يواجه خلافات داخلية وأزمات خارجية.. هل ينهار الائتلاف الحكومي الإسرائيلي؟
.jpg)
لا يكاد يمر أسبوع دون أزمة أو مواجهة داخل التحالف الحكومي الإسرائيلي الحالي منذ أدائه اليمين في 13 يونيو/ حزيران 2021.
وتشكل الائتلاف الحكومي بين نفتالي بينيت (رئيس حزب يمينا) ويائير لابيد (زعيم حزب هناك مستقبل) وبيني غانتس (رئيس حزب أزرق - أبيض) وأحزاب أخرى من بينها القائمة العربية الموحدة (راعام) برئاسة منصور عباس.
وبموجب الاتفاق، يشغل بينيت الآن رئاسة الحكومة في الفترة الأولى لها، على أن يكون لابيد رئيسا للوزراء بعد عام ونصف من تاريخ التشكيل.
ومنذ تشكله، وصف مراقبون إسرائيليون هذا الائتلاف بالهش، وتوقعوا له عدم الصمود كونه يتكون من أحزاب متنافرة أيديولوجيا.
إذ كان العامل المشترك الوحيد بين تلك الأحزاب لتشكيل الائتلاف هو الإطاحة برئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو والذي أكمل 12 عاما متواصلة في السلطة.
خلافات داخلية
ازدادت فجوة الخلافات بين مكونات الائتلاف في الحكومة الإسرائيلية بعد أن أعلن ممثلو حزب "أزرق - أبيض" في الكنيست (البرلمان) برئاسة وزير الجيش بيني غانتس مقاطعة التصويت لصالح الائتلاف الحكومي.
وقال بيان للحزب في 21 فبراير/شباط 2022 إن أعضاءه لن يشاركوا في التصويت لصالح التشريعات الحكومية "بسبب الضرر الواضح بأمن الدولة وخرق التزامات الائتلاف على مدى أشهر".
وجاء الامتناع بسبب رفض الحكومة دفع تعويضات التقاعد للجنود والضباط الدائمين. وغادر وزير الجيش اجتماعا مع رئيس وزراء حكومته في ذات اليوم، وقال إنه "غير مستعد للقاء" أثناء تقديم إحاطة ضده.
واتهم مسؤولو الائتلاف غانتس بأنه يتعامل مع الجميع على أنهم أغبياء، وقالوا إن "سلوكه الطفولي لا يتعلق بالأمن القومي ولكن برواتب أصدقائه".
وأوضحوا أن غانتس "يحاول تقويض استقرار الائتلاف مثل طفل صغير، وربما يتخيل حكومة مع بيبي (نتنياهو) مرة أخرى".
وفي غياب الأغلبية بسبب مقاطعة غانتس، سحب الائتلاف التشريعات الحكومية من جدول أعمال الجلسة الكاملة.
ويحتج وزير الجيش على عدم تطبيق القوانين والقرارات الأمنية التي تقرها الحكومة داخل الكنيست، لأن الأولى لا تتمتع بالأغلبية.
ويضم التحالف الحكومي في إسرائيل أغلبية ضئيلة في البرلمان بواقع 61 صوتا من أصل 120.
وأدت مقاطعة حزب أزرق أبيض (يسار الوسط) إلى فشل الائتلاف في أداء مهامه خلال الجلسة الكاملة للكنيست في 23 فبراير، ما سمح للمعارضة بتسجيل إنجاز غير مسبوق في شكل تمريرها للقراءة الأولية لما لا يقل عن 13 مشروع قانون.
واتهم غانتس حلفاءه أنهم لا يعيرونه أي أهمية، وأن جميع القوانين الأمنية التي حاول الترويج لها يجري الدوس عليها من قبل أعضاء كنيست من حزبي العمل وميرتس (يسار).
في اليوم التالي، وصفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية ما حدث بالقول: ”انهار الائتلاف في جلسة الكنيست، غانتس نفذ تهديده وأعضاء كتلته لم يصوتوا، احتجاجا على عدم إقرار قانون المعاشات العسكرية”.
