الغزو الروسي لأوكرانيا.. كيف يغذي الصراع الجيوسياسي في دول البلقان؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بينما يراقب العالم الغزو الروسي لأوكرانيا منذ فبراير/شباط 2022، تتجلى الحركات الجيوسياسية أيضا في دول البلقان وخاصة في جمهورية البوسنة والهرسك. 

وتقول صحيفة يني شفق التركية: "بعد 30 عاما من اندلاع حرب البوسنة، تواجه البلاد مرة أخرى خطر التقسيم الذي يزعم أنه مدعوم من صربيا وروسيا. وقتل نحو مئة ألف شخص في حرب البوسنة من 1992 إلى عام 1995.

ومنذ ذلك الحين، جرى تقسيم البلاد إلى اتحاد كرواتي إسلامي وجمهورية صربسكا، ويشعر معظمهم بأنهم قريبون جدا من "أخيهم الكبير" روسيا.

لهذا السبب، لم تشارك البوسنة في العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا بسبب الحرب الأوكرانية، وفق الكاتب أورهان كارا أوغلو.

وأردف: حافظت روسيا على علاقات أخوية عميقة مع صرب البلقان لعدة قرون خلال الحربين العالميتين بسبب تراثهم وتحالفاتهم السلافية والأرثوذكسية المشتركة. 

وفي التسعينيات، رأى الكرملين تدخل حلف شمال الأطلسي "الناتو" في البلقان- أولا في البوسنة ثم في صربيا خلال حرب كوسوفو- كاستفزاز مهين.

وتحاول موسكو منذ ذلك الحين زيادة نفوذها على صرب البوسنة، بحسب تقييم الكاتب التركي.

حلم صربيا العظيم

وأشار الكاتب إلى أن ميلوراد دوديك يبرز كلاعب رئيس هنا، وهو رئيس "تحالف الديمقراطيين الاشتراكيين المستقلين" أكبر حزب صربي بوسني، وعضو في الرئاسة ذات الرؤوس الثلاثة للبوسنيين والكروات والبوشناق الصرب. 

وتابع: دوديك صديق مقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي دعمه في صنع تاريخ البوسنة والهرسك بشكله الحالي. 

ولا يرى دوديك حاجة لإخفاء قربه من بوتين لأنه واثق من أن موسكو ستدعمه في خططه للتقسيم. ويريد دوديك الانفصال عن جمهورية البوسنة والهرسك.

وأضاف كارا أوغل، أن دوديك يرى أن غزو روسيا لأوكرانيا له ما يبرره، وقد طالب بالفعل دولة البوسنة والهرسك بوضع نفسها "محايدة" في الحرب الأوكرانية. 

والواقع أن البوسنة والهرسك واحدة من الدول الأوروبية القليلة التي لا توافق على عقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على روسيا.

وعرقل وزراء من أصل صربي بوسني القرار في سراييفو. وأكمل الكاتب: يعتزم دوديك أيضا تقسيم القوات المسلحة للبلد وإنشاء جيش منفصل لجمهورية صربسكا.

وتخشى الدوائر الدبلوماسية أن يعلن دوديك استقلال جمهورية صربسكا كخطوة تالية. ومن المحتمل أن تعترف روسيا وصربيا بتلك الخطوة أيضا.

وأردف كارا أوغلو: في وقت لاحق، ستريد الدولة الجديدة الانضمام إلى صربيا، التي يدعمها الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش، وهو نفسه صديق بوتين. 

كانت محاولة تشكيل صربيا الكبرى من خلال توحيد هذا الجزء من البلاد مع بلغراد بالفعل أحد أسباب حرب البوسنة والإبادة الجماعية ضد البوسنيين.

ومن شأن هذا السيناريو أن يفاقم وضع السياسة الأمنية في كوسوفو، التي تدعي صربيا أنها تنتمي إليها. 

وتابع: حتى لو لم يكن الخوف من تقسيم منطقة صرب البوسنة حقيقيا، فإن احتمالات الصراع فيما يتعلق بدور جيش سراييفو ستظل قائمة. 

تهدف البوسنة والهرسك إلى عضوية الناتو على المدى الطويل. بعد اندلاع حرب أوكرانيا، وعد حلف شمال الأطلسي بتقديم دعم أكبر لسراييفو. 

