"أطلقوا سراح الملاعب".. ما سر منع المغرب عودة جماهير المستديرة إلى المدرجات؟

سلمان الراشدي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ نحو عامين والجمهور المغربي يعاني الحرمان من متابعة "معشوقته المستديرة" من المدرجات بعد قرار رسمي بإغلاق ملاعب كرة القدم في 4 مارس/آذار 2020 وإلى "أجل غير مسمى"، عقب بدء تفشي فيروس كورونا.

لكن ورغم عودة الحياة إلى طبيعتها والسماح لمعظم جماهير دول العالم بمتابعة لاعبي أنديتهم عن قرب، أعرب مغاربة عن انزعاجهم من سريان قرار الإغلاق المتواصل ليطلقوا دعوات و"هاشتاغات" للمطالبة بفتح أبواب الملاعب، من بينها، "إفتحوا_الملاعب_للجماهير_لم_تعد_هناك_أعذار"، و#أطلقوا_سراح_الملاعب.

وفيما يرى كثيرون أن هذا المنع هو الخوف من عودة "الرسائل السياسية" التي تزعج المسؤولين، يؤكد آخرون أن رفع هذا الحظر عن "المدرجات المهجورة قسرا" مرتبط بشكل كبير بـ"فيروس كورونا لا غير".

وتشتهر جماهير أندية مغربية، وفي مقدمتها الرجاء والوداد وطنجة، بترديد أهازيج بمضمون سياسي واجتماعي واقتصادي، هزت المدرجات حتى وصل صداها العالم العربي، خلال السنوات الأخيرة.

وذاع صيت هذه الجماهير و"الألتراس" مع أغانيهم التي تعبر عن هموم المواطن المغربي، ونشاطاتهم خارج المدرجات والتي تشمل مبادرات اجتماعية داعمة للطبقات الفقيرة والمهمشة، وأيضا دعم قضايا العالم العربي، وعلى رأسها قضية فلسطين.

ومع كل احتجاج إلكتروني حاد على إغلاق الملاعب في المملكة، تخرج السلطات المعنية بتصريحات تخفف من وطأة الاستنكار بالقول إن "العودة باتت وشيكة".

هاجس صحي

وفي 10 فبراير/شباط 2022، قال وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، خلال ندوة صحفية، إن "إغلاق الملاعب مرتبط بهاجس الصحة، وكلما سرعنا الجرعة الثالثة من لقاح كورونا، سرعنا فتح الملاعب وعودة الجماهير إليها".

فيما عقب الباحث المغربي المتخصص في السياسة الرياضية، منصف اليازغي، بالقول إن "تصريح بنموسى غامض، ونعرف أن هناك إشكالا كبيرا بشأن الجرعة الثالثة التي لم يتلقها لغاية الآن سوى أربعة ملايين ونصف مليون مغربي فقط".

واعتبر في حديث لـ"الاستقلال" أن "ربط فتح الملاعب بضرورة أخذ جميع المؤهلين للتطعيم وهم 24 مليونا، يجعل تصريحه قابلا للتأويل لأنه في الأخير غير قابل للتنفيذ إلا في حالة واحدة وهي تطعيم 24 مليون مغربي بالجرعة الثالثة".

المثير في تصريح بنموسى أنه لم يكن "التطمين" الأول للجماهير، بل سبقته تصريحات لمسؤولين آخرين منذ الربع الأخير من عام 2021.

وفي 21 سبتمبر/أيلول 2021، أعلن الاتحاد الرياضي المغربي، في بيان، قرب عودة الجماهير تدريجيا إلى الملاعب في الأيام المقبلة.

وجاء في البيان الذي نشرته الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم (الاتحاد) عبر موقعها الإلكتروني، أن "رئيس الجامعة فوزي لقجع، أعلن عن العودة المرتقبة للجماهير تدريجيا إلى الملاعب في الأيام المقبلة في انتظار قرار السلطات المختصة في هذا الشأن، مع إلزامية جواز التلقيح، واتخاذ التدابير الاحترازية".

وحسب البيان، دعا لقجع، رؤساء الأندية والمسؤولين لاتخاذ مجموعة من الإجراءات الاستباقية، أهمها "ارتباط الدخول إلى الملاعب بالحصول على جواز التلقيح، بالإضافة إلى اتخاذ الإجراءات الاحترازية الخاصة بكورونا".

لكن منذ ذلك التاريخ والجماهير تنتظر القرار النهائي بالعودة إلى مكانها الطبيعي دون تفعيل لتلك التصريحات والبيانات، مما فتح الباب أمام طرح تساؤلات أخرى.

إذ طفت على وسائل التواصل الاجتماعي تغريدات تلمح إلى أن المنع "لا علاقة له" بالأوضاع الصحية المرتبطة بفيروس كورونا.

وقال نور الدين طنجاوي في تدوينة عبر "فيسبوك" إن "جميع دول العالم فتحت ملاعبها في وجه الجماهير ما عدا المغرب، ليظل السؤال مطروحا، هل الأمر صحي فقط؟ أم يتجاوزه إلى ما هو انتقام من الجماهير المغربية بسبب رسائلها داخل الملاعب"، مضيفا "أطلقوا سراح الملاعب المغربية".

