"أنياب الحرمان".. موقع تركي يستعرض جذور الأزمة الاقتصادية العميقة في لبنان

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

يعاني لبنان من معضلة اقتصادية وصلت إلى أن وصفها البنك الدولي بأنها "واحدة من أكبر عشر أزمات بهذا المجال حدثت في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر".

ولفت البنك الدولي إلى أن لبنان تحتل المرتبة الثالثة من مجمل هذه الأزمات في العالم، والتي تعمقت نتيجة الديون الضخمة التي نتجت بعد الحرب الأهلية 1975-1990.

وأوضح موقع "فيكير تورو" التركي: "انهار اقتصاد البلاد القائم على تدفقات رؤوس الأموال الكبيرة والدعم الدولي، وجرى تجميد حسابات المدخرين بالدولار".

ولفت الموقع في مقال للكاتبة شريفة أكينجي بالقول: "انهارت العملة ليحمل الناس رزما من النقود التي لا قيمة لها والتي لا تكفي حتى لتغطية احتياجاتهم الغذائية الأساسية بسبب تغير الأسعار باستمرار".

وبينما يعيش 75 بالمئة من السكان تحت خط الفقر في لبنان، يتزايد حرمانه من فرص التعليم والصحة والعدالة ووقوعه تحت تهديد العنف والعزلة الاجتماعية. 

وبذلك وجد الناس أنفسهم في أنياب الحرمان متعدد الأبعاد لترتفع نسبة الفقر من 42 بالمئة في عام 2019 إلى 82 بالمئة في 2021.

وأردفت: بدأ هذا الانهيار الاقتصادي في ظروف جيوسياسية غير مستقرة، بيد أن للبنية السياسية في البلاد تأثيرا أيضا. 

فهناك 17 هيكلا دينيا وعرقيا معترفا به رسميا في البلاد، يتولى كل منهم منصبا مختلفا في جهاز الدولة. 

وهذا يشكل أحد أكبر نقاط الضعف في لبنان؛ إذ تحافظ الطوائف على سلطتها من خلال شبكات المحسوبية.

وتتابع: يبرز حزب الله كأحد الفاعلين الذين يملكون نفوذا في الدولة ويمكنهم السيطرة عليها. 

ويمكن القول إن الحزب تمكن من بناء اقتصاده الخاص في الدولة بإنشاء مؤسساته الخاصة في العديد من المجالات الاجتماعية والاقتصادية مثل التعليم والصحة والغذاء والتمويل، الأمر الذي يعقد من صورة الأوضاع.

جذور الأزمة

وترى أكينجي أنه أسيئت إدارة لبنان لسنوات طويلة، حتى خرج عن مساره التاريخي تماما بعد أن كان يعرف سابقا باسم سويسرا الشرق الأوسط.

 فمع أنه جرى إعادة بناء المباني بعد الحرب الأهلية، لم يجر إنشاء بنية تحتية حقيقية ولم تتوقف مزاعم الفساد أبدا، وهكذا فشل لبنان في عملية إعادة هيكلة البلاد وتنميتها.

وتقول الكاتبة: الواقع أن جذور الأزمة التي يقال بأنها بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2019 مع نزول الشعب إلى الشوارع للاحتجاج على ارتفاع الأسعار والبطالة والفساد ونظام المحسوبية، تعود إلى القرارات الخاطئة التي اتخذتها النخب المهيمنة على السياسة.

وزادت تلك النخب من ثرواتها بدل تنفيذ إصلاحات شاملة لحل مشاكل البلاد بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية.

وتشرح بالقول: كان الاقتصاد اللبناني الذي بدأ وكأنه مستقر لسنوات، عبارة عن نظام "بونزي" (أسلوب للثراء السريع عبر الاحتيال). 

ويتألف النظام الذي يتولى البنك المركزي إدارته، من نوعين من المشاركين. 

خاسرو الأموال (اللبنانيون والشتات والدائنون الأجانب والودائع المصرفية والشركات التي تعتمد على النظام المصرفي لتمويل التجارة الدولية) ورابحو الأموال (مصرفيون والنخب السياسية وحزب الله وشركات العقارات).

