى المحكمة الجنائية الدولية".
وطوال المقابلة التي استغرقت ثلاث ساعات يقول الكاتب روبرت فيسك الذي أجرى المقابلة، إن الجنرال حسن أعلن مرارا وتكرارا ولاءه لبشار الأسد، وأكد بوضوح على أنه لو كان هناك رد فعل أكثر قسوة على الإرهاصات الأولى للثورة في سوريا لكان من الممكن سحق جميع المعارضة فورا.
ومضى يقول: "لو فعلنا في بداية هذه الأزمة ما فعلناه في حماة، لكنا حقنا كثيرا من الدماء السورية"، في إشارة منه إلى مجزرة حماة التي ارتكبها نظام الأسد في 2 فبراير/شباط 1982، واستمرت 27 يوما.
وبدأت المجزرة بحصار المدينة وحينها ارتكب أفظع الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية وأسفرت عن مقتل 40 ألف شخص واعتقال 100 ألف آخرين.
وآنذاك أطلق الأسد الأب قواته التي دمرت أكثر من 75 بالمئة من مدينة حماة على رؤوس ساكنيها، واعتقلوا وعذبوا آلاف الرجال والنساء والشيوخ، ويتّموا الأطفال ورملوا النساء وثكلوا الأمهات، بذريعة حرب وهمية على جماعة الإخوان المسلمين، وفق ما وثقت تقارير محلية وعربية.
مطلوب دوليا
وفي منتصف فبراير/شباط 2019 كشفت صحيفة "دير شبيغل" الألمانية أن ألمانيا تقدمت بطلب رسمي للبنان لتسليمها اللواء جميل حسن حينما دخل بيروت للعلاج في أحد مشافيها.
ووقتها رحبت الخارجية الأميركية في بيان لها بأي قرار تتخذه الحكومة اللبنانية من شأنه تسهيل تسليم حسن، إلا أن لبنان لم يقم بأي خطوة على هذا الصعيد.
وكشفت الصحيفة أن المدعي العام الاتحادي في ألمانيا، بيتر فرانك، يتهم الحسن بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وكان له دور كبير في اعتقال المعارضين للأسد وتعذيبهم منذ بدء الاحتجاجات في سوريا عام 2011.
وكانت منظمة مكافحة الجرائم الدولية (الإنتربول)، وضعت "إشارة حمراء" على اسم اللواء جميل حسن في 24 فبراير/ شباط 2019 وطالبت حينها الدول الأعضاء باعتقاله في حال وطأ أراضيها.
ومن الحوادث التي دلت على عدم ارتواء اللواء جميل حسن من دماء السوريين، توعده بالثأر حينما زار في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 محافظة درعا مهد الثورة السورية بعد ثماني سنوات من عودة النظام لها عقب تسوية مع فصائل المعارضة العاملة هناك.
ووقتها التقى بجمع غفير من وجهاء المدينة الذين طالبوه بالإفراج عن المعتقلين بسجون جهازه فأجابهم "عليكم أن تنسوهم".
واللواء جميل مدرج ضمن قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي إلى جانب كبار مسؤولي نظام الأسد منذ عام 2011.
وقد صدرت أول مذكرة توقيف دولية بحق اللواء جميل عام 2018 بعد شكوى جنائية قدمها معتقلون سابقون إلى الادعاء العام الألماني، بالتعاون مع المركز الأوروبي للدستور وحقوق الإنسان والمركز السوري للإعلام وحرية التعبير.