الإمارات تنسحب من صفقة "إف 35" الأميركية.. خطوة تفاوضية أم نهائية؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

طفت على السطح خلافات بين الولايات المتحدة والإمارات بشأن صفقة مقاتلات "إف 35" سعت الأخيرة لشرائها، إلا أنها أعلنت مؤخرا عزمها إلغاءها بسبب شروط أميركية تمس سيادة أبوظبي، فيما أعلنت واشنطن استعدادها لإتمام الصفقة.

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2021، أن الإمارات هددت بإلغاء صفقة شراء 50 مقاتلة من طراز "إف 35" وطائرات مسيرة من طراز "ريبر"، بقيمة 23 مليار دولار، بسبب "متطلبات تقنية، وقيود تشغيلية سيادية، وتحليلات لجدوى التكاليف أدت إلى قرار إعادة النظر".

وعقدت الصفقة إبان إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. وكان ينظر إليها على أنها مكافأة لتطبيع الإمارات علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي في 2020، لكن مع قدوم جو بايدن إلى البيت الأبيض علقت الصفقة للمراجعة، على خلفية السجل الحقوقي الأسود لأبوظبي.

وأثار الخلاف بين الدولتين الحليفتين تساؤلات بشأن الأسباب الحقيقية وراء ردة فعل الإمارات، وهل بالفعل الصفقة ذاهبة إلى الإلغاء، أم أن ما يجري يندرج ضمن ممارسة الضغوط لتحقيق أهداف محددة يسعى أحد الطرفين إلى تحقيقها؟

شرط أميركي

على ضوء التهديد الإماراتي، أعلن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال مؤتمر صحفي بكوالالمبور في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2021، أن الولايات المتحدة "مستعدة" دائما لبيع طائراتها من طراز "إف 35" للإمارات.

وقال بلينكن: "مستعدون دائما للمضي قدما في مسألتي مقاتلات إف 35 وطائرات الدرونز، إذا كان هذا ما تريده الإمارات"، لكنه لم يحدد طبيعة الشروط الأميركية التي اعتبرتها الدولة الخليجية مرهقة، مكتفيا بالحديث عن أهمية "ضمان" أن تحافظ إسرائيل على "تفوقها" التكنولوجي العسكري في الشرق الأوسط.

فيما كشفت وزارة الدفاع الأميركية "بنتاغون" في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2021 أن إدارة بايدن ترغب في إتمام الصفقة، ومنفتحة على الحوار بهذا الشأن، مشددة في الوقت ذاته على أن شروط ومتطلبات واشنطن المتعلقة ببيع الأسلحة إلى أي جهة خارجية غير قابلة للتفاوض.

وذكر المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي أن وفدا إماراتيا يزور واشنطن لإجراء حوار عسكري، وأنهم أثاروا أسئلة ومخاوف بشأن الصفقة، وواشنطن لديها أيضا أسئلة ومخاوف خاصة بها، لافتا إلى أن بلاده تشعر بالقلق بشأن نقل التكنولوجيا إلى "دول لديها وجهة نظر معادية لالتزامنا بالنظام الدولي القائم على القواعد".

ونقلت شبكة "سي إن إن" الأميركية عن مسؤول إماراتي لم تسمه في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2021 أن أسباب تعليق صفقة إف 35، تتمثل في "متطلبات تقنية، والقيود السيادية والعملياتية وتقييم للمنفعة مقابل التكلفة".

وطوال الفترة الماضية، قاد نواب ديمقراطيون حملة لمنع الصفقة على خلفية دور الإمارات البارز في حرب اليمن ضمن التحالف الذي تقوده السعودية.

كما يشعر المسؤولون الأميركيون بقلق متزايد بشأن الاستثمارات الصينية في الإمارات، لا سيما في الأشغال في مرفأ قريب من العاصمة أبوظبي، وفق "سي إن إن".

"خطوة تفاوضية"

لكن صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية رأت في تقريرها أن الإجراء الإماراتي كان بمثابة "تهديد" يسبق "خطوة تفاوضية"، حيث يوجد وفد عسكري إماراتي بالبنتاغون، لعقد محادثات بخصوص الصفقة.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الحليف الخليجي اشتكى من أن الاشتراطات الأمنية الأميركية مرهقة للغاية. 

وفي 7 أغسطس/ آب 2021، دعت مجلة "ديفينس ون" الأميركية لحظر بيع طائرات "إف 35" إلى الإمارات، معتبرة أنها يمكن أن تساهم في تعميق الصراعات الموجودة فعليا في الشرق الأوسط وجعل حماية أمن إسرائيل باهظة التكاليف.

وأشارت المجلة في تقرير بعنوان "لا تبيعوا مقاتلات إف 35 للإمارات" إلى أن هذه الصفقة يمكن أن تضع الولايات المتحدة في وضع سيء بالمنطقة.

