"لست قاضيا".. لماذا يصر محامو ولد عبدالعزيز على لقاء رئيس موريتانيا؟

12

طباعة

مشاركة

منذ بداية محاكمة رئيس موريتانيا السابق محمد ولد عبد العزيز، ينأى صديقه ورفيق دربه الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، عن الخوض في ملفه رغم طلبات محاميي ولد عبد العزيز لقاءه لبسط تفاصيل و"خروقات" الملف أمامه أملا في إيجاد "حل سريع" لقضيته.

وبينما يواجه ولد عبد العزيز "تهما ثقيلة"، يؤكد دفاعه أنه لم يصل بعد إلى ملفه رغم مرور أشهر على اعتقاله في 22 يونيو/حزيران 2021، لعدم التزامه بـ"إجراءات المراقبة القضائية والإخلال بالنظام العام"، ولا يزال ولد عبد العزيز رهن الاعتقال في منزل خاص أقيم داخل أكاديمية الشرطة بالعاصمة نواكشوط.

"لست قاضيا"

منذ تشكيل اللجنة البرلمانية وبدء تحقيقها في ملف ولد عبد العزيز، وضع الغزواني "مسافة فاصلة" من التدخل في هذه القضية، كما يرفض بشدة الخوض في مجريات التحقيق. 

وقال الغزواني، في مقابلة مع "جون أفريك" في يوليو/تموز 2021، إنه يرفض التدخل في ملف التحقيق مع الرئيس السابق، موضحا: "لست قاضيا لأقول إنه مذنب أم لا".

فيما قال فريق دفاع ولد عبد العزيز إنه "تقدم بطلب للقاء الرئيس الغزواني بهدف شرح حيثيات ملف موكله"، لكنه "أكد عدم تلقيه أي رد على هذا الطلب".

وأضاف عضو الهيئة، المحامي محمد ولد اشدو في 9 سبتمبر/أيلول 2021 لوكالة الأنباء الموريتانية، أن “هيئة الدفاع تتفهم لماذا لم تتلق ردا على طلبها مقابلة الرئيس”، مشيرا إلى أن “هناك من أقنع الرئيس بأن عليه الابتعاد عن هذا الملف وتركه للقضاء”.

وأكد الفريق "أن موكلهم الرئيس السابق يوجد في حبس انفرادي تحكمي“، مشددا أن ملفه “سياسي بحت، ولا علاقة له بالقضاء”، وفق قولهم.

وقدم محامو ولد عبدالعزيز، بمن فيهم الفرنسي ديفيد راجو، شكوى إلى الأمم المتحدة، بسبب عدة اعتراضات من بينها "الاحتجاز التعسفي".

المحامي محمد أحمد ولد الحاج سيدي، قال إن "دفاع ولد عبد العزيز أعرب في كثير من المرات عن بعض الخروقات التي شابت المسطرة (قانون المحاكمة)، وهي تمس في تصورهم بمبادئ المحاكمة العادلة التي هي أساس من أسس الديمقراطية والعدالة". 

وتابع المحامي في حديث لـ"الاستقلال": "بما أن الدفاع يتصور أن السلطة التنفيذية وراء تحريك الملف ووراء المجريات التي تحدث فيه، اعتبر أنه بدل أن يتوجه إلى القضاء بطلبات وعرائض ومذكرات طلب لقاء رئيس الجمهورية، ليعرض عليه آخر التطورات والخروقات التي يتصور أنها شابت مجريات المحاكمة". 

المواجهة الأولى

يواجه رئيس الدولة الموريتاني السابق لائحة اتهامات منذ مارس/آذار 2021، بارتكاب عدة جرائم في فترة حكمه، بينها الفساد وغسيل الأموال والإثراء غير المشروع وتبديد الممتلكات العامة ومنح مزايا غير مستحقة وعرقلة سير العدالة، وبما أن هذا الأخير مسجون، فإن دفاعه يطالب القاضي بتسريع إجراءات التحقيق.

وفي 7 سبتمبر/أيلول 2021، قابل ولد عبد العزيز واحدا من الشهود في القضية لأول مرة منذ اعتقاله، فيما احتج دفاعه الذي أفاد لوسائل الإعلام أنه "لم يتم" إخبارهم بذلك.

وأوضح الدفاع للقاضي أنه "لم يطلع بعد على الملف"، قائلا "يجب أن نمنح الوسائل لتقديم دليل نفي، وهذا هو الحد الأدنى حتى يكون للمتهم الحق في محاكمة عادلة".

وذهب الدفاع حد القول إن ولد عبد العزيز "ضحية تمييز قضائي". 

ورفض الرئيس السابق الإجابة على أسئلة قاضي التحقيق، متمسكا بتأويله للمادة 93 من الدستور التي يرى أنها تحصنه من المساءلة القضائية عن تصرفاته خلال فترة حكمه.

