"ضمانات مفقودة".. دلالات التقارب الأردني المتسارع مع النظام السوري

مصعب المجبل | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

انتهى عهد الجفاء السياسي والاقتصادي بين المملكة الأردنية والنظام السوري، طوت فيه عمان عقدا من القطيعة، على خلفية اندلاع الثورة السورية عام 2011.

العاهل الأردني عبدالله الثاني بدأ تلك الحقبة بدعوة رئيس النظام السوري بشار الأسد عام 2011 إلى أن يتنحى عن الحكم.

وبعد 10 سنوات، استقبل الملك اتصالا هاتفيا من الأسد، في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2021، معلنا صفحة جديدة من "العلاقات المشتركة".

خلال تلك السنوات بقيت العلاقة بين عمان والنظام السوري متوترة ظاهريا، رغم احتضان الأردن لـ"غرفة الموك" بين أعوام 2013 و2016.

و"الموك" غرفة عمليات عسكرية خارجية تقود معارك فصائل من المعارضة السورية بالتنسيق مع قادتها ضد قوات الأسد، وكانت تديرها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والأردن وبعض دول الخليج.

وعلق الأردن آمال اقتصاده على الجارة سوريا، حيث تربطهما حدود تصل إلى 375 كيلو مترا، إذ اجتهدت عمان في محاولات تعويم النظام، فنال الملك الأردني اتصالا من بشار الأسد المعزول دوليا والملاحق شعبيا بعد أن قتل مئات الآلاف من الشعب السوري.

مرحلة جديدة

اكتفى الديوان الملكي الأردني بالقول إن الاتصال الهاتفي تناول "العلاقات بين البلدين الشقيقين وسبل تعزيز التعاون بينهما"، وأن عبد الله الثاني أكد "دعم الأردن جهود الحفاظ على سيادة سوريا واستقرارها ووحدة أراضيها وشعبها".

 لم يكن اتصال الأسد مع الملك الأردني، سوى تتويج لسلسلة من القفزات المتسارعة على مستوى تطبيع العلاقات بين الجانبين.

وقمع الأسد الثورة السورية منذ لحظة اندلاعها في مارس/آذار 2011، وقتل مئات الآلاف وشرد نحو 13 مليونا منهم 1.3 مليون سوري يقيمون بالأردن نصفهم يحملون صفة لاجئ.

ويعتبر لقاء قائد الجيش الأردني يوسف الحنيطي مع وزير الدفاع لدى النظام السوري العماد علي أيوب، في 19 سبتمبر/ أيلول 2021 بالعاصمة عمان، بداية تدشين العلاقة من جديد.

ولا سيما أنه تلاها تسارع في اللقاءات الرسمية وتحريك الملفات الاقتصادية، ممثلا بلقاء وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ونظيره لدى النظام السوري فيصل المقداد في 24 سبتمبر/ أيلول 2021 على هامش اجتماعات الدورة 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك.

وكذلك الاتفاق بين الأردن والنظام السوري على عودة شركة الخطوط الجوية الملكية الأردنية لتسيير رحلاتها لنقل الركاب بين عمان ودمشق ابتداء من 3 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وتبع ذلك زيارة وفد وزاري من النظام السوري، إلى الأردن في 27 سبتمبر/أيلول 2021 مؤلف من وزراء الطاقة والمياه والنقل والزراعة.

 ومع اقتراب وصول وفد الأسد أعلنت عمان إعادة فتح معبر جابر اعتبارا من 29 سبتمبر/أيلول 2021 أمام حركة الشحن والمسافرين.

ويرتبط الأردن وسوريا بمعبرين حدوديين رئيسين، هما "الجمرك القديم" الذي يقابله معبر "الرمثا" من الجانب الأردني، و"نصيب" الذي يقابله معبر "جابر".

 وأغلق معبر نصيب في أبريل/نيسان  2015 ليعاد فتحه في منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2018، بعد 3 سنوات على إغلاقه نتيجة سيطرة المعارضة السورية على المنطقة الحدودية، ثم أغلق مرة أخرى في أغسطس/آب 2020، وأعيد فتحه وإغلاقه عام 2021 مرتين.

