انسداد سياسي في ذكرى "تشرين".. هل يعيد إلى الحراك العراقي قوته؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في ظل مراوحة الأزمة السياسية مكانها بالعراق، وتلكؤ الأحزاب منذ نحو عام كامل في تشكيل الحكومة، انطلقت احتجاجات شعبية واسعة إحياء للذكرى الثالثة لحراك تشرين، وسط تدابير أمنية اتخذت حول المنطقة الخضراء ببغداد لمنع اقتحامها مجددا.

وفي مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2019 تفجرت احتجاجات شعبية عارمة وسط وجنوب العراق، طالبت برحيل الطبقة السياسية الحاكمة منذ عام 2003 ومحاسبتها، لكنها جوبهت بالرصاص الحي والقنابل الدخانية، ما أسفر عن مقتل نحو 800 شخص وإصابة 30 ألفا آخرين.

وعلى ضوء ذلك استقال رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، وتشكلت حكومة جديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، كانت مهمتها إجراء انتخابات مبكرة، ومحاسبة قتلة الناشطين، وحصر السلاح بيد الدولة، لكن لم يتحقق سوى الانتخابات التي أعادت الأحزاب نفسها إلى الواجهة.

"نداء الوطن"

ومع الساعات الأولى مطلع أكتوبر 2022، اندلعت مواجهات بين المحتجين وقوات الأمن التي أغلقت المنافذ المؤدية إلى المنطقة الخضراء ببغداد، وأطلقت قنابل الغاز لتفريق المتظاهرين لدى اقترابهم من الكتل الخرسانية فوق جسر الجمهورية المؤدي للمنطقة، ما أدى إلى مقتل متظاهر وإصابة العشرات من المحتجين الآخرين.

ومن الجانب الغربي لبوابة المنطقة الخضراء، وتحديدا قرب ساحة (دوار/ ميدان) النسور في منطقة المنصور غرب بغداد، احتشد المئات من المحتجين مرددين شعارات تندد بالنظام السياسي في العراق، وتطالب بمحاسبة قتلة المتظاهرين عام 2019، والكشف عن الناشطين المغيبين.

وفي الوقت الذي تتصاعد فيه التوقعات بتزايد أعداد المتظاهرين في ساحة التحرير قرب جسر الجمهورية، يرى آخرون أن التيار الصدري هو من سيلقي بثقله بشكل أكبر لإدامة زخم الاحتجاجات واستمرارها كونها تمثل فرصته الأخيرة في إعاقة تشكيل غريمه الإطار التنسيقي حكومة جديدة، خصوصا عقب استئناف جلسات البرلمان في 28 سبتمبر 2022، بعد توقف دام شهرين.

وتأتي المظاهرات بعد تحشيدات لناشطين عراقيين، إذ تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في 25 سبتمبر/ أيلول 2022 منشورات جرى إلقاؤها في شوارع العاصمة بغداد، تحمل شعارات "نداء الوطن، من قتلني" تحث العراقيين على الخروج بمظاهرات مطلع أكتوبر 2022 بالتزامن مع ذكرى الاحتجاجات الكبرى في البلاد.

وتضمنت المنشورات تحديد موعد انطلاق التظاهرات في الأول من أكتوبر إضافة إلى صور ضحايا الناشطين في الحراك الشعبي آنذاك، ملمحة في الوقت ذاته إلى احتمالية اقتحام المنطقة الخضراء وسط بغداد.

ورأى الناشط العراقي محمود الغزي في حديث لـ"الاستقلال" أن "مظاهرات تشرين لن تعود إلى سابق عهدها في عام 2019، لأنها كانت عفوية والقتل الذي وقع فيها زاد من التعاطف المجتمعي وخروج الناس إلى ساحات الاحتجاج، لكن اليوم الأمر مختلف فهناك مصالح متقاطعة".

ولفت إلى أن "الكثير ممن يروجون للخروج في مظاهرات بذكرى تشرين يؤيدون رئيس الوزراء العراقي الحالي مصطفى الكاظمي، لأن الأخير سيخرج من منصبه وليس من مصلحته تشكيل الإطار التنسيقي الحكومة، لذلك يخشى البعض أن يجري استخدام ورقة تشرين للضغط".

ونوه إلى أن "شروط الدعم وإدامة الحراك والتحول إلى اعتصامات كما حصل في السابق تكاد تكون معدومة، لكن بالتأكيد سيخرج المتظاهرون لإحياء ذكرى تشرين، وربما تحصل بعض الفوضى مع إجراءات أمنية مشددة، حيث جرى منذ أيام حماية المنطقة الخضراء بالكتل الخرسانية".