وأردفت: "هناك من يتهم غانتس بأنه يعتزم بناء إمكانية سياسية للعودة من جديد للتحالف مع نتنياهو، وفي الغالب هذه الاتهامات تنبع من عدم الثقة به حتى الآن والخشية من خيانته للتحالف كما فعل مع أصدقائه في "أزرق أبيض" من قبل".
في المقابل، هاجم مقربون من غانتس أعضاء كنيست في التحالف وزعموا أنهم يلحقون الأذى بالجيش الإسرائيلي، وقالوا: “حتى مع بيبي، لم نصل إلى هذا الوضع”.
ومما عقد الوضع أيضا، استقالة الوزير بلا حقيبة "إيلي أفيدار" في 22 فبراير 2022 وعودته إلى الكنيست لانتقاده سياسة الحكومة. وهذا يعني أن سحب صوته من أي مشروع حكومي من شأنه أن يعرقل أي تشريع.
ورجح أفيدار أن يتولى منصب وزير المخابرات لكن بقاء إليعازر شتيرن في منصبه ترك الأول بعيدا عن المهمة التي كان يتوقعها.
وهناك خلافات أخرى حول رفع الحد الأدنى للأجور والمواصلات العامة أيام السبت (الإجازة)، والزواج المدني، وغيرها من الأزمات، إضافة إلى احتجاجات على "الأداء السيء" للحكومة في مكافحة فيروس كورونا ومساهمة ذلك بتراجع الاقتصاد.
ارتباطات أبعد
ظهر تهديد جديد بعلاقة حزب راعام (العربي) أيضا بالائتلاف الحكومي بعد أن رفضت لجنة الكنيست طلبه عرض قانون منع لم الشمل للعوائل الفلسطينية (مع من يحملون الجنسية الإسرائيلية من أفراد أسرتهم) للمناقشة في لجنة الداخلية برئاسة العضو وليد طه.
ورد رئيس لجنة الكنيست نير أورباخ، على طلب طه وقال إن هذا قانون يحمي المصالح الأمنية لإسرائيل وغير قابل للنقاش.
وأضاف: “لا يمكنني تجاهل ما حدث في كل من النقب (يناير/كانون الثاني 2022) و”حارس الأسوار” (معركة سيف القدس مع غزة مايو/أيار 2021)، حيث جاء جزء كبير من منفذي أعمال الاحتجاجات إلى هنا بعد لم شمل العائلات".
وأردف: "لذلك، بالنسبة لي؛ فإن السياج الأمني الذي يجري وضعه هنا من خلال القانون له أهمية كبيرة. نحن لا نعيش في سويسرا، بل في وضع معقد، وهذا القانون هو في صميم المصالح الأمنية لإسرائيل، وعليه قررت اللجنة في المرة السابقة إحالته إلى لجنة الخارجية والأمن”.
وأيضا تعتبر قضية حي الشيخ جراح في القدس نقطة ساخنة قد تفجر الائتلاف في أي لحظة، في إطار الصراع بين اليسار، واليمين الذي لا يجرؤ على إزعاج قاعدته المتمثلة بالأحزاب المتطرفة وبعض أعضاء الكنيست الذين دأبوا على مهاجمة الحي.
وتقول صحيفة إسرائيل هيوم إن حجم الأزمات يعطي إشارات على الحال الذي وصل إليه الائتلاف الحكومي.
وعددت ملفات أخرى تحتاج إلى حل من بينها الخلاف على شرعنة مستوطنة أفيتار في الضفة الغربية ومخطط "الحائط الغربي" (ساحة البراق) في القدس.
ومن الخلافات التي يبدو أنها طفت على السطح، عدم الاتفاق على صيغة معينة بشأن الموقف من الحرب الروسية على أوكرانيا.
وفي 20 فبراير، أي قبل اندلاع الحرب بأربعة أيام، قال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد إن حكومته لا تمانع النظر في المشاركة بفرض عقوبات ضد روسيا.
