قصر الفاو.. مقر حكم صدام يتحول لمنبر أميركي للتأثير بعقول العراقيين
.jpg)
قالت صحيفة إسبانية إن "الجامعة الأميركية في العاصمة بغداد تطمح إلى بث حياة جديدة في قصر الفاو، مقر إقامة الزعيم العراقي الراحل صدام حسين، وتسعى لتصبح (هارفارد الشرق الأوسط) الجديدة".
وأوضحت "ألموندو" أن "الراحل صدام سار في الممرات الرخامية لهذا القصر قبل عقود، وقد شيد صدام قصر الفاو الفخم في التسعينيات لإحياء ذكرى استعادة شبه الجزيرة التي تحمل الاسم نفسه، وتقع في جنوب شرق العراق، خلال الحرب ضد إيران المجاورة".
وأضافت أنه "في الغرف الفخمة، التي كانت ذات يوم بمثابة شهود سريين على حياة الرئيس السابق، فتحت الجامعة الأميركية في بغداد أبوابها للتو، وهي تجربة تعليمية تهدف إلى منح حياة جديدة للمبنى والمجمع المجاور له، المحاط بسلسلة من البحيرات الاصطناعية والمناظر الطبيعية التي تتناقض مع الغابة الخرسانية في العاصمة العراقية".
ونقلت "ألموندو" أن رئيس المؤسسة الجديدة، مايكل مولنيكس، يعتقد أن الجامعة ستكون "أحد أجمل الجامعات على هذا الكوكب".
وواصل مولنيكس حديثه قائلا: "كانت المساحة فارغة وغير مستخدمة، إنها بيئة مثالية للجامعة، هناك ما يصل إلى أربع بحيرات وعدد كبير من القصور المختلفة، كما أن المجمع ملك للحكومة واستأجرناه لمدة 50 عاما مع إمكانية تمديد اختياري لمدة نصف قرن آخر".
وأشارت الصحيفة إلى أن "مجمع الفاو يقع قرب مطار بغداد الدولي وعلى بعد 5 كيلومترات فقط من المنطقة الخضراء المحصنة، ويتكون من قصر كبير والعديد من القصور والمنازل الملحقة، ولبث الحياة في البحيرات الاصطناعية التي تميزه، أوصلت البحيرات بمياه نهر دجلة، وجلبت إلى هذه البحيرات أنواع من الأسماك، يطلق على أحدها لقب أسماك صدام".
تراث صدام
وأوردت الصحيفة أنه "بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، استخدمت الأرض القاحلة كمقر للقوات الأميركية وأطلق عليها اسم (معسكر النصر)، لكن شاءت الأقدار أن ينتهي الأمر بالقائد العراقي السابق إلى أن يكون أكثر سجناء المنشأة شهرة بعد وقت قصير من إلقاء القبض عليه في مدينة تكريت، مسقط رأسه، في ديسمبر/كانون الأول 2003".
وفي هذا السياق، قال المحلل في الشأن العراقي حيدر الخوئي، إن "صدام بنى أكثر من 80 قصرا في جميع أنحاء البلاد، وكان يشترط أن تعد جميعها الوجبات يوميا، لكي يكون الطعام جاهزا في حال مروره بأحد هذه القصور".
وأضاف: "لا يزال البعض مهجورا اليوم، وأصبح البعض الآخر مناطق جذب سياحي، ويشغل الكثير من بينها سياسيون يسميهم أحد أصدقائه بمكر أبناء صدام".
ونوهت الصحيفة بأن "الحديث عن قصر الفاو، العاطل عن العمل لسنوات بعد مغادرة الجيش الأميركي، عاد إلى الساحة من جديد عندما بحث مسؤولون من الجامعة الأميركية في بغداد عن مقر للمشروع، وفي عام 2017، وقع السفير الأميركي آنذاك في العراق ووزير التعليم العالي الاتفاقية الأولية لافتتاح المؤسسة الجديدة".
ونقلت الصحيفة أن محمد صادق، وهو طالب جامعي زار مؤخرا المجمع حيث يدرس حاليا حوالي 300 شاب، في الغالب دورات لإتقان اللغة الإنجليزية، يرى أن "التجول في القلعة التي صممها بشكل جميل رئيس حكم العراق لعقود بمثابة تجربة سريالية للغاية".
