رغم التفاؤل الشعبي بـ"خليجي 25".. هذه الحواجز تمنع عودة السياح العرب للبصرة

مع انطلاق كأس الخليج العربي لكرة القدم في نسخته الـ25 التي تستضيفها مدينة البصرة جنوبي العراق، برزت تساؤلات عن مدى إمكانية أن تستعيد بلاد الرافدين مكانتها السياحية عند الخليجيين بعد سنوات طويلة من الغياب بسبب حرب الخليج الثانية عام 1990.
وفي 7 أغسطس/ آب 1990 شن العراق غزوا على دولة الكويت، وبعد استعادتها من السيطرة العراقية في يناير/ كانون الثاني 1991، فرض مجلس الأمن حصارا اقتصاديا على العراق استمر 13 سنة وانتهى مع الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003.
تفاؤل جماهيري
بعد أن استضاف العراق النسخة الخامسة للبطولة عام 1979، عاد في 6 يناير/ كانون الثاني 2023 ليطلق "خليجي 25"، وسط تفاؤل جماهيري بأن تكسر هذه البطولة حاجز الخوف أمام الخليجيين لزيارة بلدهم مستقبلا، ولا سيما البصرة التي كانت تسمى "عروس الخليج" في حقبة السبعينيات.
وافتتح رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني البطولة التي تستضيفها مدينة البصرة من 6 حتّى 19 يناير/ كانون الثاني 2023، بالقول: "نفتتح اليوم بطولة خليجي 25 على ملاعب البصرة الحبيبية، أهلا وسهلا بشباب الخليج منتخبات وجماهير ومشجعين على أرض العراق".
كما حضر حفل الافتتاح رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو، وكل من رؤساء الاتحادات القطري لكرة القدم حمد بن خليفة آل ثاني، والفلسطيني جبريل الرجوب، والبحريني الشيخ علي بن خليفة وشخصيات رياضية أخرى من دول المنطقة.
وأعرب الناشط العراقي عامر الحسني لـ"الاستقلال" عن أمله في أن تكسر بطولة البصرة الجمود الخليجي حيال العراق، وتوقع أن تعود هذه المدينة إلى سابق عهدها ويزورها الخليجيون في عطلة نهاية الأسبوع.
ورأى الحسيني أن "البصرة وغيرها من المدن جنوب العراق مرشحة أن يزورها المواطن الكويتي بكل أريحية للإفطار فيها والتمتع بالمطاعم البصراوية، وكذلك أن يأتي السعودي لقضاء سفرة في البر للصيد في بادية مدينة السماوة، وهذا يحصل في الوقت الحالي لكن على نطاق ضيق".
وتوقع أن "يشهد العراق زيارات متكررة للعرب والخليجيين وتطور كبير على مستوى السياحة بفضل خليجي 25، لأن قدوم الجمهور الخليجي والتغطية الإعلامية للإعلاميين الخليجيين كانت إيجابية جدا حيال الأوضاع في البصرة، وهذا عامل تشجيع قد ينشّط من زياراتهم بالمستقبل".
من جهته، أبدى الناشط زين أحمد لـ"الاستقلال" انبهاره من افتتاحية خليجي 25 والجهود المبذولة في إخراجه بمظهر يليق بالبلد، وأن ذلك من شأنه التفاؤل بمستقبل واعد لاستضافة البطولات الكروية في العراق.
وأوضح أحمد أن "العراق من الممكن أن يعود إلى الاندماج مع محيطه العربي والخليجي تحديدا عن طريق كرة القدم من أجل كسر الحواجز السابقة والنظرة المأخوذة على هذا البلد كونه غير مستقر سياسيا وأمنيا وبالتالي لا يمكن أن يشهد إقامة أي بطولة فيه".
وأعلن رئيس هيئة المنافذ الحدودية عمر الوائلي، خلال بيان رسمي في 7 يناير 2023 "دخول 34 ألف وافد عبر مطار البصرة ومنفذ سفوان لحضور خليجي 25. والوافدون توزعوا ما بين لاعبي منتخبات ووفود رسمية وقنوات إعلامية وجماهير".
واقع مغاير
في المقابل، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي محمود الحامد لـ"الاستقلال" إن "استضافة بطولة خليجي 25 تبعث حالة من السرور لكل العراقيين، لكن الأمر أراه استثنائيا وبرغبة جماعية سواء من الحكومة أم الأحزاب وحتى المليشيات، فضلا عن الشعب العراقي".
ولفت الحامد إلى أن "واقع الحال في البصرة والمحافظات الجنوبية وصولا إلى بغداد يؤكد أن المليشيات المسلحة الموالية لإيران هي من لها السطوة الأمنية، وهذا بالنسبة للدول العربية غير مقبول لإرسال مواطنيها للسياحة في بلد ينتشر فيه السلاح، ولا يفرق فيه بين الدولة واللادولة".
وأشار إلى أن "العراق سبق أن شهد حالة اختطاف عدد من السياح الخليجيين على يد مليشيات موالية لإيران عندما كانوا في رحلة صيد ببادية السماوة المحاذية للسعودية، وكانوا قطريين بالدرجة الأساس ومعهم بعض السعوديين، ولم يفرج عنهم إلا بصفقة مع الدوحة قيل إنها كانت بملايين الدولارات".
