عبر تخوين المتظاهرين.. هكذا يبرر النظام الإيراني قمع الاحتجاجات الشعبية

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

منذ اندلاع الاحتجاجات الإيرانية منتصف سبتمبر/ أيلول 2022 على خلفية مقتل الشابة مهسا أمنيتي بعد توقيفها من قبل "شرطة الآداب"، تُلقي سلطات طهران التهم على المحتجين بتلقي التوجيهات من الولايات المتحدة وإسرائيل لإثارة الشغب في البلاد.

وقُتل ما لا يقل عن 133 شخصا في إيران في حملة قمع تقودها الأجهزة الأمنية ضد المظاهرات الشعبية التي اندلعت في أكثر من 50 مدينة وحي بالبلاد، وفق حصيلة جديدة أعلنتها في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 "منظمة حقوق الإنسان في إيران" التي تتخذ من أوسلو مقرا.

اتهامات بالعمالة

بعد صمت طويل عن الاحتجاجات، علق المرشد علي خامنئي للمرة الأولى على الأحداث الجارية، واصفا الحراك الشعبي بـ"أعمال شغب"، وادعى وقوف الولايات المتحدة وإسرائيل وراءها.

وصرح خامنئي أمام عدد من العسكريين في 3 أكتوبر: "أقول بوضوح إن أعمال الشغب هذه والاضطرابات تم التخطيط لها من الولايات المتحدة والنظام الصهيوني الغاصب، ومأجوريهم وبعض الإيرانيين الخائنين في الخارج ساعدوهما".

وعلى وقع الاحتجاجات الشعبية، كانت قد شنت طهران في 24 سبتمبر/ أيلول 2022، هجمات عنيفة ضد مقرات تابعة لأحزاب كردية- إيرانية معارضة، بإقليم كردستان العراق، زعمت أنها تؤجج الحراك الداخلي، ما أدى إلى سقوط عشرات الضحايا بين قتيل وجريح، وسط تنديدات دولية بانتهاك السيادة العراقية.

وأضاف خامنئي في كلمته: "هناك العديد من أعمال الشغب تحدث في العالم وفي أوروبا، خاصة في فرنسا، لكن هل دعم رئيس الولايات المتحدة ومجلس النواب الأميركي مثيري الشغب وأدلوا ببيان؟ هل حدث وبعثوا برسائل وقالوا إننا معكم؟"

وفي السياق ذاته، واصلت الصحف الإيرانية التابعة للنظام إلصاق التهم بالمظاهرات الشعبية ووصفها بـ"الإرهاب"، و"النزعات الانفصالية"، كما فعلت صحيفة "كيهان" التابعة للمرشد خامنئي.

أما صحيفة "إيران" الصادرة عن الحكومة فكان عنوان صفحتها الأولى في 3 أكتوبر: "البنتاغون غرفة إدارة الشغب في إيران"، في إشارة إلى تحريك المظاهرات الشعبية من قبل الولايات المتحدة.

وفي إطار استمرار تهديدات المسؤولين الإيرانيين للمحتجين وتخوينهم، اتهم رئيس هيئة الأركان العامة الإيرانية، محمد باقري الولايات المتحدة وإسرائيل بالوقوف وراء الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها البلاد .

وقال باقري إن الأحداث الأخيرة جاءت نتيجة مؤامرة وتخطيط من أميركا وإسرائيل، وفق ما نقلته وكالة "تسنيم" الإيرانية، التي ادَّعت أن الأحداث أظهرت أن مجموعة الأمن الداخلي قادرة على حماية النظام والانضباط والأمن والسلم الاجتماعي.

في 30 سبتمبر/ أيلول 2022، أعلنت السلطات الأمنية في إيران أنها أوقفت تسعة أجانب على صلة بالتظاهرات الاحتجاجية الشعبية التي أعقبت وفاة الشابة الكردية مهسا أميني.

وقالت وزارة الاستخبارات الإيرانية في بيان: "أوقف تسعة أجانب من ألمانيا وبولندا وإيطاليا وفرنسا وهولندا والسويد في أمكنة (التظاهرات) أو ضالعين في أعمال الشغب".

تبرير للقمع

وفي ضوء ذلك، يرى مراقبون أن السلطات الإيرانية بحديثها المتواصل عن تحريك الغرب وإسرائيل للمظاهرات، وإعلان اعتقالها عددا من المواطنين الغربيين، تطرح نظرية المؤامرة حتى تبرر قمعها المستمر للمحتجين الإيرانيين ضد النظام الذي يحكم البلاد منذ عام 1979.

وقال المحلل السياسي السوري علي باكير إن "السلطات الإيرانية لجأت إلى الذرائع المعتادة في تفنيد ما جرى (...) اتهمت أيادي خارجية في إشعال وتأجيج الاحتجاجات وتوجيهها، وذلك باتهام أميركا وبريطانيا وعدد من الدول بالتدخل في شؤونها الداخلية، كما أنها اعتقلت عددا من مواطني الدول الأوروبية مدعية أن لهم دورا في إثارة الفوضى".

وأشار باكير خلال مقال نشرته صحيفة "عربي21" مطلع أكتوبر إلى أن "الإستراتيجية الإيرانية تقوم عادة على مبدأ تصدير المشاكل وإلقاء اللوم على الآخرين في محاولة لرأب الصدع الداخلي ورص الصفوف وتجييش الموالين والمؤيدين من جهة، وتبرير القمع الداخلي المميت من جهة أخرى".

