"سيارات الدولة".. هكذا تسافر العطلات وتقدم المجاملات على حساب المغاربة
.jpg)
ظاهرة استغلال الموظفين العموميين في المغرب سيارات الدولة لقضاء أغراض ذات طابع شخصي، ارتفعت بشكل ملحوظ، خصوصا خلال فترات العطل وخارج أوقات العمل القانونية.
هذا الفساد، دفع رواد التواصل الاجتماعي لتصوير عشرات الحالات لسيارات وصلت حد استغلالها في قضاء عطلة الصيف، وسط مطالب بضرورة التدخل لوقف هذه التجاوزات التي تستنزف "المال العام".
تحد سافر
في 9 أغسطس/ آب 2022، وجهت النائبة البرلمانية عن تحالف فدرالية اليسار، فاطمة الزهراء التامني، سؤالا كتابيا إلى وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، حول موضوع "استغلال سيارات المصلحة بالجماعات الترابية (البلديات)".
وقالت التامني: تعلمون أن استغلال سيارات المصلحة بالجماعات الترابية تؤطره نصوص وضوابط قانونية تقننه وتحدد كيفيته، لكن واقع الحال يكشف يوميا أن استغلال هذه السيارات خارج الضوابط القانونية ومن طرف أعضاء بدون مهام تدبيرية (من خارج المكتب) وخارج فترات الدوام الرسمي وأيام العطل".
وأشارت إلى أن ذلك "في تحد سافر للقانون وللمذكرات الصادرة عن وزارتكم خصوصا المرسوم رقم 2.97.1051 ومنشور الوزير الأول رقم 98.4 المتعلق بتحسين وتدبير حظيرة سيارات الإدارات العمومية".
ولفت التامني إلى أن "الأمر لا يقتصر على هذا، فبعض السيارات التابعة لهذه الجماعات يقودها أشخاص لا صلة لهم بالجماعة، وبعضها يتجول بشكل يومي خارج تراب الجماعة مستغلين توفر لوحاتها المعدنية على حرف (ج) أو استبداله بحرف“w” الخاص بالعمالات دون حتى وجود أمر بمهمة".
وطالبت النائبة البرلمانية، وزير الداخلية باتخاذ ما يلزم لوقف هذه الظاهرة بالقول إن هذه الفوضى وما يستتبعها من تكاليف الوقود وقطع غيار وأتعاب الصيانة، يعد إهدارا للمال العام، تضرب في عمق التوجيهات الرامية لترشيد النفقات وتوجيه الموارد نحو الأولويات".
من جانبه، قال رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام (غير حكومية)، محمد الغلوسي، إن "استغلال سيارات الدولة لقضاء مآرب شخصية، سلوك مستفز، يعاكس كل النوايا المعبر عنها بضرورة نهج سياسة الترشيد والتقشف والتضامن، وتشكل امتدادا لسياسة الريع والفساد".
وفي تدوينة عبر فيسبوك في 2 أغسطس، أوضح الغلوسي أن "بعض المنتخبين والمسؤولين غير مكترثين بالظروف الصعبة التي تمر فيها البلاد، تجدهم في أغسطس يستقلون سيارات الدولة مع أسرهم وأصدقائهم نحو الشواطئ والمحلات التجارية وقضاء مصالحهم الشخصية وهم في فترة عطلة".
وشدد على أن "الأمر لا يتعلق مطلقا بمهام لها علاقة بالوظيفة، بل بأمور مصلحية ذاتية، إصلاح السيارة في حالة عطب والعناية بها وضخ الوقود ومصاريف أخرى كلها على حساب الأموال العمومية التي تؤدى من أموال دافعي الضرائب".
سلوك إجرامي
ويستفيد المسؤولون الحكوميون والمحليون والموظفون في المغرب من مجموعة من الامتيازات والتعويضات من أبرزها "سيارات الدولة" أو "المصلحة".
وتوضع السيارات تحت تصرفهم لتسهيل مهامهم وضمان الظروف الملائمة لقيامهم بها، على أن تتحمل الدولة نفقاتها من تأمين وصيانة ووقود.
ورأى الناشط المدني محمد لبشارة، أن "ظاهرة استغلال سيارات الدولة خلال الأشهر الأخيرة تزايدت بشكل كبير، والتقطت عدسات المواطنين في كثير من مدن المغرب ذلك، ويستغل هؤلاء المنتخبون والموظفون بل وحتى عائلاتهم السيارات من أجل التسوق وزيارة العائلة أو الأصدقاء والتنزه".
وأوضح لـ"الاستقلال" أن "هذا الأمر يكون على حساب ميزانية الدولة من خلال المحروقات وأيضا استخدام السيارات التي يتم إصلاحها في حالة تعرضها لأي عطب، وكل ذلك في غياب السلطات الضبطية والقضائية التي يفترض فيها أن تفعل القانون".
ونبه إلى أن "العديد من رؤساء البلديات ونواصبهم والأعضاء يستغلون مناصبهم لتخصيص أو شراء سيارات جديدة وفخمة وباهضة الثمن لهم، لذا وجب تشريع قانون يفرض شراء سيارات بأثمنة معقولة تتماشى والوضع العام للمواطن، لأن المقصد من تلك السيارات تسهيل قضاء الأغراض المهنية".