من جهته، توقع الناشط العراقي البارز في محافظة بابل، ضرغام ماجد، أن "يخرج جميع المتظاهرين في الأول من تشرين، وهي خطوة عراقية وطنية تسعى إلى التغيير الجذري، ورفض الظلم والذل والفساد والتجويع والتعطيش والتخريب".

وأضاف ماجد في 24 سبتمبر 2022 أن "جميع الناشطين من شمال العراق إلى جنوبه سيتوجهون إلى بغداد في الذكرى السنوية الثالثة لاحتجاجات تشرين، لإعلان حالة الرفض الشعبي الشامل للسراق ممن يرتدون العمائم ويقتلون العراقيين"، وفق صحيفة "العربي الجديد" .

وأكد الناشط العراقي "التزام الناشطين بالسلمية وشروط التنظيم والتعاون مع القوات الأمنية، خصوصا بعد الانتهاء من إعداد خريطة طريق صحيحة للخلاص من العصابة الأجنبية التي تحكم العراق".

خلافات ظاهرة

رغم التحشيد للحراك الذي يجري منذ مطلع سبتمبر 2022، فإن خلافات بدت ظاهرة بين قادة ومنظري "تشرين".

ففي الوقت الذي يشجع بعضهم على خروج مظاهرات، فإن آخرين حذروا منها في ظل الصراع السياسي القائم بين التيار الصدري والإطار التنسيقي الشيعي.

وعلى رأس المعارضين للخروج في ذكرى تشرين، البرلماني السابق فائق الشيخ علي الذي يعده البعض منظرا للناشطين.

إذ كتب سلسلة تغريدات على "تويتر" منذ 15 سبتمبر قائلا: "يجب أن تفهم أنك إذا أحييت الذكرى الثالثة لانطلاقة ثورة تشرين في الأول من الشهر القادم 2022، فهذا يعني (من ناحية سياسية) أنك وأدت الثورة وأعلنت وفاتها، بينما نحن نعمل ونثقف على أن الثورة لم تمت ولم تنته، إنما هي في مرحلة التهيؤ لمواصلتها حتى تحقق أهدافها".

وخاطب الناشطين في تغريدة أخرى، بالقول: "يا ثوار تشرين الأماجد: بالكم وإياكم أن تخدعوا بالأساليب الناعمة والدعوات الكاذبة إلى توحيد (ثورة تشرين) الخالدة مع ما يسمى السخرية بثورة عاشوراء (التي خرج بها التيار الصدري في أغسطس/آب 2022)".

وأردف: "لا ثورة على النظام الحاكم بالعراق إلا ثورة تشرين فقط. فلا تقبلوا بمساواتها مع أكذوبة جعلت من الناس سخرية ومهزلة".

وأتبعها بتغريدة قال فيها: " لا تدعوا (جهلة جهلة جهلة) كما وصفهم قائدهم يسرقون منكم ثورة تشرين. فلا يوجد ثورة لأبناء الشوارع اسمها (ثورة عاشوراء)، فبئست الثورة هذه كما لعنها قائدهم. ولا يوجد شهداء عدا شهداء تشرين، فغيرهم القاتل والمقتول في النار كما حكم عليهم قائدهم. دعوا الحمير يرفسون"، في إشارة إلى مظاهرة التيار الصدري.

وفي 30 أغسطس/آب 2022 انتهت مظاهرات التيار الصدري، بعد شهر كامل من اعتصامهم داخل مبنى البرلمان، بصدامات مسلحة بين الصدريين والحشد الشعبي، ما أدى إلى مقتل العشرات وإصابة المئات من الطرفين، قبل أن يأمر الصدر أتباعه بإيقاف الاقتتال والانسحاب من المنطقة الخضراء.

وفي المقابل، قال السياسي العراقي القريب من حراك تشرين ليث شبر عبر "تويتر" في 23 سبتمبر 2022، إنه "حقا أمر غريب، شباب يريدون أن يعبروا عن رفضهم لهذا النظام بالتظاهر والشعارات المنددة بالطبقة السياسية الحاكمة وبالتدخل الإيراني وضرورة استعادة العراق الحر".

وأكد في تغريدة أخرى أن "الصدريين حتى الآن لم يتخذوا أي قرار مركزي للمشاركة في المظاهرات التي ستنطلق في تشرين. وكل كلام خلاف ذلك هو معلومات مضللة وغير صحيحة. وأغلب الظن أن الصدريين لن يشاركوا في هذه المظاهرات بسبب مواقف بعض من تصدوا في الإعلام ضد الصدريين".

وقال إن "الخلاف بيني وبين فائق الشيخ علي لا يفسد أبدا ما بيننا من اتفاق على ضرورة التغيير، فكلانا ولاؤنا للعراق فقط، وكلانا يحمل التغيير. مشروعنا وهدفنا واحد وإن اختلفت الرؤى والأفكار والآليات وهذا يضيف القوة وليس الضعف".