وأوضح التقرير أن بيع مقاتلات إف 35 للإمارات يجعل التزام  الولايات المتحدة بحماية أمن إسرائيل أكثر كلفة من الوقت الحالي، فإسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك تلك المقاتلات وهو ما يمنحها ميزة عسكرية كبيرة على منافسيها في الشرق الأوسط.

ولفت إلى أن بيع إف 35 للإمارات يمكن أن يساهم في إطلاق سباق تسلح في المنطقة إضافة إلى أنه يمكن أن يزيد التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا، التي تبحث بيع أنظمة صواريخ متطورة من طراز "إس 400" إلى إيران.

وتصنف "إف 35" ضمن طائرات الهيمنة الجوية التي تنتمي إلى الجيل الخامس، وتعد واحدة من أخطر المقاتلات الحربية في القوات الجوية الأميركية وعديد من دول العالم.

ويجري تطوير الطائرة في الولايات المتحدة بمشاركة دول أخرى منها الكيان الإسرائيلي الذي حصل على 10 طائرات من هذا الطراز.

"جهات شريرة"

وفي هذا الصدد، رأى ديفيد دي روش، وهو أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون، أن الولايات المتحدة تبيع أسلحة كثيرة بشروط كثيرة لدرجة أنها توصف معها الصفقات بأنها "إيجارات" أكثر من كونها "مبيعات"، حيث يجب على المشتري أن يوافق على كيفية استخدام هذه الأسلحة وتخزينها ثم كيفية التخلص منها.

ونقل موقع الجزيرة نت عن دي روش في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2021 أن هذه الإجراءات تستهدف ضمان أن الأسلحة لا تذهب من المشتري إلى "جهات شريرة" (على سبيل المثال، طرف ثالث غير مرغوب فيه).

وأوضح أن "مقاتلات إف 35 تندرج في الفئة التي تشمل الكثير من الشروط، لأن هناك قيودا شديدة على كيفية استخدام الطائرة الأكثر تطورا في العالم، وأحد هذه الشروط هو أن هناك دولا معادية (الصين وروسيا) ترغب في الحصول على معلومات عن الطائرة، وتقوم بذلك عن طريق جمع بيانات الرادار.

"ولهذا السبب ألغت واشنطن الصفقة المماثلة لتركيا. أي أن الدافع الأميركي يتعلق بحماية الطائرة الأكثر تطورا في العالم، ولا ترتبط به أي حسابات سياسية تجاه الإمارات"، يضيف دي روش.

وأكد أستاذ الدراسات الأمنية أن تأمين خصوصية الطائرة إف 35 يعد أمرا بالغ الأهمية لدرجة أن واشنطن على استعداد لإلغاء البيع حتى لبعض دول حلف شمال الأطلسي "ناتو" إذا كان هناك خوف من عدم التوصل لحل وسط حول حماية أسرار الطائرة.

وأردف: "إذا اعتبرت دولة الإمارات ذلك مرهقا، وهو كذلك بالفعل، فلا أحد يجبر أحدا على شراء الطائرة، والموقف الأميركي مدفوع بتقديرات، وليس بالسياسة".

وبخصوص ظهور هذه المشكلة الآن بعد أكثر من عام على الاتفاق على الشراء، قال دي روش: "تخميني هو أن اتفاقات أبراهام للسلام التي تم التفاوض عليها في سرية تامة جمعت مسؤولين أميركيين على غير دراية بالإجراءات الفنية لحماية أكثر الطائرات الأميركية تطورا، جوهر التاج العسكري الأميركي".

تطور مؤسف

وعلى الوتيرة ذاتها، اعتبر المدير التنفيذي بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى مايكل سينغ في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2021 أن ما جرى من تطورات بين الحليفين يعد أمرا مؤسفا.

وغرد على "تويتر" قائلا: "هذا أمر مؤسف، ولكن لا ينبغي أن يثير الذعر. إذا كانت القضية المتنازع عليها هي الصين، فمن المهم بالنسبة للمسؤولين الأميركيين والإماراتيين أن يتعاملوا معها الآن أفضل من أن يفعلوا ذلك لاحقا".

وتأتي هذه التطورات عقب أيام من إعلان الرئاسة الفرنسية توقيع الإمارات اتفاقية لشراء 80 طائرة مقاتلة من طراز "رافال" و12 طائرة مروحية من طراز "كاراكال"، خلال زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى أبو ظبي في 3 ديسمبر/ كانون الأول 2021.

ورأت الرئاسة الفرنسية أن "هذا إنجاز كبير للشراكة الإستراتيجية بين البلدين الحليفين. وتعد هذه أكبر طلبية خارجية للطائرات الفرنسية المقاتلة منذ دخولها الخدمة في عام 2004".