موقع روسي: لهذا ستخسر موسكو أي حرب خارجية بينما ستنجح تركيا

12

طباعة

مشاركة

قارن موقع روسي بين وضع موسكو العسكري والسياسي والاقتصادي مع خطط تركيا الحالية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، في استعادة أمجاد الدولة العثمانية.

وقال موقع توب وور الروسي المختص بالشؤون العسكرية في مقال تحليلي للكاتب ألكساندر سامسونوف إن عبارات "يمكننا العودة" – (أو ما معناه بالعربية – وإن عدتم عدنا) لم تعد اليوم واقعية إلى حد كبير نظرا للوضع الذي تعاني منه البلاد في الفترة الأخيرة. 

ويصف الكاتب أردوغان بـ"السلطان الأحمر" الذي يسعى لاستعادة أجزاء كبيرة من الدولة العثمانية والتي كانت فقدتها منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى، والتي تضم أجزاء من روسيا الحديثة، وفق قوله. 

بحسب الكاتب يسعى الرئيس التركي بالتدريج في تحسين الوضع الاقتصادي والسياسي في المناطق التي كانت يوما ما جزءا من الدولة العثمانية في الفضاء الإسلامي وأراضي شعوب العرق التركي. 

كما يستطرد بالقول إن أنقرة تعمل اليوم على تحقيق مشروعها في استعادة الدولة العثمانية وفي نفس الوقت تبذل جهدها في شغل منصب قيادة العالم الإسلامي.

ويشير إلى أن تركيا تقود حروبا غير معلنة في كل من العراق وسوريا وليبيا ولا تسمح للأكراد ببناء دولة خاصة بهم على أنقاض العراق وسوريا، كما تهدد كلا من فرنسا واليونان، بحسب تعبيره.

ويتابع: "لعل التدخل التركي في الحرب الأخيرة بين أرمينيا وأذربيجان في إقليم قره باغ، جعل أذربيجان أول حليف رسمي وتابع للأتراك".

وركز المحلل في حديثه على مساعي تركيا لتصبح منطقة توزيع "الوقود الأزرق" الأساسية في الشرق الأوسط حيث تسعى لتحويل خطوط الغاز من عدة دول منتجة له كروسيا وإيران وقطر وأذربيجان ودول آسيا الوسطى مستقبلا وهذا سيشكل ورقة ضغط كبيرة على غرب أوروبا.

روسيا غير مستعدة

يضيف الكاتب أن الضغوطات التركية لم تستثنِ موسكو من لعبتها. فقد قدمت موسكو تنازلات في قضايا عديدة كقضية المقاتلة الروسية التي تم إسقاطها من قبل سلاح الجو التركي (2015)، وقضية دخول القوات التركية الأراضي السورية .

ويرى أن القوات المدعومة تركيّا أصبحت تسيطر على جزء من البلاد، بمعنى أن روسيا لم تستطع استعادة "الوحدة للأراضي السورية وبذلك لم تنجح في تحقيق مشاريعها الاقتصادية المتعلقة بموارد الطاقة في المنطقة"، بحسب تعبيره.

ويشير الكاتب إلى أن أنقرة استخدمت موسكو في خدمة نموها الاقتصادي: فمليارات الدولارات تصب في الخزينة التركية سنويا عبر السياح الروس.

ويقول: "كما أن بناء خط الغاز ترك ستريم يصب في مصلحة أنقرة بالدرجة الأولى، فيما أن روسيا تساعد الأتراك في بناء محطة الطاقة النووية "أكويو" بل وتنمح أنقرة تسهيلات مادية وقروضا مجهولة المستقبل لدعم هذا المشروع خصوصا في ظل العلاقات السياسية المتقلبة بين البلدين".

يعزو الكاتب النصر الساحق لأذربيجان وتدميرها للقوات الأرمينية في حرب إقليم قره باغ إلى الدعم العسكري والسياسي الذي قدمته تركيا لها.

 فتركيا لم تنكر ممارسة الضغط الدبلوماسي على يريفان وبذلك تكون أنقرة قد حققت تقدما كبيرا في ضم أذربيجان وإقليم قره باغ لمناطق نفوذها، وفق وصفه.