ورغم أن العلاقات بين النظام السوري والأردن شهدت تحولات جذرية، منذ منتصف عام 2018 عقب سيطرة النظام على الجنوب السوري بدعم روسي، فإن تاريخ 23 يونيو/حزيران 2021 كان مفصليا.

حينها رمى وفد من النظام جانبا، اتهامات الأسد للأردن بدعمها "الإرهاب" طيلة عقد من الزمن، وتوجه إلى العاصمة عمان لأول مرة منذ عام 2011.

وبحث الوفد وقتها مع وزيرة الطاقة الأردنية هالة زواتي، وضع شبكة الربط الكهربائي بين الأردن وسوريا، ووضع البنية التحتية لخط الغاز العربي.

ومن أجل تطبيق خطة الولايات المتحدة لإنقاذ لبنان من أزمة إمدادات الكهرباء لنقص الوقود اللازم لتوليد الطاقة، التي دخلها منذ يونيو/حزيران 2021، بدأت في العاصمة الأردنية في 8 سبتمبر/أيلول من نفس العام، اجتماعات مغلقة لوزراء الطاقة في مصر ولبنان والأردن والنظام السوري لبحث تزويد بيروت بالطاقة.

كانت هذه الواقعة هي التمهيد الرئيس لسير الأردن نحو الانفتاح الكامل على النظام السوري سياسيا واقتصاديا، بعدما راجت معلومات عن تبني الملك الأردني شخصيا خارطة طريق للحل بسوريا، يكون بشار الأسد طرفا فيها، وليس خارجها كما تريد المعارضة السورية.

ووفقا لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، فقد طرح عبد الله الثاني على الرئيس الأميركي جو بايدن تلك الخطة خلال زيارته إلى الولايات المتحدة في يوليو/تموز 2021.

مخاوف الأردن

كان الأردن يلقي بلائمة عجزه الاقتصادي إلى انقطاع حركة نقل "الترانزيت" (الانتظار) مع سوريا، نتيجة لـ "قانون قيصر" الأميركي المطبق منذ 17 يونيو/حزيران 2020.

وصمم هذا القانون لمعاقبة الداعمين والمتعاملين مع النظام السوري، ما حدا بالمملكة الأردنية لإقناع واشنطن بمنحها استثناء منه وهذا ما تشير الوقائع الجديدة بحصولها عليه سرا.

وتؤكد الأرقام الرسمية أن قيمة الصادرات الأردنية انخفضت إلى 13.9 مليون دولار في 2016، بعد أن سجلت 255.5 مليون دولار في 2011.

وفي 20 يونيو/حزيران 2021، نقلت وكالة "عمون" الأردنية عن مصادر دبلوماسية قولها إن ثمة تنسيقا أردنيا – روسيا عميقا حيال الملف السوري، على القاطع الأميركي - السوري و"قانون قيصر"، وكذلك أيضا على القاطع العربي – العربي.

وأمام هذه المعطيات يدور السؤال العريض عن المكاسب الاقتصادية التي يمكن أن يجنيها الأردن من فتح المجالات الاقتصادية مع النظام السوري، وعودة التنسيق العالي معه سياسيا وأمنيا واقتصاديا.

وفي هذا السياق، يجيب الخبير الاقتصادي والأكاديمي السوري، خالد تركاوي، أن علاقة الأردن بالنظام السوري هي "أولا مرتبطة بمسألة التهريب عبر الحدود التي كانت متماسكة كثيرا قبل أن تنفلت وتشهد عمليات اختراق من قبل المليشيات الإيرانية لتهريب المخدرات".

لكن خلال عام 2021 أصبح هناك كل شهر عشر حالات تهريب لشحنات، مما ولد تخوفا لدى الأردن، وفق ما قال تركاوي لـ "الاستقلال".