ويحاول دفاع ولد عبد العزيز منذ ستة أشهر الحصول على "كامل" الملف رقم 001/2021 الذي يتهم فيه موكله و13 آخرون كانوا بجانبه في الحكم.

وفي مارس/آذار 2021، قدم محامو ولد عبد العزيز أول طلب بهذا الشأن، لكنه رفض من قبل غرفة التحقيق بمحكمة الاستئناف، ثم المحكمة العليا في أغسطس/آب 2021 رفضت أيضا طلبهم بالإفراج المؤقت.

في 7 سبتمبر/أيلول 2021، أصدر قاضي التحقيق في النهاية أمرا يمنحهم حق الوصول إلى الملف، لكن في العاشر من الشهر نفسه، أحدث مكتب المدعي العام في نواكشوط ارتباكا من خلال إصدار بيان صحفي لتبرير قراره الأول بعدم إطلاع الدفاع على الملف. 

وقال البيان إن المحاضر كانت تسلم بالفعل للمحامين عشية كل استجواب، وفقا لقانون الإجراءات الجنائية، لكن "الملف يتضمن مستندات ومراجع تتعلق بمتهمين آخرين، وأنه ينتهك حياتهم الخاصة وحقوق الدفاع عنهم، والتي لا يحق لدفاع متهم آخر الوصول إليها". 

واتضح أن دفاع ولد عبد العزيز، حسب الادعاء، يمكنه فقط الاستعانة بالمحاضر، أما الحصول على الملف فيعتبر "مخالفا للقانون"، ورأى ناشطون قانونيون أنه "لطالما تم احترام القواعد الإجرائية بالكامل، ويجب وضع حد لهذا الجدل الذي لا داعي لأن يكون بهذا الشكل".

الكلمة الفصل

وأمام هذه "المشادات القانونية"، يصر محامو ولد عبد العزيز على لقاء "صديقه" القديم الرئيس الغزواني.

"قد يكون أمر اللقاء مفهوما في الحقيقة"، يوضح المحامي ولد الحاج سيدي، "إذا انطلقنا من مبدأ أن رئيس الجمهورية هو الضامن دستوريا لمسار واستقلالية القضاء في الجمهورية، وهو رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وعليه فإن تقديم شكوى لرئيس الجمهورية قد يكون أمرا مستساغا في بعض الأحيان".

ويرى أن رفض الغزواني التدخل في الملف "لا يعتبر عرقلة له"، فالمبدأ أن يكون فصل للسلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، منصوص في الدستور على أن تكوين لجان للمراقبة هو من عمل السلطة التنفيذية لأن من مهام البرلمان مراقبة عملها، ومن الطبيعي أن تنشأ لجنة أو لجان للتحقيق أو التأكد من سلامة عمل السلطة التنفيذية في مجال أو قطاع معين. 

وتابع ولد الحاج سيدي: "بدون شك أننا عندما نقول كلمة محاربة الفساد، فيجب أن تكون حربا على مهل لا استقصائية أو استثنائية، وعليه فيجب محاربة جميع المفسدين، ولذلك إذا كان رئيس الجمهورية قد نأى بنفسه عن السلطتين التشريعية والقضائية، ففي الحقيقة يشكر له ذلك". 

وقال ولد الحاج سيدي إنه "لا ينفي ولا يؤكد ما قاله محامو الرئيس السابق بتدخل السلطة التنفيذية، فوسائل الإثبات والنفي عليهم، لكن ما أقول إن المسطرة ينبغي أن تظل بين أيدي قضاء مستقل، ويجب على القضاء أن يظهر ويثبت للرأي العام مدى استقلاليته عن التعليمات التي يحتمل أن تصدر إليه من جهات نافذة سواء كانت سياسية أو حزبية أو تنفيذية". 

وجوابا على سؤال هل يتقدم الملف؛ قال دكتور القانون: "لا زلنا في طور التحقيق، وعادة ما نكون في هذه المرحلة أمام احتمالين، إما أن يقرر قاضي التحقيق أن المتهم بريء ولا وجه لمتابعته وهذا قرار قابل للطعن من النيابة العامة".

أما الاحتمال الثاني، هو أن يقرر أن ما وصل إليه التحقيق من قرائن ووقائع قد تدل على وقوع جنحة أو جريمة، وفي هذه الحالة يحيل المتهم إلى المحكمة التي يراها مختصة، وبطبيعة الحال كما القرار الأول قابل للطعن فالأخير أيضا كذلك.

وخلص المحامي إلى أن "ملف ولد عبد العزيز لا زال في بداية مسار التحقيق، وفي حين يتوقع الموريتانيون أنه أوشك على النهاية، تظهر وقائع تلفت انتباه المحكمة وتطيل مجريات القضية، لذلك لا يمكن القول إن التحقيق شارف على الانتهاء ولا أنه سينتهي قريبا، وحتى إذا حدث ذلك فقد ندخل في مسطرة (إجراء) جديدة من الطعون".