"أزواجنا أولى بالمناصب".. كيف تعاملت قيادات نسائية بالمغرب مع الوظيفة العمومية؟

سلمان الراشدي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في ظاهرة بدأت تنتشر أكثر مع الولاية الحكومية الجديدة في المغرب، استغلت وزيرات ومسؤولات مناصبهن لمساعدة أزواجهن على نيل مناصب حساسة، ما أثار جدلا أخلاقيا وقانونيا بشأن الخطوة.

هذه الظاهرة رفضها كثيرون باعتبارها "ريعا ذا امتداد عائلي" يقصي باقي الكوادر والنخب والكفاءات، فيما رآى آخرون بأن "الكفاءة اقتضت ضرورة لجوء هؤلاء المسؤولات إلى أزواجهن بحكم عامل الثقة".

وزيرة التضامن والاندماج والأسرة، عواطف حيار، عن حزب "الاستقلال"، عينت زوجها مستشارا "خارقا"، أما عمدة مدينة الدار البيضاء، نبيلة الرميلي، عن حزب التجمع الوطني للأحرار، التي عينت وزيرة للصحة بالحكومة الجديدة وأقيلت في أقل من أسبوع، فاختارت زوجها المقاول العقاري نائبا لها في مجلس المدينة، ليرضخ بعدها لرفض الشارع ويستقيل.

فيما عمدة مدينة الرباط، أسماء أغلالو، عن حزب "التجمع الوطني للأحرار"  (قائد الائتلاف الحكومي) عينت زوجها محاميا لمجلس العاصمة.

خفة ورعونة

بعد ضجة إعلامية وحزبية وبسبب حدة الانتقادات التي تعرضت لها، تراجعت وزيرة الأسرة حيار، عن تعيين زوجها مديرا لديوانها.

هذا التراجع لم يكن نهائيا، بل في غفلة من الجميع عينت زوجها "مستشارا" بمهام تجعله هو الوزير الفعلي وفوق المسؤولين الإداريين في الوزارة، إنه بمثابة "سوبر مستشار"، وفق ما نشر موقع "اليوم 24" المحلي (خاص)، في 6 ديسمبر/كانون الأول 2021.

وجاء في قرار التكليف الذي وقعته الوزيرة نفسها ووجهته إلى زوجها، المقدم خديوي، في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، "يشرفني إخباركم أنه قد تقرر تكليفكم بمهام التعاون والتنمية الاجتماعية والشؤون العامة، من أجل مواكبة إستراتيجية تنزيل المشاريع التي تهم القطاع، والمتضمنة في تقرير النموذج التنموي الجديد لبلادنا".

المثير أن الوزيرة نصبت زوجها "مكلفا بالشؤون العامة" متجاهلة اختصاصات مديرية الموارد البشرية والميزانية والشؤون العامة المحددة بمراسيم، وهو ما يعد “تطاولا”، حسب مصادر الموقع، على نص قانوني يتعلق بتنظيم واختصاصات كل مديرية.

واعتبر الموقع المغربي أن "صيغة هذا التكليف غير مسبوقة في مهام مسؤولي الدواوين، لأن الوضعية القانونية لزوج الوزيرة تفيد أنه أستاذ جامعي، جرى وضعه (رهن إشارة الوزارة)، كمستشار في ديوانها.

لكن هذه الأخيرة لا تريد أن يكون زوجها مستشارا عاديا، إنما أن يكون فوق الإدارة وأكبر من المدراء والمسؤولين، بحسب الموقع.

ونقل عن مصادره أن "وثيقة تعيين الوزيرة لزوجها تشوبها عيوب جوهرية، وتنم عن جهل بتحرير المراسلات الإدارية والقرارات من طرف الشخص الذي حرر الوثيقة".

فالزوج المرسل إليه (التكليف) مشار إليه باسمه دون ذكر صفته داخل الوزارة أو منصبه أو على الأقل طبيعة حضوره بالوزارة.