وأضاف: أما المسألة الثانية في هذه الإطار فهي قضية اللاجئين السوريين في الأردن واحتمالية ازديادهم مستقبلا والتي باتت تقلق الشعب، إضافة إلى الضغط الشعبي المتنامي على الوضع الاقتصادي في الداخل والتي أدت لعمليات احتجاج.

وذهب الخبير الاقتصادي للقول إن "الأردن يبحث عن إعادة تشغيل الحركة الاقتصادية وجعلها مستمرة، وهذا ما سيوسع نشاطهم مستقبلا، ولا سيما عبر تجارة الترانزيت".

إذ ترى عمان أن موقفها في ذلك إستراتيجي، بمعنى أنها ستكون ممر عبور إلى الخليج للبضائع التجارية القادمة من سوريا وتركيا، وفق ما يقول.

وألمح الأكاديمي تركاوي إلى أن "الأردن يرى أنه يمكنه تحويل ما لديه من طاقات إلى كهرباء وإعادة بيعها والحصول على موارد عبر أسواق مجاورة وهي سوريا والعراق ولبنان".

وذلك بالاستفادة من وجوده كشريك في منتدى الغاز شرق المتوسط، عبر تحويل الطاقة المتجددة في صحاري الأردن والتي لها مشاريع كبيرة فيها، وكذلك عبر الغاز القادم من مصر وإسرائيل.

الأثر الرجعي

في مطلع يونيو/حزيران 2021، أكد وزير العمل الأردني يوسف الشمالي، أن معدل البطالة بين الشباب في البلاد يصل إلى 50 بالمئة، بعدما كان 24.7 بالمئة في نهاية 2020.

ووفقا للبنك الدولي فإن الاقتصاد الأردني في عام 2020 شهد انكماشا بمقدار 1.6 بالمئة، هو الأول خلال ثلاثة عقود، فيما أدت جائحة كورونا لازدياد معدلات الفقر المدقع، واتساع التفاوت في مستويات الدخل في البلاد، وفق تقرير صادر عنه نهاية يونيو/حزيران 2021.

ولم تعلن الحكومة أية أرقام جديدة عن معدلات الفقر التي قدرتها في 2018 بحوالي 15.7 بالمئة، إلا أن البنك الدولي توقع زيادة عدد الأشخاص الذين يعيشون على أقل من 1.5 دولار (خط الفقر المدقع) إلى 27 بالمئة بنهاية 2020.

وفي هذه الجزئية، يرى الخبير الاقتصادي ورئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، أسامة القاضي، في مقالة نشرها في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أن هذا "الوضع الحرج سيدفع صانع القرار الأردني للبحث عن مخرج ينتشل الاقتصاد الأردني من هذه الأزمة، ومن حق الأردن أن يعتقد أن فتح معبر جابر-نصيب قد يساهم في الحل".

واستدرك: "الأردن يستورد سنويا 19 مليار دولار، ويصدر 8 مليارات دولار، والتجارة مع سوريا حجمها بسيط، إذ وصلت عام 2011 إلى 255 مليون دولار عندما كان ناتج سوريا القومي 62 مليار دولار بينما لا يصل الآن إلى عشرة مليارات دولار! ويوم كانت سوريا بمحافظاتها الـ14 والـ23 مليون نسمة تعمل وتنتج فكيف هو الحال في اقتصاد سوريا الممزق الآن؟".

ويتساءل: كم يتوقع صانع القرار الأردني أن يصل حجم التجارة الأردنية مع سوريا بعد فتح المعبر؟

وأشار القاضي إلى أن "الاختراق السياسي الذي يحاول الأردن أن يصنعه باسم الاقتصاد وعبر معبر هزيل مثل معبر نصيب من أجل تعويم النظام السوري قد لا يسعد الأميركيين في لحظة تغير المزاج السياسي، خاصة أن قانون قيصر بات تشريعا أميركيا ملزما وقد يعرض بعض المؤسسات الأردنية أو البنك المركزي الأردني للعقوبات بأثر رجعي".

