صلاة التراويح في "تايمز سكوير".. رسالة مزدوجة من مسلمي أميركا وإدارة بايدن

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

لأول مرة في التاريخ، أجرى مسلمو أميركا أول صلاة تراويح مطلع شهر رمضان، في "تايمز سكوير" بنيويورك أشهر الميادين في البلاد، وتجمع المئات وراء إمام يتلو بصوت شجي، لفت أنظار المارة الذين وقفوا للمشاهدة والتصوير.

مراقبون اعتبروا ما جرى رسالة من المسلمين إلى العالم بوجودهم، وأخرى دعوية للإسلام حيث وقف مئات المارة لسماع آيات القرآن بالتزامن مع تصاعد حالة الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة وأوروبا.

أعرب العديد من سكان أميركا والعالم عن سعادتهم بمشاهدة هذا الحدث لأول مرة، بينما انتقد ناشطون وعلمانيون الصلاة في الميدان وزعموا أنها "مزايدة" و"استعراض" غير لائق، وتشوه صورة العرب هناك.

ماذا جرى؟

في الأول من أبريل/نيسان 2022 دعا اليوتيوبر الذي يسمي نفسه "أس كيو" SQ المسلمين من أصدقاء صفحته وغيرهم لإفطار وصلاة تراويح في ميدان "تايمز سكوير".

قال لهم "تعالوا إلى صلاة التراويح الرمضانية التاريخية في تايمز سكوير، تعال وكن جزءا من التاريخ، وانضم إلى أكثر من 1000 مسلم". ووجه الدعوة إلى قناتي "سي إن إن" و"آي بي سي" الأميركيتين لتغطية الحدث.

يوم الصلاة، انتشر الكثير من زوار الميدان حول المصلين يسألون عن الحدث وعن الدين الإسلامي وحولهم رجال الأمن وسط تنظيم راق وابتسامات من المسلمين للمارة.

قناة "سي بي إس 2" الأميركية نشرت تقريرا مصورا حول حدثي الإفطار والصلاة في الميدان بالثاني من أبريل أكدت فيه أن من حضروا جرى توزيع 1500 وجبة إفطار عليهم.

قالت: أتى كل مصل حاملا سجادة صلاة ثم تراصوا في الصفوف بشكل متساو لأداء صلاة التراويح خلف الإمام، وخلفهم لافتات إعلانية ملونة، ورافقتهم أصوات السيارات الصاخبة وسير الناس من حولهم.

منظم التجمع "SQ" استغل المناسبة ليشرح للأميركيين على الهواء تعاليم الإسلام في الصيام والصلاة.

قال للقناة إن "الأمر بالنسبة للمسلمين لا يتعلق بالصوم فقط، ولكن أن نفهم كيف يشعر أولئك الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي.. نفعل ذلك (الصيام) حتى نتقرب أكثر من الله".

وأوضح للشبكة الأميركية أن "المسلمين يتلون بشكل يومي القرآن الكريم خلال شهر رمضان حتى نهايته".

وشدد على أنه "يريد أن تتلى هذه الصلاة الخاصة في قلب المدينة لسبب ما"، مستدركا: "نحن هنا لشرح ديننا لكل من لا يعرفون الإسلام.. الإسلام هو دين السلام".

وقال "SQ" إن "القرآن وحي إلهي.. إنه آخر وحي أنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي كان رسولا تماما مثل عيسى، وموسى. نحن جميعا متحدون ومترابطون معا".

وحرص منظمو الصلاة على تثبيت شاشة كبيرة بها آيات القرآن التي يقرؤها الإمام باللغتين العربية والإنجليزية لتعريف المارة، الذين وقفوا لالتقاط الصور والفيديو بآيات القرآن. 

وقبل الإفطار الجماعي ثم صلاة التراويح، تلا المنظمون آيات من القرآن الكريم ثم قدموا معلومات حول أهمية الشهر الفضيل.

وقدر أميركيون عدد المسلمين الذين حضروا الصلاة في الميدان بثلاثة آلاف، وقالوا إنه تحول إلى مسجد لعدة ساعات على غير المعتاد.

تراوحت ردود الأفعال بين المسلمين حول من يشيد بالصلاة في الميدان، لكنه يرى أن المكان غير مناسب لقدسيتها، لأن المكان صاخب وبه صور إعلانات مبهرة غير لائقة.

ومن يرى أن الأهم هو نقل الصلاة رسائل دعوية وسياسية، ويدعم هذه الخطوة لرمزيتها في هذا التوقيت.

 وهو ما تحقق بشرح الإسلام للأميركيين المارة وعبر شاشات القنوات وتقديم صورة حية عن المسلمين وتسامحهم.

وقد عكس ذلك تقرير شبكة "سي بس إس 2" السابق، الذي أكد أن "الوحدة والدعوة إلى اللاعنف، كانتا رسالة مشتركة من قبل جميع الأشخاص الذين تحدثوا إليها من المسلمين الذين شاركوا بالصلاة في تايمز سكوير".