في الشأن ذاته يسلط سامسونوف الضوء على تشكيل أنقرة ممرات لنقل موارد الطاقة تربط تركيا وجورجيا وأذربيجان وتمتد إلى أراضي آسيا الوسطى الغنية بموارد الطاقة والمواد الخام.  

ويرى أيضا أنه وعلى الرغم من أزمة تركيا الاقتصادية وهبوط سعر الليرة فإنها تحقق تقدما ملحوظا في هذه المشاريع، كما يجدر الذكر بأن الأزمة الاقتصادية العالمية إن وصلت لمرحلة (الكساد العظيم - 2) فإن أنقرة ربما ستستخدم إنجازاتها الخارجية كسلعة تشتري بها الاحتقان الداخلي خصوصا في المدن التركية الكبرى.

يبدأ الكاتب الروسي هذه الحيثية بالقول "إن كانت تركيا في أوج نموها فالأمور عندنا صعبة".

ويستكمل: "ليس بيننا وبين الصين تحالف حقيقي. الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النقيض، الاقتصاد في حالة ركود وكذلك الحياة الاجتماعية، جاهزية قواتنا العسكرية فيها شك كبير".

ويقول إن "الحرب معركة حقيقية وليست صورا جميلة لإنجازات مصانع التسليح العسكري والقوات العسكرية. كما أن العقيدة العسكرية مشكوك فيها، الدوافع المادية قد تكون مغرية في وقت السلام لا حين تقوم الحرب ، تقليص مدة الخدمة العسكرية مشكلة كذلك".  

ويشير سامسونوف كذلك أن الوضع الاجتماعي يدعم هذه الفكرة ، فالعدالة الاجتماعية في الحضيض ، ونشوب حرب خارجية سيتسبب في أزمة داخلية اجتماعية حقيقية ومسؤولو الكرملين على علم بذلك.

ويركز الكاتب على أن الخبرة العسكرية للجيش الروسي الحديث تنحصر في "حروب" ضد متمردين وعصابات في الشيشان وسوريا، أي أن الخبرة في تحريك جيش مليوني ودعمه بالعتاد والجند لمواجهة عدو كبير تكاد تكون غير موجودة.

وبالمقارنة مع الجيش الروسي يوضح الكاتب أن تركيا تمتلك جيشا نظاميا ذا إمكانيات تصنيعية (وهكذا جيش لا تمتلكه إلا دول قليلة) فعدد أفراده المقاتلين يتعدى 600 ألف مقاتل (لا تدخل في هذا العدد قوات الاحتياط والأفراد غير العسكريين العاملين في الجيش) وقوات تركيا الجوية تشكلت بدعم من وزارة الدفاع الأميركية والجيش الألماني وعلى قواعدهما.

ويعود الكاتب للتعليق على الوضع القاتم في روسيا حيث يذكر أن الاقتصاد الروسي في حالة سيئة وبحاجة إلى وقت لاستعادة عافيته هذا إن أمكن ذلك أصلا.

فعلى خلفية العقوبات التي تفرضها دول حلف شمال الأطلسي على روسيا، فهناك احتمال لانهيار الاقتصاد الروسي، وإن نشبت حرب فسيدعم الغرب تركيا بينما ستضطر موسكو لخوض حرب على حساب خزينتها المتآكلة أصلا.

البلد المُحْتَضِر 

يعلق الكاتب على خارطة أعدها مركز الدراسات الإستراتيجية والأمنية الأميركي (Stratfor), تم نشرها على القناة التركية الأولى تشير إلى مخططات تركيا المستقبلية.

حسب هذه الخريطة فإن رقعة "الإمبراطورية التركية الجديدة" ستضم أجزاء كانت أصلا تابعة لحكومة "الباب العالي".

 ويذكر في تعليقه أن الأتراك قد حددوا اهتماماتهم في العراق وسوريا وليبيا وممالك عربية، كما تدخل في هذه الخارطة كل من اليونان ومصر ومساحات شاسعة من دول الاتحاد السوفيتي سابقا وأجزاء من الفدرالية الروسية وهي: شمال وجنوب القوقاز، تركستان التاريخية  وآستراخان وكراسنودار والقرم.

