اعتزال سياسيين في الجزائر.. عزوف إرادي أم ضغط من نظام تبون؟

سلمان الراشدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

انسحابات "معلنة" وأخرى "صامتة" في المشهد السياسي الجزائري، تنذر بتضييق على الممارسة الحزبية وتحذر من "ظاهرة خطيرة" تسيء إلى حالة التعددية التي تفرضها المجتمعات الديمقراطية.

ويرى متابعون للمشهد السياسي، أن الجزائر تنتقل إلى مرحلة جديدة تختفي منها حتى الأصوات المعارضة القوية على قلتها، وهو ما يدق ناقوس الخطر خاصة أن البلاد مقبلة على انتخابات رئاسية عام 2024.

ظروف قاهرة

وفي الثاني من يناير/كانون الثاني 2023، أعلن الناشط الجزائري المثير للجدل، رشيد نكاز، وقف نشاطه السياسي بشكل نهائي، مرجعا ذلك إلى "ظروفه الصحية ورغبته في الالتحاق بعائلته التي تعيش خارج البلاد"، بحسب قوله.

والتمس نكاز في رسالة نشرتها صفحته على "فيسبوك"، -كونه يوجد في السجن- من الرئيس عبدالمجيد تبون تمكينه من حقوقه بعد قرار القضاء أخيرا إلغاء تخفيض عقوبته بسنة ونصف بناء على عفو رئاسي.

وذكرت الصفحة أن الناشط وجّه رسالة للرئيس تبون يبلغه فيها أنه "استقال بفعل قهر الظروف من العمل السياسي"، على حد قوله.

وأشارت الرسالة إلى أن نكاز "يرغب حاليا في أن يكرس وقته كليا لمعالجة مشاكله الصحية، فهو يعاني من سرطان البروستاتا، ومشاكل في الجيوب الأنفية والجهاز السمعي"،

وكذلك رغبته في "الكتابة والاعتناء بعائلته التي ذكر أنه تخلى عنها في الولايات المتحدة لمدة 10 سنوات ولم يلتق بها منذ 3 أعوام، بسبب رغبته في المساهمة في بناء دولة ديمقراطية في الجزائر".

ونكاز (46 سنة) ناشط سياسي جزائري كان يقيم في فرنسا، وأعلن في 2013 تنازله عن جنسيته الفرنسية من أجل استكمال الإجراءات القانونية لخوض انتخابات الرئاسة في الجزائر عام 2014، لكنه فشل في جمع التوكيلات اللازمة لذلك.

ومطلع عام 2019، أعلن نكاز ترشحه لانتخابات الرئاسة التي كانت مقررة في 18 أبريل/نيسان 2019، لمنافسة للرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، قبل أن تندلع انتفاضة شعبية في 22 فبراير، أطاحت بهذا الاقتراع وبمشروع الولاية الخامسة للأخير.

وكان نكاز ينشر باستمرار على صفحته بمواقع التواصل الاجتماعي أخبارا عن اعتقاله من قبل الأمن الجزائري خلال مشاركته في مسيرات الحراك الشعبي.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، اعتقل نكاز وهو يهم بمغادرة الجزائر، ووجهت له تهمة تحريض السكان على حمل السلاح وعرقلة الانتخابات الرئاسية.

وجاء ذلك بعد نشره فيديو على صفحته يصف فيه تصويت النواب على مشروع قانون المحروقات بالخيانة ويدعو للاعتراض على ذلك ولو بالسلاح.

وحكم عليه بـ6 سنوات نافذة، لكنه غادر السجن في فبراير 2021، بموجب تدابير عفو رئاسية قبل أن يعود إليه بعد نحو سنة.

وجاء إعلان نكاز، وفق ما ذكر في رسالته الأخيرة، متأثرا بقرار إلغاء العفو الرئاسي الصادر في حقه.

وبحسب صفحته الرسمية، فقد “أبلغ الناشط بعد الحكم عليه بالسجن لمدة 6 سنوات، بأنه سيستفيد من تخفيض 18 شهرا كعفو رئاسي لكن وبعد أسبوع من الإبلاغ وبدون سابق إنذار جرى إلغاء العفو والسبب يبقى مجهولا”.

ويعرف نكاز في فرنسا باسم "محامي المنتقبات"، حيث أنشأ عام 2010 من ماله الخاص صندوقا بمليون يورو لدفع غرامات المنتقبات في فرنسا أمام المحاكم، بعد صدور قانون يجرم ارتداء هذا الزي الإسلامي، ويقضي بدفع غرامات على المخالفات.

وبعد قرار الاعتزال، قال الناشط السياسي، ملال رؤوف "أطلقوا سراح رشيد نكاز، هذا الرجل حطموا حياته ودمروه تدميرا".

وأضاف في تدوينة على فيسبوك في 4 يناير 2023، "لا يريدون إطلاق سراحه إلا جثة هامدة حقدا على ما فعله وخوفا مما قد يفعله رغم أنني متأكد أنه لن يفعل شيئا، فقد فهم مدى قذارة المعارضة الموجودة ومدى استهتار الشعب".

تمهيد لعهدة جديدة

بدوره، أعلن السياسي الجزائري، عزالدين ميهوبي، الذي كان من بين المترشحين في الانتخابات الرئاسية عام 2019، اعتزال العمل السياسي والتفرغ للكتابة.

وفي 4 يناير عبر منشور على صفحته بفيسبوك، قال ميهوبي: "أجدد مرة أخرى للرأي العام اعتزالي للعمل السياسي والحزبي، وتفرغي التام للكتابة وتكريس جهدي للعمل الأدبي والفكري الذي بدأت به مسيرتي".

