حرب بين أقطاب المعارضة التركية.. هكذا أشعلتها انتخابات الرئاسة 2023
.jpg)
تشكل الانتخابات الرئاسية القادمة في تركيا، المزمع عقدها نهاية عام 2023، مطمعا ومأزقا في آن واحد، حيث يحاول حزب العدالة والتنمية المحافظة على سنوات حكمه المستمرة منذ عام 2002، فيما تسعى أحزاب المعارضة بقيادة "الشعب الجمهوري"، إلى إنهاء التجربة، وبداية عهد جديد.
لكن الاضطرابات والخصومات في بنية خصوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تعرقل مسيرتهم نحو الهدف الأكبر، حيث المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة.
وبالعودة إلى الوراء في 28 أغسطس/ آب 2014، أصبح أردوغان، الرئيس الثاني عشر في تاريخ الجمهورية التركية، لكنه لم يمض على نهج سابقيه، الذين شغلوا منصبهم برمزية أكثر، وصلاحيات أقل، وهو ما أباه الزعيم الجديد، صانع تجربة حكم حزب العدالة والتنمية، والذي بدأ النهضة الحديثة للبلاد.
فكما بدل معالمها، غير أردوغان قاعدة الحكم، في 24 يونيو/ حزيران 2018، عندما أقر النظام الرئاسي، عبر اقتراع شعبي، ما مكنه من صلاحيات غير مسبوقة لأي زعيم سابق، باستثناء مؤسس الدولة نفسها مصطفى كمال أتاتورك.
في المقابل كانت انتكاسة الحزب الحاكم في انتخابات البلديات عام 2019، بخسارة أهم معقلين، حيث العاصمة أنقرة، والمدينة التاريخية الكبرى، والخزان التصويتي إسطنبول، مؤشرا خطيرا، أبرز منافسين للرئيس أردوغان، رأوا في أنفسهم القدرة على خلافته، وهزيمته، ولكن دأبت السياسة التركية على أن الإرادة لا تكفي، وأن الرياح تأتي بما لا يشتهي السفن.
بنيته متصدعة
عندما فاز مرشح "تحالف الأمة" المعارض، أكرم إمام أوغلو، برئاسة بلدية إسطنبول 23 يونيو/ حزيران 2019، رافعا شعار "Her şey çok güzel olacak" وتعني بالعربية "كل شيء سيصبح جميلا"، أحدث دويا هائلا في عموم تركيا، وظهر أن شخصيته تطمح إلى ما أبعد من إسطنبول التاريخية، إلى رأس الدولة نفسها.
فكما مضى أردوغان من زعامة بلدية إسطنبول إلى رئاسة الجمهورية، رأى إمام أوغلو أنه قادر على قطع نفس المسيرة.
لم يكن كل شيء على ما يرام أو جميلا، حسب شعار أكرم إمام أوغلو، إذ اصطدم بمشكلات هائلة في طور إدارته للمدينة الصعبة، وأظهرت استطلاعات رأي متعددة سخط الناخبين وشعب إسطنبول عليه.
الأمر الآخر تمثل في القيادة المركزية لحزبه "الشعب الجمهوري"، تحت زعامة كمال كليتشدار أوغلو، المعروف بصرامته وحدته، وانفراده بالرأي.
كليتشدار أوغلو هو حجر العثرة الأساسي أمام أحلام عمدة إسطنبول، وهو ما أكده الكاتب التركي، عبد القادر سيلفي في 27 أغسطس/ آب 2021، في مقالة بصحيفة "حرييت" المحلية.
يقول سيلفي: "هناك حرب رئاسة تجري بين رئيس بلدية إسطنبول وزعيم حزبه، بسبب أن إمام أوغلو مصمم على الترشح للرئاسة ويرى في ذلك حقا طبيعيا له".
ثم أوضح أنه رغم كافة العراقيل التي يضعها كليتشدار أوغلو، فإن أكرم إمام أوغلو لا يفكر في التراجع خطوة إلى الوراء.
استرشد الكاتب بتصريحات سابقة لرئيس حزب الشعب الجمهوري، قال فيها: " يجب أن يكون مرشح (تحالف الأمة) شخصا منضبطا وحكيما حتى لا تفسد الصلاحيات الهائلة التي تمنحها الرئاسة".
واستنبط أن كليتشدار أوغلو أراد القول: إنه إذا تم انتخاب إمام أوغلو فإنه لن يقبل الانتقال إلى النظام البرلماني، وسيحكم البلاد كرئيس متسلط.