 ومن الواضح أن سواحل أوكرانيا على البحر الأسود تعد كذلك هدفا للمخططات التركية الجديدة بالإضافة إلى منطقة حوض الفولغا الوسطى، وفق قوله.

يشير الكاتب أنه في المستقبل البعيد ربما لن يضطر الأتراك لخوض حروب حقيقية على تلك المناطق بل ربما ازدياد أوضاع المنطقة سوءا وتفكك روسيا ومعها أوكرانيا الأمر الذي سيفيد أنقرة، بحسب تقديره. 

ويتابع أن "الإحصائيات المتجددة تشير إلى أن روسيا الاتحادية تفقد كل سنة ما يعادل محافظة روسية كاملة. هذه المشكلة كانت في السابق تعالج بالهجرة، أما الآن فإن موسكو لم تعد مكانا مستقطبا للمهاجرين بسبب وضعها الاقتصادي المتردي".

 ومما زاد وضع روسيا العظمى سوءا: تراجع الإثنية الروسية التي تشكل العرق المؤسس للدولة على الصعيد الديموغرافي بالدرجة الأولى، وانتشار الجرائم على الخلفية العرقية، وظهور مناطق عرقية مغلقة تدمر المساحة المشتركة في البلاد، كما قال.

وبناء على هذه المعطيات الديموغرافية المخيفة يرى الكاتب أن الروس لن يكملوا القرن الحادي والعشرين على الأقل كشعب موحد، وستبقى مجموعة إثنية مرتبطة بالأرض وتتحدث اللغة الروسية، وستكون بمثابة مادة تخدم مصالح أعراق وثقافات وحضارات أكثر قدرة على الحياة، بالإضافة إلى مجموعات روسية العقيدة مثل المؤمنين القدامى.

أما عن الوضع في الجانب الآخر فيستعرض الكاتب صورة أكثر نصوعا، ويقول إن "عدد السكان في تركيا في ازدياد مستمر وما يدل على ذلك الإحصائيات التي تشير أنه تضاعف بمقدار مرتين ونصف بين أعوام 1950 و1985".

كما أن الإحصائيات الحديثة تشير إلى أن الزيادة الطبيعية السنوية لعدد السكان تتراوح بين 800 – 900 ألف نسمة أي أن الشعب التركي يثبت قدرته على الحياة والاستمرار وفي المستقبل القريب سيكون قادرا على شغل عدة محافظات من روسيا الاتحادية "المحتضرة" وروسيا الصغرى (أوكرانيا)، بحسب وصفه.

يذكر الكاتب أنه في حال نشوب حرب فإن القوات العسكرية الروسية ستضطر للانتشار على محاور كثيرة، فلا يمكن تناسي أن تركيا عضو في حلف الناتو وربما ستفتح جبهات في الشمال الغربي على حدود فنلندا والنرويج والسويد لتشتيت القوة الروسية.

إذ سيبذل الناتو جهده في استفزاز روسيا في هذه المناطق بالإضافة إلى منطقة البلطيق ومحافظة كالينينغراد الروسية. ومن غير المستبعد فتح جبهة على حدود بولندا وروسيا البيضاء.

 ويضيف أن أطماع اليابانيين والأميركان في جزر الكوريل شرقا بل والجزء الشرقي الروسي كاملا يجب أن تؤخذ في الحسبان وفي تلك الحالة فمن المؤكد أن الأوروبيين سيزيدون من عقوباتهم ضد روسيا.

 وليس من المستبعد تكرار سيناريو قره باغ لكن هذه المرة في أوكرانيا والهدف هو القرم ودونباس وستضطر روسيا حينها للمواجهة في جبهتين، الأولى ضد الأتراك والثانية ضد الأوكران (بجيش قوامه 250 ألف مقاتل). 

في الختام يستنتج الكاتب أن الغرب بمساعدة تركيا، يسعى لبناء شرق أوسط جديد (وقد بدأ ذلك مع ثورات الربيع العربي)، وآسيا وسطى جديدة وجنوب روسيا وغالبية أوكرانيا. 

ويوجه الكاتب رسالة إلى الكرملين يدعوه فيها لمراجعة حساباته على الصعيد الشعبي والتخطيط الإستراتيجي المجدي لإيجاد مخرج من هذه الأزمة، وفق قوله.