أوضحت أن المسلمين شرحوا للقناة أن "هناك الكثير من المفاهيم الخاطئة عن الإسلام"، وأنه يجري تشويههم.

مؤيدون معارضون

بعض سكان نيويورك المسلمين ومن خارجها، ممن عبروا عن قلقهم بشأن الصلاة في الميدان الأميركي قالوا عبر مواقع التواصل، إن أداءها في وجود لوحات إعلانية عملاقة تعرض غالبا صورا لعارضين يرتدون ملابس غير محتشمة "أمر غير مناسب".

قالوا إن "التراويح يفترض أن تكون عبادة لها خصوصيتها، فلماذا تقام في تايمز سكوير وسط اللوحات الإعلانية غير اللائقة، وفي مكان تملؤه "الروائح الكريهة" والدعايات الخادشة للحياء التي لا تناسب الصلاة والخشوع".

فرح زيدي، وهي من سكان بروكلين، قالت لموقع "ميدل إيست آي": "هل سيعمل منظمو الصلاة على إسكات تايمز سكوير تماما، وهو أكثر مكان صاخب بالموسيقى في كل مكان كي يرددوا أجمل كلمات الله؟".

ناشطون خليجيون تساءلوا عن الهدف من إقامة الصلاة في ذلك الميدان رغم وجود أكثر من 250 مسجدا في نيويورك، معتبرين أن "العبادات لها أماكنها وخصوصا في البلدان غير الإسلامية".

البعض الآخر انتقد رفع أحد المسلمين صوته عاليا في الميدان وهو يقول "الله أكبر" ويدعو من الميدان للصلاة زاعما أن ما جرى "مشهد مرعب وصراخ"!.

 وطرح مغردون تساؤلات عن مدى استعداد المسلمين لتقبل قيام أناس من ديانات أخرى، هندوس أو بوذيين وغيرهم، بممارسة عباداتهم في شوارع وساحات الدول الإسلامية العامة.

دفع هذا صحيفة "هندوستان تايمز" الهندية لنشر آراء عدد من المغردين الإماراتيين في 4 أبريل ممن ينتقدون الصلاة في الميدان ويقارنون بين ما فعله المسلمون وإمكانية تحويل غيرهم الميدان إلى مكان لصلاة دينية. 

وقد انتقد مغردون الآراء التي هاجمت منظمي الصلاة بحجة مضايقة الآخرين ووجود العديد من المساجد في المدينة، معتبرين أنها منسقة بشكل مسبق وجرى الحصول على إذن لاستخدام المساحة المخصصة لهم في الميدان.

وقال آخر إن "آراء المعترضين على إقامة الصلاة ستكون مغايرة لو أن الحدث كان حفلا وليس صلاة".

رسائل تايمز سكوير

"تايمز سكوير" أشهر ساحة في مانهاتن بنيويورك، تقع عند تقاطع شارع برودواي والجادة السابعة، والميدان واحد من أكبر المراكز التجارية التي يقصدها السياح للاستمتاع بالأماكن الترفيهية هناك، ويتميز بالصخب والزحام وتجمع كل الأميركان.

كان هذا أحد أسباب اختيار منظم الصلاة في الميدان، اليوتيوبر الشهير SQ، والذي قال إن هدفه تعريف الأميركيين بالإسلام.

شرح لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني أول أبريل هدفه قائلا: "تايمز سكوير يجذب الناس من جميع أنحاء مدينة نيويورك والعالم، وهو ميدان حيوي، ويمكن من خلال الصلاة فيه تعليم وتثقيف الأميركان عن الإسلام".

أضاف أن: "الصلاة في تايمز سكوير لن توحد المسلمين معا فحسب، بل ستعلم غيرهم ما يتعلق برمضان، ولماذا نصوم فيه، ونثقفهم بشكل أساسي عن الإسلام، أثناء أكثر حدث إسلامي وتاريخي على الإطلاق في رمضان".

"هدى المصري"، وهي أميركية غير محجبة مقيمة في الولايات المتحدة، اعتبرت أن الصلاة في الميدان تنقل عدة رسائل للداخل والخارج، منها أنها رسالة دعم لكل مسلم قد يشعر بالغربة هناك. 

وهي أيضا رسالة للمعادين للمسلمين (الإسلاموفوبيا) أننا "موجودون تحت مظلة القانون واقفون بتصريح رسمي.. أنا جزء من الوطن ده وده شارعي زي ما هو شارعك .. لا عطلنا طريق ولا العربيات وقفت".