فوضوية تعم
الخيوط الرفيعة بين القوة والسلطة، تفرض نفسها على واقع المسرح السياسي، حيث تتلاشى الشعارات البراقة أمام فرض الهيمنة.
ففي 13 ديسمبر/ كانون الأول 2018، زار كليتشدار أوغلو، منزل حسن إمام أوغلو، والد أكرم، في طرابزون، ومازحه بقوله "جئنا نخطب يد ابنك" عند الإعلان رسميا عن تسمية أكرم مرشحا للحزب لرئاسة بلدية إسطنبول. كان زعيم حزب الشعب متحمسا لقيادة الشاب الجديد، لكن بحدود لا تتجاوزه شخصيا.
كانت رؤية أكرم أوسع، ففي الأول من أبريل/ نيسان 2019، انطلقت هتافات مثيرة لأنصار حزب الشعب في إحدى مؤتمراته، قائلين "نحن جنود أتاتورك"، ومن ثم اعترض "إمام أوغلو"، ورد على أنصاره بقوله: إنه سيكون عمدة للجميع بغض النظر عن خلفيتهم أو عرقهم أو دينهم.
لم يرق هذا الخطاب للكثيرين، ولكن تبعاته وصلت إلى رأس الحزب، الذي علم أن طموحات الصاعد الجديد، تتجه إلى ما يتجاوز ذلك، إلى ما هو أكبر منه شخصيا.
وفي 9 أغسطس/ آب 2021، قطع كليتشدار، الطريق على أكرم، عندما قال في لقاء تلفزيوني على قناة "خبر ترك": إنه يجب أن يترشح إمام أوغلو رئيسا لبلدية إسطنبول، مرة أخرى.
ومن هنا أورد الصحفي التركي محمد أوفور، في 24 أغسطس/ آب 2021، في مقالة لصحيفة "صباح" المحلية، أن "حزب الشعب الجمهوري يشهد أزمة كبيرة، فيما يعتقد كليتشدار أوغلو بأنه إذا كانت هناك انتخابات غدا، فسيكون في السلطة".
وأضاف: "الفوضوية أصبحت تعم داخل حزب الشعب الجمهوري، أكثر من أي وقت مضى في تاريخ تأسيسه، وصار يتألف من شخصيات لا تثق ببعضها، وتسمي بعضها البعض بالانفصاليين والعصابات ولا تتوحد إلا في اتجاه واحد وهو العداء لأردوغان".

انشقاق إنجه
أحاديث الخلاف بين زعيم حزب الشعب الجمهوري، وعمدة إسطنبول، على وقع خطة الترشح للرئاسة، سبقتها خطوات أشارت إلى التصدع في بنية الحزب والمعارضة.
ففي بداية عام 2021، توالت استقالات شهدتها فروع إدارات الحزب في محافظة إسطنبول، ضمن الصراع على السلطة داخل الحزب، مع وجود شخصيات فاعلة، أشهرت سيوفها استعدادا للانتخابات الرئاسية.
وفي 17 مايو/أيار 2021، أعلن محرم إنجه أكبر منافسي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في انتخابات 2018 عن تشكيل حزب جديد، تحت مسمى "الوطن الأم"، وذلك بعد انشقاقه عن حزب الشعب الجمهوري، وخلافاته العميقة مع كمال كليتشدار أوغلو.
أما في 3 فبراير/ شباط 2021، فقد تعرض الحزب إلى هزة كبيرة باستقالة 3 من نوابه في البرلمان، ليتم تخفيض عدد مقاعده في البرلمان إلى 135 نائبا. وبعد يومين، أعلن 350 عضوا من منطقة "يالوفا" استقالتهم من الحزب.
وبحسب بيان صادر عن الأعضاء المستقيلين، فإن الحزب فقد قاعدته "القومية"، وهي ضربات أثرت على وحدة المعارضة الرامية إلى جمع شتاته مقابل تحالف "الشعب" الحاكم، الذي يحاول التماسك والاستعداد لجميع الأطروحات.

خارطة التحالفات
في المقابل يعمل أردوغان على استكمال مسيرته، والحكم لفترة رئاسية أخرى، متجاوزا كل عقبات المرحلة السابقة، والاستقطابات الحادة، التي تمت في أروقة حزبه، والانشقاقات الكبرى التي حدثت قبل سنوات، لا سيما انشقاق رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، الذي أسس حزب المستقبل.
استحضر الرئيس التركي ما أوعز به لوسائل الإعلام عشية الانقلاب العسكري الفاشل في 15 يوليو/ تموز 2016، بأن "البلاد لم تعد كما قبل".
وهو ما حدث عندما تألفت تحالفات جديدة، غرضها الأول تشكيل معالم أخرى للدولة، كان أولها "تحالف الشعب"، باجتماع حزبي العدالة والتنمية "الحاكم"، والحركة القومية، حيث عملا معا لتعزيز النظام الرئاسي.
وقد عبر أردوغان عن هذا التحالف قائلا: "إن الطرفين يجمعهما الحد الأقصى من الوضوح، والشراكة الإستراتيجية".
وفي الزاوية الأخرى نشأ تحالف مضاد، بين رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، وأحزاب "الجيد"، والشعوب الديمقراطي، والكماليين الجدد، والقوميين الأكراد، وآخرين.
وهي شراكة تكتيكية هدفها الأول الحد من صعود حزب العدالة والتنمية، والرئيس رجب طيب أردوغان، كقوة مهيمنة لقرابة عقدين من الزمن في السياسة التركية.
أردوغان الذي يطلق عليه لقب "مؤسس الجمهورية الثانية"، يستعد لجميع السيناريوهات القادمة.
وفي 26 أغسطس/ آب 2021، ذكرت الكاتبة التركية سيفلاي يلمان، على متن صحيفة "هابر ترك"، أن "هناك توقعات بأن يتم إجراء انتخابات مبكرة في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022"،
وقالت: "إن حديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول إنجازات حزب العدالة والتنمية في الحكم يعطي انطباعا بأنه بدأ الحملة الانتخابية".
المصادر
- Kılıçdaroğlu ile İmamoğlu arasındaki cumhurbaşkanlığı savaşı
- "حرب رئاسة" بين إمام أوغلو وزعيم حزبه.. وتوقع انتخابات مبكرة
- Meral Akşener büyük imtihandan geçer mi?
- الحزب الجمهوري مليء بـ”الإنفصاليين والعصابات”.. حرب خفية بين كليجدار وأكرم إمام
- من هو أكرم إمام أوغلو الذي زلزل معقل أردوغان في اسطنبول؟
- يقوده محرم إنجه.. مخاض انشقاق كبير يهدد شعبية حزب أتاتورك التاريخي
- chp'de buyuk kavga