برنار ليفي.. بارون حرب كاره للإسلام والثورات العربية ينظّر للصهيونية العالمية

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

صال وجال شرقا وغربا من دول البلقان إلى أفغانستان، وظهر في السودان إبان تقسيمه إلى شمال وجنوب، وحمل العداء لثورات الربيع العربي، وانطلق إلى ليبيا في حربها الأهلية، ونظر لهيمنة الكيان الصهيوني وأمنه، ورصدته عدسات وسائل الإعلام مؤخرا في مناطق يغزوها الجيش الروسي بأوكرانيا. 

إنه اليهودي الفرنسي برنار ليفي الملقب بـ"عراب إسرائيل"، أحد أبرز بارونات الحرب والسياسة الغربيين اللاعبين بقوة في مناطق الصراعات، فمهما بلغ حجم النزاع وطبيعته يظهر ليفي، كمحرك أساسي وراسم لخارطة التحكمات والمصالح.

ترحال مستمر 

كمسار حياته المليء بالجدل، كانت نشأته أيضا وسط محيط من النزاعات والقلاقل، إذ ولد برنار هنري ليفي في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 1948، في مدينة بني صاف شمالي الجزائر أثناء وقوعها تحت قبضة الاحتلال الفرنسي، لعائلة يهودية سفردية جزائرية ثرية.

عمل والده في تجارة الأخشاب، وأظهرت عشيرته الولاء الكامل للمحتل الفرنسي، حتى أن والده أندريه ليفي قاتل ضمن صفوف الجيش الفرنسي، وشارك في معركة مونتي كاسينو خلال الحرب العالمية الثانية.

بعد مولده بأشهر معدودة انتقلت أسرة ليفي بالكامل إلى باريس، وفيها نشأ برنار، وتدرج في مراحل التعليم، حتى تخرح من مدرسة المعلمين العليا عام 1968 بشهادة في الفلسفة.

وهناك تأثر بأساتذته من فلاسفة فرنسا الكبار، خاصة جاك دريدا ولويس ألتوسير.

وكان مثيرا أنه بعد تخرجه مباشرة بدأت مسيرته المبكرة في النزاعات والصراعات المختلفة، ففي عام 1971 ذهب إلى بنغلاديش، كمراسل حربي، ضمن لواء دولي من المقاتلين يقوده الناشط الفرنسي أندريه مالرو، لمساعدة الانفصاليين البنغاليين في حربهم ضد باكستان. 

في العام التالي عمل موظفا حكوميا في وزارة الاقتصاد والتخطيط البنغالية المنشأة حديثا، وهناك ألف كتابا بعنوان "بنغلاديش.. القومية في الثورة"، الذي صدر عام 1973. 

وتبلورت أيديولوجية ليفي في خضم ديانته اليهودية وأفكاره الفلسفية وجماعات اليمين التي أحيط بها وانتمى إليها.

فهو يعد من أبرز رواد تيار ما يعرف بـ"الفلاسفة الجدد" الذي برز في فرنسا خلال سبعينيات القرن العشرين، لكنه في الوقت ذاته يميني صهيوني كاره للإسلام على صعيد المواقف والممارسة. 

صهيوني كاره للإسلام

ويعرف ليفي بتعصبه الشديد لدولة الاحتلال، عندما يتعلق الأمر بمصالحها وأمنها، فمثلا رفض في أكثر من مناسبة وصف حروبها على غزة بالإبادة.

وصرح عام 2010، إثر العدوان الإسرائيلي المدمر على قطاع غزة، بأن "الجيش الإسرائيلي أكثر الجيوش أخلاقية وديمقراطية"، وهو القائل من قبل إن "الجولان أرض مقدسة". 

ولا يقف عند هذا المنحى فحسب، بل يوظف خبرته وثقافته الفلسفية والأدبية لصالح المحرقة اليهودية أو "الهولوكوست"، وبسبب ذلك الحماس المتزايد، طالبت بعض الحركات اليمينية الصهيونية ترشيحه لرئاسة إسرائيل.

