على حدود القوتين النوويتين.. مناوشات بالعصي والحجارة بين الصين والهند
.jpg)
تحدثت صحيفة إسبانية عن المناوشات التي حدثت أخيرا بين القوتين النوويتين المتجاورتين بكين ونيودلهي، بعد اشتباكات بالعصي والحجارة بين جنود صينيين وهنود في إطار نزاع حدودي بدأ عام 1962.
وقالت صحيفة الكونفدنسيال إن الصراع بين الصين والهند يحدث باستعمال العصي والحجارة؛ في حركة تعيدنا سنوات إلى الماضي، وتحديدا لحروب القرون الوسطى حيث كانت الأسلحة النووية والدبابات والطائرات دون طيار ضربا من الخيال العلمي.
وتعد هذه الاشتباكات الوحيدة من نوعها في العالم، على أبواب سنة 2023، وتخاض عمدا دون أحدث تقنيات الأسلحة الممكنة. من ناحية أخرى، يصعب تصديق أن الطرفين المتعارضين قوى نووية وعسكرية قوية.
عموما، يتنزل هذا الخلاف في إطار نزاع دام طويلا على نقاط مختلفة على الحدود التي تفصل بين البلدين، الهند والصين. وبعد عامين من الهدوء التام، اشتبك الجنود الصينيون والهنود مرة أخرى.
وأضافت الصحيفة أن الجيش الصيني تجاوز، في 9 ديسمبر/كانون الأول 2022 في ولاية أروناتشال براديش الشمالية الشرقية، خط السيطرة الفعلية، وهي التقسيم الإقليمي الفعلي بين الهند والعملاق الآسيوي.
وبحسب مصادر رسمية في الجيش الهندي، ردت القوات على "الاقتحام" في مواجهة خلفت عدة إصابات طفيفة. وفي وقت لاحق، عقد لقاء بين مسؤولين عسكريين من الجانبين "لبحث ما جرى وفق آليات استعادة السلام والهدوء"، مما خفف تصعيد التوتر.
جذور الصراع
ونوهت الصحيفة إلى أن الصراع يعود إلى حرب عام 1962 بين البلدين، التي أشعلتها حدود طولها حوالي 3500 كيلو متر، جرى تصميمها خلال فترة الإمبراطورية البريطانية.
كانت منطقة أروناتشال براديش، الأراضي المتنازع عليها التي تسيطر عليها الهند، وأكساي تشين، المتنازع عليها أيضا وتسيطر عليها الصين؛ هي النقاط الساخنة في النزاع الذي انتهى بانتصار بكين.
كان جيش العملاق الآسيوي هو الذي رسم خط السيطرة الفعلية الحالي، على الرغم من أن هذا الخط قد تغير على مستوى بعض النقاط بسبب تدفق الأنهار والبحيرات وتساقط الثلوج بكثافة، تقول الصحيفة.
وقد تسبب هذا في مواجهة جنود من الجانبين وجها لوجه في بعض المناطق، وكان العبور غير النظامي كافيا لبدء القتال.
وأوردت الكونفدنسيال أن المناوشات الأخيرة أعادت ذكريات الاشتباك الحدودي لعام 2020، وهو الأسوأ من نوعه بين البلدين منذ 45 سنة.
وفي تلك المناسبة، أثارت عمليات العبور غير النظامية للدوريات على جانبي حدود منطقة لاداخ، في وادي جلوان، وكذلك الخطة المزعومة من قبل الهند لبناء طريق لتسهيل الوصول إلى جانبها الحدودي، نزاعا راح ضحيته حوالي 20 جنديا هنديا وأربعة جنود من القوات الصينية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الأسلحة النارية لم تستعمل حتى في واحدة من أكثر اللحظات توترا بين الصين والهند.
والتزمت القوتان بعدم اللجوء إلى هذا النوع من الأسلحة منذ سنة 1996، عندما وقعتا معاهدة عدم استخدام الأسلحة.
وجاء في الاتفاق: "لن يفتح أي من الطرفين النار (...) أو يصطاد بالأسلحة والمتفجرات على بعد كيلومترين من خط السيطرة الفعلية".
