بينها عواصم عربية.. هذه الدول مقبلة على أزمات غذائية بعد غزو روسيا لأوكرانيا

محمد أيمن | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تتجه أنظار العالم، وخصوصا سكان الشرق الأوسط صوب أوكرانيا، التي تشهد غزوا روسيا واسعا منذ فجر 24 فبراير/ شباط 2022، وسط توالي مشاهد مفزعة لعشرات الضحايا وتخريب البنية التحتية في بلد يعد سلة غذاء مهمة لعشرات الدول.

وأمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته المحتشدة على الحدود الأوكرانية منذ أشهر بالتوغل في أوكرانيا، بحجة "نزع سلاح" حكومة كييف التي اتهمها بالإشراف على "إبادة جماعية" في المناطق الشرقية من البلاد التي تسكنها أغلبية روسية.

وبينما لا يتوقف دوي الانفجارات في جميع أنحاء أوكرانيا، تتوالى الإدانات الغربية للخطوة الروسية التي وصفت بأنها "غزو شامل" لأوكرانيا، مع وعود غربية برد حازم ستلقاه موسكو جراء هذا العدوان.

وينذر الغزو الروسي لأوكرانيا بعواقب قد تتجاوز القارة الأوروبية، ليشعر بها الناس على بعد آلاف الأميال؛ وفي مقدمتهم ساكنو العالم العربي.

الاقتصاد الروسي

تحتل روسيا المرتبة الـ11  في العالم من ناحية الناتج المحلي الإجمالي، وهي السادسة عالميا من حيث القوة الشرائية، كما تحتوي على أكبر احتياطي غاز في العالم، وهي أيضا أكبر مصدر له.

فيخبئ الدب الروسي ربع احتياطي الغاز في العالم، بواقع 1.7 تريليون قدم مكعبة.

وروسيا أكبر دولة في العالم بمساحة 17 مليون كيلومتر مربع، وتساوي مساحتها سطح كوكب بلوتو، وتمثل سبع كوكب الأرض.

وتحتفظ روسيا بسادس أكبر احتياطي ذهب في العالم، حيث بلغ نحو 1500 طن في 2021، ولكن اهتمامها بالذهب لا يقتصر على تخزينه فقط.

وتعد إحدى أكبر منتجي المعدن النفيس ومعادن أخرى، وهي أكبر منتج للألماس في العالم، إذ يمثل 25 بالمئة، من إجمالي الإنتاج العالمي.

وتحصل أوروبا على نحو 40 بالمئة من غازها الطبيعي، و25 بالمئة من نفطها من روسيا، ومن المرجح أن تتعرض لارتفاع كبير في فواتير التدفئة والغاز، المرتفعة بالفعل بسبب جائحة كورونا. 

وتعد روسيا كذلك أكبر مورد للقمح في العالم، وتشكل مع أوكرانيا نحو ربع إجمالي الصادرات العالمية منه، كما يشكل تدفق الحبوب هذا أكثر من 70 بالمئة من إجمالي واردات بلاد مستهلكة للقمح مثل مصر.

أما في أوروبا، فإن شركات نفط مثل "شل" البريطانية و"توتال" الفرنسية تمتلكان مشروعات مشتركة في روسيا، كما تعد "بريتيش بتروليوم" البريطانية واحدة من أكبر المستثمرين الأجانب في روسيا.

كما تحصل شركة "إيرباص" الفرنسية على مادة التيتانيوم من روسيا، التي حصل مواطنوها على قروض بمليارات الدولارات من بنوك في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا.

 إمدادات الغاز

وتزامنا مع التوتر المتصاعد في أوكرانيا؛ استضافت قطر مؤتمرا للدول المصدرة للغاز طغت عليه قضية تعويض إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا في حال انقطاعها. 

وحول هذا الموضوع اعتبر وزير الطاقة القطري سعد الكعبي في 22 فبراير 2022 أنه لا قطر ولا أي دولة منفردة أخرى لديها القدرة على أن تسد الفراغ أو تحل محل إمدادات الغاز الروسية لأوروبا.  

وقال الكعبي للصحافيين: "أعتقد أن روسيا مسؤولة عن توريد ما بين 30 و40 بالمئة تقريبا من الإمدادات لأوروبا. لا تستطيع دولة بمفردها تعويض هذا الكم، لا توجد مقدرة للقيام بذلك فيما يتعلق بالغاز الطبيعي المسال". 