وأردف وقتها أنه "في حال اندلاع حرب بين روسيا وأوكرانيا، فإننا سنقف بطبيعة الحال إلى جانب حليفتنا الولايات المتحدة"، وهو ما لقي معارضة واضحة من شخصيات سياسية.
من بين هؤلاء، وزيرة النقل ميراف ميخائيلي التي صرحت في اليوم التالي بالقول إنه “على إسرائيل أن تهتم بمصالحها وأمنها، لدينا حدود في الشمال حيث توجد روسيا بشكل كبير وعلينا إدارة مخاطرنا"، في إشارة إلى أهمية موسكو التي تسمح لتل أبيب بالعمل ضد إيران في سوريا.
كما فشلت دعوة الحكومة الإسرائيلية في 27 فبراير، لأوكرانيا وروسيا لعقد قمة تحت قيادة نفتالي بينيت، بعد مكالمة بين الأخير والرئيس الروسي فلاديمير بوتين
وتواصلت قائمة الإخفاقات حتى وصلت إلى الاتفاق النووي الإيراني الذي يجري غض الطرف عن الشروط الإسرائيلية بشأن محادثاته.
ومما يشير إلى عمق الخلافات، كشف رئيس الوزراء نفتالي بينيت عن عملية نفذها جهاز المخابرات الخارجية "الموساد"، هدفت إلى البحث عن مصير الطيار الإسرائيلي "رون أراد"، خلال خطاب بالكنيست في العام 2021.
وكانت آثار أراد، قد فقدت بعد سقوط طائرته التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي فوق لبنان عام 1986، أثناء تنفيذ غارات في المنطقة.
وقالت صحيفة هآرتس، في أكتوبر/تشرين الأول من ذلك العام، إن هذا الكشف أدى إلى تصعيد المواجهة بينه وبين وزير الجيش ووصول التوترات بينهما إلى "درجة الذروة".
ووصف عدد من المقربين من بينيت وغانتس وأعضاء كبار آخرين في الائتلاف الحكومي أن العلاقات الحالية بين الاثنين "مشحونة"، ووصلت إلى أدنى مستوياتها (بعد الكشف عن عملية الموساد).
وعللوا ذلك بأن نفتالي بينيت كشف على الملأ عن العملية السرية، دون إجراء مشاورات مع وزير جيشه، غانتس لمعرفة رأيه.
وتابعت الصحيفة أن مصادر سياسية قالت إن هناك تصادما آخر بين غانتس وبينيت، حدث على خلفية الإعلان الذي صدر عن مكتب رئيس الوزراء، وجاء فيه أن الحكومة قررت محاربة الجريمة في الوسط العربي بمساعدة الجيش، و"ذلك دون إطلاع مكتب وزير الدفاع، ودون مشاركة أي ممثل عن المؤسسة العسكرية".
النتائج والتوقعات
يرى المختص بالشأن الإسرائيلي عدنان أبو عامر أنه "مع تفاقم الأزمات الحكومية الإسرائيلية، وتزايد الحديث عن بداية تصدع الائتلاف الحكومي، تتوجه الأنظار إلى وزير الحرب بيني غانتس".
وبين في مقال نشرته صحيفة فلسطين المحلية في 27 فبراير: "غانتس هو المتسبب الرئيس في هذه التوترات الداخلية، فضلا عن مسؤوليته في تدهور الأوضاع الأمنية تحت رعايته، بسبب أخطائه العملياتية وإخفاقاته العسكرية".
وأردف: "وصلت الأمور للمطالبة باستقالته من الحكومة بزعم إعادة الدولة لما يصفونها بالاتجاه الصحيح، في ضوء أن قائمة إخفاقات غانتس أطول من النجاحات".
ويعتقد أبو عامر أن "الدعوة الإسرائيلية لاستقالة غانتس تأتي مقدمة للإطاحة بالحكومة، بزعم أن الدولة انزلقت في عهدها لما يوصف بالحضيض القبيح".
ويقول إن "الخلاصة أننا أمام المزيد من حالات الفشل الإسرائيلية، مقابل صعوبة لا تخطئها العين في تحديد المزيد من النجاحات".
