معارضة تركيا تقامر.. 72 ساعة مفصلية حسمت اسم منافس أردوغان

علي صباحي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

مع استبعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مطلع مارس/آذار 2023، أي تأجيل للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المرتقبة، على خلفية الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي البلاد، توجهت أنظار كثيرين إلى تحالف المعارضة للإعلان عن مرشحه التوافقي الذي طال انتظاره منذ شهور عديدة.

وفي الأيام الثلاثة التالية لإعلان أردوغان أن الانتخابات ستجرى في 14 مايو/أيار 2023، شهد تحالف المعارضة التركية المعروف باسم "الطاولة السداسية" 72 ساعة مفصلية، بدأت بانقسام واتهامات وصلت حد التخوين.

لكنها انتهت في 6 مارس، بالاتفاق على الدفع برئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، مرشحا مشتركا بشروط لا تزال تثير ضجة بالشارع.

وتضم "الطاولة السداسية" أحزاب الشعب الجمهوري برئاسة كليتشدار أوغلو، والجيد برئاسة ميرال أكشنار، والديمقراطية والتقدم برئاسة علي باباجان، والمستقبل برئاسة أحمد داود أوغلو، والسعادة برئاسة تمل كارمولا أوغلو، والديمقراطي برئاسة جولتكين أويصال.

مشهد دراماتيكي

مع التأكد من إجراء الانتخابات بعد نحو شهرين، اجتمع رؤساء أحزاب "الطاولة السداسية" في 2 مارس، لاختيار مرشح مشترك، يكون قادرا على إزاحة الرئيس أردوغان، مستفيدا من تداعيات الزلزال المدمر الذي خلف آلاف القتلى والجرحى.

وبحسب رصد "الاستقلال"، استمر الاجتماع الذي عقد بمقر حزب السعادة في العاصمة أنقرة، أكثر من 5 ساعات، لكنه انتهى بزلزال سياسي هز أرجاء تركيا كافة، مع إعلان تأجيل الكشف عن المرشح المرتقب ليوم 6 مارس.

فيما تداولت أبرز الصحف التركية حينها، مثل "يني شفق"، و"صباح"، و"ديكان"، أنباء غير مؤكدة، عن انفكاك عقد الطاولة إثر اختلافها بشأن اسم المرشح المشترك.

وهو ما تأكد بالفعل، مع مغادرة "أكشنار" رئيسة حزب الجيد، ثاني أقوى أحزاب الطاولة، الاجتماع، وتوجهها مباشرة إلى مقر حزبها لعقد اجتماع مع كوادر صنع القرار به استمر حتى بعد منتصف ليل نفس اليوم.

وفي صبيحة اليوم التالي 3 مارس، خرجت أكشنار في مؤتمر صحفي، معلنة انسحاب حزبها من الطاولة السداسية لرفضه ما وصفته أنه لعب دور "كاتب العدل" للتصديق على قرارات الآخرين، في إشارة إلى ترشيح كيليشدار أوغلو.

وقالت أكشنار إن "كل استطلاعات الرأي تشير إلى أن رئيسي بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو وأنقرة منصور يافاش كانا سيتفوقان على أردوغان، لكن للأسف، أعضاء الطاولة السداسية فضلوا مصالحهم وأجنداتهم الشخصية على مصلحة 85 مليون مواطن تركي"، في إشارة إلى تقسيمة المناصب والسلطات عليهم.

وأضافت أن "الأحزاب الخمسة قالت إن مرشحها كليتشدار أوغلو، واقترحنا اسمي رئيسي البلديتين أنقرة وإسطنبول، ونحن لا نجلس حول طاولة قمار أو طاولة كاتب عدل للمصادقة على أقوال الآخرين، ومصلحة الوطن مقدمة على مصلحة الأفراد والأحزاب".

وفي تصريح تسبب في غضب كبير، دعت أكشنار كلا من يافاش وإمام أوغلو لتحمل المسؤولية والترشح لرئاسة الجمهورية لتمثيل إرادة الشعب، ما عده كثيرون خطوة صريحة نحو تقسيم حزب الشعب الجمهوري الذي ينتسب الاثنان له، إضافة إلى كليتشدار أوغلو.