منذ ذلك الحين، جرى انتهاك الاتفاقية مرة واحدة فقط. في سبتمبر/أيلول 2021، اتهمت الصين الهند بإطلاق النار في الهواء أمام قواتها، لكنهم وافقوا في النهاية على الانسحاب من إحدى المناطق المتنازع عليها في جبال الهيمالايا الغربية.
وفي هذه التوترات الأخيرة، لم يجر انتهاك اتفاقية عام 1996 وواجه الجنود بعضهم البعض بالعصي والحجارة.
حدود متنازع عليها
ورغم أن عدم وجود أسلحة نارية يشير إلى صراع أقل حدة، فإن المحللين يصرون على ضرورة التعامل بجدية مع كل نزاع، خاصة إن كان بين قوتين نوويتين.
في هذا المعنى، قال ديبندرا سينغ هودا، وهو ضابط متقاعد ترأس القيادة الشمالية الهندية، لصحيفة نيويورك تايمز: "في هذه الحالة، يبدو أن الأمر قد جرى حله بعد اجتماع بين مسؤولين من البلدين، لكن من المحتمل أن تتصاعد مثل هذه الاشتباكات إلى مواجهة محلية أكبر".
وأشار المحلل المختص في الشأن الصيني، أليكس لاك، على تويتر إلى أنه بعيدا عن الاتفاق الذي جرى التوصل إليه عام 1996، فإن سياسة عدم استخدام الأسلحة النارية وأنواع أخرى من الأسلحة العسكرية في الصراع الحدودي يمكن تفسيرها بنقص القوات.
في الواقع، لدى الصين ما يقرب من مليوني جندي نشط؛ وتملك الهند نحو 1.5 مليون جندي، وفقا لبيانات من كتاب حقائق العالم لوكالة المخابرات المركزية.
من ناحية أخرى، بينما يخصص العملاق الآسيوي 1.5 بالمائة من ناتجه المحلي الإجمالي لقوته العسكرية، زادت الهند الإنفاق إلى 2.2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2021، حسب التقرير نفسه.
وبحسب المحلل، لا يمكن وصف الاشتباكات الأخيرة بأنها مجرد صراع تقليدي. ويشير إلى أنه بينما كان الجنود الهنود والصينيين يقاتلون بالعصي على الحدود المتنازع عليها، أعلنت وزارة الدفاع التايوانية أن 21 طائرة من جيش الصين دخلت منطقتها الجوية.
ومن بين الطائرات، جرى تسجيل 18 قاذفة قنابل إتش 6، قادرة على حمل نووي، وهو رقم قياسي منذ سبتمبر 2020، عندما بدأت تايوان نشر بيانات عن الغارات الجوية الصينية. ويقول أليكس لاك: "لا نعرف كيف سينتهي هذا التصعيد، لكنه ليس تافها".
ونقلت الصحيفة أن الاشتباكات جرت على ارتفاع خمسة آلاف متر فوق مستوى سطح البحر بسبب الغزو المزعوم للصين في قطاع تاوانغ بولاية أروناتشال براديش الهندية.
في الواقع، لا تعد هذه المنطقة فقط إستراتيجية لكلا الجانبين في النزاع الحدودي، ولكن أيضا لأنها مسقط رأس الدالاي لاما السادس وموقع أحد أكبر الأديرة البوذية في الهند.
وهنا، تتجلى رمزية هذه النقاط المهمة لأن الهند سيطرت على المنطقة سنة 1951، العام نفسه الذي ضمت فيه الصين التبت.
عموما، تتناقض إمكانات البلدين النووية وحجم الأسلحة اللذان يملكانها، فضلاً عن نفوذهما السياسي، مع معارك العصي على حدود الهيمالايا.
وفي جميع الأحوال، كانت معركة تذكر ببعض العبارات الأكثر شهرة لألبرت أينشتاين: "لا أعرف ما الأسلحة التي ستخوض الحرب العالمية الثالثة، ولكن الحرب العالمية الرابعة ستخاض بالعصي والحجارة".