مصطفى مدبولي.. رئيس وزراء النظام المصري عديم الصلاحيات وحامل خطاياه

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

بوصلة الانتقادات الإعلامية والبرلمانية في مصر اتجهت نحو رئيس وزراء النظام، مصطفى مدبولي، ليصبح محط هجوم منظم لتحميله "وحده" إخفاقات الأوضاع الاقتصادية المزرية التي تضرب "أرض الكنانة" من انهيار لسعر العملة المحلية أمام الدولار، وارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية. 

وتحدثت تقارير إعلامية محلية ودولية خلال الفترة الأخيرة، عن إمكانية التضحية بمدبولي، على وقع الأزمات الاقتصادية والسياسية المتصاعدة التي تمر بها البلاد، بسبب التدبير الفاشل لرئيس النظام عبدالفتاح السيسي.

ومدبولي (56 عاما) سيستخدم "كبش فداء" للمرحلة الصعبة التي تمر بها مصر، سواء بالإقالة، أو على أقل تقدير توجيه اللوم له ولحكومته.

تضحية بـ"الكبش" 

في 25 يناير/ كانون الثاني 2023، كشفت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، أن رئيس النظام المصري، يتجه للتضحية برئيس وزرائه، مدبولي.

وتوقعت المجلة الفرنسية أنه خلال الفترة القادمة سيكون مدبولي هو "كبش الفداء" أمام الحنق المتصاعد بسبب تداعيات التدهور الاقتصادي. 

و"كبش الفداء" مصطلح دارج عند العرب يستخدم كمثل لمن أراد أن يسقط من على كاهله كارثة أو إخفاقا ما، ويوجه الأسباب لشخص آخر ويحمله المسؤولية كاملة. 

وعادة ما كانت السياسة المصرية محط لتلك الإستراتيجية، فعند وقوع نكسة 5 يونيو/ حزيران 1967، وهزيمة مصر أمام العدوان الإسرائيلي، حمل نظام الرئيس جمال عبد الناصر، المسؤولية كلها لقائد الجيش المشير عبدالحكيم عامر، وكان هو "كبش الفداء" الذي قتل بعد ذلك، وفي الرواية الرسمية "انتحر". 

وعند اندلاع ثورة 25 يناير 2011، حاول الرئيس آنذاك حسني مبارك، التملص من التهم الموجهة له، وتحميل المسؤولية لوزير الداخلية حبيب العادلي، أو رئيس الوزراء أحمد نظيف.

"إنتيليجنس أونلاين"، ذكرت أن البديل المقترح لمدبولي سيكون شخصا خبيرا في الشؤون المالية، يحل محل رئيس الوزراء الحالي، الذي يتولى المنصب منذ عام 2018، وكان في الأصل مهندسا ووزيرا سابقا للإسكان.

وقالت المجلة إن "السخط بين رجال الأعمال وأصحاب الشركات التي تعمل في قطاعات البناء والتشييد، يتنامى بسبب بطء وتيرة صرف المستحقات مقابل المشروعات التي تم تشييدها في العاصمة الإدارية ومدينة العلمين الجديدة وغيرها".

واستطردت: "امتد السخط إلى رجال أعمال آخرين نافذين، مثل نجيب ساويرس الذي اشتبك مع إعلاميين مؤيدين للسيسي خلال الفترة الماضية". 

وبحسب المجلة، فإن السيسي يأخذ حذره، خاصة من جنرالات الجيش، بسبب ضغط صندوق النقد والحلفاء الخليجيين من أجل تقليص امتيازات القوات المسلحة الاقتصادية، وطرح بعض شركاته في البورصة، مثل "الوطنية" و"صافي"، اللتين تريد الإمارات الاستحواذ عليهما، وتلقى مقاومة من اللواءات لإفشال ذلك.

وجاء الإعلان عن التوجه لإنشاء صندوق لإدارة أموال قناة السويس بعد حالة سخط شارك فيها نواب البرلمان، الذي كان الغالب عليه في معظم الأحيان حديثهم عن دعمهم للجيش وجهاز المخابرات العامة. 

نتيجة لذلك فإن مدبولي، ووزراء الحكومة في قلب الأزمة، ومن الوارد أن يكونوا هم الصف الأول للتضحية بهم لامتصاص حالة الغضب، والإتيان بوجوه جديدة مختلفة. 

سيرة مختصرة 

مصطفى كمال مدبولي محمد نصار، ولد في 28 أبريل/ نيسان 1966، بمحافظة سوهاج في صعيد مصر. 

عام 1988 حصل على بكالوريوس الهندسة المعمارية، من كلية الهندسة في جامعة القاهرة.

ومن نفس الجامعة، حصل على ماجستير الفلسفة في الهندسة المعمارية (تخصص تخطيط مدن) في 1992.

سافر مدبولي إلى هولندا عام 1993، وحصل هناك على دبلوم الدراسات المتقدمة في مجال التخطيط العمراني (إدارة العمران) من معهد "دراسات الإسكان والتنمية الحضرية" بمدينة روتردام.