وليفي عدو صريح للإسلام، ففي عام 2006 وقع بيانا مع 11 "مثقفا نخبويا"، بعنوان: "معا لمواجهة الشمولية الجديدة"، ردا على المظاهرات الشعبية التي اجتاحت العالم الإسلامي احتجاجا على الرسوم الكاريكاتورية المسيئة إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

ونشرت تلك الإساءات آنذاك صحيفة دانماركية، وأعقبها موجة مقاطعة شاملة في العالم العربي والإسلامي لمنتجات الدنمارك، وحاول ليفي ولفيف من ساسة أوروبا المتطرفين وقف تلك الحملة. 

وفي 16 سبتمبر/ أيلول 2008، نشر ليفي كتابه "يسار في أزمنة مظلمة: موقف ضد البربرية الجديدة".

وزعم فيه "أن اليسار بعد سقوط الشيوعية قد فقد قيمه واستبدلها بكراهية مرضية تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل واليهود، وأن النزعة الإسلامية لم تنتج من سلوكيات الغرب مع المسلمين، بل من مشكلة متأصلة، وأنها تهدد الغرب تماما كما هددتها الفاشية يوما ما".

 وشدد على أن "التدخل في العالم الثالث بدواع إنسانية ليس مؤامرة إمبريالية بل أمرا مشروعا تماما".

وترجم ليفي تنظيراته دائما إلى فعل على أرض الواقع، عندما كان في طليعة الداعين الفرنسيين إلى التدخل في حرب البوسنة عام 1990. 

ولا يخفى دوره في تقسيم السودان وعلاقته الوثيقة بجون جارانج رئيس جنوب السودان السابق، الذي تسبب في الانفصال، وهو أمر يفاخر به الملياردير والفيلسوف الفرنسي، الذي يتمتع ببصمات غير خافية في كل مكان شهد حروبا وصراعات.

عدو الربيع 

برز دور ليفي بقوة على الساحة الشرق أوسطية مع انطلاق ثورات الربيع العربي من تونس عام 2010.

وبسبب نشاطه ولعبه أدوارا متعددة  في صياغة الموقف الغربي من الأنظمة أطلق عليه لقب "عراب ثورات الربيع العربي"، فخلال اندلاعها انطلق ليفي في وسائل الإعلام ليشرح ويحلل أبعاد وخطورة تلك الحركات التغييرية الصادمة.

بعدها زار عددا من بلدان الربيع العربي مثل تونس وليبيا والتقى فيها بالشباب والمفكرين والسياسيين.

وفي شريطه السينمائي "قسم طبرق" الذي عرض في مهرجان كان السينمائي الفرنسي خلال مايو/ أيار 2012، ذكر ليفي أنه كان موجودا في ميدان التحرير إبان الثورة المصرية على نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك.

لكن الجانب الأخطر في تلك التفاعلات ما قام به ليفي في ليبيا، إذ يعد من المتهمين الرئيسين في إفشال التحول بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي، والتسبب في إشعال الحرب الأهلية، بدعمه الكامل للجنرال الانقلابي خليفة حفتر. 

وفي 26 يوليو/ تموز 2020، أثارت زيارته إلى ليبيا خلال المعارك بين قوات حفتر، وحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، جدلا واسعا، خاصة بعد أن نشر عبر حسابه بتويتر صورا له وهو محاط بعشرات المسلحين الملثمين في مدينة ترهونة الليبية. 

واعترف ليفي بنفسه بإغراق ليبيا بالسلاح عندما ذكر في كتابه "الحرب دون أن نحبها" أن فرنسا قدمت بشكل مباشر أو غير مباشر كميات كبيرة من الأسلحة إلى المجموعات المسلحة الليبية. 

ويعتبر الشعب التونسي أول من اصطدم بليفي وطرده من بلادهم، عندما قام بزيارته الشهيرة إلى تونس في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، في وقت كانت البلاد مشغولة بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية.

