موجة قمع جديدة في الجزائر.. تحيي الحراك أم تقضي على أمل عودته؟

12

طباعة

مشاركة

"تصاعد واضح" لموجة قمع جديدة في الجزائر، آخرها اعتقال السلطات الأمنية صحفيين اتهمت واحدا منهم بـ"تمجيد الإرهاب"، ما يثير مخاوف لدى فئات عريضة من المواطنين بشأن "هامش الحرية" في البلاد.

ورغم توقف "الغاضبين" من النظام عن الخروج إلى الشارع كل يوم جمعة، في حراك شعبي دام لما يزيد عن السنتين، إلا أن حملة الاعتقالات ما زالت مستمرة بحق كل المشاركين فيه.

هذا الوضع المقلق، دفع خبراء أمميين لانتقاد الاعتقالات الجماعية والتعسفية، ومنع المظاهرات والاستخدام المفرط للقوة من جانب الشرطة ضد المتظاهرين والصحفيين في الجزائر، وسط توقعات حقوقية بعودة الحراك الذي اندلع في 22 فبراير/شباط 2019 وتوقف جراء تدابير جائحة كورونا.

تصاعد القمع

في 12 سبتمبر/أيلول 2021، وضع الصحفي والمدافع عن حقوق الإنسان، حسن بوراس، رهن الحبس الاحتياطي؛  لاتهامه خصوصا بـ"تمجيد الإرهاب". 

وأوضح الناشط الحقوقي عبد الغني بادي، لوكالة "فرانس برس" أن بوراس اتهم بـ"الانتماء إلى منظمة إرهابية وتمجيد الإرهاب والتآمر ضد أمن الدولة بهدف تغيير نظام الحكم".

والصحفي الذي أودع الحبس بعدما استمع إليه قاضي تحقيق في محكمة "سيدي محمد" بالجزائر العاصمة، يحاكم أيضا بتهمة "استخدام وسائل تقنية وإعلامية لتجنيد أفراد ضد سلطة الدولة"، حسب محاميه. 

وكانت السلطات اعتقلت بوراس في 6 أيلول/سبتمبر 2021، وفتشت منزله في منطقة البيض (شمال غرب) لأسباب مجهولة، حسبما أعلنت الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان التي ينتمي إليها. 

بوراس، حكم عليه في 2016 بالسجن لمدة عام، إثر إدانته بتهم "المشاركة في إهانة قاض والمشاركة في إهانة رجال القوة العمومية (الأمن) والمشاركة في إهانة هيئة نظامية".

ووصفت منظمة "العفو الدولية" في ذلك الوقت بوراس بأنه "سجين رأي"، قائلة: إنه أدين "بسبب تسجيل فيديو لمواطنين يروون فيه كيف يتلقى مسؤولون كبار في الجهاز القضائي والأمني رشاوى".

وفي 13 سبتمبر/أيلول 2021، أوقفت مصالح الأمن الصحفي محمد مولوج من جريدة "ليبرتي" الصادرة بالفرنسية.

وقالت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان: إنه "تم تفتيش بيته"، وبينما لم يصدر أي تعليق من الصحيفة التي يعمل فيها منذ نحو 10 سنوات، أكد زميله علي بوخلاف لوكالة "فرانس برس" خبر التوقيف دون أي توضيحات.

وبحسب بوخلاف فإنه سبق لمولوج البالغ 42 سنة، أن "تعرض قبل عدة سنوات لمشكلات مع الأجهزة الأمنية التي حرمته من جواز سفره لعدة أشهر، كما تم اعتقاله عدة مرات".

كما كشف الناشط الحقوقي، بادي، في 16 سبتمبر/أيلول 2021، عن إيداع الناشط السياسي والإعلامي فضيل بومالة الحبس المؤقت، وأنه مثل أمام وكيل الجمهورية في نفس الوقت.