وتابع الكاتب، قائلا: "المسألة الثانية الأكثر خطورة في هذا السياق هي مخاوف النظام الإيراني من أن تخرج الأمور عن السيطرة هذه المرة".

ورأى باكير أن "توصيف الوضع الإيراني الآن يتراوح بين المبالغة والتهوين. التظاهرات مهمّة وكبيرة من دون شك، لكن النظام لا يزال يتمتع بقدرة بطش رهيبة كذلك، وهو عادة ما يترك للتظاهرات أن تأخذ مداها لتنفيس الاحتقان قبل أن ينقضّ عليها لاحقا".

ولفت إلى أن "السلطات الإيرانية فشلت في تحسين الوضع الاقتصادي، وحالة الفساد منتشرة، وكان من المفترض أن يكون هناك اتفاق نووي مع الولايات المتحدة يؤدي إلى تعديل الموازين الداخلية، إلا أن ذلك لم يحصل".

وفي السياق ذاته، رأى تقرير نشره موقع "ميدل إيست أونلاين" في 30 سبتمبر، أن "إعلان السلطات الإيرانية أنها أوقفت عددا من الأجانب على صلة بالتظاهرات يأتي في إطار ترسيخ فكرة نظرية المؤامرة والتي تتخذها طهران ذريعة للتصعيد وتبرير حملة القمع".

وتوقع التقرير أن "تتخذ إيران من المحتجزين الأجانب ورقة للمساومة في خضم جهود متعثرة لإحياء الاتفاق النووي للعام 2015 وأيضا لمواجهة الضغوط الغربية المتعلقة بحقوق الإنسان".

عقوبات محتملة

ونتيجة القمع الإيراني المتواصل، يتجه الاتحاد الأوروبي نحو فرض عقوبات جديدة على إيران، وذلك بعد إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن خلال بيان في 3 أكتوبر أن بلاده "ستفرض هذا الأسبوع تقييدات إضافية على مرتكبي أعمال العنف ضد المتظاهرين السلميين"، مضيفا "سنواصل محاسبة المسؤولين الإيرانيين ودعم حقوق الإيرانيين في التظاهر بحريّة".

وردا على تصريحات بايدن، كتب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيراني ناصر كنعاني على إنستغرام في 3 أكتوبر: "كان أجدر بالسيد بايدن أن يفكر قليلا بشأن سجل بلاده في حقوق الإنسان قبل القيام بمبادرات إنسانية، على رغم أن الرياء لا يتطلّب تفكيرا".

وعلى نفس النهج، كشف الاتحاد الأوروبي أنه ينظر في فرض عقوبات جديدة على إيران بسبب قمع الاحتجاجات التي أشعلها "مقتل" الشابة مهسا أميني.

وأوضح مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل خلال بيان  في 4 أكتوبر، أن الاتحاد ينظر في جميع الخيارات المتاحة بما في ذلك إجراءات تقييدية ردا على مقتل مهسا أميني.

فضلا عن الطريقة التي تعاملت بها قوات الأمن الإيرانية مع المظاهرات، موضحا أنه يعني بعبارة "إجراءات تقييدية" فرض عقوبات.

من جهتها، أكدت وزارة الخارجية البريطانية، في 3 أكتوبر، أنها استدعت القائم بالأعمال الإيراني بشأن قمع الاحتجاجات في بلاده، والتي بدأت بعد مقتل الشابة مهسا أميني.

وقال وزير الخارجية البريطاني، جيمس كليفرلي إن "العنف الذي يتعرض له المحتجون في إيران على يد قوات الأمن صادم حقا".

وأضاف: "اليوم أوضحنا وجهة نظرنا للسلطات الإيرانية، بدلا من إلقاء مسؤولية الاضطرابات على عناصر خارجية، يتعين عليها تحمل مسؤولية أفعالها والاستماع لمخاوف شعبها".

وفي السياق، نددت منظمات حقوق الإنسان بالقمع العنيف ضد الطلاب، خصوصا خلال الأحداث التي وقعت ليل الأحد الإثنين 2/3 أكتوبر في جامعة شريف للتكنولوجيا في طهران، التي تعد أهم جامعة علمية في إيران.

ونشرت "منظمة حقوق الإنسان في إيران"، مقطعَي فيديو يُظهر أحدهما عناصر من الشرطة الإيرانية على دراجات نارية يلاحقون الطلبة وهم يركضون في موقف سيارات تحت الأرض، بينما يظهر الآخر عناصر الشرطة على دراجات نارية وهم ينقلون موقوفين غُطّيت رؤوسهم بأكياس قماشية سوداء.

واتسعت المظاهرات إلى مدارس، وأظهرت تسجيلات مصورة نشرتها منظمة "هنكاو" الحقوقية الكردية تلميذات يتظاهرن في مدينتين في محافظة كردستان الإيرانية، التي تنحدر منها أميني.

وهتفت المتظاهرات الشابات "امرأة حياة حرية" لدى نزولهن إلى الفاصل الأوسط من طريق سريع مزدحم في ماريفان، ولم تتمكن وكالة الأنباء الفرنسية من التأكد من صحة التسجيل.