وبعد هذا التصريح انهالت اتهامات متبادلة من قبل أعضاء حزب الجيد وكوداره القومية واليمينية ضد كليتشدار أوغلو وإصراره على دخول معركة أمام منافس قوي ومخضرم مثل أردوغان، سيكون غير قادر على حسمها.

فيما اتهمت كوادر حزب الشعب الجمهوري العلمانية الأقرب إلى اليسارية، حزب الجيد ورئيسته، بأنهم ممثلون لما عدوها "الدولة العميقة ودوائر المال والأعمال" التي يزعم كليتشدار أوغلو معاداته لها.

أما أردوغان فقال في أول تعليق على ما حدث، إن "تحالف المعارضة يعمل لأجل مصالحه الخاصة، في حين أن تحالفه (الجمهور) فيواصل تنفيذ خارطة طريقه، ومنشغل في إنقاذ الأرواح".

وأضاف في تصريح مقتضب للصحفيين وهو بسيارته: "لقد قلناها قبل أشهر (سيجلسون وسيتحدثون ثم سيتفرقون) كما يقول المثل الإيراني المشهور، وهذا ما جرى فعلا".

وحول إمكانية ضم حزب الجيد إلى "تحالف الجمهور" قال أردوغان: "لا نية لدينا لجمع الأحجار المتساقطة".

وفي هذا السياق، أكد المعارض التركي اليساري المقيم بالخارج، جان دوندار، أن ما حدث "انتصار كبير لأردوغان".

ولشرح ذلك قال في مقابلة على يوتيوب مع الصحفي اليساري "ألتان سانجار": "في مباراة كانوا على وشك الفوز بها، وخاصة بعد الزلزال، كان فريق أكشنار سيسدد ركلة جزاء في مرمى خال، لكن عوضا عن ذلك، أخذ الكرة وبدأ في المراوغة ليسددها نحو مرماه".

وفي المقابلة نفسها، قال دوندار، إن أكشنار ليست بهذا الغباء، والتفسير الأشمل لخطوتها أن "عقل الدولة التركي ودوائر رؤوس الأموال، أرادوا جميعا وقف الخطر في مهده، لذا سحبوا أحد كراسي الطاولة، وبطريقة ما سيجدون مكانا يضعون فيه هذا الكرسي قريبا".

الصحفي سانجار مدير مكتب صحيفة ديكان في أنقرة، اتفق أيضا مع طرح دوندار قائلا، إن "عقل الدولة التركي يتمسك بخطوط حمراء مثل القومية التركية والمذهب السني الحنفي، والابتعاد عن اليسارية، لذا لا يرحب بترشيح كليتشدار أوغلو، المعروف أنه من قومية كردية وينتسب للمذهب العلوي".

في المقابل، غرد أستاذ العلوم السياسية "آمره غول سونار"، أن أكشنار محقة في كل تصريحاتها، فأكرم إمام أوغلو ويافاش مرغوبان أكثر من قبل الشارع لكن كليتشدار أوغلو والأحزاب الصغيرة حوله في الطاولة يعاندونها من أجل مصالحهم الشخصية الضيقة".

لذا أجلوا تناول هذا الموضوع حتى آخر لحظة حتى يجبروا أكشنار على ذلك، ولا يكون هناك وقت للانسحاب، وفق قوله.

وفي تغريدة أخرى كتب أنه من يفكر بحكمة، سيجد سببين رئيسين لهذا الفشل: أولهما أطماع وطموحات كليتشدار أوغلو، وفرضه ترشيحه ومنعه ترشيح إمام أوغلو ويافاش.

وأضاف: وثانيهما ردة فعل أكشنار العنيفة والقاسية التي جاءت في اللحظات الأخيرة وعصفت بالطاولة، مؤكدا أن كليهما ليس أقل ذنبا من الآخر.