وأوقفت المصالح الأمنية الناشط السياسي قبل يومين من ذلك، مع وضعه رهن التوقيف للنظر مع تفتيش منزله، ويعرف بومالة بمواقفه المعارضة للنظام، وهو أحد الوجوه التي ارتبط اسمها بالحراك، كما أنه أكاديمي وإعلامي كان يقدم أحد أشهر البرامج الفكرية على التلفزيون الحكومي، وقد سبق وأن أودع الحبس قرابة ستة أشهر قبل أن تتم تبرئته بعدها.

قلق دولي

وفق تصنيف منظمة "مراسلون بلا حدود" لحرية الصحافة، تحتل الجزائر المركز 146 على قائمة تضم 180 بلدا، وبحسب اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين، لا يزال نحو 200 شخص موقوفين على خلفية الحراك الذي منعت السلطة مسيراته منذ مايو/أيار 2021، أو بسبب قضايا تتعلق بالحريات الفردية.

ومطلع سبتمبر/أيلول 2021, أكد مراقبون من الأمم المتحدة عبر تقرير لهم أنهم “ما زالوا يتلقون تقارير عن اعتقالات لعدد كبير من المتظاهرين والسياسيين والصحفيين وأشخاص لهم علاقة حقيقية أو مفترضة مع الحراك”.

وعبر هؤلاء الخبراء عن قلقهم، لا سيما بخصوص “الاعتقالات التعسفية الجماعية للمتظاهرين السلميين، ومنع المظاهرات والاستخدام المفرط للقوة، من خلال استخدام الغاز المسيل للدموع والهراوات من طرف قوات الأمن ضد متظاهري الحراك، الذين يمارسون حقهم في حرية التجمع السلمي وحرية التعبير”.

كما استحضروا حملة الاعتقالات الجماعية للمتظاهرين التي تكثفت في الفترة التي سبقت الانتخابات التشريعية في 12 يونيو/حزيران 2021، وسجل التقرير أن ضحايا التعسف اعتقلوا أثناء تظاهرهم سلميا، مؤكدا أن استخدام القوة يتعارض مع أحكام القانون الدولي التي تحمي من يمارس حقه في حرية التجمع السلمي والتظاهر.

وساءل هؤلاء الخبراء، السلطات الجزائرية بخصوص الاعتقالات الجماعية في 14 مايو/أيار 2021، لأكثر من ألف متظاهر سلمي بـ23 ولاية، مبرزين أنه أكبر عدد من الاعتقالات المنفذة خلال يوم واحد منذ استئناف المظاهرات في 22 فبراير/شباط 2021. 

وسجل التقرير أن من بين المعتقلين شخصيات وأعضاء أحزاب سياسية وصحفيون ومتظاهرون، وخلال المظاهرات التي نظمت في 21 مايو/أيار 2021، تم اعتقال 800 شخص في عدة ولايات.

وبالإضافة إلى ذلك، توقف الخبراء عند الحظر الذي تفرضه الشرطة على تنظيم العديد من مسيرات الحراك، عبر نشر أعداد كبيرة من قوات الشرطة.

وأضافوا أنه في مايو/أيار 2021، حاول متظاهرون المرور عبر نقاط تفتيش الشرطة في الجزائر العاصمة، لكن قوات الأمن استخدمت الغاز المسيل للدموع والهراوات لتفريق المتظاهرين ومنع الاحتجاجات.

وأكد الخبراء الأمميون أنه “حسب المعلومات الواردة، بلغ إجمالي عدد الاعتقالات منذ آخر تواصل لنا في 21 أبريل/نيسان 2021، ما مجموعه 3700 متظاهر، بينما كانت التظاهرات حسب معلوماتنا سلمية”، كما تحدث التقرير عن أحكام السجن الصادرة بحق نشطاء الحراك السلميين. 

تهمة الإرهاب

في 24 يونيو/حزيران 2021، قالت منظمة "العفو الدولية": إن "السلطات الجزائرية شنت حملة قمع متصاعدة أدت إلى اعتقال عشرات الأشخاص بسبب ممارستهم السلمية لحقوقهم في حرية التعبير والتجمع خلال الأشهر التي سبقت الانتخابات التشريعية التي جرت 12 يونيو/حزيران 2021".