وزاد رئيس مجموعة عمل سوريا بالقول: "إن استعادة العلاقات الاقتصادية الأردنية مع دولة ممزقة مهجر نصف أبنائها، وفيها ثلاث مناطق نفوذ روسية وأميركية وتركية فضلا عن الوجود الإيراني القريب من حدودها لا يتوقع أن يخلق فرص عمل للعاطلين عن العمل الأردنيين".

وبين أن استعادة العلاقات "لن يسد عجز الموازنة الأردنية التي بلغت 106 بالمئة عام 2020 ليصل عجزها إلى ثلاثة مليارات دولار! وفتح معبر نصيب لن ينقذ الاقتصاد ولن يعين على تخفيض نسبة الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي للأردن الذي وصل إلى 107.9 بالمئة حتى نهاية أبريل/نيسان 2021".

وأمام رجحان كفة الآراء التي تعتبر أن استفادة عمان اقتصاديا من النظام السوري ضئيلة تحكمها عزلة الأسد وانهيار اقتصاده، رأى الباحث في مركز جسور للدراسات عبد الوهاب عاصي، أن "الأردن مجرد دولة وظيفية لا تستطيع أداء أدوار أكبر من حجمها، لذلك فهي لا تتحرك وفق رؤية ذاتية بالضرورة".

وأضاف عاصي في منشور له على فيسبوك 3 أكتوبر/تشرين الأول 2021: "دافع حماية سلطة الملك والمملكة غير كاف لتفسير أسباب التطبيع مع المجرم الأسد، ولا حتى الحاجة الاقتصادية"،

وأردف قائلا: "من الواضح، أن عاهل الأردن يتطلع لتحسين وظائف السلطة التي يمتلكها على المستوى الإقليمي مستفيدا من وعود روسيا وصمت أو عدم اعتراض أميركا".

من جانبه، اعتبر موقع "اقتصادي" المعارض، أن اتصال الأسد بملك الأردن، جاء "بعد خطوات سابقة قادتها حكومة عمان بالتواصل مع النظام بحجة خط الغاز العربي والذي استخدم إعلاميا للتعبير عن إعادة تعويم بشار دوليا".

ولفت الموقع في منشور له على حسابه بفيسبوك 3 أكتوبر/تشرين الأول 2021 إلى أن "اقتصاد الأردن هش ويعتمد على المساعدات الأميركية والخليجية، إضافة إلى العراقية والمصرية".

وأشار "اقتصادي"، إلى وجود جدار من الضمانات التي رأى أنها تقف حجر عثرة أمام استفادة الأردن اقتصاديا، وعلى رأسها "ضمانات تفعيل الطريق M5 حيث الخلافات بين روسيا وتركيا ونظام الأسد كبيرة حول حصة أنقرة من مستقبل سوريا".

ويقصد الموقع هنا اتفاقية "سوتشي" الموقعة بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، في سبتمبر/أيلول 2018، والتي ينص أحد بنودها على استعادة حركة (الترانزيت) عبر الطريقين (M4 حلب- اللاذقية) و(M5 حلب- حماة)، وهما عقدة الحركة التجارية لداخل وخارج سوريا.

وتساءل الموقع عن موقف الأردن من اللاجئين السوريين لديه وهل سيسلك سلوك لبنان؟

وأجاب قائلا: "بات الأردن يسلك سلوك لبنان بالتعامل مع اللاجئين السوريين السياسيين بالتهديد والتضيق عليهم، والخوف أن يمتد إلى اللاجئين بالمخيمات والمقيمين بالمدن الأردنية، وهو ما يعني حرمان عمان من مساعدات أممية تقدر بعشرات الملايين من الدولارات".

وختم الموقع قائلا: "ملك الأردن يبدو أنه اندفع تحت ضغط قوى مختلفة ليكون رأس حربة لهيكلة النظام السوري ودفع عملية الحل السياسي خطوة للأمم متناسيا أن الأسد لا يملك ما يخسره على عكس كل أولئك الذين تحالفوا معه".