تحول غير متوقع

شعبيا، تصدرت هاشتاغات باسم أكشنار وكليتشدار أوغلو منصات التواصل الاجتماعي بتركيا على مدار الأيام الثلاثة التالية، بين مؤيد ومخالف لموقف كل منهما، لكن الجميع اتفق على أن فرص المعارضة في التغلب على أردوغان باتت ضعيفة جدا.

لذا بدأت تتداول أنباء عن تحالفات جديدة، لا سيما مع تعليق كليتشدار أوغلو على تصريحات حليفته السابقة أكشنار القاسية، بالقول إنه عازم على توسيع الطاولة، في إشارة إلى ضم أحزاب "الشعوب الديمقراطي" الكردي، والعمال واليسار اليساريين.

والثلاثة كانت تتحفظ أكشنار على انضمامها للطاولة نظرا لطبيعة ميول كوادر ومؤيدي حزبها القوميين.

أكشنار بدورها لم تقف ساكتة بعد رفض دعوتها ليافاش وإمام أوغلو بتحمل المسؤولية والترشح، إذ اختارا عدم تقسيم حزبهما والوقوف مع رئيسهما كليتشدار أوغلو، مع ترك الباب مواربا لعودة أكشنار للطاولة.

وجاء ذلك في تغريدتين نشرهما في وقت متزامن، يحملان نفس المعنى، وهو التأكيد على ضرورة الحفاظ على وحدة الطاولة السداسية.

فيما تداول صحفيون أتراك عبر حساباتهم بتويتر، أنباء عن إمكانية تحالف أكشنار مع المرشح الرئاسي السابق، رئيس حزب البلد محرم إينجه، كذلك دفعها بالسياسي والحقوقي "أرسان شن" كمرشح يمثل حزبها وقطاع يمين الوسط بالعموم.

لكن صبيحة 6 مارس، يوم إعلان كليتشدار أوغلو مرشحا مشتركا لرئاسة الجمهورية من قبل الطاولة التي باتت خماسية، نشرت وسائل الإعلام التركية، بينها موقع "خبر ترك"، أن أكشنار استبقت الإعلان بلقاء مع صناع القرار بحزبها.

وجاء الاجتماع، إثر وساطة أجراها كل من إمام أوغلو ويافاش، مع تأكدهما أن حظوظ كل من كليتشدار أوغلو وأكشنار تعرضت لضربات موجعة بسبب قرارتهما الأخيرة، ولا أمل لهما في النجاح سوى بالوحدة من جديد.

وأثمرت هذه الوساطة عن تغيير واضح بموقف أكشنار وحزبها، إذ أعربت عن إمكانية عودة للطاولة السداسية والموافقة على ترشيح كليتشدار أوغلو رئيسا للجمهورية، حال وافق على تعيين يافاش وإمام أوغلو نائبين بصلاحيات واسعة له.

وردا على ذلك أجّل كليتشدار أوغلو الإعلان عن ترشحه عدة ساعات لمشاورة بقية رؤساء أحزاب الطاولة، الذين لم يعترضوا بدورهم على المقترح.

لتفاجئ أكشنار وسائل الإعلام وتصل إلى مقر اجتماع الطاولة السداسية بحزب السعادة، وتشارك في مراسم الإعلان عن ترشيح كليتشدار أوغلو للرئاسة.

لكن ثمة ضجة أثارها بيان الترشيح الذي جاء تحت عنوان "خارطة طريق لعملية الانتقال إلى النظام البرلماني المعزز"، بعد نقاشات استمرت 4 ساعات، وتكون من 12 مادة.

وجاء في أبرز هذه المواد، أن "تركيا ستُحكَم من خلال التشاور والتوافق، وجرى الاتفاق على الانتقال إلى النظام البرلماني المعزز، وخلال هذه العملية سيكون رؤساء الأحزاب الخمسة الأخرى نوابا لرئيس الجمهورية".

بالإضافة إلى أنه "سيجرى توزيع الوزارات على أحزاب الطاولة السداسية وفق عدد الأصوات التي سيحصلون عليها في الانتخابات البرلمانية، على أن يحصل كل حزب على وزارة واحدة كحد أدنى بالحكومة".