وكان النظام يعمل بحيث يجري نقل العملات الأجنبية التي تدخل البلاد عبر تحويلات المغتربين اللبنانيين أو الدعم الخليجي أو السياحة إلى البنك المركزي.

وبهذا يستخدم البنك المركزي هذه الودائع في دعم النفقات الحكومية وسداد الديون، وفقا للكاتبة التركية.

وتتابع قائلة: دعم البنك المركزي هذا النظام من خلال تثبيت سعر صرف الدولار بـ 1507 ليرات لبنانية.

وكان يهدف بهذا إلى تقليل الطلب على الدولار من خلال غرس الثقة لدى المشاركين في أن الليرة يمكن أن تحل محل الدولار. 

بيد أن هذا النظام الذي بدا ناجحا أول الأمر، بدأ ينهار مع ارتفاع قيمة الدولار في 2011، الأمر الذي زاد من الطلب على الدولار في البلاد.

وللحفاظ على "تحالف المصلحة" بين البنوك والتحويلات من العملات الأجنبية للشتات اللبناني وخزانة الدولة، كان على البنك المركزي اللجوء إلى مناورات مالية معقدة. 

وبدأ يصدر سندات دولية بالدولار ليستمر تدفق الأموال بشكل طبيعي وتستمر عجلة النظام في الدوران.

وأضافت: ثم أطلق البنك المركزي برنامج "الهندسة المالية"، والذي كان يدر عوائد سخية على البنوك مقابل استقطاب العملات الأجنبية.

ولزيادة احتياطاته من العملات الأجنبية، عرض البنك المركزي للبنوك التجارية أسعار فائدة أعلى من السوق.

كذلك عمل على إيداع أموال بالليرة اللبنانية مقابل العملات الأجنبية، ليشتريها لاحقا بأسعار فائدة مرتفعة (11 بالمئة).

ونوهت الكاتبة: أثناء كل ذلك، فضلت الحكومة الاستفادة من النظام الدائر بصمت. وجرى صرف الأموال على النفقات غير المنتجة بدلا من تمويل الاستثمارات التي تخلق فرص العمل. 

وأصبح لبنان ينفق أكثر من صادراته معتمدا في ذلك على احتياطاته وسعر الدولار المنخفض. وبمرور الوقت، تراجع القطاع الصناعي في البلاد وزاد العجز الخارجي بشكل كبير.

وكانت النتيجة أن ظهر أمامنا لبنان غير مكتف ذاتيا ويعتمد على الواردات، تقول الكاتبة.

 ومع ذلك، استمر إنشاء مجالات الإيجار المالي بدلا من التركيز على الأنشطة الإنتاجية التي يمكن أن تساعد في تقليل العجز الخارجي. وبينما ارتفع عجز الميزانية والديون الحكومية، تعرضت رفاهية البلاد للخطر بسبب عبء الديون.

تداعيات مريرة

واستطردت أكينجي: هكذا اهتز أركان نظام "بونزي" في لبنان عام 2016، خاصة مع الانخفاض الحاد في أسعار النفط.

إذ يعتمد هذا النظام على قدرة المشاركين على الدفع واستمرار السيولة النقدية، بينما فقد اللبنانيون وظائفهم مع تدهور أسعار النفط، خاصة وأن معظمهم في الشتات، يعيشون في البلدان المنتجة للنفط سواء في غرب إفريقيا أو دول الخليج.

من جانبها أثرت الحرب السورية على لبنان وقللت من جاذبيتها الاستثمارية. وسحبت دول الخليج دعمها النقدي بسبب النفوذ الإيراني، فيما تعرضت البنوك اللبنانية لعقوبات أميركية ودعاوى مدنية بسبب ظهور مزاعم حول تورطها في نظام حزب الله العالمي لغسيل الأموال.

واستنفدت احتياطيات البلاد تدريجيا بسبب سياسات الحكومة النيو ليبرالية، وساد جو من القلق حول حدوث أزمة بسبب ضعف الإدارة العامة والمالية. 

وهو الأمر الذي أدى إلى تسريع تدفق رؤوس الأموال إلى خارج البلاد لتغرق البلاد في الفوضى. 

وباختصار، كان للمشاكل الهيكلية في الاقتصاد اللبناني دور مهم في حدوث الأزمة الحالية، تلفت الكاتبة.

