منع بيع القات.. هل تنجح "شبوة" فيما عجزت عنه باقي محافظات اليمن؟

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في وقت يتزايد فيه أعداد المتعاطين لـ"القات" في اليمن، تبذل بعض السلطات المحلية جهودا من أجل تقليص دائرة تعاطيه، وذلك لعجزها عن اتخاذ أي قرار حاسم يمنع الاتجار به أو تناوله بشكل كامل.

وفي 3 يوليو/تموز 2021، أقرت لجنة الخدمات والتحسين التابعة لمحافظة شبوة (شرق)، منع بيع القات داخل مدينة عتق عاصمة المحافظة، مع فرض غرامة مالية على المخالفين.

ودعت اللجنة، المواطنين للإبلاغ عن حالات بيع القات داخل المدينة "بأي شكل من الأشكال".

ويعد القات، نبتة منشطة يتعاطاها اليمنيون وعدد من مواطني دول إفريقيا، بينها إثيوبيا والصومال وكينيا، وقد أدرجتها منظمة الصحة العالمية عام 1973 ضمن النباتات المخدرة، وهو تصنيف "غير دقيق" بالنسبة لمعظم اليمنيين.

تحديات كثيرة

ويأتي هذا "الإجراء المحلي" في سياق تقليص دائرة الاتجار بالقات وتعاطيه من قبل المواطنين، وهو قرار يواجه تحديات كثيرة، منها حالة الإدمان الواسعة له في أوساط المواطنين، حيث يتعاطى 80 بالمئة من الرجال و60 بالمئة من النساء القات، وفق استطلاعات للرأي نقلتها وكالة رويترز للأنباء.

ومنها أيضا، أن القات ابتداء من زراعته ثم رعايته وقطفه وتسويقه وجباية الضرائب منه، يعد مصدر دخل لملايين المواطنين في بلد تعتبر فيه الفرص الاقتصادية للمواطنين شحيحة أو شبه منعدمة، كما يعد رافدا من روافد اقتصاد الدولة التي تعاني ظروفا اقتصادية صعبة.

وبحسب البنك الدولي، فإن 1 من كل 7 يمنيين يعملون في إنتاج وتوزيع القات، مما يجعله أكبر مصدر للدخل في الريف وثاني أكبر مصدر للوظائف في البلاد بعد قطاعي الزراعة والرعي ليفوق القطاع العام نفسه.

ومع هذا فإن محافظة شبوة التي يرأس السلطة المحلية فيها المحافظ محمد صالح بن عديو، تسعى في قرارها الأخير إلى أن تخفف إضرار القات وتقليص دائرة تعاطيه، وتحاول أن تكون نموذجا لبقية المدن اليمنية.

وجاء هذا القرار، بعد فترة شهدت فيها المحافظة تنفيذ مشاريع حديثة في الطرق والجسور والكهرباء والصحة والتعليم والرياضة، كان أبرزها افتتاح مشروع ميناء قنا النفطي والتجاري بالشريط الساحلي بمديرية رضوم بشبوة، في 13 يناير/كانون الثاني 2021، وافتتاح ملعب ناصر الخليفي في 6 سبتمبر/أيلول 2020، وهو أول ملعب رياضي في المحافظة.

وتعد شبوة من أهم المحافظات التي تستهلك القات ولا تزرعه، وكانت إحصائية صادرة عن "الجمعية الوطنية لمواجهة أضرار القات" أن الأراضي الصالحة للزراعة في اليمن تبلغ 2.6 مليون هكتار وتستحوذ هذه النبتة على أكثر من 50 بالمئة منها. 

ووفقا للإحصائية، فإن عدد أشجار القات بلغت 40 مليون تستهلك 65 بالمئة من المياه الجوفية النقية، وتوجه النسبة المتبقية لأغراض الشرب والطهي والغسيل وري المزروعات الأخرى.

ويعد القات، هو السبب الرئيس لتراجع إمدادات المياه، وبحسب "رويترز" فإنه يتوقع أن تصبح صنعاء أول مدينة في العالم بلا مياه؛ بسبب الكميات الكبيرة التي يستهلكها القات.

ويتطلب إنتاج كيس واحد من القات الذي يستهلك في يوم واحد، مئات الليترات من المياه، ويعود السبب كذلك إلى المساحات الواسعة التي يزرع فيها القات وهي تفوق 50  بالمئة من إجمالي المساحات الزراعية.

يشار إلى أن معظم الإحصاءات الرسمية المتعلقة بتعاطي القات تعود لفترة ما قبل الحرب في اليمن، أي قبل حوالي 10 سنوات، وذلك لأن مؤسسات الدولة شهدت شللا في معظم قطاعاتها جراء آثار الحرب ولم تعد قادرة على ممارسة مهامها بشكل طبيعي.

شبكة المصالح 

مع أن نقل أسواق القات إلى الخارج، ومنع بيعه داخل مدينة عتق، قوبل بترحيب من قبل كثيرين، إلا أن آخرين شككوا بنجاح هذه الخطوة، لأنها فشلت في محافظات عدة.

وكانت إجراءات تقليص دائرة تعاطي القات والاتجار به قد بدأت منذ وقت مبكر عام 1972، حيث منع رئيس الوزراء آنذاك محسن العيني مضغ موظفي الحكومة للنبتة خلال ساعات العمل، وحظر زراعته على الأراضي التابعة لهيئات دينية حكومية.