وجاء إعلان ميهوبي بعد ساعات من إعلان صفحة الناشط السياسي نكاز، اعتزاله النشاط السياسي بشكل نهائي، وسط تأكيدات بأن هناك شخصيات أخرى آثرت الاعتزال في صمت.

وفي قراءة لذلك، قال المحلل السياسي محمد برواكة: "قرارات الشخصيات السياسية هي عزوف إرادي بعدما أيقنوا أن العملية السياسية بعيدة كل البعد عن المنافسة الشريفة بين مختلف القوى".

ويرى برواكة في حديث لـ"الاستقلال" أن "هذا الانسحاب لم يأت بضغط من النظام ومن يتزعمه تبون، لأنهم يعون جيدا أن العملية حسمت بعد بروباغندا وسائل الإعلام سواء الرسمية أو الخاصة، بالترويج لإنجازات الرئيس من أجل التمهيد لولاية جديدة حتى يكون المرشح الوحيد والأوحد في الانتخابات المقبلة".

وأفاد بأن "المنسحبين بعلانية أو بدون ضجة، يدركون أن النظام الحقيقي للجزائر اعتمد في الغرف السوداء بقاء وتمديد عهدة جديدة لتبون وسيكون حتما هو الرئيس في انتخابات 2024".

وذكر برواكة أنه "بإعلان نكاز والميهوبي يمكن القول إننا نعيش تحولا خطيرا كنا نأمل من خلاله خاصة مع الحراك الشعبي، أن نرى وجوها جديدة طالما اشتكت من سيطرة الوجوه السياسية القديمة التي عجزت عن تقديم البدائل التي تتماشى ومتطلبات الجزائر الجديدة".

وتابع: "للأسف النظام لا يريد أن يرى في الساحة السياسية وجوها مختلفة مزعجة، ويمنع بكل الطرق- خصوصا غير المباشرة- كل من يلوح بفكر معارض حقيقي يسعى للتغيير".

من جانبه، أرجع الباحث في علم الاجتماع السياسي، ناصر جابي، إعلان شخصيات اعتزال العمل السياسي في الجزائر إلى ما يصفها بـ"حالة الضمور التي تعرفها الساحة السياسية خلال السنوات الأخيرة".

ويرى جابي في حديثه لموقع "أصوات مغاربية" (مقره واشنطن) أن "مجال النشاط السياسي تقلص بشكل كبير"، مبررا ذلك بـ"انعدام فرص ممارسته علنيا وفق قواعد مضبوطة ومعقولة".

وأشار إلى "تقلص نشاط الأحزاب السياسية واختفاء بعضها بما في ذلك مقراتها المركزية في الجزائر العاصمة وفي وسائل الإعلام أيضا"، وهو ما يصفه بـ"الظاهرة الخطيرة على الاستقرار".

ورأى الباحث الجزائري أن هذا الوضع يرجع أيضا إلى "عملية تضييق مقصودة مست كل أشكال العمل السياسي والإعلامي".

ولفت المتحدث ذاته إلى أن "حالة كل من نكاز وميهوبي ليست الوحيدة، نظرا لوجود العديد من الشخصيات التي انسحبت من الحق السياسي دون التعبير عن ذلك".

وكتب المدون الجزائري أبوطالب شبوب: "لقد انطفأت شموع الحلم، بعد أن أصبح باهظ الثمن، فتوقّف الجميع عنه، وتلك ظاهرة نتيجتها ذبول الروح وانكسار القلوب وانعدام أي رغبة في الإبداع بعد أن أصبح قرين السجون والملاحقات".

وأضاف عبر صفحته على فيسبوك في 9 يناير 2023: "يمكن إذن للنظام أن يطمئن قليلا فقد أسكت كل منابع القلق، ولم يعد هنالك ما يزعج مزاجه الراكد، لكن هذا المَوات العام في السياسة والاقتصاد والإعلام أخطر بكثير من أي واقع مزعج ذلك أنه ينذر بمستقبل بالغ القتامة واعِدٍ بكثير من الظلام".

واستطرد: "يبدو الحديث عن الجزائر مقترنا لحدّ بعيد بالوفرة المالية المؤقتة الناشئة من تغيّر أسعار الغاز، ويبدو أيضا أن النظام برمّته مرتاح لوضعه كثيرا، فقد انتهت أيام الحراك الشعبي ويجرى بصفة منتظمة إسكات أي صوت مستقل".

وفي قراءة لهذه الحالة الجديدة، قالت صحيفة "العرب" اللندنية، إن "الجزائر تواجه حالة تصحر سياسي مع تنامي ظاهرة اعتزال فاعلين بارزين العمل السياسي.

ويربط متابعون هذا الوضع غير المسبوق بالتضييق الكبير الذي تتعرض له الساحة السياسية والحزبية في البلاد وتسخير السلطة القائمة كل أدواتها لإخضاع خصومها، وفق قولها.

وأوضحت في مقال نشرته في 7 يناير 2023، أن "من بين الأسباب التي تدفع الكثير من السياسيين والمدنيين في الجزائر للاعتزال والابتعاد عن دائرة الأضواء استشعارهم عدم القدرة على تحقيق أي اختراق، مع نجاح السلطة القائمة في بسط نفوذها، عبر خطوات لشراء السلم الاجتماعي، وأيضا عبر استخدام سلاح القضاء للتضييق على خصومها".

وأشارت الصحيفة إلى أن "الفرضيات المحتملة تصب كلها في خانة حالة الانغلاق التي تعيشها البلاد منذ وصول الرئيس تبون إلى قصر المرادية في ديسمبر 2019، حيث يسجل تراجعا كبيرا للنشاط السياسي والحزبي بعد أن وضعت السلطة يدها على الحياة السياسية والإعلامية".