وتابعت قائلة: مع سماع وقع خطوات الأزمة، لجأت الحكومة إلى طرق مختلفة لتفاديها، دون النظر في المشاكل الهيكلية. 

وفي هذا الإطار، أعلنت حالة التقشف في البلاد وبدأ فرض الضرائب على بعض المنتجات والخدمات، لتنطلق بذلك شرارة الاحتجاجات في البلاد في 17 أكتوبر 2019.

ومع أن رئيس الوزراء آنذاك سعد الحريري تعهد بإجراء إصلاحات اقتصادية، إلا أنه استقال بعد فترة وجيزة.

لتعلن السلطات اللبنانية أن احتياطياتها من النقد الأجنبي هبطت إلى مستوى ينذر بالخطر، وأن الحكومة بحاجة إلى هذه الأموال، وأنها لا تستطيع سداد ديونها البالغة 1.2 مليار دولار، ليتمرد الشعب اللبناني لأول مرة في التاريخ. 

وبعد عدة محاولات لتشكيل حكومة وشهور من الصراع السياسي، نجحت حكومة الملياردير اللبناني نجيب ميقاتي في هذه المهمة في سبتمبر 2021 ، منهيا، وإن بشكل جزئي، حالة عدم اليقين السياسي الكبيرة في البلاد.

 وفي حقيقة الأمر، ليس هذا بجديد على لبنان ولا على الطبقة السياسية ولا على الشعب ولا على المستثمرين الأجانب، فكلهم يعلمون أن الوضع الراهن غير مستدام.

وأعقب ذلك بالقول: لمواجهة الانخفاض السريع في احتياطيات الدولة، لجأ البنك المركزي إلى بعض الإجراءات، منع بحسبها سحب الودائع من البنوك، باستثناء نفقات المعيشة والصحة والتعليم. 

وبسبب ظروف البلاد غير المستقرة في العامين الماضيين، فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 95 بالمئة من قيمتها. ووصل سعر الدولار الواحد في يناير 2022، إلى 33700 ليرة لبنانية.

وأصبح الحد الأدنى للأجور الشهري البالغ 675 ألف ليرة لبنانية يساوي بذلك 32 دولارا فقط. وتزامنا مع انخفاض قيمة العملة ارتفعت الأسعار.

ووصلت تقلبات أسعار الخدمات والمنتجات اليومية في لبنان إلى 154 بالمئة نهاية عام 2021 وفقا لبيانات إدارة الإحصاء المركزي المحلية، لتتفاقم الكارثة الاقتصادية مع تفشي جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت.

وتنوه الكاتبة: الآن على لبنان أن يتحرك بسرعة وحزم وفعل أكثر من إعادة تقسيط الديون الحكومية وإجراء إصلاحات في المالية العامة. 

إذ عليها أولا أن تؤدي مهامها السيادية مثل العدل والنظام والأمن وضمان تنمية عاصمتها من حيث التعليم والصحة، وذلك في سبيل إعادة بناء لبنان على أسس صلبة، تقول الكاتبة.

بعد ذلك، يجب إعادة هيكلة القطاع المالي ورسم واتباع سياسة نقدية جديدة، وإلغاء نظام الودائع والعملات الأجنبية المتعددة لإضفاء الطابع الرسمي على عملية التحكم برؤوس الأموال، وفتح الطريق أمام إجراء الرقابة والتفتيش على البنك المركزي والبنوك الأخرى.

كذلك، إدارة الأصول الإستراتيجية وخاصة الإيرادات المستقبلية بأنظمة حوكمة قوية وشفافة بحيث تخلو من التأثيرات السياسية، وتنظيم الأسواق في قضايا السلع العامة والاحتكار وتنشيط القاعدة الإنتاجية.

وإلى جانب كل ذلك تحسين البنية التحتية للبلاد (خاصة في قطاع الطاقة والنقل والاتصالات) كأول خطوة في طريق استعادة جاذبية لبنان الاقتصادية.

وتختم الكاتبة التركية بالتأكيد على أن الحلول المؤقتة والخطوات الأخرى التي ستتخذها بيروت بخلاف المذكور هنا آنفا، ستكون عبارة عن حلول قصيرة الأمد ما سيزيد من سوء الوضع الاقتصادي في نهاية الأمر.