لكن العيني تلقى تهديدات بالقتل من رجال قبائل وأصحاب مزارع القات حول صنعاء، ويذهب البعض إلى أن إقالته من منصبه بعد 3 أشهر من هذا الإجراء كانت نتيجة لحملته، في بلد يمثل القات مصدر ثراء للمؤسسة السياسية وشبكة المصالح المرتبطة بها.

وكان أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء عبد الله الفقيه تحدث لـ"رويترز" عن هذا الأمر قائلا: إن "السبب في فشل المحاولات السابقة لمنع القات، هو أنها تصطدم بالمؤسسة السياسية، لأن الكثير من المنتمين لها لهم مصالح في هذه القطاع المربح"، وأضاف أنهم "يكتفون بإلقاء المواعظ لكنهم يحجمون عن التنفيذ".

ولعل هذا السبب هو ذاته الذي أفشل الجهود الحكومية التي اتخذتها وزارة الزراعة والري، حيث أسست في وقت سابق قبل اندلاع الثورة الشبابية عام 2011، "المركز الوطني للحد من أضرار القات".

وتولى المركز رسم السياسات والخطط والبرامج الهادفة إلى توحيد وتنسيق الجهود الرسمية والشعبية للحد من زراعة القات وتعاطيه، وإحلال زراعة البن واللوزيات والبذور المحسنة محله، فضلا عن تقديم القروض للمزارعين ودعم الآلات والمعدات الزراعية المستخدمة في اقتلاع شجرة القات.

غير أن باحثين ومهتمين ورواد مبادرات سابقة أكدوا أنه ليس بمقدور الحكومة الحد من الظاهرة، إلا بتدخل دولي يساعد في تنفيذ خطة وطنية شاملة تتضمن بدائل واقعية في مجالات الزراعة والعمل والثقافة والترفيه.

وكان رئيس الجمعية الوطنية لمواجهة أضرار القات عادل الشجاع قلل من جهود وزارة الزراعة في استئصال القات "في وقت تؤسس فيه الحكومة مجالس لتناوله" في جميع وزارات الدولة ومرافقها، وتخصص لذلك ميزانية من المال العام تحت مسمى "بدل العودة للعمل في الظهيرة".

رفض شعبي

عادة ما قوبلت باعتراض شديد من قبل المواطنين، كل الإجراءات التي تهدف لتقليص دائرة تعاطي القات سواء بنقل أسواقه إلى خارج المدن أو منع تعاطيه في الدوائر الحكومية. 

ويرجع ذلك بالأساس إلى أن القات يعد مصدر دخل للكثيرين، في ظل عدم وجود بدائل، بالإضافة إلى أنه "أصبح ظاهرة اجتماعية نمت في بيئة تقليدية اختلطت بكثير من الطقوس ويصعب القضاء عليها"، بحسب تعبير أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء فؤاد الصلاحي في حديث لموقع "الجزيرة نت".

وفي منتصف مايو/أيار 2020، اندلعت احتجاجات شعبية عقب قرار محافظ محافظة إب المعين من قبل جماعة الحوثي عبدالواحد صلاح، تخصيص أماكن أخرى لأسواق القات خارج المدينة، وذلك ضمن الإجراءات المتخذة لمواجهة تفشي فيروس كورونا.

وشكك مواطنون بهذه النوايا، وقال وليد الجماعي، وهو أحد المحتجين: "بالنسبة للسطلة التابعة للحوثيين فإن مواجهة كورونا يقع في آخر اهتماماتها، والدليل أنه لا يوجد لديهم حتى أي إحصاء لضحايا الفيروس أو أي جهود لمواجهته".

وتابع في حديث لـ"الاستقلال": "ما يحصل يأتي ضمن تصرفات جماعة الحوثي في الاستئثار بكل مصادر الدخل، وعندما نقلوا الأسواق لخارج المدينة، فإنهم نقلوها لأسواق تابعة لهم، لأن الأسواق القديمة وسط المدينة لا تتبعهم".

وفي أبريل/نيسان 2020، أصدر محافظ محافظة حضرموت، فرج البحسني، قرارا يقضي بمنع بيع القات في المحافظة، بشكل نهائي لا رجعة فيه، وفرض عقوبات على من يتعاطاه من رجال الجيش والأمن، ورصد مكافآت مالية لمن يبلغ عن مروجيه، "لكن القرار فشل ولم يدم طويلا، رغم صدوره بلغة حاسمة".

وفصل 5 من الجنود في حضرموت؛ بسبب عدم التزامهم بقرار حظر تعاطي القات للمنتمين إلى المؤسسة العسكرية والأمنية.

وقالت المنطقة العسكرية الثانية للجيش اليمني الحكومي، في بيان نشرته عبر صفحتها على موقع "فيسبوك"، "اتخذت القيادة قرارا بفصل 5 جنود من الخدمة نهائيا، لمخالفتهم قرار منع الضباط وأفراد الجيش من تعاطي القات أثناء أداء الواجب".

وفي 17 مايو/أيار 2016، اندلعت احتجاجات شعبية واسعة في مناطق بمحافظة الضالع، وأحرق المتظاهرون الإطارات، وقطعوا الطرقات والشوارع، وذلك عقب صدور قرار من قبل السلطة المحلية يمنع دخول القات إلى عدن.

كما خرجت التظاهرات من منطقة سناح، أهم مصدّر للقات لمحافظة عدن، طالب المشاركون فيها بإلغاء قرار السلطات المحلية بفرضت قيود على تعاطي القات في عدن عام 2016 وحصرت السماح بتناوله يومي الخميس والجمعة، غير أن هذا القرار فشل أيضا.