كذلك "القرارات الحساسة مثل الدعوة للانتخابات، وإعلان حالة الطوارئ وسياسات الأمن القومي، لن تتخذ إلا بعد استشارة أحزاب الطاولة السداسية والتوافق معهم بشأنها".

وأخيرا "تعيين رئيسي بلديتي إسطنبول وأنقرة نائبين لرئيس الجمهورية في الوقت الذي يراه مناسبا بعد الفوز بالانتخابات".

وفي وقت أعرب بعض رموز المعارضة عن فرحتهم بعودة التئام طاولة المعارضة، انتاب آخرون القلق من تشتت مرحلة صنع القرار بين رئيس و7 نواب، حال نجاح المعارضة.

وهو ما سيعيد تركيا إلى مرحلة الحكومات الائتلافية وصراعاتها في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، وما جلبته للبلاد من فوضى وضعف نجحت أنقرة أخيرا في تجاوزها في عهد حكومات أردوغان، التي أعادت للبلاد ثقلها التاريخي والجيوستراتيجي أمام قوى رئيسة مثل أميركا وروسيا.

هذه المخاوف عبر عنها السياسي المخضرم، رئيس حزب الوطن التركي "دوغو برينتشك"، بالقول إن "الولايات المتحدة اضطرت للتدخل ولملمة الأزمة، كما كانت تتدخل في السابق عبر عمليات مثل (إرغينكون)، وانقلاب (15 تموز).

وأضاف في سلسة تغريدات، أن أميركا أجبرت أكشنار على العودة إلى الطاولة من جديد بعدما فشلت في تحقيق مبتغاها، وحاليا انتهى دور حزب الجيد بعدما صار الرئيس ونوابه من حزب الشعب الجمهوري.

كما أُجبرت أكشنار، وفق برينتشك، على الوقوف في صف مع أحزاب اليسار، والشعوب الديمقراطي الكردي المتواطئ مع تنظيم حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" الإرهابي، لذا ثمة خيبة أمل كبيرة وستتوالى الاستقالات من حزب الجيد بسبب ذلك.

وختم بالقول: "أميركا نجحت باللعب بحزب الجيد وانتهى دوره الآن، والفائز في الوقت الحالي هو معسكر أميركا، لكن الكلمة النهائية سيقولها الشعب".

فيما علق الصحفي والمحلل السياسي التركي كمال أوزتورك، على المشهد، قائلا: هذا الاتفاق لن يسعد الجميع لاسيما الكوادر الشعبية والمواطنين، مؤكدا أن "موقف المعارضة صعب".

وينظر لهذه الانتخابات في تركيا على أنها "استثنائية" لسلسلة من الاعتبارات، أهمها أنها تأتي في خضم صراع دولي كبير بين الشرق ممثلا في روسيا والصين الساعي لصياغة نظام عالمي جديد والغرب ممثلا في أميركا المصر على الهيمنة على العالم تحت عباءة حماية الديمقراطية.

فيما تسعى حكومة أردوغان، لا سيما في السنوات الأخيرة، إلى الحياد ولعب دور الوسيط بينهما، وهو ما لا يعجب المعسكر الغربي الذي يريدها تابعة له بصورة كاملة، حسبما يؤكد خبراء وساسة أتراك، بينهم "برينتشك".

كما تتزامن الانتخابات مع بداية مئوية الجمهورية التركية الثانية، وتتوقع قلة من الخبراء أن تحسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى، بينما يؤكد آخرون أن ذلك مستبعد، بل ستشهد جولتين، مع توقع ترشح عدة أسماء لمنصب الرئيس.

ويجب أن يحصل المرشحون على نسبة "50+1" من الأصوات على الأقل ليتم انتخابهم، وفي حال عدم الحصول على الأغلبية المطلقة في الجولة الأولى، تُجرى جولة ثانية بعد 15 يوما، بين المرشحين اللذين حصلا على أكبر عدد من الأصوات أولا، ثم ينتخب المرشح الذي يحصل على أغلبية الأصوات الصحيحة "رئيسا".