لا طعم لها

لكن الباحث المغربي المتخصص في السياسة الرياضية، اليازغي، نفى أن يكون استمرار الإغلاق رهين مخاوف السلطات من "الرسائل السياسية" للجماهير، أو "عقابا" لهم على الشعارات المرفوعة سابقا حول الأوضاع الاجتماعية والسياسية.

وقال اليازغي لـ"الاستقلال" إن "رفض السلطات عودة الجماهير للمدرجات يتماشى مع طبيعة تدابير هذا الوباء من طرف السلطات العليا بالبلاد والحكومة".

وأشار إلى أن "الحكومة وطيلة فترة الأزمة والحجر الصحي كانت حذرة ولا تقدم على خطوات جريئة، لدرجة أنها كانت سباقة إلى إقفال الحدود ووقف الرحلات الجوية، وبالتالي فتح المدرجات يتماشى مع قرار السلطات العمومية التي لا يمكن أن تتعامل بازدواجية في قراراتها، هناك سياسة مطبقة وحذر، خاصة أن الملاعب تعرف تكدسا للجماهير".

ولا يعتقد اليازغي أن "استمرار الإغلاق مرده الخوف من الرسائل السياسية، فهناك فرق شاسع بين كورونا والرسائل السياسية، وحتى في ظل الأزمات التي عرفها المغرب وحركة 20 فبراير (مظاهرات 2011)، كانت تجرى المباريات في ظل وجود خطابات وأغان سياسية وهتافات ضد بعض الأحداث التي عاشها الشعب سياسية واجتماعية واقتصادية".

وتابع: "وبالتالي كورونا هي التي أغلقت الملاعب أمام الجمهور الذي سيرفع تلك الشعارات بعد فتحها، وإذا ربطناها بالرسائل السياسية لن تفتح مجددا حتى مع نهاية الوباء".

وشدد اليازغي على أن "غلق المدرجات لا علاقة له بعقاب الجماهير على شعاراتها الاجتماعية والسياسية، فهذا بعيد عن الواقع والمنطق، لأن تلك الشعارات رفعت عام 2015 وظلت الملاعب مفتوحة للعموم خلال خمس سنوات قبل الجائحة".

بدوره، قال مشجع نادي حسنية أكادير، عزيز اصبارن: "لا أظن أن حرمان الجماهير من الملاعب هو عقاب من السلطة أو الدولة، مشكلة الأوضاع السوسيواجتماعية مشكل عام يشمل جميع شرائح المجتمع سواء كانوا محبين لكرة القدم أم لا".

واستدرك متسائلا: "هل فيروس كورونا موجود فقط في الملاعب وليس في المدارس، والحمامات، والأماكن المغلقة، والتجمعات الأخرى؟ مازلت أبحث عن أجوبة".

وقال اصبارن في حديث مع "الاستقلال" إن "غياب الجمهور له تأثير على تطور ومردود الدوري المغربي، من المؤسف أن نرى ملعبا بلا جمهور، الكرة بدون اللاعب رقم 12 لا طعم لها".

وأشار إلى أنه "قبل تصريح ابن موسى وقبل الجرعة الثالثة، كانت هناك وعود منذ السنة الماضية من طرف رئيس الجامعة فوزي لقجع ووزارة الداخلية بفتح الملاعب للجمهور للملقحين بالجرعة الأولى والثانية، وها نحن مازلنا ننتظر".

قرار سياسي

ولفت اصبارن، إلى أن "الاحتجاجات على قرار إغلاق الملاعب في الوقت الراهن ما زالت مستمرة في مواقع التواصل الاجتماعي، وممكن قريبا نرى جمهور الأندية في الشوارع احتجاجا على الإغلاق".

وتابع: "رسالتي لمن يتخذ القرارات (وزارة الداخلية والجامعة المغربية لكرة القدم) أن تكون صائبة من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لأن الفرق انهارت ماديا واقتصاديا ومعنويا بسبب حرمانهم من مساندة الأنصار، والجمهور المغربي حرموه من المتنفس الوحيد (كرة القدم)".

من جانبها، قالت صفحة فيسبوكية تسمى "استديو الوداد" إن "استمرار إغلاق ملاعب كرة القدم في المغرب قرار سياسي بامتياز، ولا علاقة له بالوضعية الصحية في بلد لا تستطيع فيه التمييز بين المستشفيات العمومية وحظائر الأبقار، أعزكم الله".

واعتبرت في تدوينة أن "قرار استمرار إغلاق الملاعب يندرج في سياق عام يغلب عليه طابع قمع الحريات وإعادة تربية المواطن المغربي على تقبل سياسة رفع الأسعار بدون أي ردة فعل أو معارضة".

وشددت على أن "(رئيس الحكومة، عزيز) أخنوش ومن يقف وراءه عازمون على إحكام قبضتهم الأمنية والدعس على كل شيء يمثل نبض وصوت الشارع في هذا البلد، ولعل ملاعب كرة القدم إحداها".