ويرى الطالب أن "الشخص الذي أراد تشييد تلك التحفة المعمارية لنفسه يجب أن يكون قد عانى من جنون العظمة؛ حيث أن عظمة المباني تعكس ذلك، كما أن حجم القصر كبير جدا لدرجة أن الحافلات مطلوبة للنقل داخل الحرم الجامعي، كل مبنى مزين بأناقة وسيتفوق على قصور زعماء المافيا التي شاهدها أي شخص في الأفلام".
ونقلت الصحيفة أنه "في عملية التجديد التي حولت الغرف الفخمة إلى فصول دراسية وقاعات المحاضرات، حاولت الجامعة إقامة حوار محترم مع الماضي".
وفي هذا الصدد، قال مولنيكس: "لقد بحثنا عن حل وسط، هناك أجزاء من القصر والمباني المجاورة التي قمنا بتجديدها، ولكننا نحاول بالفعل عدم محو تراث صدام".
وأضاف "لقد قمنا ببساطة بتحويل معظم المباني إلى مؤسسات تعليمية مع الحفاظ على عظمة الأسقف المزخرفة والأرضيات الرخامية، عموما، يسجل هذا الجانب المعماري وجوده في كل ركن من أركان الحرم الجامعي".
قبضة مبسوطة
وأوردت الصحيفة أنه في بيان رئيس الجامعة، وردت العبارات التالية: "لا تزال الأحرف الأولى لصدام محفورة على الجدران والأسقف والأعمدة، ستنضم كليات القانون والعلوم الصحية إلى الكليات الثلاث الحالية للفنون والعلوم والأعمال التجارية والدراسات الدولية".
وعلى خطى قدامى المحاربين والمراكز الشهيرة في المنطقة مثل الجامعات الأميركية في القاهرة وبيروت، تخطط مؤسسة بغداد لبناء مستشفى جامعي وسينما وتجري محادثات مع علامات أميركية لفتح فروع لها في الحرم الجامعي الجديد".
وأضاف رئيس الجامعة قائلا: "نحن نبني حرما جامعيا سيأوي في المستقبل ما بين 40 و60 ألف طالب، إنه مشروع عظيم سيستغرق سنوات حتى يكتمل".
وبالنسبة إلى الطالب صادق، فإن التدريس الليبرالي الذي توفره الجامعة الجديدة "سيكون إضافة غريبة إلى بوتقة الانصهار التي يعيشها سكان بغداد".
وتابع: "ستفتح الجامعة الكثير من الآفاق أمام شباب العراق، مثلما تمكنت الجامعات الأميركية الأخرى في بيروت أو القاهرة أو دبي من تحقيقه، وخلال الزيارة إلى الحرم الجامعي، أخبرنا المسؤولون أنهم يريدون أن يكونوا هارفارد الشرق الأوسط"، وفق قوله.
في هذا الصدد، تجدر الإشارة، إلى أن "العراق تحول إلى بلد غارق في الفوضى بعد الإطاحة بصدام، ورغم مرور ما يقارب عقدين، إلا أن البلاد لم تتمكن من الاستقرار سياسيا، واقتصاديا واجتماعيا، وإلى جانب ذلك، غالبا ما وجد العراق نفسه محاصرا بين التأثير الأميركي والتأثير الإيراني والصراع القائم بينها".
من جانب آخر، أدى ظهور تنظيم الدولة، الذي سيطر على مساحة واسعة في سوريا والعراق واعتبر أنه تهديد للمنطقة، إلى عودة القوات الأميركية تحت راية التحالف الدولي تشرح "ألموندو".
وفي وقت لاحق، أحدث وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تغييرا في سياسة الولايات المتحدة تجاه العراق (2017-2021)، ثم امتدت معركته القوية ضد إيران، مما حول العراق إلى ساحة معركة بين العديد من القوى، ونأت البلاد بنفسها عن آمال الاستقرار.
وختمت الصحيفة الإسبانية تقريرها بالقول: "وسط كل هذه البانوراما، لا يمكن اعتبار الجامعة الأميركية في العراق، ورمزية مقرها، إلا نوعا من التأثير الأميركي على البلاد ورغبة في إبقاء قبضتها مبسوطة عليها".