ليست لأعوان إيران فقط.. ما رسائل الصدر من صلاة الجمعة الموحدة في بغداد؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في أكبر تجمع شعبي منذ مظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول 2019، استجاب مئات الآلاف من أنصار التيار الصدري لدعوة زعيمهم مقتدى الصدر بأداء صلاة جمعة موحدة ببغداد، في وقت تجري فيه قوى الإطار التنسيقي الشيعي المنافسة محادثات لاختيار مرشح يرأس الحكومة المقبلة.

أقام الآلاف من الصدريين الصلاة بمدينة الصدر شرقي بغداد في 15 يوليو/ تموز 2022، تلبية لتوجيهات الصدر الذي قرر في يونيو/ حزيران 2022، سحب كتلته البرلمانية (73 نائبا) بعدما أخفق في تشكيل حكومة أغلبية وطنية مع حلفائه السنة والأكراد.

وعلى ضوء ذلك، برزت تساؤلات عديدة بخصوص مدى تأثير الصدر في مسار تشكيل الحكومة التي ينوي الإطار التنسيقي تشكيلها، حيث عدت الصلاة الموحدة بداية لمزيد من الضغط على خصومه السياسيين.

شروط للصدر

وحدد زعيم التيار الصدري عددا من الشروط لتشكيل الحكومة المقبلة، إذ ألقى ممثله، الشيخ محمود الجياشي، الخطبة التي كتبها مقتدى الصدر، وقال فيها إن "على الذين يريدون تشكيل الحكومة إخراج كافة القوات المحتلة من البلاد"، في إشارة إلى ما تبقى من القوات الأميركية.

وشدد الصدر على أنه "لا يمكن تشكيل حكومة قوية في ظل انتشار السلاح والمليشيات المنفلتة، وعلى الجميع حل الفصائل المسلحة، وإن عاد المحتل عدنا أجمع".

وأضاف: "يجب إبعاد الحشد الشعبي عن السياسة والتجارة وإعادة تنظيمه، كما يجب إبعاد الحشد عن التدخلات الخارجية وعدم زجه في الحروب الطائفية".

وتابع: "سمعنا بعبارة أن المجرب لا يجرب، وعبارة (الشلع قلع) لذا لا تكرروا المجربين لمنع تكرار سبايكر والصقلاوية وباقي المآسي"، في إشارة مباشرة لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي سيطر في عهده تنظيم الدولة على ثلث مساحة العراق عام 2014.

وعندما اجتاح تنظيم الدولة العراق أقدم على إعدام نحو 1700 جندي في قاعدة سبايكر بمدينة تكريت شمالي البلاد، فيما ردت المليشيات الموالية لإيران على ذلك باختطاف نحو 12 ألف شخص من السنة من مناطق الصقلاوية في الأنبار  وغيرها، واقتيادهم إلى جهة مجهولة.

وطالب الصدر بـ"إبعاد ‫المليشيات عن المناطق المحررة (من قبضة تنظيم الدولة)، وأن تبنى بأيادي أهلها"، شاكرا "أهالي المناطق المحررة في ‫الموصل والأنبار وصلاح الدين وديالى لأنهم رضوا بنا محررين، ولولا تعاونهم لما حررت الأراضي المغتصبة، ولا منة للحشد عليهم".

وبين زعيم التيار الصدري أن "المرجعية الدينية (الشيعية في النجف) أغلقت بابها أمام جميع السياسيين من دون استثناء وهذه سبة لسياسيي الشيعة، وعليهم طلب العفو منها بعد التوبة إلى الله، كما على القوى السياسية التي ستشكل الحكومة محاسبة فاسديهم".

وأضاف متحدثا عن خصومه السياسيين من القوى الشيعية بأن "أغلبهم غير مقتنع بأن حب الوطن من الإيمان، لذا فإن توجهاتهم خارجية"، مطالبا بـ"تجذير حب الوطن والتعامل مع الدول الأخرى بالمثل، فالعراق هو عراق علي (بن أبي طالب) وهو سيد المذهب وإمامه، والعراق مقدم على غيره وعليهم ترك التبعية المقيتة"، في إشارة إلى إيران.

استعراض للقوة

وعن دوافع الصدر حشد أنصاره في بغداد بمناسبة لم يسبق له أن أحياها سابقا، قال الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي العراقي وليد الدوري لـ"الاستقلال" إن الصلاة الموحدة ما هي إلا استعراض للقوة، ورسالة مفادها بأن هذه الجموع رهن الإشارة متى ما أراد تحريكها".

ودعا الصدر لأول مرة أنصاره في جميع المدن العراقية إلى إقامة صلاة موحدة في مدينة الصدر شرقي العاصمة بغداد، إحياء لذكرى أول صلاة جمعة أقامها والده المرجع الشيعي الراحل محمد صادق الصدر يوم 18 ذي الحجة في تسعينيات القرن العشرين.