وقالت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية،  آمنة القلالي: إن “السلطات الجزائرية ما برحت تستخدم كل وسيلة متاحة لها لسحق المعارضة وإسكات المحتجين المنتمين إلى حركة الحراك الاحتجاجية".

وأضافت في بيان: "تجري العشرات من عمليات الاعتقال والمقاضاة للنشطاء بتهم ملفقة لمجرد مشاركتهم في الاحتجاجات أو تعبيرهم عن آراء سياسية معارضة”.

ولجأت السلطات الجزائرية منذ أبريل/نيسان 2021 -وفق المنظمة- على نحو متزايد إلى استخدام تهمتي “الفعل الإرهابي” و”المؤامرة ضد الدولة” لمقاضاة المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء الحراك، وصنفت منظمتين تجهران بآراء معارضة – حركة رشاد المعارضة، والحركة من أجل استقلال منطقة القبائل – كمنظمتين “إرهابيتين”.

ووقفت العفو الدولية عند التعديلات التي اعتمدتها الدولة في قانون العقوبات الجزائري في يونيو/حزيران 2021، موسعة بذلك تعريف الإرهاب ليشمل ”السعي بأي وسيلة، للوصول إلى السلطة أو تغيير نظام الحكم بغير الطرق الدستورية”، ويمكن لهذا التعريف المفرط في العمومية أن يؤدي إلى تجريم الدعوات السلمية لتغيير الحكم.

وقالت القلالي: إن “إقدام السلطات الجزائرية على إطلاق نعت الإرهابيين على النشطاء السلميين وهرولتها لإدراج تعريف واسع جديد للإرهاب في تشريعاتها، هما مؤشر على تصميمها المخيف على ترهيب المنتقدين السلميين لإسكاتهم والقضاء على المعارضة السياسية”.

عودة منتظرة

في مقال رأي له على شبكة "بي بي سي" البريطانية مطلع سبتمبر/أيلول 2021، قال محلل شؤون شمال إفريقيا في الشبكة مجدي عبد الهادي: إن "المتظاهرين يريدون تفكيكا كاملا للنظام القديم، ويرفضون ما يعتبرونه إعادة ترتيب للكراسي في دائرة السلطة، وهكذا ينظرون إلى الرئيس عبد المجيد تبون الذي انتخب عام 2019".

وأضاف، أنه "بشعار: (يجب أن يستقيل كل منهم)، يعتقد الجزائريون أن قائد الجيش الجنرال سعيد شنقريحة هو الرئيس الفعلي للبلاد، وأن دولتهم تدار من قبل زمرة منذ عقود، والجيش يمسك بزمام السلطة خلف واجهة مدنية، ويستخدم ثروة البلاد النفطية لتعبئة الجيوب".

وينظر المتظاهرون إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية المتتالية على أنها "خدعة لإضفاء الشرعية على النظام"، وفق المحلل الذي أرجع جذور غضبهم إلى فشل دولة ما بعد الاستقلال (عام 1962) في توفير مستوى معيشي لائق وحريات سياسية.

قبل أن يختم عبد الهادي قال: "إنه نظام بنى شرعيته على سردية مناهضة الاستعمار، وهو أمر قليل الأهمية اليوم في مجتمع يغلب عليه الشباب، وقد ولد معظمهم بعد الاستقلال عن فرنسا".

ويتوقع الناشطون عودة الحراك مع تزايد موجة القمع في البلاد، وقال دكتور علم الاجتماع السياسي في جامعة الجزائر، ناصر جابي: إن "الموجة الجديدة من الحراك يمكن أن تتجه صوب بروز حركات احتجاجية، تتسم بالحد الأدنى من التنظيم، ما يقيها ربما من شطط العنف الذي لازم هذا النوع من الحركات الاحتجاجية في الجزائر تاريخيا".

واعتبر في مقال له على صحيفة "القدس العربي" في 12 سبتمبر/أيلول 2021, أن "أزمة غياب وسائط سياسية ستزيد حتما من حدة الاحتكاك بين الحركات الاحتجاجية ومراكز السلطة والقرار، بكل ما قد يترتب على ذلك، في هذا الجو السياسي المتشنج الذي يعيشه البلد".