عاد إلى كلية الهندسة بجامعة القاهرة مرة أخرى، وفي عام 1997 حصل على درجة الدكتوراه في الهندسة المعمارية، بنظام الإشراف المشترك مع معهد التخطيط القومي والإقليمي والعمراني بكلية العمارة جامعة "كارلسروه" بألمانيا. 

ودخل مدبولي إلى السلك الحكومي، وفي يناير/ كانون الثاني 2000، تولى منصب المدير التنفيذي لمعهد التدريب والدراسات الحضرية بمركز بحوث الإسكان والبناء بوزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية. 

رجل "جمال" 

رغم أن مدبولي كان رجلا بيروقراطيا انزوى في دولاب الدولة، وظهر كأنه غير مسيس، وإنما مجرد أكاديمي متمرس في الهندسة والتخطيط العمراني، لكن مدبولي له وجه آخر، ينتمي إلى دولاب "دولة مبارك العميقة". 

وارتبط صعود مدبولي بسطوع نجم جمال مبارك، نجل رئيس الجمهورية الأسبق محمد حسني مبارك في عالم السياسة، حيث انتمى إلى لجنة السياسات في الحزب الوطني المنحل والتي رأسها جمال بنفسه. 

وهو ما أكده التحقيق الذي أجراه موقع "مدى مصر" في 5 يناير/ كانون الثاني 2015، عن رجال جمال مبارك، الذين مازالوا في السلطة ويتمتعون بمناصب مهمة. 

وذكر الموقع أن المعلومات المتاحة لأرشيف الإنترنت من الموقع الرسمي للحزب، لم يعد له أثر على الشبكة العنكبوتية، لكنه توصل إلى قائمة "المجلس الأعلى للسياسات"، والتي ضمت 133 عضوا، منهم مدبولي. 

وخلال العقد الأول من الألفينيات، أصبح مدبولي من خاصة رجال جمال مبارك، ومن الأعضاء النشطين داخل "لجنة السياسات"، وبدأ يتولى مناصب مهمة في الدولة. 

وفي عام 2007 تولى منصب نائب رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتخطيط العمراني للتخطيط الإقليمي والبحوث. 

وفي 2008، أصبح رئيس مجلس إدارة هيئة التخطيط العمراني، إضافة إلى عمله كأستاذ باحث بمعهد بحوث العمارة والإسكان في المركز القومي لبحوث الإسكان والبناء. 

لكن جاءت ثورة 25 يناير 2011، وأطاحت بدولة مبارك، وبأحلام نجله جمال في اعتلاء سدة الحكم، وأوقفت مسيرة لجنة السياسات داخل الحزب الوطني، ومن ضمنها مدبولي. 

وزير السيسي 

بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، وصعود وزير الدفاع السيسي إلى الرئاسة اعتمد على مجموعة من الشخصيات التي لعبت أدوارا متعددة في دولة مبارك، وخلال المرحلة الانتقالية عقب ثورة يناير، خلال حكم المجلس العسكري، ومن أبرزهم مدبولي. 

وفي فبراير/ شباط 2014، شغل منصب وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، في وزارات إبراهيم محلب الأولى والثانية ووزارة شريف إسماعيل.

وجاءت الحادثة التي عززت من نفوذ مدبولي، في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، عندما أصدر ا السيسي قرارا بتوليه مهام القائم بأعمال رئيس مجلس الوزراء لحين عودة شريف إسماعيل من رحلة علاجه بألمانيا.

وبالفعل بعد عدة أشهر، كلفه السيسي في 7 يونيو/ حزيران 2018، بتشكيل الحكومة، وأصبح ثالث رئيس وزراء في عهده، والمستمر حتى الآن. 

عانت حكومة مدبولي من فشل وانتقادات متعددة، ضمن سياق إخفاق نظام السيسي برمته.

وفي 21 ديسمبر/ كانون الأول 2022، تعرض رئيس الوزراء لحملة هجوم ومطالبات، من قبل نواب البرلمان بضرورة رحيل حكومته.

حتى إن موقع "برلماني"، المتخصص في شؤون البرلمان والتابع لموقع "اليوم السابع" المملوك للمخابرات، نقل عن عضو مجلس النواب، الإعلامي المقرب من السيسي، مصطفى بكري، مطالبته برحيل حكومة مدبولي، خلال الجلسة العامة للمجلس.

وقال بكري إن "رحيل هذه الحكومة ضرورة مهمة لأنها سبب كل الأزمات".

ورأى أن "الصورة العامة للدولة بالخارج تؤكد الاحتياج لحكومة جديدة تساعد الدولة للخروج من أزماتها، ووجود هذه الحكومة حتى الآن يؤكد أن السلام المجتمعي مهدد ويؤكد تهديد الاستثمار".

وفي نفس الجلسة، طلب عضو مجلس النواب عصام العمدة، من مدبولي، تقديم استقالته مع الحكومة متهما إياه بالعمل "في اتجاه مخالف تماما لمعاناة الشعب".

هذه الفقاعة الداخلية رآها كثيرون أنها تأتي في سياق توجيه البرلمان والإعلام الغضب بعيدا عن السيسي، والتركيز على مدبولي وحكومته لامتصاص سخط الرأي العام.