من ناحية أخرى، ترفض جمهورية صربسكا البوسنية عضوية الناتو، تماما مثل صربيا، التي تفضل بدلا من ذلك التعاون العسكري مع روسيا، بحسب تقييم الكاتب التركي. 

وأشار كارا أوغلو إلى أن خطاب روسيا في سراييفو مشابه لخطاب ما قبل الحرب الأوكرانية.

وقد أظهر هذا التصريح الذي أدلى به سفير روسيا في سراييفو إيغور كالابوخوف، والذي يذكرنا بخطاب بوتين قبل الهجوم على أوكرانيا. 

خطر قريب

وهدد الدبلوماسي بأنه إذا قررت البوسنة والهرسك أن تصبح عضوا في حلف شمال الأطلسي، فقد تواجه البلاد مصيرا مشابها لما حدث في أوكرانيا. 

واستدرك الكاتب: من الواضح أن روسيا على خلاف واضح مع الغرب في البوسنة. وفقا للعديد من الخبراء، تعرضت منطقة البلقان إلى عدم الاستقرار بسبب غياب الاتحاد الأوروبي بشكل أساسي.

يؤدي هذا إلى تسريع ملء الفجوة من قبل أطراف ثالثة مثل روسيا والصين. لكن في الآونة الأخيرة، كان الغرب يولي مزيدا من الاهتمام للبوسنة.

ويبدو أن حرب أوكرانيا أجبرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على اتباع نهج أكثر جدية إلى حد ما، وفق صحيفة يني شفق. 

وأضاف: فرضت واشنطن ولندن عقوبات على دوديك في يناير/كانون الثاني وأبريل/نيسان 2022.

كما فرضت لندن عقوبات على رئيسة جمهورية صربسكا زيليكا سفيجانوفيتش. لم يعد مسموحا لكليهما بدخول المملكة المتحدة وسيجري أيضا تجميد جميع ممتلكاتهما هناك. 

وقال دوديك إن العقوبات البريطانية ضده كانت "غير مهمة" وأن نية البريطانيين لم تكن حسنة أبدا مع الصرب على أي حال، بحسب تقييم الكاتب التركي.

واستدرك كارا أوغلو: تجنب الاتحاد الأوروبي الإجراءات العقابية، لكنه ضاعف وجوده العسكري في البوسنة إلى حوالي مائة ألف جندي.

ويبدو أن الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي يتخذان نهجا أكثر حذرا، بحسب تقدير الكاتب. 

وبعد هجوم روسيا على أوكرانيا، يرى مؤيدو توسيع الاتحاد الأوروبي فرصة لتكثيف المفاوضات مع الدول المرشحة حاليا.

وأردف: فبالإضافة إلى دعم التحول الديمقراطي من منظور عضوية الاتحاد الأوروبي، يريد الغرب منع الصين وروسيا من توسيع نطاق نفوذهما. 

فمن ناحية، تخصص بكين مبالغ كبيرة لبناء الطرق السريعة، وتغذي روسيا المشاعر المعادية للاتحاد الأوروبي بحملاتها.

ومن ناحية أخرى، يشعر الاتحاد الأوروبي بالقلق في الغالب من التوسع الجيوسياسي. 

في الماضي، جرى قبول بلغاريا ورومانيا مرة أخرى على عجل في الاتحاد الأوروبي لمنع روسيا والصين من توسيع نفوذهما والنأي بنفسيهما عن أوروبا. 

وختم الكاتب مقاله قائلا: مع هذا الصراع الجيوسياسي، قد يكون هناك خطر من أن تنتشر الحرب إلى البلقان وأوروبا بأكملها. وقد يتسبب هذا الوضع أيضا في حدوث تمزقات كبيرة مع الحرب الأوكرانية.

فقبل ثلاثين عاما، نال مواطنو البوسنة والهرسك استقلالهم عن يوغوسلافيا في الأول من مارس/آذار 1992، لكنهم دفعوا الثمن بحرب دموية وهجرة وإبادة جماعية.

والآن عادت الحرب إلى أوروبا، وقد يؤدي هذا إلى المزيد من العمليات المزعجة.