ولفت الباحث العراقي إلى أن "الصدر استعرض أمام خصومه بقوة تياره في الشارع والذي يقدر على إسقاط أي حكومة تحاول تكرار ذات الوجوه التي تسلمت رئاسة الحكومة، ولا سيما زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي الذي يطرح نفسه كمتصد وحيد للصدريين".

وتوقع الدوري أن "يشكل الإطار التنسيقي الشيعي حكومة خلال الأيام المقبلة، لكنها ستكون تمشية أمور، ثم تقوم بالإعداد لانتخابات مبكرة تنهي الخلل في العملية السياسية بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان، والانسداد الحاصل في المشهد السياسي بالعراق".

وأعرب الباحث عن اعتقاده بأن "التيار الصدري قادر على قلب الطاولة بالقوة العددية التي يمتلكها، والانضباط العالي لأي توجيه يصدر عن زعيمه مقتدى الصدر، لذلك الإطار التنسيقي لن يأتي برئيس وزراء يستفز الأخير، لأنه يعرف جيدا أن ذلك سيدخل البلد بأزمة كبيرة لا يتحملها الشارع".

قلب المعادلة

من جهته، رأى الكاتب العراقي رائد عمر خلال مقال نشره موقع "كتابات" العراقي في 16 يوليو، أن خطاب مقتدى الصدر يحمل بعدا آخر فـ"رغم ما يهدف إليه في أكثر من رسالة والذي في مجمله موجه إلى الإطار التنسيقي وبشكل خاص إلى نوري المالكي، بقدر ما هو موجه أيضا إلى الرأي العام المحلي والدولي".

وأشار الكاتب إلى أن "الخلاصة هو أنه إذا تمكن (الإطار التنسيقي – المالكي) أو مشتقاته من تشكيل الحكومة الجديدة، فتكفي أي إشارة وحتى إيماءة من الصدر لهذه الحشود المليونية التي جاءت من محافظات الجنوب والوسط للمشاركة في الصلاة، لاقتحام المنطقة الخضراء (مقر الحكومة والبرلمان ببغداد)".

وتابع: "فضلا عن المكاتب والمقرات العائدة للإطار واقتلاعها عن بكرة أبيها وأمها، وإزالة أي أثر لها، فإنها ستقلب المعادلة رأسا على عقب، إذا ما لو توصلوا أو وصلوا لمكوث مفترض للمنطقة الخضراء – الرئاسية، وأن قادة الإطار يدركون ذلك جليا ومسبقا".

وفي السياق ذاته، وصفت صحيفة "رأي اليوم" الإلكترونية خلال مقال في 15 يوليو، تحشيد الصدر لأنصاره بأنه "عرض لفرد العضلات، وإظهار النفوذ الذي ما زال يتمتع به زعيم التيار الصدري، ولكن هذه (الصلاة الموحدة) ربما تزيد من الأزمة العراقية السياسية تعقيدا".

وأضافت الصحيفة أن "العراق يعاني من فساد غير مسبوق ويتفاقم في ظل غياب شبه كامل للمحاسبة، الأمر الذي أدى إلى نهب ثرواته"، مشيرة إلى أن "هناك من يقترح انقلابا عسكريا، وآخر يرى أن انتخابات جديدة ربما تكون الحل الأمثل، بينما تسود حالة من التشاؤم في أوساط الغالبية من العراقيين بمخرج وشيك من هذا الوضع المؤسف على الصعد كافة".

ولم يتمكن التيار الصدري والإطار التنسيقي الشيعي منذ أن أعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة قبل 10 أشهر، من الاتفاق على صيغة تخرج البلاد من المأزق السياسي، وتشكيل حكومة.

وبفوزه بـ73 نائبا، كان الصدر يريد تشكيل حكومة أغلبية بالتحالف مع كتل سنية وكردية صاحبة أعلى المقاعد بالبرلمان، فيما أراد خصومه في الإطار التنسيقي الشيعي تشكيل حكومة توافقية تضم جميع القوى البرلمانية بدون استثناء.

لكن الصدر قرر سحب نوابه من البرلمان في يونيو 2022، في خطوة عدت أنها تهدف إلى زيادة الضغط على خصومه السياسيين. وبانسحاب نواب الكتلة الصدرية، بات للإطار التنسيقي العدد الأكبر من المقاعد في البرلمان العراقي.

ويضم الإطار كتلا شيعية أبرزها دولة القانون بزعامة المالكي وكتلة الفتح الممثلة لفصائل الحشد الشعبي الموالي لإيران، لكن حتى الآن لم يتمكن الإطار أيضا من الاتفاق على اسم مرشحهم لرئاسة الحكومة.