وأمام هذه المطالب، أفاد موقع "الأيام 24" المحلي أن حكومة عزيز أخنوش، ومن أجل السعي إلى ما وصفته بـ"استعادة الهوامش المالية من أجل ضمان استدامة الإصلاحات" تستعد من خلال "مشروع قانون المالية للسنة المالية 2023" إلى العمل على التقليص إلى أقصى حد من نفقات اقتناء السيارات.
وأوضحت في مقال منشور في 11 أغسطس، أن "نقطة نفقات اقتناء السيارات تعد من أهم النقاط الرئيسة للمذكرة التأطيرية، التي وجهها رئيس الحكومة إلى القطاعات الوزارية، والتي تحدد أولويات مشروع قانون المالية وتوجهاته الرئيسة، من أجل توفير كل الهوامش المالية الممكنة، لتوجيهها لمجالات ذات وقع اقتصادي واجتماعي أكبر".
وسنويا، ترسل وزارة الداخلية مراسلة تدعو إلى ضرورة ترشيد النفقات بشكل يتماشى مع وتيرة نمو المداخيل.
كما طالب رئيس الحكومة عزيز أخنوش، عبر منشور أصدره في 23 مارس/آذار 2022، من القائمين على القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية، بضرورة "إخضاع اقتناء السيارات والمقرات الإدارية وبنائها وتهيئتها وتجهيزها للترخيص المسبق لرئيس الحكومة، والتقليص من النفقات المتعلقة بها، مع ربطها بضرورة المصلحة".
وبحسب إعلام محلي فإن دوريات الأمن الوطني والدرك الملكي تتلقى دوريا تعليمات بحجز أي مركبة في ملكية الدولة أو الجماعات المحلية تتحرك خارج اختصاصها الترابي من دون إذن خاص من الجهة المخول لها ذلك، غير أن "حجز تلك المركبات لا يتم تطبيقه غالبا".
ثقافة متجذرة
وفي السياق، قال رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان عبد الإله الخضري، إن "ظاهرة استعمال سيارات الدولة من طرف مسؤولين (سواء منتخبين في المجالس الجماعية أو معينين)، لأغراض شخصية أصبحت ثقافة متجذرة في هذه الفئة من المجتمع المغربي للأسف".
وأرجع السبب في ذلك إلى "غياب قانون واضح يجرم هذا السلوك، ومراقبة صارمة لهذه الأفعال المشينة، إذ يلاحظ استعمال سيارات الدولة خارج أوقات العمل وفي أيام نهاية الأسبوع، بل والسفر بها نحو مناطق بعيدة للاستجمام على حساب ميزانية الدولة، التي تؤدي مصاريف الوقود والصيانة".
وعد الخضري لموقع "هسبريس" المحلي أن "هذه السلوكيات في الدول الديمقراطية تعد جريمة تؤدي إلى محاسبة المسؤول وإعفائه من منصبه فورا إن لم يقدم استقالته".
وأردف "لكن للأسف، في العديد من المؤسسات المنتخبة وغيرها الوضع يختلف، بل هناك مسؤولون يسلمون سيارات الدولة لأبنائهم ليسافروا بها، وهناك مخالفات وحوادث سجلت بأسماء أشخاص آخرين غير أولئك الذين خصصت لهم تلك السيارات".
ويملك المغرب 115 ألف سيارة في ملكية الدولة والجماعات الترابية، تستهلك سنويا 54 مليون درهم (نحو 5 ملايين و576 ألف دولار) من المحروقات والزيوت، و30 مليون درهم (3 ملايين دولار) للصيانة، بالإضافة إلى 11 مليون درهم (1 مليون و130 ألف دولار) للتأمين.
هذه المعطيات صادرة عن "الشركة الوطنية للنقل واللوجيستيك" (شركة حكومية تتولى مهمة تدبير حظيرة سيارات الدولة)، في يناير/كانون الثاني 2022.
وتخصص الحكومة 1.2 مليار درهم (نحو 123 مليون دولار) سنويا لحظيرة تلك السيارات تشمل نفقات التسيير والصيانة والمحروقات والشراء والاستئجار، 80 بالمئة منها لقطاعات الأمن والصحة، بحسب ما كشف عنه الوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع، أثناء مناقشة مشروع موازنة 2022 في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2021 بالبرلمان.
وقال الأستاذ الحقوقي عمر الشرقاوي، "والله حرام سيارات الدولة التي تتجول في الشوارع لقضاء المصالح الخاصة للمسؤولين واستغلالها للسفر بها في عطلة الصيف، والحرام أكثر أن الوزارات خصصت لوحتي ترقيم لنفس سيارات الدولة واحدة ب(إم حمراء) والثانية لوحة عادية بترقيم يشبه سيارات الخواص تستعمل للسفريات".
وأضاف في تدوينة عبر فيسبوك أن "المصيبة الأخرى أن هناك من يستفيد من سيارات الدولة والقانون لا يمنحه ذلك، يستفيد فقط لمعرفته بالوزير".
وتابع: "يا سادة، هذه سيارات الدولة تتطلب ملايين الدولارات من المازوط من جيب دافعي الضرائب، ويجب على هذه الفوضى أن تقف، من يريد أن يتجول ويتفسح مع أولاده يستعين بسيارته الخاصة أو يكتري أو سيارة كفاية والجوع".
وتثير أسعار الوقود غضبا واسعا في المغرب، بعدما سجلت مؤخرا عدة ارتفاعات متتالية غير مسبوقة، حيث وصل سعر البنزين إلى 18 درهما (نحو 1.8 دولار) للتر الواحد.