وهو "ما يجعلنا أمام حكومة يصفها خصومها بأنها غير شرعية، رديئة شريرة، توحد أعضاؤها فقط بسبب الكراهية العمياء لنتنياهو، وبسبب ذلك فإن الوضع الإسرائيلي يزداد سوءا في السياسة والاقتصاد والتضخم".
وعبر رسم كاريكاتوري لها في 20 يناير/كانون الثاني 2022، أكدت صحيفة يديعوت أحرونوت وجود "شكوك حول بقاء الائتلاف الحالي بعد الأزمات الأخيرة التي عصفت به".
لكن هناك رأيا آخر، يقول إن إعلان غانتس كان يهدف إلى تحقيق هدفين، "الدفع نحو تشريع ما لا يقل عن ستة مشاريع قوانين عسكرية وأمنية، وأيضا إثبات حضوره ودوره في الائتلاف الحكومي، وذلك ضمن الصراعات الداخلية على السلطة بين مركبات الحكومة"، دون أن يهدف إلى إسقاط الائتلاف.
وذكرت مصادر لصحيفة هآرتس في 22 فبراير أن التوقيت الذي اختاره غانتس ليس صدفة، لأنه في غضون أسبوعين (من ذلك الوقت) ستنتهي الدورة الشتوية للكنيست الذي سيخرج إلى عطلة".
إذ أراد غانتس استغلال الوقت أسوة بغيره من الشركاء في الائتلاف الحكومي من أجل تقديم سلسلة من الإصلاحات التشريعية ومشاريع القوانين.
ويبدو أن ائتلاف الابتزازات كما يسميه كثيرون، وافق على متطلبات غانتس، حيث وعد بينيت بحل أزمة المعاشات وصوت قادة الائتلاف على الأمر بالقراءة الأولى نهاية فبراير.
ولكن رغم تهدئة الوضع، رأى استطلاع رأي أن حزب "يمينا" الذي يتزعمه نفتالي بينيت، على وشك الاندثار، فيما تزايدت قوة حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس المعارضة، بنيامين نتنياهو.
وبحسب الاستطلاع، الذي أجرته شركة الاستطلاعات "دايركت بولس" التي يملكها مدير عام وزارة الاتصالات السابق، شلومو فيلبر، فإن قوة الأحزاب المشاركة في الحكومة الحالية تراجعت إلى 53 مقعدا في الكنيست، مقابل 60 مقعدا لأحزاب اليمين في المعارضة، و7 مقاعد للقائمة المشتركة.
وقال الاستطلاع الذي نشر في 15 فبراير: "يحصل الليكود في حال جرت انتخابات للكنيست الآن على 36 مقعدا، أي أكثر من ضعف مقاعد ثاني أكبر حزب، وهو "هناك مستقبل" حزب وزير الخارجية يائير لابيد، الذي حصل في هذا الاستطلاع على 17 مقعدا".
وفي حال جرت انتخابات عامة قريبة وكانت نتائجها مشابهة لهذا الاستطلاع، فإنه سيكون بإمكان نتنياهو (أو أي أحد مكانه حال تنحيه عن الحياة السياسية) تشكيل حكومة، إذا انضم إليها أحد أحزاب الائتلاف الحالي، مثل "يمينا" في حال تجاوز نسبة الحسم.
المصادر
- غانتس نفذ تهديده وقاطع التصويت
- تقرير إخباري: الحكومة الإسرائيلية الجديدة تؤدي اليمين الدستورية غدا لتنهي حقبة نتنياهو
- إسرائيل.. استقالة وزير تهدد تماسك الحكومة الائتلافية
- هآرتس: تصاعد الخلافات بين رئيس الحكومة ووزير الدفاع
- رصد إسرائيلي لأهم إخفاقات الحكومة وغياب النجاحات
- بينيت يعرض على بوتين التوسط لحل الأزمة مع أوكرانيا
- أزمة داخل الحكومة الإسرائيلية دون توقعات بسقوطها