وقتها خرج آلاف التونسيين لينددوا بزيارته، وتوجهوا إلى مطار قرطاج الدولي لمنعه من الدخول، ما اضطر قوات الأمن إلى إخراجه من الباب الخلفي، وترحيله في اليوم التالي. 

وقتها نفى رئيس الجمهورية التونسية المنصف المرزوقي، بشكل قاطع دعوته ليفي لزيارة البلاد، وأعلن مستشار المرزوقي للعلاقات الدولية أنور الغربي في بيان "أن من وقف إلى جانب الشعب الفلسطيني ودعم غزة، لا يمكنه أن يضع يده في يد رجل صهيوني". 

متعدد الأدوار 

 آخر محطات ليفي كانت مع الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وسقوط العاصمة كابل في يد  حركة طالبان في أغسطس/ آب 2021. 

وكان استلام طالبان لحكم أفغانستان مؤذنا بتحول البلاد مرة أخرى إلى بؤرة الاهتمام العالمي، عندها ظهر ليفي في إقليم بنجشير صحبة أحمد مسعود، نجل أحمد شاه مسعود صاحب الصولات والجولات في الحرب السوفييتية الأفغانية، والذي يحاول نجله تشكيل جبهة مقاومة لحركة طالبان ويستعد لمنع الحركة من السيطرة الكاملة.

نشرت حينها وكالة "Pajwok" الأفغانية في 18 أغسطس 2021، بعد 3 أيام فقط من سيطرة طالبان على العاصمة كابل، صورا تظهر ليفي يتحرك في وادي بنجشير، وبعدها نشر "الفيلسوف الفرنسي" خطابا أرسله له مسعود مستنجدا بفرنسا لتسليحه.

وأوردت مجلة "بوليتيكو" الأميركية في 23 أغسطس 2021، تقريرا مفصلا عن خطورة وجود ليفي في أفغانستان، وقالت: "وجود ليفي في الصورة يعني أن مسعود يحظى بوصول مباشر إلى إيمانويل ماكرون".

وأضافت "بقي السؤال الكبير الآن هو إذا ما كانت العلاقة الدافئة بين ماكرون ومسعود يمكن أن تترجم إلى مساعدات عسكرية بفضل ليفي أم ستظل مجرد خطابات تأييد نظرية؟".

وذكرت: "مع ذلك تتحرك فرنسا بحذر، فكثير من المسؤولين الفرنسيين صرحوا أن حملة ليفي عام 2011 لدفع باريس إلى التدخل عسكريا في ليبيا كانت أبرز العوامل وراء قرار الرئيس السابق نيكولا  ساركوزي وقتها، وألقوا باللوم على تأثير ليفي السلبي على النتيجة التي أدى إليها هذا التدخل غير المحسوب حسب وصفهم". 

ولا ينسى وجود ليفي في استفتاء انفصال كردستان العراق، الذي جرى في 25 سبتمبر/ أيلول 2017، وقتها تساءل ناشطون عما يفعله في كردستان بقاعة يصوت فيها نيجيرفان بارزاني نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني.

وتداول وقتها رواد مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ (برنار هنري ليفي)، معتبرين أن حضوره استفتاء كردستان على غرار حضوره السابق في جل بلدان الربيع العربي ليس إلا لغاية في نفسه، ورغبة في مصير مظلم كسائر الأقطار التي حل بها.

وفي 4 مارس/ آذار 2022، انتشرت صور وجود ليفي وسط الجنود الأوكرانيين، وما بين التأكيد والنفي، لكنها جاءت في وقت يحشد فيه الغرب المقاتلين المتطوعين للسفر إلى أوكرانيا لمجابهة الغزو الروسي.

وربما ليس أقدر على القيام بمهام متعلقة بهذا الشأن من ليفي، الذي تعهد رسم خارطة الاضطرابات العسكرية والصراعات غير النظامية، والمليشيات العابثة من الشرق إلى الغرب.