فيما أكد موقع "عربي بوست" (مقره إسطنبول) في تقرير له، أن "السبب الحقيقي الذي أخر فتح ملاعب الكرة على الخصوص في وجه الجمهور بالمغرب، هو حالة الاحتقان التي يعيشها الشارع الرافض لبعض القرارات التي خرجت بها الحكومة الجديدة، في مقدمتها فرض جواز التلقيح لدخول الأماكن العمومية وللتحرك بحرية بين المدن والأقاليم".

وأضاف في تقرير نشره في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أن "قرار وزارة التربية والتعليم باشتراط عدم تجاوز 30 سنة أمام كل من يرغب في الترشح للعمل في التدريس زاد من حدة الاحتجاجات وغضب الشارع، ما أخرج المواطنين في معظم المدن للتظاهر ضدها، معبرين عن رفضهم لمثل هذه القرارات، بينهم شريحة واسعة من الجمهور المغربي".

وأشار إلى أن "السلطات تخشى أن تنتقل موجة الاحتجاجات الأخيرة من الشوارع إلى مدرجات الملاعب، التي كانت دوما نافذة يرسل من خلالها الشباب المغربي رسائله السياسية، عبر هتافات ولافتات وشعارات موجهة ضد الحكومة، تلقى صدى كبيرا وطنيا ودوليا، بالنظر إلى التغطية الإعلامية الواسعة التي تحظى بها مباريات كرة القدم".

وشدد التقرير على أن "ما زاد في تعزيز تخوف السلطات، هي الدعوات التي أطلقها الناشطون الرافضون للقرارات الحكومية عبر منصات التواصل الاجتماعي، الموجهة إلى الألتراس المشجعة للأندية، بالنزول معهم للشارع باعتبارهم يشكلون قوة احتجاجية مؤثرة بالنظر إلى أعداد أعضائها الكبيرة، وقدرتها على التأثير في بقية الجماهير غير المنتمية".

صوت الشعب

وتحولت الجماهير المغربية إلى حالة فريدة محليا وعربيا، بعد ترديدها شعارات وهتافات تتجاوز حدود المستطيل الأخضر والمدرجات إلى الفضاء الوطني والعربي الأرحب، خصوصا أغانيها الداعمة لقضايا اجتماعية وأخرى عربية مركزية كقضية فلسطين.

موقع "الصحيفة" (محلي) وفي تقرير نشره في 17 شباط 2022 بعنوان "حرمان الجماهير المغربية من مدرجات الملاعب.. هل هو خوف من وعي جماعي تحت غطاء الحالة الوبائية؟" قال إن "الوضع الاجتماعي اليوم لم يختلف عن السابق، في ظل غلاء الأسعار والاحتقان المجتمعي".

وتابع: "إلا أن تقييد حرية التعبير أمر بات يطرح نفسه بقوة، في حال استمرت الحكومة الحالية، بقيادة أخنوش، في غض الطرف عن مشكل إغلاق الملاعب، علما أن الأخير لم يسلم من حملة المقاطعة الشهيرة لشركة المحروقات التي يملكها، قبل سنوات".

وأشار إلى أن "تلك المقاطعة هي الشرارة التي كانت قد انتقلت حينها إلى مدرجات ملعبي محمد الخامس (بالدار البيضاء) وابن بطوطة (في طنجة).. وغيرها من المسارح الرياضية التي أضحت منبرا لصوت الشعب كل نهاية أسبوع".

وقال عضو في "ألتراس" الرجاء البيضاوي، إن "جميع الدول سمحت للجماهير بالعودة إلى الملاعب إلا المغرب، وظاهريا السبب هو الخوف من انتشار الوباء، أما باطنيا فواضح للعيان، بالنسبة لنا خوف من الألتراس ورسائلها".

وأضاف المصدر في حديث مع "الاستقلال"، مشترطا عدم ذكر اسمه، "إن كانت السلطات صادقة بأن كورونا هو السبب فافتحوا الملاعب لأصحاب الجرعة الثالثة، وسترون بعدها أن غير الملقحين سيتوجهون لأخذ الجرعة التكميلية".

وأوضح أن "عدم أخذ الجرعة الثالثة هو عدم ثقتهم في السلطات لأنها قبل ذلك تحايلت عليهم بالقول إن الجرعة الثانية هي الحل للوصول إلى المدرجات، لكن ظهر بعدها كذبهم".

وتساءل: كيف لنا أن نصدقهم الآن، فيمكن بعد الثالثة قول الرابعة، وهكذا يستمر التلكؤ.

وشدد عضو "ألتراس" الرجاء على أن "الحكومة تخاف من الميساجات (الرسائل) التي ترفع في المدرجات، ووجدت هذا الوباء فرصة لالتقاط الأنفاس من ضجيج أحرجها قبل كورونا".

وختم حديثه بالقول إن "الأوضاع الاجتماعية لأنصار النوادي الكروية في المغرب مع جائحة كورونا دفعتهم للاهتمام بمشاكلهم اليومية، رغم غصة الحرمان من متابعة حبهم الكبير من المدرجات، لكن للصبر حدود".