وأضاف: "أغلب الغاز الطبيعي المسال مرتبط بعقود طويلة الأجل ووجهات واضحة للغاية. لذلك فإن تعويض هذا الكم بهذه السرعة شبه مستحيل".

من جانبه يرى الخبير الاقتصادي في مجلة فايننشال تايمز البريطانية الدكتور أنور القاسم أن روسيا تعتبر أكبر منتج للطاقة في العالم من ناحية النفط والغاز، وطبيعي أن يتجاوز سعر النفط نتيجة هذا الاجتياح عتبة المئة دولار للبرميل. 

ويضيف القاسم لـ"الاستقلال" أنه في حال طال أجل الحرب فلا بد أن نرى النفط يحلق بين 120 دولارا إلى 150 دولارا إذا ما انقطعت الإمدادات الروسية.

ويشير إلى أن الاتحاد الأوروبي وأميركا وبريطانيا اشترت 3.5 ملايين برميل من نفط روسيا ومشتقاته، بقيمة 350 مليون دولار  خلال 24 ساعة فقط بعد توقيع  بوتين على اعتراف بانفصال إقليمين عن أوكرانيا في 22 فبراير.

ويرى القاسم أن تلك الصفقات تبين الأثر الهائل للطاقة القادمة من هذه المنطقة إضافة إلى اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، ما يجعل من المستحيل تعويض هذه الكمية من مصادر أخرى، ناهيك عن الصلب والمعادن الأخرى التي تختزن روسيا منها لوحدها 30 بالمئة.

ويتابع الخبير الاقتصادي أن قرار أميركا وأوروبا وبريطانيا باستهداف النظام المالي لروسيا وقطاعها التكنولوجي عبر فرض قيود على التصدير قد يلحق ضررا لا يمكن إصلاحه بالاقتصاد الروسي. 

وسيصعب على البنوك الروسية التواصل مع العالم الخارجي، بعد استبعاد البنوك ومؤسسات ائتمانية روسية أخرى من السوق المالي الأميركي والغربية ومن عمليات تتم بالدولار الأميركي، وعملات أخرى، وفق القاسم.

لكنه يضيف أن تأثير الدومينو الذي قد تفرزه هذه الحرب سيكون مشابها لنظرية الأواني المستطرقة؛ بحيث أننا سنشهد اضطرابا وانهيارات في البورصات الدولية وخسائر بالمليارات وسيكون هناك اتجاهات نحو المعادن الثمينة والملاذات الآمنة.

ويؤكد القاسم أنه وبعد الخسائر المجهولة التي أصابت الاقتصادات العالمية نتيجة وباء كورونا، هذه الحرب ستشمل تداعياتها العالم كله إذ سنرى ارتفاعا في أسعار المواد الغذائية لم يشهده العالم في تاريخه.

سلة الغذاء

منذ عقود تعرف أوكرانيا، باسم "سلة الخبز"، لأنها ترسل أكثر من 40 بالمئة من صادراتها من القمح والذرة إلى الشرق الأوسط وإفريقيا.

وتشغل الأراضي الزراعية مساحة قدرها 71.3 بالمئة من أصل المساحة الكلية لأوكرانيا البالغة نحو 604 آلاف كيلومتر مربع، وتشكل الغابات نحو 15 بالمئة من مساحة البلاد.

ووفقا لوزارة الزراعة الأميركية، كان الشرق الأوسط ثالث أكبر مشتر للقمح الأوكراني في عام 2020-2021، وذهب أكثر من 40 بالمئة من صادرات القمح الأوكرانية الأخيرة إلى الشرق الأوسط و إفريقيا وحدها.

وبحسب الإحصاءات الأوكرانية تحتل الزراعة المرتبة الثانية بعد القطاع الصناعي، من حيث الأهمية بالنسبة لاقتصاد أوكرانيا، وأبرز المنتجات الزراعية الأوكرانية هي الحبوب من القمح، الشعير، الذرة.

كما تحتل أوكرانيا المركز السادس عالميا بين أبرز الدول المصدرة للقمح والذرة، ومصانعها تنتج جميع المواد الغذائية المصنعة من الحبوب إضافة إلى المحاصيل الزيتية من بذور وزيوت دوار الشمس والذرة بشكل رئيس.

كما تعد أوكرانيا الأولى أوروبيا والثالثة عالميا في إنتاج وتصدير العسل.

وتمثل منتجات القطاع الزراعي 45 بالمئة من إجمالي الصادرات الأوكرانية، ويعبر هذا الرقم عن إسهامات القطاع في جلب النقد الأجنبي للبلاد، فقد أدخل في 2020، على سبيل المثال، 22.4 مليار دولار للاقتصاد الأوكراني.