انتقدت من يقولون إن الصلاة كانت دعائية، مؤكدة أن المسلمين عانوا وشعروا بالضيق ونظرة الاتهام لفترة طويلة عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، فلماذا نستكثر عليهم أن يقفوا ويرفعوا رؤوسهم ويأخذوا حقوقهم وبتصريح رسمي؟

مقابل الرسائل الإيجابية للصلاة في الميدان، زعم أساتذة وناشطون خليجيون أن الصلاة في أشهر ميادين أميركا جاءت بعدما ألقى الرئيس جو بايدن خطابا إسلاميا ذكر فيه أن "من يعمل مثقال ذرة خيرا يره"، وربما جاء هذا ضمن الحشد الأميركي ضد الغزو الروسي لأوكرانيا.

خالد الشراري أستاذ التاريخ، وعضو الجمعية التاريخية السعودية، ربط بين تهنئة بايدن ووزير خارجية أنتوني بلينكين المسلمين برمضان، وقراءتهما آيات من القرآن، وصلاة التراويح بتايمز سكوير، بأنها "كلها رسائل سياسية فاشلة لكسب تعاطف الرأي العام الإسلامي".

وذكر مغردون أنهم قد لا يتفقون مع السياسات الخارجية للولايات المتحدة، لكنهم يحترمون ويقدرون احترامها لحرية المعتقد "خاصة عندما نرى انسلاخ البعض لكل ما يمس الدين".

أميركا والإسلاموفوبيا

أهمية صلاة "تايمز سكوير" كما وصفها مسلمون أميركيون أنها ألقت الأضواء مجددا على دورهم في الولايات المتحدة وما عانوه من اضطهاد منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، حتى يصلوا لهذه اللحظة. 

وتشكلت مواقف سكان نيويورك خصوصا تجاه الإسلام والمسلمين بشكل كبير من خلال هجمات 11 سبتمبر، حيث جرت مهاجمتهم هم ومشاريع إسلامية أبرزها مشروع بارك 51، ومقاومته من المجتمع المحلي المعادي لهم.

بحسب تقرير مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية "كير" للنصف الأول من عام 2021، وقعت أكثر من 500 حادثة معاداة للإسلام في الولايات المتحدة في ستة أشهر فقط، أي بمعدل قرابة ألف حادثة سنويا. 

وتزايدت حوادث العداء والتمييز ضد المسلمين عام 2021 الذي شهد ارتفاعا حادا في حوادث التعصب في أميركا والإسلاموفوبيا العالمية.

مكتب "كير" الرئيس وحده استقبل أكثر من 500 حالة عام 2021 فقط، واستقبلت المؤسسة أكثر من 6000 حالة في 2020 بنسبة زيادة 9 بالمئة عن عام 2019 ووثق 10 آلاف حالة انتهاك للمسلمين في الفترة بين عامي 2014 و2019.

وتمثلت حوادث العداء للإسلام في الاعتداء على مسلمين جسديا واستهداف المسلمات المحجبات، والهجوم على عدة مساجد والتحرش والتمييز وخطاب الكراهية، بحسب التقرير.

دفع هذا 25 نائبا بالكونغرس بينهم ثلاثة مسلمين، للتوقيع على وثيقة في 23 يوليو/تمور 2021 تطالب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بتعيين "مبعوث خاص لمكافحة الإسلاموفوبيا".

الرسالة التي أرسلها مشرعو الكونغرس لوزير الخارجية تحثه أيضا على "تضمين العنف ضد المسلمين في حد ذاته" في التقرير الحقوقي السنوي المقبل للخارجية.

مع هذا أكدت مجلة "إيكونوميست" البريطانية خلال تقرير نشرته في ذكرى 11 سبتمبر 2021 أن شيطنة المسلمين في أميركا بعد هجمات 2001 لم تمنع من صعودهم وتحقيقهم إنجازات مهمة.

قالت إن الـ 20 عاما الماضية كان فترة ذهبية للمسلمين الأميركيين، فقد تضاعف عددهم إلى 3.5 ملايين وزاد حضورهم في الحياة العامة أضعافا مضاعفة وزاد عدد المساجد في مرحلة ما بعد 2001 إلى الضعف.

قالت إن المسلمين الأميركيين أكثر الأقليات الدينية تعلما، حيث تبلغ نسبة الأطباء منهم في ميتشغان 15 بالمئة، مع أن عددهم لا يشكل سوى 3 بالمئة أو أقل من السكان.

أضافت: لا تسأل عن أعداد الفنانين والصحافيين والسياسيين المسلمين الذين ظهروا في السنوات الأخيرة، ولا عن مسلمي نواب الكونغرس مثل رشيدة طليب وإلهان عمر، أول امرأة محجبة تنتخب للكونجرس.

ومعروف أن مسلمي أميركا فاز منهم في الانتخابات الأخيرة عام 2020 قرابة 67 في مناصب نيابية وحكومية مختلفة، ووعدهم بايدن بتغيير سياسته تجاه العالم الإسلامي ووقف السياسات الخاطئة ضد المسلمين.