"سرقة الثورة"

وعلى الصعيد ذاته رأى مسؤول إعلام التيار الصدري في البصرة سعد المالكي أن عودة الاحتجاجات سببها "خيبة الأمل" التي حصلت عند أغلب أبناء الشعب العراقي، من حكومة الكاظمي والحكومات التي سبقتها.

وأوضح المالكي في حديث لموقع "الجزيرة نت" أن "حكومة الكاظمي لم تكن أفضل من غيرها، بسبب سوء الخدمات، والمشاكل التي رافقت قيامها، فجماهير تشرين كانت تنتظر أن يكون هناك تغيير على أرض الواقع، لكن وبعد مرور هذا الوقت هي الآن تشعر بخيبة أمل".

وأعرب عن اعتقاده أن حجم الاحتجاجات المرتقبة وزخمها لن يكون بنفس الزخم الجماهيري الذي حصل عام 2019، لعدة أسباب، أهمها دخول بعض قيادات تشرين في العملية السياسية، سواء من خلال دخولهم في البرلمان العراقي، أو كمستشارين للكاظمي ومناصب ومغانم ومكاسب أبعدتهم عن الجماهير".

وعن مدى إمكانية خروج التيار الصدري في ذكرى حراك تشرين، قال المالكي إن "بعض التشرينيين يعولون على دخوله معهم في المرحلة القادمة، لزيادة الزخم وإعطائهم دفعة قوة بوجه المليشيات التي ستحاول الوقوف أمام المظاهرات".

وبخصوص ظروف تجدد الحراك واستعادة زخمها، أكد المالكي أن "هناك من سرق الثورة وصعد بدماء الشهداء ليتسلم مناصب ومغانم على حساب المتظاهرين.

ناهيك عن معاناة أبناء الشعب العراقي، الذي كان ولا يزال يعاني من نقص الخدمات، وخصوصا ملف الكهرباء والماء وتردي الخدمات الصحية في أغلب المستشفيات، وتهالك البنى التحتية لأغلب المرافق العامة، وخصوصا الطرق والجسور وغيرها، وفق قوله.

ولفت إلى أن "أهم مطالب المحتجين اليوم تغيير هذا النظام الذي جثم على صدر العراقيين طيلة 19 عاما، والمجيء بحكومة عراقية وطنية ولاؤها يكون للعراق أولا وآخرا، ولا تتحرك وفق الأجندات الخارجية".

من جهته، قال القيادي في حراك تشرين غسان الشبيب إن "ثورة تشرين ستتجدد في الأول من أكتوبر، وستأتي برؤية سياسية جديدة لإدارة الدولة خلال المرحلة المقبلة”، مؤكدا أنها “لن تنتهي إلا بتحقيق أهدافها”.

وأضاف خلال تصريح لموقع "روج نيوز" العراقي في 18 سبتمبر أن “ثورة تشرين ستنطلق في العاصمة بغداد، وهناك قرارات مهمة بأنها ستكون ثورة عفوية دون شخصيات وقيادات تتحكم بها أو تفرض آراء عليها”، مبينا أنه “سيكون قائدها الهدف والوعي والمبدأ وليس شخصيات”.

وتابع أن “هناك من لم يستطع أن يحضر إلى بغداد أثناء انطلاق الثورة نتيجة الظروف الحالية والمعيشية، ولكن سينطلقون في محافظاتهم، فضلا عن وجود أخبار تفيد بانطلاق تظاهرات يوم 1 تشرين خارج العراق من المغتربين في البلدان الذين يعيشون بها”.

ولفت الشبيب الى أن “مطالب تشرين لم تتغير؛ من إرجاع السيادة للبلد وإزاحة الأحزاب السياسية الحاكمة، فضلا عن محاسبة المتورطين بقتل المتظاهرين وغيرها من المطالب الرئيسة”.

وخرج متظاهرون شاركوا في احتجاجات في ساحة النسور، وسط العاصمة بغداد، مطلع سبتمبر 2022، وقالوا في شعاراتهم إن المهلة للأحزاب ستنتهي بعد زيارة الأربعين (الشيعية) التي جرت بكربلاء في منتصف ذات الشهر.

وقال المحتجون في بيانهم وقتها: "طالبناكم بأبسط المطالب فلم تستجيبوا. انتفضنا عليكم فقتلتمونا. رفضنا حكمكم فلم تزدادوا إلا طغيانا وفسادا، والعراق من سيئ إلى أسوأ بسببكم، والكل يعلم أنكم تمسكون بالسلطة من كل جوانبها".