وفي 21 أبريل/ نيسان 2017، أعلنت وزارة الداخلية العراقية الأفراج عن 26 رهينة قطرية بينهم أفراد من الأسرة الحاكمة في قطر، بعد احتجازهم 16 شهرا، دون إعطاء مزيد من التفاصيل عن عملية تحريرهم.
لكن صحيفة "الغارديان" البريطانية، كانت قد كشفت خلال تقرير لها في 20 أبريل/نيسان 2017 أن الصفقة شملت إيران وقطر وأربعا من المليشيات الرئيسية في المنطقة للإفراج عن المختطفين القطريين بالعراق.
وفي السياق ذاته، نشرت صحيفة "أخبار الخليج" البحرينية في 20 أبريل 2017، أن "الصفقة شملت عنصرين أساسيين، وهما أن تدفع الدوحة فدية خفضت من 100 إلى 90 مليون دولار، أما العنصر الثاني فهو أن تتعهد الدوحة بالضغط على فصائل مسلحة معارضة في سوريا لإطلاق أسرى من حزب الله ومن فصائل مسلحة عراقية أسروا في سوريا".
انعكاس اقتصادي
وبلغت الكلفة الإجمالية لبطولة خليجي 25 في العراق نحو 669 مليون دولار، وهذا يشمل كل ما يتعلق بإنجاحها من تكلفة إقامة البطولة وإنشاء الملاعب والمرافق الأخرى.
وبلغت كلفة إنشاء المدينة الرياضية في البصرة التي بدأ العمل على انشائها في 15 يوليو/تموز 2009 وافتتحت في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2013، 550 مليون دولار.
فيما بلغ مجموع ما أنفق لإنجاح البطولة وإقامة خليجي 25 نحو 669 مليون دولار، وفق إحصائية نشرتها وكالة "بغداد اليوم" في ديسمبر/ كانون الأول 2022.
وتتكوّن المدينة الرياضية من ملعب رئيس بسعة 65 ألف متفرج (جذع النخلة) وملعب ثانوي بسعة 20 ألف متفرج (البصرة)، فضلا عن أربعة ملاعب ثانوية للتدريب.
أما ملعب الميناء الأولمبي بسعة 30 ألف متفرج فافتتح يوم 26 ديسمبر/ كانون الأول 2022 في مباراة جمعت نادي الميناء ونادي الكويت، وبلغت تكلفة الإنشاء حوالي 86 مليون دولار.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي والأكاديمي العراقي المقيم بالبصرة، نبيل المرسومي، خلال منشور عبر "فيسبوك" إن "إقامة خليجي 25 في البصرة تبلغ 33 مليون دولار، وستؤثر إيجابيا على حركة التجارة والاستثمار بين العراق والدول الخليجية".
ورغم النظرة التفاؤلية للمرسومي بشأن انعكاسات استضافة العراق لخليجي 25، إلا أن الباحث الاقتصادي حيدر فليح الربيعي أبدى تخوفا من "عزوف المستثمر الخليجي والأجنبي من الاستثمار في العراق بسبب عوامل عدة؛ منها: البيروقراطية، وانتشار السلاح، والعشائرية".
وأوضح الربيعي لـ"الجزيرة نت" في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2022 أن "الحكومة العراقية مطالبة بإزالة جميع العوائق وتهيئة الأرضية المناسبة للمستثمر الذي يوصف في عالم المال بالجبان".
وأكد الباحث الاقتصادي أن العراق يعدّ بلدا "متعطشا" للاستثمار، وأنه لا بد من الانفتاح على دول الخليج التي نجحت في ذلك حتى باتت من الدول المهمة على خريطة التجارة العالمية، حسب وصفه.
ورغم أن البصرة غنية بالنفط وتعد رئة العراق الاقتصادية كونها تصدر 3.293 ملايين برميل يوميا، لكنها تعاني من أوضاع اجتماعية صعبة وتردي الخدمات العامة من كهرباء وماء، وتشهد بين الحين والآخر صدامات عشائرية مسلحة وسيط غياب تام لسلطة القانون.
وكان يفترض أن ينظم العراق بطولة كأس الخليج عام 2014، لكنها نقلت لاحقا إلى السعودية بسبب مخاوف أمنية، حيث كان تنظيم الدولة يحتل مساحة واسعة من الأراضي العراقية، بينها مدينة الموصل، أكبر مدن شمال البلاد.
المصادر
- بحضور رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم.. افتتاح رسمي لبطولة "خليجي 25"
- انعكاسات الحدث الرياضي الإيجابية.. و"مصادرة الأسم" تنغص العراقيين
- ما الانعكاسات الاقتصادية والاستثمارية لخليجي 25 على العراق؟
- رئيس الفيفا يعلق على افتتاح خليجي 25 في البصرة
- نقل الصيادين القطريين إلى بغداد وصفقة الإفـراج عنهــم فــي مــراحـلها الأخـــيرة
- تفاصيل صفقة ضخمة للإفراج عن المختطفين القطريين بالعراق
- المنافذ الحدودية: دخول 34 ألف وافد عبر مطار البصرة ومنفذ سفوان لحضور خليجي 25