وأضاف الموقع "الحال أن المعني بالأمر (الزوج) موظف في قطاع التعليم العالي، وهو موضوع رهن إشارة زوجته وملحق بديوانها".

ولفت إلى أن "المهام الواردة في رسالة التكليف جعلت الزوج كعضو في الديوان مكلفا بمعظم ملفات الوزارة، وبالتالي فما هو دور الكاتب العام للوزارة الذي له اختصاصات قانونية؟".

وقبل تراجعها عن تعيين زوجها مديرا لديوانها، قال الصحفي مصطفى الفن: "كان أول قرار اتخذته وزيرة الأسرة والإدماج حيار هو أنها أدمجت فردا من أسرتها في الوزارة، الوزيرة عينت زوجها مديرا لها على رأس الديوان.. وهذا لعمري يا عمري هو الإدماج الأسري وإلا فلا..!”.

وأضاف في تدوينة على "فيسبوك" أن "الأهم هو أن الوزيرة عواطف، التي وضعت (نصفها الثاني) أمامها بالديوان خشية أن يطير منها"، لم تقم بأي شيء سوى أنها (قلدت) وزيرة سابقة في حكومة عباس الفاسي".

وتابع الفن: "ظني أن هذا الذي فعلته الوزيرة عواطف هو عبث وخفة ورعونة، وهو أيضا خروج مائل من الخيمة“.

المقربون أولى

هذه الخطوة لم تقتصر على الوزيرة حيار، بل اتبعتها عمدة مدينة الدار البيضاء الكبرى، وزيرة الصحة المستقيلة، حيث اختارت زوجها، توفيق كميل، نائبا لها مكلفا بـ"التعمير والبناء".

ودافعت الرميلي عن اختيار زوجها بـ"الكفاءة" وخبرته بموضوع العقار في المدينة، كونه رئيس "فيدرالية المنعشين (المطورين) العقاريين"، لكن بعد الضغوط الشعبية قدم كميل استقالته في 30 سبتمبر/أيلول 2021. 

أيضا، عمدة مدينة الرباط، أسماء أغلالو، وعبر وثيقة رسمية، أوكلت إلى زوجها المحامي سعد بنمبارك مهمة الدفاع عن مصالح المجلس البلدي للعاصمة أمام القضاء.

جرى الكشف عن هذا التعيين بفضل "المذكرة الجوابية" التي أرسلها محامي البلدية إلى المحكمة الإدارية بالرباط، ضد المسؤول المنتخب من "اتحاد اليسار" المعارض، فاروق المهداوي، الذي رفع طعنا للمحكمة حول قرار عزله من رئاسة لجنة الشؤون الثقافية والرياضية والاجتماعية في السلطة المحلية، لصالح خالد أرسلان عضو الأغلبية الذي يدعم أغلالو.

وحسب طعن المهداوي، فإن هذا التعيين يخالف المادة 65 من القانون الأساسي رقم 113.14، المتعلق بالبلديات الذي أقرته حكومة عبد الإله بنكيران قبل 10 سنوات، والمنشور بالجريدة الرسمية في عددها الصادر في 18 فبراير/شباط 2016، وفق ما نقل موقع "كنال 13" المحلي.

وينص بند القانون على أنه "يحظر على أي عضو من أعضاء مجلس البلدية للحفاظ على مصالح البلدية، الدخول في عقود أو ممارسة أي نشاط بشكل عام يمكن أن يؤدي إلى تضارب في المصالح، إما بصفته الشخصية، أو كمساهم أو ممثل للآخرين، أو لصالح زوجته أو أصوله أو فروعه".

موقع "جريدة أصوات" المغربي، انتقد بشدة هذه القرارات بالقول: "يبدو أن بعضا من الفريق الحكومي قرأ دستور 2011، وربط المسؤولية بالمعادلة بالمنطق العائلي، لذا كان من اللازم على الزوجة أن تطيع أوامر زوجها، فتعينه كأحد أقرب المقربين إلى قلبها ومكتبها ووزارتها وهلم جرا من الأوصاف".