وتبلغ حصة البلدان الآسيوية ما يقرب من نصف إجمالي الصادرات الزراعية الأوكرانية 48.7 بالمئة، بينما تبلغ حصة الاتحاد الأوروبي 29 بالمئة، وإفريقيا 12.9 بالمئة، ورابطة الدول المستقلة 5.8 بالمئة.

والمستهلكون الرئيسون للمنتجات الزراعية الأوكرانية بحسب إحصاءات كييف هم على الترتيب: الصين، الهند، هولندا، مصر (1.37 مليار دولار في 2020)، تركيا (1.07 مليار دولار)، إسبانيا، بولندا، إيطاليا، ألمانيا.

أما فيما يتعلق بصادرات الحبوب تحديدا؛ فتبلغ وسطيا نحو 50 مليون طن سنويا، وأبرز الدول المستوردة هي على الترتيب: الصين، مصر (1.12 مليار دولار)، إندونيسيا، إسبانيا، هولندا، تركيا (473 مليون دولار)، تونس (347 مليون دولار)، بنغلاديش، كوريا الجنوبية، ليبيا (265 مليون دولار).

وتصدر أوكرانيا نحو 450 ألف طن من اللحوم سنويا، وتأتي السعودية في مقدمة الدول المستوردة للحوم والدواجن الأوكرانية (18.4 بالمئة)، تليها على الترتيب؛ هولندا، الإمارات (8.3 بالمئة)، بيلاروسيا، أذربيجان.

وتمثل حصة هذه الدول 59 بالمئة من إجمالي مبيعات اللحوم الأوكرانية في السوق العالمية.

التداعيات والآثار

ورصدت دراسة لمركز أبحاث المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية آثار الغزو في دراسة عنوانها "تداعيات الأزمة بين روسيا وأوكرانيا على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، في 10 فبراير 2022. 

وشددت الدراسة الأوروبية على أن هناك كارثة غذائية تلوح في الأجواء بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا على خلفية التداعيات على صادرات القمح من البلدين، إذ تبلغ ما يقرب من 29 بالمئة من كمية القمح المتاح عالميا. 

وبحسب الدراسة أصبحت 8 دول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مهددة بأزمة خبز جراء التوترات بين روسيا وأوكرانيا، حسب خبراء اقتصاديين.

فمع ارتفاع أسعار القمح عالميا أصبحت دول المغرب ومصر ولبنان واليمن وليبيا وماليزيا وإندونيسيا وبنجلاديش، مهددة بارتفاع أسعار الخبز.

فيستورد اليمن وليبيا على التوالي 22 بالمئة و43 بالمئة من إجمالي استهلاكهما من القمح من أوكرانيا، بينما صدرت أوكرانيا أيضا في عام 2020 أكثر من 20 بالمئة من القمح لماليزيا وإندونيسيا وبنغلاديش.

وتشكل روسيا وأوكرانيا ما يصل إلى ثلث صادرات القمح عالميا، حيث يذهب الكثير من هذه الصادرات للشرق الأوسط للحفاظ على أسعار الخبز في متناول الجميع، حسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وتعد مصر من أكبر مستوردي القمح في العالم، واشترت حوالي 50 بالمئة من مشترياتها من القمح في 2021 من روسيا وحوالي 30 بالمئة من أوكرانيا.

كما تشكل أوكرانيا المصدر الرئيس للقمح إلى لبنان بنسبة 50 بالمئة من احتياجاته، و 43 و22 بالمئة من احتياجات كل من ليبيا واليمن.

 فيما تبلغ نسبة واردات المغرب من القمح 26 بالمئة، وهي نسبة تضع أوكرانيا كمصدر رئيس. 

أما الجزائر فإن روسيا هي المزود الرئيس من القمح وتليها أوكرانيا، بينما تراجعت مكانة فرنسا مؤخرا كمزود بالقمح للسوق الجزائرية، بسبب التوتر في العلاقات.

وحذر أليكس سميث، الخبير الزراعي في معهد بريكثرو الأميركي في مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، في 24 فبراير  2022، من أن التهديدات لصادرات القمح الأوكرانية تشكل"أكبر خطر على الأمن الغذائي العالمي".

وأرجع ذلك إلى أن معظم المناطق الأوكرانية المنتجة للحبوب والزيوت النباتية تقع على الجانب الشرقي للبلاد وهو من أكثر مناطق أوكرانيا عرضة للتهديد بسبب الهجوم الروسي.