تضارب المصالح

الحالات السابقة ليست الأولى قطعا، فالمغاربة يتذكرون جيدا أول حالة مع وزيرة الثقافة، ثريا جبران (2007 ـ 2009)، لكن يعرف المتتبعون أن تعيينها كان احتفاء بها في مسرحية مخضرمة.

تعرضت جبران للإهانة إثر قيام أفراد بحلق شعرها وهي في طريقها إلى مقر القناة الثانية المغربية بهدف منعها من المشاركة في برنامج حواري عام 1964، فكان تعيينها "تطييبا للخاطر".

وأثار تعيينها في منصب وزيرة للثقافة الكثير من الجدل، خاصة أن الفنانة جبران لم تكن حاصلة على شهادات عليا، بينما اعتبر مؤيدوها رصيدها الفني والمسرحي وحصولها على وسام الاستحقاق الوطني مبررا للدفاع عن شغلها هذا المنصب.

جبران، ورغم ما تعرضت له من انتقاد حينها، اختارت زوجها، المخرج عبد الله عوزري مديرا لديوانها.

وقال الصحفي الفن إن "وزيرة الأسرة حيار لم تقم بأي شيء سوى أنها قلدت وزيرة سابقة في حكومة عباس الفاسي، وأقصد هنا الراحلة ثريا جبران رحمها الله قبل أن يصبح الزوج الثري وزيرا للجميع، وهو الوزير لكل شيء وهو وزير الوزيرة أيضا".

وتابع أن "الزوجة ثريا رحمها الله أصبح مطلوبا منها أن تستأذن الزوج في شؤون البيت والوزارة أيضا".

من جانبه، اعتبر الحقوقي هشام بوعنان في حديث لـ"الاستقلال" أن "كل هذه التعيينات الزوجية هي فضائح قانونية وسياسية بمعنى الكلمة، لأن القانون يمنع تمتيع أفراد أسرة وأقارب المسؤولين بامتيازاتهم وشركاتهم من الحصول على العقود العمومية، ويطلق على هذه المخالفات وصف (تعارض مصالح)".

وعن أسباب تعيين النساء أزواجهن في مواقع المسؤولية حالما تحصلن على السلطة، أجاب :"لأن وجود المرأة في قوائم مرشحي الأحزاب اليمينية هو شكلي وظيفته الظهور بمظهر الأحزاب الحداثية والتقدمية، بينما في الواقع هي أحزاب ذكورية، ولا دور للمرأة في تقرير شؤون الحزب والسياسة".

واستطرد بوعنان: "يضعون المرأة في الواجهة تحت ضغط حركة المجتمع المطالب بالعدل والمناصفة، وحين (تنجح) في الحصول على منصب، يزحفون على بطونهم للاستحواذ على صلاحياتها، أو تسلمها هي طواعية كرد للجميل".

وأشار إلى أن "هذا التفسير الذي ينطلق من ملاحظة علماء الاجتماع حول غلبة النزعة الذكورية في المجتمع، ليس هو التفسير الأوحد".

وأردف: "هناك تفسير آخر يقول: لو لم يكن هناك فراغ قانوني وضبابية في تعريف تضارب المصالح لما حصل ذلك.. المسؤولية الكبرى هنا تتحملها المنظومة القانونية والإدارية والسياسية القائمة".

وختم بوعنان حديثه بالقول: "أخيرا، هناك تفسير للشعب بلغته العفوية المباشرة والذي يعبر عنه بالمقولة الشهيرة: خبز الدار ما ياكلوش البراني (لن يأكله الغريب)، وخبز الدار هي الامتيازات والوظائف العمومية والصفقات، والبراني (الغريب) هم بقية خلق الله ولو كانوا من علماء الذرة".